أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية ( رواية ) الجزء 27















المزيد.....

ليالي المنسية ( رواية ) الجزء 27


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 4589 - 2014 / 9 / 30 - 18:58
المحور: الادب والفن
    


أوراق أرقي
***

(يوميات/هواجس/مشاعر)


ليس العدو يحاصرني،مكان حافل بالنخيل،وساتر ترابي يرتفع لمترين،يمتد لا أعرف من أين وينتهي أين.
وصولنا ليلاً حرمنا من جغرافية رحلتنا،ساتر غير حربي،على ما يبدو ساتر زراعي،صنع لحجب النخيل من لعنات العواصف الرملية،أو لكبح جماح الشط إن رغب يثور ويندفع عبر النخيل إلى البر المفتوح،حيث الأرض كتل ملحية ممزوجة برمل أحمر،تمتد أكثر مما تقتنصه العيون من بياض موشح بلون رمادي غامق،يذهب لمعانقة الأفق،ليذوب في الفراغ،الفراغ الذي لا ينتهي،الفراغ الذي هو نهاية الأرض.
الساتر أكوام ترابية،على ما يبدو كلفت الكثير من الوقت،ونزفت الكثير من المال ليتشكل خطاً متوازناً في سيره وإرتفاعه،من بداية(أبي الخصيب)نقطة الأنطلاق وإلى(الفاو)الذي كان إلى وقت ما عروس في المنفى،أراه يحجبنا عن الشارع الرئيس،ساتر مرتفع لا ينحني،لم تثلمه الرياح الرملية المتواصلة في فصول الريح.
الجنود ينهمكون بترتيب الأوضاع،بعضهم يستلقي على الأرض،بعضهم يلتقط أو ينتف الشعرات النامية على صفحتي وجهه بملقط،نافخاً خدة بكبس حفنة هواء،أو بعضلة لسانه،كي تبرز الشعيرات بصورة أدق وأفضل قبل قلعها بكماشتي الملقط،مستلقين بأوضاع متفاوتة،يعرضون وجوه مغبرة على صفحات مرآة يدوية،ما بين لحظة وأخرى يهز رأس،أو يتبدل وضع،يقيناً لا أحد يقتنع بـ شكله عندما ينعكس في مرآة زئبقها العاكس غير نقي.
في جبهة الحرب تخدع المرآة وجوه الجنود،تظهر اللامتوقع وغير المقبول،المرآة خداعة دائماً،أنها مرآة الشيطان كما يقول الجندي(منير)كونه أملس الوجه مذ ولد.
نهار الحرب فراغ كوني،ليس هناك أعمال تشغل الذهن وتصرف الحياة،يغدو اليوم ثقيلا،دافع الخوف جلياً يرتسم على سحناتهم وانفعالاتهم.
دباباتنا جثت في انتظار ما هو راهن أو قادم،أنها الحرب،الكل يخضع لسلطان المجهول،في أنتظار اللا شيء،هذا المجهول الذي رسمته ألسنة الحكومة على هيئة غول جاء يلتهم أعمارنا قبل الأتيان على خيراتنا،الدبابات ترتجف،أنها لا ترغب الدخول إلى معارك حقيقية،أنها تخشى القذائف الدقيقة،تلك التي تصهرها وتلقيها كومة براز لا نفع فيه،فهي لا تريد أن تحترق،أو تكون سبباً لإحراق طواقمها البشرية.
أجلس في ظل نخلة،النخيل تجهل أن الحرب نيران،أنها تسكر منتشية لمروق القذائف وهي تغني،تواصل عزفها ورقصها،تواصل الزهو بخضرتها الأبدية وتمورها الثرية،أنها تمنح الحياة قاماتها ومسراتها،عافيتها وديمومتها.
حاول نائب الضابط(حسين)أن يشركني في المهام الروتينية،مهام لا تنتهي،نشاط شاغل يدفع ساعات النهار،يمنح الجندي شجاعة معقولة،أو يعيد فيه ترتيب أوراق حيرته،رصدني جالساً أسرح في الفراغ،لمس صمتي عرف أنني أغرق في وحل اليأس،رفاقي من حولي يتحركون،لم ينفروا أو يستنفروا،بدوا وديعين،متأهبين لقضاء كامل واجباتي،كان الخوف من الحرب يدفعهم للعمل من غير محاججة،يندفعون كأن الجد في العمل سيدفع عنهم الموت،كأن الحركة سلاح النصر والبقاء أوان الحرب.

