أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - ماذا ينقص ثورتنا؟















المزيد.....

ماذا ينقص ثورتنا؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4668 - 2014 / 12 / 21 - 14:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقول ديكارت: “الثورة بذرةُ المدنية.” وبهذا المنطق؛ فكلُّ ثورةٍ لا تؤدي للمدنية، لا يُعوَّل عليها. والمدنيةُ لا تبدأ إلا بعد حركة تنوير حقيقية تجتاح طول البلاد وعرضها. والتنويرُ لا يبدأ إلا بعد حراكٍ ثقافيّ حقيقيّ ناجز ينهض بالوعي المجتمعي. والحراكُ الثقافيُّ لا يبدأ إلا بإصلاح التعليم إصلاحًا حقيقيًّا شاملا يُنشئ جيلا متسلحًا بالعلم. وكلُّ ما سبق لم يتحقق بعد، من أسفٍ، في مصر، حتى اللحظة. هذا مجملُ ما قلتُه للرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائي به بالأمس السبت 20 ديسمبر 2014، ضمن لقائه بوفد المثقفين والأدباء والمفكرين في قصر الاتحادية. وهو يتقاطع مع ما قلتُه له في لقائي الأول به قبل شهور، قبل تقلّده منصب رئيس جمهورية مصر، إبّان الانتخابات الرئاسية حيث كان سؤالي له: “لو انتخبتُكَ رئيسًا لمصر، ما هي خُطّتُك للنهوض بالعقل المصري الذي أفُلَ واضمحلّ وتسطّح بانتظام وإصرار منذ منتصف السبعينيات الماضية؟"
الثورة الفرنسية لم تقم إلا بعد حركة تنوير شاملة أطلقها الفلاسفةُ والمفكرون والفنانون والأدباء. ومثلها كانت الثورة الروسية، وكذلك ثورة 1919 المصرية سبقتها طفرةٌ نهضوية في التعليم والتنوير والصحافة والأدب.
نحتاج، الآنَ الآنَ وليس غدًا، إلى ثورة تعليم حقيقية. لكي لا يفوت أطفالَنا، من أجيال مصر القادمة، ما فاتنا من صحيح العلم والتحضّر والثقافة والتنوير. نحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة لنظام التلقين السلبي، حتى يتحول إلى منظومة إيجابية تنويرية تجعل الطالب يتأمل ويفكّر ويحلل ويبدع. فيتحول من "ناقل" إلى "عاقل"، كما قال ابن رشد قبل تسعة قرون.
انتهت ثوراتُنا على الأنظمة السياسية، فأسقطنا رئيسين: أحدهما أنانيٌّ فاسد، والثاني خائنٌ لصٌّ عميل، حتى منَّ اللهُ علينا بزعيم حصد قلوب المصريين، فاصطفّ حوله الشعب، وعليه نراهن في النهوض بهذا البلد الأمين المنذور للمحن منذ آلاف السنين. لكن تلكما الثورتين العظيمتين، ليستا إلا مجرد فتح غطاء القارورة لتنفجر منها عشراتُ الثورات التي نحتاج إليها لكي نبني مجتمعنا على أسس سليمة، تنقذ بلدنا مصر الجميلة، لنضعها في الصف الذي يليق بها بين مصاف الدول الراقية المتحضرة، كما كانت حتى الخمسينيات الماضية.
