أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - حكايةُ محاربٍ سوري (1)















المزيد.....

حكايةُ محاربٍ سوري (1)


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4417 - 2014 / 4 / 7 - 12:25
المحور: الادب والفن
    


رن جرس المنبه

إنها السادسة صباحاً.. آن وقت النهوض
بهدوء أزاح نصير الغطاء عنه كي لا يوقظ زوجته وطفله الرضيع ثم نهض من الفراش الدافء..

تجنب النظر إلى وجهيهما لكنه ألقى نظرة طويلة من شباك الغرفة صوب الجبال المطلة من بعيد..

كان أول شعاع للشمس يشق طريقه بين غيوم رمادية مزدحمة وبرودة الطقس ترسم على الزجاح قطرات لئيمة لا تعرف الرحمة

توجه نحو الحمام ثم فتح الصنبور فتدفقت المياه بصقيعها.. غسل وجهه وبصق ما يتجمع في فمه من دماء بعد كل ليل جراء لثته المهترئة التي عجزت عن علاجها كل الوصفات الطبية من قبل

وضع ركوة القهوة على النار ثم شرع بارتداء ملابسه وهو يطالع حقيبة السفر التي جهزتها له زوجته مساء أمس.. لا يستطيع وصف كرهه لها.. حقيبة السفر جحيم قائم بحد ذاته.. جحيم يتحتم عليك حمله وقت الرحيل.. أوصاها وهي تعدها ألا تضع فيها أغراضاً لا لزوم لها.. بعض الملابس الداخلية وكنزتان صوفيتان ومعطف واحد غير الذي سيرتديه عندما يذهب.

فرغ من ارتداء ملابسه على عجل ثم وضع ملعقتي بن في الماء الذي يغلي...

بروية أخذ فنجان قهوته إلى الغرفة الثانية دون إصدار صوت كي لا يستيقظ النائمان.. أمسك بورقة تبغ ثم وضغ فيها مقداراً مناسباً منه ولفها وراح يدخنها كما تعود أن يفعل كل صباح.

يجب أن ينطلق بعد قليل.. هو يعرف أن زوجته مستيقظة لكنه كان قد طلب منها ألا تنهض من الفراش لوداعه.. لحظات الوداع مقيتة كقبر... لن يستطيع احتمال نظرات الحزن في عينيها

تأكد من أن جميع الأغراض التي يحتاجها في مكانها ثم أغلق الباب خلفه.. موعد الطائرة بات وشيكاً وعليه أن يكون هناك في الموعد المحدد.. إنها المرة الأولى التي سيركب فيها الطائرة.. تمنى في قلبه ألا تكون الأخيرة.. كان قد طلب إلى الاحتياط في الجيش... الحرب التي تشهدها سوريا لم تنته بعد.. ثلاث سنين ولم تنته.. لم يبق ابن عاهرة في العالم يريد أن يحول الجنة إلى كرخانة إلا أتى ليجاهد فيها ضد مسلمين من طائفة معينة.. بينما بول اليهود في القدس ماء زلال يتجرعونه بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ولا يجوز أن يجاهدوا لتحريرها فبنو إسرائيل أقرب إليهم في العقيدة والانتماء..

أراد والده أن يوصله إلى المطار لكنه رفض رفضاً قاطعاً.. أوقف سيارة أجرة وأبلغ السائق بوجهته

ـ إلى المطار لو سمحت

السائق: أين وجهتك يا بني

ـ طلبت للاحتياط وسأتوجه إلى دمشق وألتحق بقطعتي في ريفها

ـ بالسلامة والتوفيق يا بني.. نصركم الله وأعزكم بعزه.. لي ولد يؤدي خدمته العسكرية في إدلب والمعارك ضارية هناك.. الأنذال لم يتركوا مرتزقا في الأرض إلا وجلبوه إلى هذه الأرض.. لو كانوا حميراً لفكروا أكثر مما يفكرون الآن.. ما الذي يتأملونه من دعم أمريكا وكلابها من عرب وأتراك.. ألم يشاهدوا ما الذي فعلته بالعراق وقبلها أفغانستان؟ ألا يدرون أن أفضل ما يمكن أن يصلوا إليه هو وضع مشابه لما حدث في البلدين؟