((يحاصرني الوقت/في خلوة مساحة الأدغال/في توحشات النخيل/شوقي إلى الشوق يتكاسل/لا نار تحرق أو تستنطق خشب مشاعري/لا أملك غير مريض كلام/ليت للكلام شق تجري عبره الكلمات/كما الماء يقهر وحشة المسافات إلى خط البداية/إلى الذوبان من جديدة في رحلة العماء الروتيني))
***
((الكلام عندي بقايا أناشيد لفاصل زمني حفل بفاسد كلام/الكلام عندي غابة أحاسيس/حقل ألغام/
تعازيم عاطفية/غبار أيّام/الكلام عندي جثث أحلام/ضحايا قوى الظلام))
***
((وقتي الذي ذبل وراءكِ/استحال إلى حكاية بلا نهاية/لا وجه يكسو فضاء حربي سواك يا واحدة الأحلام
/وجهك المدان بالغروب والخوف ونار البراكين/وأوراق عمري السجين/حلمه ظلام/وجهك الملفع بهمجية الرغبة/وجهك الراغب/وجهك المتهالك/وجهك القابع في قفص التردد بكل تجلِ واحترام/ظلمتيه يا(وداد)
/عذبتيه يا(وداد)/حرمتيه يا(وداد)من فاصل الغرام/من لعبة الحلال والحرام))
***
((من وراء خمارك الباكي وجهك الندي أراه يذبل/يناغيني يتوسل/يجرجرني نحو يقينك الخائف/يدعوني لجولة حياة/ومنازلة غير عادلة/في قلبك الواقف))
***
((لا..لم يكن حصاني الصاهل/ذلك الخشبي الزائف/يوم حشروه بالموت وفضوا به قلعة السلام/لسرقة فتاة تقول عنها(الأوذيسة)فتنة أسطورية/سحرت مستنقع الآلهات/فسارت لقنصها الأساطيل والقوافل))
***
((لم يكن رمحي قاتل/ولا درعي مخاتل/ودمعي الذي في حربكِ سال/في قفص الأفق/على مر الوقتِ/ صارت من أجلك جيش عنادل/ليل نهار من أجل رغبتنا تتجادل))
***