بعد ثورة التعليم الشاملة، نحتاج إلى عدّة ثورات حتمية لا ينهض مجتمعٌ إلا بها. أولها: ثورةٌ تزرعُ فينا حقيقةً بداهية تقول إن لكل إنسان فوق الأرض حقَّ اختيار حياته بحُرية تامة، على النحو الذي لا يمسُّ حقوق الآخرين. ثم ثورة أن يتمسك الإنسانُ بهذا الحق. وثورة أن يحترم الآخرُ، كلُّ الآخرِ، وأيُّ آخرَ، هذا الحقَّ، لأن فيه ضمانةً أكيدة لحقّه هو أيضًا في حرية الاختيار، وحقه في احترام الآخر. ذاك أن كلاًّ منّا هو "آخرٌ" بالنسبة لسواه. لو قمنا بهذه الثورة ما قتل رجلٌ مسيحيٌّ جهولٌ شقيقتَه وطفلَها لأنها اختارتِ الإسلامَ دينًا لها، وما ألقى رجلٌ مسلمٌ جهولٌ ماءَ النار على وجه امرأة مسيحية تحمل طفلَها لأنها لا تضعُ الحجاب! وما اعتبر أحدُ المشايخ "بين قوسين"، أن خروجَ الناس ضد حاكم خائن، كفرٌ وخروجٌ عن إرادة الله، وأن مَن لن ينتخب فلانًا يصبحُ مرتدًّا عن الملّة. لو قمنا بهذه الثورة لدافع المسلمون مجتمعين عن حقوق أقباط مصر المسيحيين. أولا لأنها قضيةُ وطنٍ، لا قضية طائفة. وثانيًا بالنظر إلى أن عهودًا طويلة من القمع أجبرت المسيحيين على التشرّنق داخل أسوار الكنيسة، كأنما خارجها موتٌ وهلاك! علينا الآن، نحن المسلمين، أن نأخذ بأيدي أشقائنا الأقباط لنُخرجهم من كنائسهم، لكي نتشارك جميعًا في رسم مستقبل زاهرٍ لمصر. علينا أن نقنعهم، بالفعل لا بالقول، أن مصرَ وطننا جميعًا، الذي علينا إنقاذه من عثرته. علينا السعي بكل ما نملك من رقيّ وجمال وتحضّر لنسترد لهم حقوقهم السليبة، تلك التي أهدرَها الحكّامُ السابقون لأجل التأبّد في السلطة، على مبدأ "فرّقْ تَسُدْ"، حتى يشتتوا انتباهَنا، نحن الشعب، في مهاترات طائفية ركيكة تشغلنا عما يرتكب الحكّام، من مفاسدَ وسرقاتٍ وغلاءٍ وبطالة وتصدير موارد للعدو وإهدار حقوق وسحق كرامات، إلى آخر ما نسينا أن ننتبه إليه على مدى عقود مضت، انشغلنا خلالها بتفتيت بعضنا البعض، بدل الاتحاد والتصدي للعدو الواحد المشترك: الحاكم الظالم؛ فتأخرت ثورتُنا ثلاثين عامًا.
حين نقوم بتلك الثورات الفكرية العظيمة المنطقية والحتمية، التي تحتل المرتبة الأولى على سُلَّم الأولويات، ما كفَّرَ أحدٌ أحدًا، لأنه لا يعتقد فيما يعتقد هو. سواءً كان هذا "الاعتقادُ": عقيدةً أو رأيًا أو نظريةً أو مبدأً أو أسلوبَ حياة. وما كفّر الشيوخُ أنفسُهم بعضَهم البعضَ، لأن لأحدهم تأويلاً في النص السماوي، مُغايرًا لتأويل صاحبه!
أؤمن أن أولى الثورات التي نحتاج إليها الآن هي "ثورة الوعي”. الشعبُ المصريُّ يحتاج إلى إعادة هيكلة الوعي. الوعي بالأخلاق وبالحق والعدل، الوعي بالجمال والرُّقي والنظافة، والوعي بالمكانة التي ينبغي أن تكون عليها مصرُ بين دول العالم. الوعي بحتمية العمل وجديته. الوعي بحتمية قراءة التاريخ، الصحيح وليس ما حشروه في رؤوسنا زورًا وتدليسًا، قراءةً ذكية واعية، ثم إعادة فرزه وتحليله، الصالح منه والطالح، لكي نتعلم منه كيف نصنع حاضرنا ومستقبلنا.
