عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 22:54
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
علاقة الدين بالمدنية والتوطن
في قراءة تأريخ الأديان كله بشكل عام والديانات الكبرى السماوية أو الأرضية هناك علاقة جدلية حتمية بين التمدن والتوطن ووجود الدين, هذه العلاقة ليست اختراع جديد ولا هي من الافتراضات التي تحتاج لبرهان بل هي دوما حاضرة وأكيدة منشأها أن الدين مجموعة علاقات بينية أجتماعية قبل كل شيء تهدف إلى النقاط التالية:.
• أشاعه العمل الجماعي.
• تمتين العلاقات البينية بربطها بقانون ناظم.
• تقوية الرغبة بالاستقرار الإيجابي الذي يمنح الفرد القدرة على ممارسة التدين.
• كون الدين نظرية قيادية إرشادية فلا بد من أن يكون هناك مركز ثابت إرشادي توجيهي معلوم ومستقر.
• حاجة الدين الأساسية لواقع جامع يستطيع أن يبني واقعه فيه فلا يمكن مثلا بناء مجتمع قدوة في واقع كواقع البداوة المرتبط بالحركة والبيئة.
• هدفية الدين القائمة أصلا على التعارف والتعاون لبسط مشيئته وهذا يقتضي وجود الجماعة المستقرة المنتظمة.
لذا فإن حقيقة أن الأديان أما أن تنشأ في مدن أو تكون محل تجمع مدني ينمو مع نمو حركة الدين وتطوره ,مدينة مكة مثلا كانت مدينة منتظمة مستقرة فيها مؤسسات قادرة على السيطرة وتحريك المجتمع كما قادرة على ضبطه فقد كانت محلا صالحا للنزول,. قد لا تصلح مدينة أخرى في عموم الجزيرة أن تكون محل مناسب لها, ولا حتى يثرب كانت مؤهلة لأنها لم تكن مدينة بالمعنى الموجود في مكة وإنما كانت مستوطنة زراعية جمعتها البيئة الزراعية ولم تكن هناك قيادة مركزية ولا قانون جامع ضابط يمكن أن يحرك مجتمع يثرب أو يتابع خطواته.
عند قدوم الدين الجديد كان أو ل عمل هو تأسيس مقر نواة للسلطة القادمة لتنفيذ قانون الإسلام ,ولم يترك الرسول هذا المركز المدني دون أن ينميه ليتحول إلى مدينة لها قيادة واحدة تتحرك في ظل قانون.
الديانة الموسوية والعيسوية عاشت تحت نفس المنطق وتحول الدين من فكرة وعقيدة إلى مجتمع محدد الملامح واضح الصورة ,مجتمع يحكمه القانون ويقدر أن يحرك مفاصلة وفق الاستجابات والضرورات والافتراضات المرافقة لمعطيات الأمر الديني ذاته, هنا يمكن للدين أن ينمو ويستمر ويثمر وينتج أما في غير هذا المجتمع تبقى علاقة الدين مع المجتمع اللا مستقر محكومة بالعوامل والمتغيرات الزمانية ويكون التعاطي معها موسمي أو وقتي كما كنا نشاهد أن الأعراب عندما كانت تحج لمكة قبل الإسلام يكون تعبدها موسمي مرتبط بالحث وليس مرتبطا بالدين والوقائع التاريخية المدونة تشهد على هذه الحقيقية.
لا يمكن أن تستمر العلاقة التعبدية بين الفرد كمجتمع مصغر ولا المجتمع كفرد متضخم مع الدين إن لم تكن هناك علاقة تتوطد بينهما بتوطن الوجود معا على محل ومكان مستقر.