11مايس/1981

ليل جامد،أرهط خنازير تخشخش من حولنا،شخير الجنود معزوفات،تستقطب غابات البعوض،أنها تطن، يا للجحيم،لا تنفع العقاقير البخاخية،ولا تلك الملاءات الشبكية،أنها تعبر حواجز الصمت وتخترق كل المصدات الطبية ومبتكرات العقل في ظل الحاجة.
ليس مسموحاً أن نشعل ناراً ونضع أغصاناً طرية كي ننهض غيوم أدخنة خانقة لتطردها،هذا(الحرمس) كائنات تعذيبية،تنام نهاراً وتسهر الليل طولاً وعرضاً،دامساً ومقمراً،تأخذ دماءنا،تسلب راحتنا،وبعد مغادرتها ترتفع حمى اللسعات.
مرت أيّام وأسابيع،على ما يبدو العدو فطن بتواجدنا،لابد أنهم استلموا كامل المعلومات،أستمكنوا مساحة رعيلنا،ودونوا كل الإحداثيات،فجاءت قذائفهم ضمن محيط الإصابة الفاعلة،سقطت قنابلهم حولنا،تحركنا سريعاً،حصنّا ملاجئنا برفوف من أكياس الخيش المعبأة بالتراب،لا توجد رمال،رغم أن الرمال مصدات أكثر تماسكاً وحاجباً ومانعاً لمرور الشظايا الخارقة،والرمل يضيف خاصية ساندة،كونه ممر غير فاعل للجرذان،وأنه يبقى طويل العمر،لن يمزق أكياس الخيش،عكس التراب والذي أشرك معنا فوج جرذان.
جالس بباب الملجأ،بندقيتي متحفزة،عقلي يحسب الوقت،نديمي(شهاب الخانقيني)المرح،اهتدى لحلٍ مرضي، أن نتناصف وقت حراستنا،نقتسم الوقت كما نقتسم الصمونة اليابسة أوان الجوع،نام وتركني مع الظلام.
(شهاب الخانقيني)كثير المزاح،شاب غير مبالي بالحرب،يحسبها معارك صبيانية كما كانت تحصل في الأزقة،يعتبر الحرب عبارة عن مجموعة كلاب تنبح بوجه بعضها،قد يحصل الإشتباك أحياناً،لكنه كان ينأي هذا من ذاكرته وكان يقول: ((عدونا لا يعبر الشط من أجل حفنة دبابات أسطورية وحفنة جنود كسالى))..وكان ما يقوله على حق.
في الليل،عندما ينفرد الجندي يحتاج لرفقة كي يسحق ثقل الوقت،وقت الواجب كابوس،سلحفاة هرمة تقطع كل سنتمتر بساعة أو يزيد،سلحفاة لا ترغب ترك مكانها بعدما فقدت كامل شهواتها،في ليل الحرب تتوقف أميال الساعة،يغدو الليل أبدياً،فيضيق القلب ويتعذر الشهيق،وتبدأ الذاكرة بالبحث عن نديم أو وسيلة أنس.
لا شيء ينفع الجندي في الواجب،عندما يكون العدو مرمياً على مرمى حجر بالقرب منه،كل الأسلحة قاتلة،لا شيء ينفعه سوى الحب،الحب وقاء مجاني،صلد وصعب الأختراق لوعاء الخوف في مجاهيل الحياة،الحب حرب،سرقوا منه حرف الراء،راء الرحيل،راء الرعب،راء الرماد،راء الرمال التي أبتليت بها الصحاري.
حتى أولئك الذين لم يجربوا الحب،تراهم يبتكروا قصص حب وهمية لكنها فاعلة وثورية تنقذهم من شرنقة الرهبة،وربما تجعل منهم بعض الشعراء أو أصحاب العقول الجاهزة للإبتكارات،في الحرب تندفع الحياة وتولد الأشياء العظيمة من دماء القتلى وأنقاض مهملات الأسلحة التي إنهزمت في أوّل لحظات الرمي.
الحب مطهر ونديم،عضد مساند يقوي إرادة الجندي أوان الأزمات الوطنية،عندما ينفرد ليحرس الوطن النائم ببندقية وحفنة رصاص وزمزمية ماء،يرافقه الحب نديماً نبيلاً لا يخون بل يزيد العزيمة ويمنح الصلابة المعنوية للصمود.
لا شيء يشغلني سواها.
***
((ليل واقف/لا رغبة في الجانب الآخر بتفريغ مزابل أسلحتها/سماء مضجج بالشهب ونجوم تتجسس علينا/مكبل بهذا القدر/أين أنتِ يا سفينة العمر/في أي فراش تتهدل فواكهك اليانعة/من تنازل عن تاج عزوبيته/وأرتضى فلاحاً يجني شهواتك المتمردة/وفي النهار يبكي كطفلٍ أضاع لعبته بين جبلي ساقيكِ/
أمازال وجهك الناطق بالحرمان يستتر بكامل الحجاب/خوفاً من ديناصور السراب/كنت كلما أشتهيكِ أسقط في دائرة الحيرة/في عينيك تلعب عصافير الغيرة/وكلما تدنو فرصة استجواب/أرتاب/لكنكِ تهربين
من رغبتي الأخيرة/محض أميرة/في قصر الرغبات جائعة/راغبة/و..أسيرة كسيرة))
***
((يخذلني المساء والبرد والهدوء/منهكة ترتمي رغباتي وتنتحب/متعثر كل إحساس يحاول إنصافكِ/أراكِ في نهاية المشهد/تفيض أوراقكِ بحرائق ونداءات/علام تتسربلين بالأنين/أ..كلما أنشدكِ/ماضيك إلى منصة الوقتِ تجرجرين/مشلولة كل محاولاتي/عسس وقضبان/كيف السبيل إلى مدنكِ/عيون أمكِ/ وسلفية والدكِ/وخنجر غريم أقسم ليصرمنك وأنا يقظان/آه..قاسية هي مشاعركِ/عاصفٌ هو نداءكِ/ وحقل ألغام يفصل نهاراتنا/أنتِ الفنار/وأنا حقل غبار/لا أملك غير الليلِ/وحفنة كلمات مدججة بالحسرات
سفينة خلاص/وما بيننا صحراء ونخيل/تمنع مرور شاحنات العواطف/تمنع زراعة الأحلام))
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 26
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 25
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 24
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 23
- ليالي المنسية (رواية) الجزء 22
- ليالي المنسية (رواية)الجزء 21
- ليالي المنسية(رواية)الجزء العشرون
- ليالي المنسية(رواية)الجزء التاسع عشر
- ليالي المنسية (رواية) الجزء الثامن عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء السابع عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء السادس عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الخامس عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الرابع عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الثالث عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الثاني عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الحادي عشر
- ليالي المنسية/رواية/الجزء العاشر/
- ليالي المنسية/رواية/الجزء التاسع/
- ليالي المنسية/رواية/الجزء الثامن/منعتها الرقابة الأردنية/
- ليالي المنسية/رواية/القسم السابع/


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية ( رواية ) الجزء 27