أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - لغةُ العيون














المزيد.....

لغةُ العيون


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4420 - 2014 / 4 / 10 - 11:35
المحور: الادب والفن
    


لسبب ما زلت أجهله حتى الآن أجيد النظر في عيون الآخرين أكثر من الحديث معهم ولن أبالغ إذا ما قلت إني أقرأ في عيني الشخص جانباً كبيراً من شخصيته وطباعه دون أن يتحدث معي فنادراً ما تكذب العيون على عكس اللسان الذي تمرن عبر تطور البشر منذ آلاف السنين على تأليف القصص والرويات والأخبار التي قد يكون أكثر من نصفها كاذباً لا أساس له من الصحة ناهيك عن تلك الأحداث التي تجري وقائعها بشكل معين ثم يرويها اللسان بشكل آخر مختلف كلياً.. باختصار.. لا أثق بلسان الإنسان وعلى ما يبدو بت أفضل أن أمعن النظر في العيون فقط.

بعد أن كتب جهاد هذه العبارات لاحظ أن يده توقفت لا إرادياً عن تحريك القلم وراح ينظر في الورقة لا قاصداً مراجعة ما خطه وإنما بشكل يشبه البله.. بعد أن استدرك حالته وضع القلم على الورقة عرضياً وأرجع ظهره ليتكئَ على الكرسي بشكل مريح أكثر ثم بحلق بالسقف مستغرباً من نفسه هذا الادعاء الساذج الذي صاغه عنها قبل قليل إذ كيف له أن يكون خبيراً بلغة العيون وآخر شخص بالكاد تحدث إليه قليلاً مضى على زمن مقابلته له أكثر من أسبوع؟.. إنه ادعاء متعجرف ومبالغ به صدقني.. قال لنفسه.. من لا يخالط الناس لا يمكن أن يفهم لغة عيونهم... على الأقل كن صادقاً مع نفسك واعترف أنك لا تفهم لا لغة العيون ولا لغة الألسنة ولا علاقة لك بالمجتمع لا من قريب أو بعيد وعندما تريد أن تنسب لنفسك موهبة ما على الأقل كن على يقين منها ولو بنسبة مقبولة.

أرجع يديه إلى الخلف فأصدرت عظام ظهره أصواتاً يرتاح لها.. وحين اعتدل في جلسته ثانية أصابته نوبة قوية من الضحك.. راح يضحك بصوت عال لمدة تزيد عن الخمس دقائق ثم هب واقفاً وهو يتمتم مستهزئاً.. لغة العيون أيها المائع!!! حتى صديقتك التي بلاها الله بالإعجاب بك لا تنظر في عينيها إلا فيما ندر.. وهو يتجه صوب الشرفة بدا القمر شديد الضياء محاطاً بنجمتين قريبتين ثم غرق في تأمل السماء أكثر من نصف ساعة.. حسناً.. ربما هنالك شيء تجيد النظر إليه على الأقل.. همس في قرارة نفسه ثم عاد إلى الداخل مجدداً.

لم يستطع كتابة ما أراد كتابته فتوقف عن محاولة استدراج اللغة إلى مخدعه فهو يعلم علم اليقين أن هذه الأنثى تحديداً لا ينفع معها العطف ولا التوسل ولا الاستدراج ولا أي شيء في هذا الكون.. إما ترغب فتعطيك وإما لا.. دعك من المحاولات الفاشلة وجد لنفسك شيئاً آخر تقوم به قبل أن تنام.. عاد ليذكر نفسه أن جميع مواهبه في هذه الحياة الدنيا تتلخص بما يفكر به ويحوله إلى كلام لذا بدت فكرة العمل الآخر بعد منتصف الليل سخيفة وفارغة من معناها شأنها شأن آلاف الأوراق الممزقة التي كانت تضم ما كان يعتقده أثناء الكتابة أموراً مهمة ثم بعد أن تهدأ فورة مضاجعة الأوراق يكتشف أنها بلا قيمة ولا معنى.
أدار مشغل الاسطوانات وترك لنصير شمة أن يأخذه على تقاسيم عوده إلى الرحلة اليومية التي تقوم بها روحه بينما يرقد الجسد في الفراش.. حين استيقظ ظهراً كان نصير شمة ما زال يعزف دون ملل أو تعب، نهض جهاد وصنع لنفسه فنجاناً من القهوة جلس يشربه متذكراً عيون الناس التي كان سيكذب أمس بشأن معرفته بلغتها.. آلاف العيون التي تخبئ ملايين القصص.. أيها الأرعن كيف كنت ستدعي معرفتك بها... ومن يعرف هذه اللغة إلا اولئك المتبحرون في الصوفية والزهد بالحياة.. شخص مثلك من المستحيل أن يدرك هذه الأسرار..