ـ يعلمون يا عم.. إنهم يعلمون.. ويريدون أن تكون أحوالهم كتلك التي في أفغانستان وباكستان..عقولهم لا تقبل إلا نمطاً واحداً للحياة ذاك الذي يقوم على الإلغاء والتكفير والقذارة الدينية فتراهم (يجاهدون) بأعراضهم ويقدمونها للشيشاني والأفغاني والسعودي والتونسي في سبيل تحقيق غايتهم الدنيئة..

أشغل السائق سيجارة وهو يشتم سائقاً آخر كاد يصطدم به ثم قال:

ـ هل تعلم يا بني أنني لم أكن يومأً من أنصار نظامنا السياسي هذا.. لا بل إني لا أخفيك سراً حين أقول إني أكرهه بكل ما يمثله من فساد ومحسوبية وتهجير للأدمغة من البلد.. نعم كنا بحاجة لثورة للتخلص من هؤلاء الفاسدين جميعاً وكل الثورات التي قد تخطر على بالك كان يمكن لها النجاح في غضون عام أو عامين.. كل الثورات الفكرية أو السياسية حتى وإن تسلحت.. وحدها الثورة التي تقوم على أساس طائفي مقيت من شأنها أن تجعل الناس يفكرون ألف مرة قبل القبول بها.. ولأنهم عبيد مأجورون تركوا كل تلك الأنواع من الثورات واختاروا أن يثوروا (طائفياً) فكان ما كان.. ألا قبح الله وجوههم وأذلهم فوق ذلهم ذلاً..

انصرف نصير عن الحديث وراح يراقب الطريق.. شاهد العمال وهم يتوجهون إلى وظائفهم.. الوقت ما زال مبكرا.. عدد السيارات في الشارع قليل.. سيشتاق للاذقية قبل أن يغادرها.. أبناء اللاذقية مرتبطون بمدينتهم فوق التصور.. اللاذقية مدينة البحر والكسل.. مدينة العنفوان والطيبة.. مدينة التسامح الأنموذج الذي يضاهي أرقى مدن العالم.. في اللاذقية أكثر من مليون نازح من المدن التي ثارت وهابياً ضد السلطات.. مليون نازح ينتمون إلى طائفة المسلحين وجلهم من النساء والأطفال.. لم يسمع أحد في يوم من الأيام أنه قد تم الاعتداء عليهم من أهالي رجال الجيش الذين يستشهدون يومياً على أيدي هؤلاء المسلحين.. اللاذقية مدينة الشجعان والرجال الأشداء.. مدينته الغالية والحبيبة

السائق ما زال يتحدث لكن نصير لم يكن يسمع إلا صوت نفسه.. تقول له يا نصير.. لست وحدك.. هناك عشرات الآلاف مثلك ممن يقاتلون في صفوف الجيش السوري.. عشرات الآلاف من الشباب الذين تركوا أهلهم وذهبوا ليدافعوا عن أرض سوريا.. كن رجلاً يا نصير.. لا تهن.. لا تدع الذكريات تنال منك.. ستفرج بإذن الله.. دخن سيجارة يا نصير..

