أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4448 - 2014 / 5 / 9 - 17:07
المحور: الادب والفن
    


" إنّ الربّ يتخلّى أحياناً عن حاملي كلمته "
قال الرابي لرفيق الرحلة بنبرةٍ مريرة، مُظهَّرة بالسخرية. " جانكو "، أدرك بأنّ صديقه قد واجه بعضَ المتاعب، ثمّة في دار الأعشار. ولكنه لم يشأ التعليق، اللهمّ إلا بعبارة خصّ بها نفسه: " إنّ تجديفه هذا، ولا شك، موجّهٌ لمن يعتقد أنه مولاه ". هكذا، مضى الآخرُ في القول " لكأنما الربّ يُنكر عليّ التحوّل إلى تاجرٍ؛ أنا من نذرَ نفسه للبيعة مذ مبتدأ الشباب ". وكانا يسيران الآن في طريق مفترشٍ بالظلال، تخيّم عليه البواكي الحجرية، علاوةً على هامات الأشجار. عند هذا الحدّ، الفاصل بين ساحة القصبة وأعماقها الغامضة، شاءَ التاجرُ الدمشقيّ أن يُجيبَ صديقه: " على علمي، فأهلُ الكتاب يقدّسون العملَ سواءَ أكان تجارياً أم حرفياً "
" نعم، ولكن ليسَ العمل التجاري لدى سلطانٍ مسلم.."، عادَ الرابي لاستعارة نبرته الساخرة. فقال " جانكو " وهوَ يُجاريه في الدعابة " خصوصاً، إذا كان أحد منافسيه تاجر السلطان بالذات ". أطلق الرابي ضحكة مقتضبة، قبل أن يُجيب " ها أنتَ ذا، يا صديقي، تستقصي رويداً مغامزَ هذه القصبة ". ثمّ أضافَ القول في رصانة: " غيرَ أنّ هذا النعتَ، أيْ تاجر السلطان، لا يشمل شخصاً محدداً؛ بل هوَ من حقّ جميع تجار طائفتنا، الكبار ". هنا، أجاز " جانكو " لنفسه تسميَة المعنيّ بشكل مكشوف، عندما تساءل " كنية ذلك التاجر، كره كوز، شغلتني منذ البداية؛ إذ هيَ تُحيل إلى مصدرٍ تركيّ؟ "
" حقاً. وبحَسَب معلوماتي، فإنّ أسلافَ الرجل، أو بعضهم على الأقل، قد أقاموا في ولاية وهران، العثمانية "
" وأين تقعُ حدود هذه الولاية؟ "
" إنها في أقصى الغرب الشمالي للجزائر، والتي هيَ بدَورها تحت الحماية الفرنسية الآن. إنّ اقليمنا، وِجْدَة، يحدّ تلك الولاية. ولطالما اهتمّ سلاطين الأسرة العلوية بعمالة وجدة، للسبب المذكور؛ أي كونها تجاور سابقاً الممتلكات العثمانية. فخصّتْ العمالة دوماً بقوادٍ يجمعون بين التمرّس بالقتال والدهاء السياسيّ، كما ومنحتهم صلاحياتٍ واسعة تتجاوز ما يحظى به أقرانهم في الأقاليم الأخرى "
" حسبما أذكرُ، فإنك حدثتني عن قيام الفرنسيين بقصف موغادور، قبل نحو العقد من الأعوام، بدَعوى دعم سلطانكم لحركة الأمير عبد القادر؟ "
" أجل. وقد عرفت سلطنتنا آنذاك أكبر هزيمة عسكرية على حدود المحميّة الجزائرية. مذ ذاك الحين، بدأت هيبة الدولة في التلاشي؛ فاتسعَ مجالُ التدخل الأجنبيّ من جهة، والتمرد الداخليّ من جهة أخرى ". عندما كانت الجملة الأخيرة تطرق سمعَ تاجرنا الدمشقيّ، فإنه كان عندئذٍ يستعيدُ صورة أميره، الكرديّ. وقال إثر صمت الآخر " هذا الوضعُ، تواجهه الآن الدولة العثمانية أيضاً. لقد خسرت العديد من أملاكها لصالح الفرنجة. واليوم، ربما يتقرر مصيرها نفسه في الحرب مع المسقوف، التي نشبت منذ فترة "
" نعم، أنت تعني النزاع مع روسية في شبه جزيرة القرم. إلا أنّ دول أوروبة، وفي مقدمتهم بريطانية، تساند السلطان العثمانيّ عسكرياً ودبلوماسياً "، قالها الرابي ثمّ أضاف متبسّماً " وإذاً، فلستُ الوحيدَ من أهل الكتاب، الذي يعملُ لصالح سلطانٍ مسلم.. ". بادله تاجرنا شعورَ المرح وهوَ يهز برأسه، ثمّ علّق بالقول " لعمري، فإنك على اطلاع بيّن بأمور العالم ". الرابي، اتسعت ابتسامته مع تلقيه كلمة الإطناب. بيْدَ أنه لم يُضف شيئاً، بل راحَ يجول بعينيه في أنحاء المكان وكأنما يتعرّف عليه لأول مرة. خاطبَ صديقه على الأثر، مُشيراً بيدَه نحوَ أبواب الدور القائمة على جانبيّ الدرب: " في هذه القصبة، فإنّ بناءَ منازل جديدة لا يكاد يعني سوى شيئاً واحداً؛ وهوَ اتساع النفوذ الأجنبيّ ". وأردفَ قائلاً، بعدما أرسل يده في إشارةٍ أخرى " إلا أننا سنمضي نحوَ ذاك الدرب الآخر، القديم، الأشبه بالسرداب ". فما أن أنهى الرجلُ اليهوديّ كلمته، حتى أجيبَ بصوت مؤذن المسجد القريب، الداعي إلى صلاة الظهر. وكما سيعلمُ تاجرنا الدمشقيّ لاحقاً، فإنّ تكررَ الآذان لمرات ثلاث، وبأصواتٍ مختلفة، هيَ عادة محلية تخصّ يوم الجمعة حَسْب.
