أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - سفر الموت في -مفتاح الباب المخلوع















المزيد.....



سفر الموت في -مفتاح الباب المخلوع


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


سفر الموت والحيوانات في "مفتاح الباب المخلوع"
لراشد عيسى

يعد هذا العمل الروائي حالة استثنائية في الرواية العربية، وذلك لما فيها من طغيان للموت في الرواية، والذي يلاحق الراوي في كل صفحة من الرواية، حتى إن الحيوانات كانت تلاحق من قبل الموت، ويمكننا أن نقول بأنها رواية الموت بامتياز.
كما إن ذكر الحيوانات وبكثرة والحديث عن أنواعها وأصنافها يعد من الحالات النادرة التي يوجد فيها هذا الكم الهائل منها، وحتى إذا ما قارنا هذه الرواية برواية " حين تركنا الجسر عبد " الرحمن منيف أو مسرحية "لير" لشكسبير،أو حتى بالأعمال القصصية لملكية مستظرف فلا يوجد مقارنة أبدا، حيث أن حضور الحيوانات كان بشكل كثيف جدا، حتى إن الكاتب أعطانا صور للمسافدة بين أنواع عديدة من الحيوانات، وهذا ما سنفصله لاحقا.
ومن المسائل المميزة في هذه الرواية، أعطاء الصورة القاتمة والسوداء للأب وللام، حتى أن الكاتب لا يذكر كلمة أبي أو أمي ولكن "إيلي" للأب و"إيشا" للام، كناية عن الهوة السحيقة بين الابن والوالدين، ويستمر هذا الوضع بالنسبة للأب إلى نهاية الرواية أما الأم فيتم تجاوز الأمر معها بعد أن يصبح الابن عاشقا.
أما بالنسبة للمكان فقد استطاع الكاتب أن ينقلنا إلى أماكن متباينة من الريف في فلسطين إلى الصحراء في الجزيرة العربية إلى المدينة في نابلس وأيضا إلى مخيم العين، فقد استطاع أن يعطينا جغرافيا واسعة ومتباينة ليس للبشر وحسب بل تناول الحيوانات والكيفية ينظر بها الإنسان لهذه الكائنات.
المرأة كانت حاضرة وبقوة في الرواية، إن كانت تابع مجرور للمجتمع وإن كانت عنصر منتج وفاعل فيه، وقد أعطانا نماذج متنوعة عن المرأة إن كانت في المدينة أم الريف أم في المخيم أم في البادية الصحراوية، وهو ينحاز تماما لها ويتعاطف معها وبقوة.
المسألة الدينية تناولها الكاتب أيضا، إن كانت على مستوى الدين المسيحي أم الإسلامي، وقد قدم لنا صور عن علاقة الدين بتسامح المرأة، وحنانها المعطاء تحديد لكل كائن حي.
الجنس والمشاهد الجنسية كانت تعطي انطباعا سيئا للمتلقي لهذا الفعل، فعندما كان يتطرق الكاتب إلى ليلية الدخلة إن كانت في الريف أم في البادية أم في المخيم، كان يصفها بصورة قبيحة يجعل القارئ يمتعض ويشمئز من هذا الفعل.
الطرح الطبقي، وبؤس الفقر على الأفراد والمجتمع يعد من المسائل الأساسية التي يشكلها الحدث الروائي، فهو المؤثر الأول والأقوى على شخوص الرواية، حتى أن قسوة الأب كانت بدوافع الفقر قبل كل شيء، والتي أثرت ايجابيا ـ في النهاية ـ على خلق طفرة مبدعة، السارد لأحداث الرواية.
الحكم والأمثال كانت حاضرة حتى إن الكاتب وضع أكثر من أربع صفحات يتحدث فيها عن تجربة الأب وتجربة الراوي في الحياة، وهنا وان اختلفنا أم اتفقنا مع الكاتب فهو يعطي مقولات وعبارات ـ باعتقادنا تشكل خلاصة تجربة الحياة للسارد.
سنحاول إضاءة بعض هذا المسائل التي تناولها الكاتب، لكي نستكشف ـ إن اكمن ـ الخفايا التي تستتر خلف النص، وسنبدأ الحديث عن الأب الذي يشكل الشخصية السادية في الرواية، فهو المضطهد للام والابن، وهو يشكل المحور المناقض لشخصية الابن.

