أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - ألف ليلة وليلة














المزيد.....

ألف ليلة وليلة


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4410 - 2014 / 3 / 31 - 13:23
المحور: الادب والفن
    


في الحانة لم يكن هنالك من ينتظرني

شربت ما تيسر لي ثم انصرفت دون أن يكترث أحد لأمري حتى أنني اصطدمت بإحداهن في طريق الخروج فاستدرت كي اعتذر منها لكنها لم تكلف نفسها عناء الانزعاج من ارتطامي بها وواصلت تقدمها نحو (البار) فبدوت وأنا أقول (عفواً) كمن يتحدث مع نفسه وحمدت الله أن الجميع مشغولون بالثرثرة وقرع الكوؤس فلم ينتبهوا لهذا الأخرق الذي يقول (عفواً) للهواء.
منذ عام وأكثر وأنا أريد الإصغاء لسومة وهي تغني ألف ليلة وليلة لكن ما إن أعقد العزم على الاسترخاء والسفر مع موسيقى بليغ إلى عالم آخر حتى يطرأ أمر ما يحول دون ذلك، لم يخطر على بالي سابقاً أن تكون تلك الأمور الطارئة متواطئة مع القدر أو مدبرة لكن الآن وأنا غارق في تذكرها أعتقد أنها كذلك، حسناً، حتى وإن كانت..من يبالي؟ لا أحد.. لدي في السيارة أسطوانة مدمجة فيها عدد كبير من أغاني أم كلثوم قلت لنفسي وأنا أقود عائداً إلى غرفتي.
الأغاني الجميلة مثل النساء، مع مرور الزمن يبقى عشقهن جميلاً لكنه لا يقارن بالأيام الأول.. تلك التي تحفر في وجدان الرجل.. لم يستطع أحد أن يعبر عن هذا الأمر أفضل من محمود درويش (على هذه الأرض ما يستحق الحياة... أوّل الحب).. لم يقل (الحب) قال (أول الحب) فهمان..شاعر لا يشق له غبار هذا الرجل..
كان لصديقي سطح عال جداً يشرف على بحر اللاذقية وكنا نحن في مطلع المراهقة تلك التي كانت تقترن ب (بدلة الفتوة) التي نباشر ارتداءها ما إن نلج الصف الأول الإعدادي.. وفي الوقت الذي كنت أنا مسحوراً بفيروز ووديع الصافي كان هو مفتونأً بأم كلثوم إلى حد غريب لكني لم أكن أسمح عند زيارتي له أن يسمعني شيئاً لأم كلثوم.. آه نسيت.. كان مغرمأً أيضاً بالشاي.. يصنع شاياً رائعأً ثم نجلس دون أن نستمع لأي أغنية.. فلا هو يقبل الإصغاء لفيروز ولا أنا أقبل الإصغاء لسومة.. نكتفي بمطالعة بحر اللاذقية الرحيب والحديث عن حبيبتانا.. وحبيبتانا في ذلك الوقت لم تكونا إلا من نتمنى أن تكونا حبيبتانا..
مرة وكانت الشمس على وشك الغوص في اللون الأزرق لتحرقه قليلاً قال صديقي: أنت أغلظ إنسان في العالم.. لا يمكنك أن تتخيل كم الوقت موات كي نصغي لأم كلثوم.. كنت مأخوذاً بالمشهد الجليل أمامي ولا رغبة لي في العناد.. فقلت له: تفضل وأتحفنا بأم كلثومك يا أستاذ
أحضر المسجلة إلى مكان جلوسنا بقرب حافة السطح المرتفع وقبل أن يضع الكاسيت فيها جهز إبريقاً من الشاي.. ثم اتخذ مكانه وقال: إسمع يا أفندي..
بدأت الموسيقى بثلاث ضربات على الإيقاع تبعها همس من الكمان.. ثلاث ضربات أخر وهمسة أخرى من الكمان.. ثلاث ضربات جديدة أقوى بقليل لحقها نداء أقوى من الكمان وكأنه رجل يستجدي امرأة أحلامه لأجل ضمة.. لأجل لمسة.. لأجل قبلة.. وهي تتغنج عليه.. تريد ولا تريد.. وبالفعل هذا ما يسترسل فيه الكمان وهو يبوح الموسيقى بوحاً بعد المطلع بقليل..
جاء دور السيكسافون ليقول ما لا فم قاله ولا أذن سمعته.. لكن يد عمر خورشيد وهي تداعب أوتار الغيتار الكهربائي فهمت كل شيء.. من النظرة الأولى فهمت كل شيء.. ثم عادت آلات الكمان لتستلم زمام المبادرة بجدية رصينة هذه المرة وكأن لسان حالها يقول: أوتاري هي الآمرة الناهية فأطيعوها

ذهبت الشمس بعيداً خلف الأفق البعيد.. لكن موسيقى بليغ حمدي ما تزال حاضرة في تلك الأمسية البعيدة هي الأخرى أيضاً.. كنا نشرب الشاي بصمت حين فاجأني بسيجارة مارلبورو.. كانت المارلبورو حلماً صعب المنال بالنسبة لنا.. نظرت إليه شزراً.. لكنه وضع سبابته أمام شفتيه بمعنى (إخرس ولا تسأل من أين لك هذا) أشعلتها وعببت منها بعمق بينما تقول أم كلثوم.. (يا حبيبي.. الليل وسماه ونجومو وقمرو.. قمرو وسهرو.. وانتَ وانا.. يا حبيبي انا.. يا حياتي انا) حتى أوراق شجرة الحور تمايلت لصوتها كأنها تقول: الله الله.
توالت هذه التحفة الفنية بالانسياب دون أن تكترث بذاتي وهي تكتشف بعداً آخر للفن لا حدود لسحره خاصة بالنسبة لفتى يدخل الحياة من بوابة الطبيعة التي كانت ما تزال موجودة في ذلك الزمن الموغل في الحنين والجمال.. (في ألف ليلة ولية.. في ألف ليلة ولية.. بكل العمر..هو العمر إيه غير ليلة زي الليلة زي الليلة).
دبي مدينة الأضواء المتقدة على مدار الساعة كانت تنفرد شوارعها الوسيعة أمامي في طريق عودتي من الحانة بينما كنت أستمع للأغنية الساحرة بعد أن تجاوزت الساعة الثانية صباحاً.. قدت ببطء متعمداً أن يكون الصوت عالياً.... لكن هيهات هيهات بين الآن وتلك المرة الأولى.. هيهات هيهات




#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امتلاك الحقيقة
- راياتك بالعالي يا سوريا
- لمَ لستم سعداء؟
- طريق النحل
- عَزفٌ مٌنفَرد على أوتَارِ رُوح
- أنا حازم شحادة
- المُقَامِر
- دعوةٌ للاعتذار
- أشبَاح
- شَيءٌ مِنَ البحر
- جلجامش
- المُعَاتِبه
- دكتوراه
- صعود المطر
- مطرُ الشام
- في صلنفة بين الأغنياء
- رِهَانُ الشِّعر
- في بيتِ لميا
- قصيدةُ حُبٍّ لدمشق
- يا ماريا


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - ألف ليلة وليلة