انتبه فجأة إلى أمر ما خطر له على بال.. عوض الحديث عن عيون الآخرين متى كانت آخر مرة نظر فيها إلى عينيه هو.. لا بل ماذا يعرف عن لغة عينيه هو؟ وهل يستطيع أن يفهم شيئاً مما تقولانه؟ نهض بدون وعي واتجه صوب مرآة الحمام ووقف ينظر في عينيه... مرحباً.. قال لنفسه فأجابه وجهه المرتسم أمامه.. إخرس.. أطبق فمه وراح يحدق بعينيه..

إنها عيناه ولا بد أن تبوح له بمكنونات نفسه تلك التي يجهلها.. اقترب من المرآة أكثر وراح يحدق جيداً بعينيه.. انتبه إلى تلك الشرايين الدقيقة التي ما كان يلاحظها أبداً.. القزحية البنية ذات البحر الغريب من الخلايا الدقيقة وهذا البؤبؤ الاسود الذي يتسع ويتقلص بلا إرادة.. لاحظ تلك الهالة السوداء تحت جفنيه.. الرموش التي تصعد وتهبط مع كل رفة.. قولي لي يا عيناي ما الذي أخفيه عن نفسي.. بوحي بما تكتمينه لي فأنا ولا شك صندوق أسرار روحي..أعدك أن أكون أميناً على ما تخبئينه من قصص وحكايا.. هل كنت يوماً في عالم آخر غير هذا الذي يقيدني ها هنا على هذا الكوكب الأزرق؟ هل تبدأ القصة وتنتهي هنا أم أن شيئاً آخر أكبر من الولادة والموت ما زال خفياً عني؟ قولي يا عيناي.. هل الله موجود؟ وإن كان موجوداً هل قابلته في عالم ما من العوالم التي تسبح في هذا الفضاء اللامتناهي؟ هل أغضبته بشيء؟ أخبريني أرجوك.. أشعر وكأن حالة من الجفاء بيننا.. أخبريني عن نفسي قليلاً.. أكاد أشعر أنني أجهلها كلياً

عينا جهاد لم تقولا شيئاً.. لا بل إنه شعر بهما تبتسمان سخرية من حجم جهله فصرف النظر عن التحديق بنفسه ليعرفها.. كما صرف النظر عن خطته التي كان قد قرر من خلالها أن يطيل التحديق في عيون الآخرين لمعرفتهم.. ثم ذهب إلى الورقة التي كتبها مساء أمس وأحرقها.. أمسك بقلمه وكتب على ورقة جديدة.... إياك أن تثق بمن يخبرك بقدرته على قراءة لغة العيون.. إنه حتى غير قادر على قراءة ما تقوله عيناه.



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا سأذكركَ دائماً.. وأنت؟
- حكايةُ محاربٍ سوري (1)
- نادين
- موعدٌ مع امرأتي
- رِيحُ الجُنون
- ازدواجية امرأة
- دربُ الهوى
- الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل
- الثورة الفرنسية السورية العرعورية
- ألف ليلة وليلة
- امتلاك الحقيقة
- راياتك بالعالي يا سوريا
- لمَ لستم سعداء؟
- طريق النحل
- عَزفٌ مٌنفَرد على أوتَارِ رُوح
- أنا حازم شحادة
- المُقَامِر
- دعوةٌ للاعتذار
- أشبَاح
- شَيءٌ مِنَ البحر


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - لغةُ العيون