نحتاج إلى ثورة قِيم. قيم التهذّب في القول والفعل. قيم تنقية الروح من الدنس والأحقاد وتهذيب اللسان عن الغثّ والركاكة، وتنظيف القلب من الفظاظة والعنف. نحتاج أن نتعلّم الرحمةَ كما علمنا إياها اللهُ في كتبه. كيف نبتهل إلى الله أن يرحمنا، بينما نقسو على بعضنا البعض؟!
نحتاجُ إلى ثورة الانتماء. كان شبابنا قبل 2011 يدبجون النكات التي تُهين مصريتنا، ويتناقلون رسائلَ ساخرةً تنقضُ مقولة مصطفى كامل، فيحورونها: "لو لم أكن مصريًّا، ما وددتُ أن أكون مصريًّا!" بدلا من: “لوددتُ أن أكون مصريًّا.” وبعد ثورة 2011 ارتفعت شعاراتٌ لم نكن نراها قبلها: "مصريٌّ وأفتخر!" هل يحتاجُ المصريُّ إلى ثورة ليفخر بانتمائه لأعرق بلاد الأرض؟! كتبتُ كثيرًا قبل أعوام عن "مصر الكثيرة"، ناديتُ خلالها شباب بلادي الغاضبين من مصر أن يفرّقوا ويدققوا فيما يثير غضبهم. لأن هناك ثلاثة أمصار، لا واحدة: مصرُ "الوطن"، تلك الجميلة التي نعشقها جميعًا ولا تُغضب أحدًا، ومصرُ "الحكومة"، وهي عابرةٌ زائلة مهما تأبدت فوق كراسيها، وهي وحدها ما نختصم ونُغاضب، ثم مصرُ "الشعب"، الذي نحبُّ أصالته، فيما نبغض بعض سلوكياته التي هي ردّة فعل للجهل والفقر والمرض، مثلث برمودا الذي أغرقنا فيه حكّامنا عقودًا طوالا.
"متى نُكمل ثوراتِنا؟!” سؤالٌ أتوجه به للشعب المصري، وللحكومة المصرية، وللرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوني زوجة عظيمة لرجل عظيم
- البودي جارد
- عودة الرقيق الأبيض على يد داعش
- لغة السلف
- أنا الجبرانية الجميلة
- الإخوان ظاهرة صوتية
- كأننا نتعلّم (4) رفاهية الرسوب
- فايزة أبو النجا
- الأوركسترا المصري
- -ماهي- الجميلة والذكور الثلاثة
- صباح الخير يا صبوحة
- الذي رفض أن يكون إنسانًا
- الركضُ تحت المطر
- كأننا نتعلّم! (2) احتراق التلاميذ!
- -مؤشر السعادة- المصري
- كلمة الشاعر اللبناني شربل بعيني لتقديم الشاعرة فاطمة ناعوت ق ...
- يومٌ لجبران وفيروز
- كأننا نتعلّم! (3) الحاج -عبدة-
- لا تخاطر باسم الله
- احذروا حزب النور


المزيد.....




- مقتل 3 أشخاص وإصابة 59 آخرين في سقوط لوحة إعلانات عملاقة في ...
- أربعة جرحى إثر انهيار مبنى في العاصمة الكينية نيروبي
- تغريم سياسي ألماني يميني متطرف بسبب شعار نازي
- بصواريخ تدميرية دقيقة.. حزب الله يتوعد إسرائيل بحرب استنزاف ...
- سريع: فرضنا سيطرتنا على البحر الأحمر
- الاحتجاجات الطلابية في بريطانيا تتوسع
- تظاهرة في محيط السفارة الإسرائيلية بعمان
- مصر تتهم إسرائيل -بالتنصل من مسؤولية- الأزمة الإنسانية في قط ...
- -مجزرة الدبابات الإسرائيلية-.. هكذا وصف مغردون معركة جباليا ...
- إيكونوميست: إسرائيل تمزق نفسها


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة ناعوت - ماذا ينقص ثورتنا؟