استغرب نصير من هذا الأمر النفسي لكنه لبّى.. لف سيجارة وأشعلها وراح ينفث الدخان كمن يحاول أن يخرج معه همومه التي تثقل صدره.. الطقس ما زال بارداً رغم إشراق الشمس والطريق إلى المطار أوشك على نهايته.. ما هي إلا ربع ساعة ويصل.. من المذياع الذي كان ممتلئاً بالأخبار الصباحية تم بث أغنية رغم اختلافها عن الجو العام إلا أنها حفرت عميقاً في وجدانه وسيذكرها إلى أمد بعيد.. ( يا ورد العم تتغاوى فوق التلة.. مين اللي سارق لونك دخلك قلي.. يا ورد السرقوا لونك هو خلاني.. سرقوا من نور النجمة اللون التاني.. كرمال الحلوة زرعنا الدنيا غناني.. غناها طير البلبل للدرغلي) لم يكن يعلم حينها أن الأغنية لابن اللاذقية سامر أحمد.. لكنه فيما بعد عرف ذلك وشتم كل من روج للأغاني التافهة كي يعرف الناس بها الساحل السوري بينما لا يكترث أحد بأصحاب الأغاني المغناة من الأرواح للأرواح.

بعد أن تم تفتيش السيارة أمام المطار أعطى السائق أجرته وودعه هذا الأخير متمنياً له ولرفاقه النصر المؤزر..

الناس ينتظرون موعد الطائرة.. لكنها طائرة أخرى غير التي ستقل نصير ورفاقه من الجنود الملتحقين.. تلك طائرة مدنية وهؤلاء الناس يسافرون إلى دول أخرى.. منهم من يعمل في تلك البلدان ومنهم من يهرب إليها بعد تدهور الأوضاع.. وحدهم نصير ورفاقه ينتظرون طائرة ستقوم بإنزال رفاق لهم ليصعدوا مكانهم.. تمامأً كما تفعل الطائرات المدنية.. الفرق الوحيد أن طائرة نصير ستنزل منها التوابيت التي تقل جثامين الشهداء.. في زاوية يسرى أمام المطار ينتظر أهالي الشهداء لقاء أبنائهم للمرة الأخيرة.. بعضهم يعتبر نفسه محظوظاً لأن جثمان ولده عاد إليه.. فالإرهابيون المنتمون لتنظيمات جبهة النصرة والجيش الحر ودولة العراق والشام تفننوا في تقطيع الكثير من جثث الشهداء ولم يستطع أحد رؤيتها فيما بعد.. الإرهاب الذي ضرب سوريا لا تتحمله دول عظمى.... فكر نصير وهو يراقب الجو العام.. ما الذي فعله فقراء هذه البلد ليصيبهم ما أصابهم..

أحد رفاقه من الملتحقين احتاج أن يصور ورقة من أوراقه الرسمية فتوجه إلى عنصر الأمن الواقف أمام باب الدخول إلى المطار.. لكن هذا الأخير قابله بنفسية حقيرة كشكله وقال له إنه لا يستطيع مساعدته في ذلك فهو مشغول بتدقيق جوازات المسافرين قبل دخولهم.. راح نصير يراقب نظرات عيني الجندي الحزينة.. لا يكفي أنه متجه صوب المجهول.. أيضاً المعاملة الحقيرة من التافهين.. أي جحيم هذا.. لماذا هذا الإجحاف يا بلد؟ نحن أبناؤك فلماذا تقسين علينا؟ هم الذين سرقوك.. هم الذين باعوك؟ هم الذين ما تركوا سارقاً ولا نصاباً إلا سلموه منصباً فلماذا تصبين غضبك علينا؟ البلد لا تجيب.. ولا أحد يجيب..



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نادين
- موعدٌ مع امرأتي
- رِيحُ الجُنون
- ازدواجية امرأة
- دربُ الهوى
- الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل
- الثورة الفرنسية السورية العرعورية
- ألف ليلة وليلة
- امتلاك الحقيقة
- راياتك بالعالي يا سوريا
- لمَ لستم سعداء؟
- طريق النحل
- عَزفٌ مٌنفَرد على أوتَارِ رُوح
- أنا حازم شحادة
- المُقَامِر
- دعوةٌ للاعتذار
- أشبَاح
- شَيءٌ مِنَ البحر
- جلجامش
- المُعَاتِبه


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - حكايةُ محاربٍ سوري (1)