" لقد اجتزنا، قبل قليل، مسجدَ القصبة "
قال الرابي لصديقه، ثمّ أضافَ " بالإمكان العودة على أدراجنا، لو أردتَ المشاركة في صلاة الجماعة؟ ". إذ ذاك، كانا قد توقفا أمام مدخل الدرب، الشبيه فعلاً بالسرداب: مَدخلٌ مُقوّسٌ، مؤطرٌ بتزيين من الجبس الناصع، فيما السقف مَشغولٌ بجذوع الأشجار، المنجورة. ثمّ تتالى الأقواس الحجرية إلى نهاية الدرب المعتم، مُشكلاً كلّ منها عقدة لهذا المنزل أو ذاك. وقبلَ أن يتسنى لتاجرنا التفكير بالإجابة، بادر الآخرُ إلى التحرّك متمتماً " ثمّة، في صدر السرداب، يقوم منزلنا العتيق ". ثمّ استدرك حالاً " ولكنه بالطبع ليسَ دار الأسرة، المعرّض لخطر البيع بالمزاد. ذاك، يقومُ في الدرب المفضي إلى الحصن البحريّ، ومجاوراً نوعاً لمنزل قائد المدينة ". ولأنّ مضيفه سها على ما يبدو عن حديث صلاة الجمعة، فإنّ " جانكو " لم يَعُد أيضاً إلى التفكير فيها. كان يتأثرُ خطى الرابي، طالما أنّ الدربَ هوَ من الضيق ألا يتسع لمرور شخصين معاً. وها هما أمام المنزل المقصود، المكوّن مدخله من باب وحيد وصغير. " لا مَراء في استحالة مرور الدواب من هذا الدرب، وأنها على الأرجح موجودة في ياخور خاص "، فكّر تاجرنا فيما كان يُعاين نقوش المدخل الخشبية والجصية.
" هذا باحمّاد؛ الوصيف القديم، الذي عايشَ جيلين من أسرتنا "
اتجه الرابي في القول لضيفه مُقدّماً له الرجلَ العجوز، الذي فتح لهما الباب تواً. الوصيفُ، المُهندم بلباس الخدم المحليّ، كان فارعَ الطول ومستوي الظهر، مما أعطيَ مظهراً أفتى على الرغم من الغضون المحفورة في سحنته، القاتمة والكامدة. الواقع فإنّ الضيفَ، القادمَ من الشام الشريف، ما كان عندئذٍ مشغولاً سوى بتفحّص عمارة المنزل وموجوداته: لم يكن ثمّ دهليز، بل بهو واسع ذو مخرجَيْن إلى اليمين والشمال، وكانت تتوسّطه بحرة دائرية مرخّمة، متوسطة الحجم، تتفجّر مياهها عبرَ نافورةٍ على شكل جرّة مستقيمة. سقف البهو، كان من خشب الأرز النحّيت، الموشى بنقوش هندسية ونباتية حال الجدران سواءً بسواء. أما أرضية المكان، المحوّطة بأغراس الليمون والنخيل، فقد كانت من الرخام المجزّع، المجلوب من " كرارا " في بلاد فلورنسة: كلّ هذا، سيعلمه تاجرنا من مضيفه على مائدة الغداء السخيّ، المنصوبة بإزاء البحرة الدائرية ذاتها.
ولكن، ما لم يكن ليعلمه كلاهما؛ هوَ أنّ " كره كوز "، تاجرَ السلطان، كان يتهيأ الآن لإرسال مبعوث خاص كي يدعوهما إلى حفل العشاء في داره الكبيرة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11
- سيرَة حارَة 10
- سيرَة حارَة 9
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4