لذا فإن الأعراب بهذا الوصف من العلاقة الطردية الجدلية بين التوطن والمدنية والدين لم يكونوا مؤهلين أصلا لقيام أو رعاية الدين وقيادته من خلال فرد منهم لذا كان الباعث فيهم لرسم حدود الدين هو من خارج هذا النسيج لأن من لا يؤمن بالتوطن والمدنية لا يمكن أن يكون قائدا للدين برغم من أن ظاهر القول في القرآن الكريم أن البعث كان فيهم ومنهم كما ورد في النص التالي{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}آل عمران164 ,هنا جمع الله بهذا النص المن والفيهم, ويتبادر للقارئ أن هذا النص ينقض كل ما تقدم من كون النبي المبعوث فيهم هو منهم أي من العرب والأعراب وليس من خارج أمتهم كما أوردنا سلفا.
الحقيقة من يقول هذا الكلام معذور جدا لأنه لم يلاحظ مقدم الآية والتي حصر فيها مسألة البعث هذه في علاقة الفي والمن إذ قال{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ}أي أن المقصود في هذه الآية الشريفة ليست الأعراب الأشد كفرا ونفاقا بل بالعرب الذين كانوا على دين الحنفية وإن كانوا من قبل لفي ظلال كونهم لا يعرفون وجهتهم الصحيحة فضلوا عن الطريق ولكنهم لم يضلوا عن الهدف, فالله بعث من هؤلاء المؤمنين رسول منهم ليتولى قيادتهم أولا ومن ثم قيادة الأعراب الذبين هم مضمون الآية التالية {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة97.
فلو كانت الأعراب هم العرب بصيغة الجمع وأنهم كانوا مؤمنين مع ضلالهم النسبي هنا نقر بالتناقض الصارخ بين النصوص الذامة للأعراب مع تلك التي تكرمهم كونهم مؤمنين يدعو لهم نبي من قبل لأنه من ولده إسماعيل ,مع العلم أن مجمع المؤرخين أهل الفن والدراية يقولون كما تحدث ابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" عن انقسام أجذام العرب جملة فقال: جميع العرب يرجعون إلى ولد ثلاث رجال: وهم عدنان، وقحطان، وقضاعة. فعدنان من ولد إسماعيل بلا شك في ذلك، إلا أن تسمية الآباء بينه وبين إسماعيل قد جهلت جملة. وتكلم في ذلك قوم بما لا يصح؛ فلم نتعرض لذكر ما لا يقين فيه؛ وأما كل من تناسل من ولد إسماعيل ـ عليه السلام ـ فقد غبروا ودثروا، ولا نعرف أحد منهم على أديم الأرض أصلًا، حاشا ما ذكرنا من أن بني عدنان من ولده فقط. وأما قحطان، فمختلف فيه من ولد من هو؟ فقوم قالوا: هو من ولد إسماعيل ـــ عليه السلام ـــ. وهذا باطل بلا شك؛ إذ لو كانوا من ولد إسماعيل، لما خص رسول الله ـــ صَلَّى الله عليه وسلم ـــ بني العنبر بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بأن تعتق منهم عائشة. وإذا كان عليها نذر عتق رقبة من بني إسماعيل، فصح بهذا أن في العرب من ليس من ولد إسماعيل. وإذ بنو العنبر من ولد إسماعيل، فآباؤه بلا شك من ولد إسماعيل؛ فلم يبق إلا قحطان وقضاعة.
هذا القول يغنينا عن التفريق بين العرب من بني أسماعيل فقط وفقط من بقي منهم واصلا إلى سيد الأنام صل الله عليه وأله وسلم أما الأخرون من بني قحطان وقضاعة فهم الأعراب البادون في جزيرة العرب وأطرافها وهم من وصفهم النص بأنهم أهل كفر ونفاق وما كان وجود بني إسماعيل والخلص منهم المؤمنون كعبد المطلب وأولاده المؤمنين حتى يكون سببا للبعث في القحطانيين والقضاعين وباقي بني عدنان ممن أستعرب أو باد ,المن هنا حصرا في بني هاشم والفي لكل العرب والأعراب في مكة المدينة التي انطلق منها هذا الترابط بين التدين والمكان.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