الأب

شخصية عاشت اليتم من الأب والأم فحرم من الحنان أولا ومن ثم كان الفقر هو الحالة الطبيعية لمثل هذه الشخصية "يا ولد، أنا ما شفت أمي ولا أبي.. ماتا وأنا ابن سنتين، ربتني جدتي لامي، وعندما كنت في مثل سنك رباني عم أبي.. بدأت أرعى البقر والجاموس وأنا ابن سبع سنوات، وإذا جعت أمص ضرع البقر آكل الحشائش، أرعى الأبقار من طلوع الشمس حتى مغيبها، لي ثوب واحد طيلة السنة، أشلحه كل شهر وأغسله ببقع الماء المتجمع في الحفر أبقى عاريا حتى يجف" ص24 هذا الوصف يشكل المحرك الأساسي في شخصية الأب، فهو من خلال هذه الوضع ينطلق إلى الحياة التي عرفها وفهما على هذه الشاكلة، الفقر والحرمان من الأم والأب، الجوع، التعامل مع الحيوانات كأصدقاء أو منقذين له من الجوع. قساوة الحياة والمجتمع جعلته يقسو هو الآخر على اقرب الناس إليه، زوجته وابنته وابنه، فيقول عن طريقة تعامله مع الزوجة "أمك تخاف مني فتطيعني .. هل تفهم؟" ص26، رجل لا يعرف إلا تجربته من الحياة، لم يتعامل مع الأنثى إلا بهذه الطريقة السادية، هو الحامي القوي وهي الضيف المحتاج إلى قوة تحميها.
وحشية الأب لم تكن فقط وهو في كامل صحته وعافيته، بل أيضا كانت وهو في حالة المرض، "ذات مساء أصيب بحصر بول شديد، كان يتلوى من الألم كجدار مهدوم، قام ورفش في بطن إيشا وهو يصرخ
ـ قومي .. اعملي لي منقوع بذر الخلة..
أحكم قبضته على رقبتي كما تمسك الكماشة بمسمار، ثم فرك وجهي بقدمه، وصرخ :
ـ اذهب إلى أي بستان، هات لي ضمة بقدونس..
ـ الدنيا ليل، قلت له بذعر كبير
قال بعد أن ركلني بقدمه مثلما يركل الحصان ثعبانا
ـ لا تحسب أنني سأموت.. لن اسمح لأحد أن يشمت بي، لا أنت ولا أمك ولا حفار القبور ولا الموت نفسه، أنا لا امرض .. أنا لا أموت" ص22، هذا الرجل وحش بتعامله مع الآخر وأيضا في فكره ومعتقده، فلا يلقي بال لأقرب الناس إليه، زوجته وابنه، وهو يتعامل بالعنف والبطش قبل أن يتكلم، والفعل العنيف يكون قبل الكلام، فأي إنسان هذا؟ يعامل زوجته كجارية ويخرج طفلا في الليل ليحضر له ضمة بقدونس؟ يتكلم وكأنه إله وليس بشر، يتعامل مع الجميع كأعداء.
الوضع الاقتصادي كما قلنا كان هو العامل المؤثر الأكبر في مسار حياة إيلي "ـ لم يبقى قطعة خشب إلا وأشعلتها، بقى حذائي
قالت إيشا: خذ حفايتي وأشعلها لنتدفأ.. كسر الرجل الخزانة الخشبية الصغيرة ..
قال:ردت وهي تضرب يدا بيد : لا..لا
هل بقى عندنا سمن؟
ـ هل بقى طحين؟
ـ لا ..لا حتى السكر.. " ص28، الفاقة والحاجة تدفع بأي إنسان لكي يكون وحشا، فلا مجال إلا للمواجهة والتعامل بوحشية مع الواقع، ومن الطبيعي أن تكون هذه حالة من لا يستطيع تلبية متطلبات أسرته، فكأنما القدر الذي كتب على إيلي وهو صغير سيكتب على أولاده لكن في هذه المرة كان الأب ما زال حيا وليس ميتا، " من النادر يا نبهون أن يشتري لي إيلي قميصا وبنطلونا جديدا.. فإما أن يشتري قميصا فيكون بنطلوني قديما أو العكس.. لكن حذائي على الدوام قديم مهترئ أو واسع جدا أو ضيق جدا ..لذلك أفضل المشي نهارا بلا حذاء" ص90، الفرق بين الأب والابن أن الأول يمكن انه لم يتعرض للضرب والعنف كما هو حاصل مع الابن، لكن كلهما فقير، والفقر بدون عنف يبقى اخف على الإنسان من الجمع بين الفقر والعنف معا، من هنا نستنتج بان وضع الأب كان أفضل من وضع الابن، ومع هذا نجده وحشا ساديا يفرغ ما في نفسه من قهر على طريق ضرب الزوجة والابن، وأيضا من خلال تعامله الشديد مع الآخرين، إن كانوا بشرا أم حيوانات أم جمادات، فهو يتصرف بطريقة عنيفة وشرسة.
نظرة الابن للأب هي عين النظرة في رواية "حين تركنا الجسر" فعندما يقول بطل الرواية (زكي النداوي) "لقد كان أبي قاسيا كجدران المساجد يا وردان" هنا يتكرر المشهد تماما فالأب لا يقوم بدوره كأب وإنما كسيد يمتلك الخدم والغلمان ليس أكثر من هذا "كنت دائما اشعر بان الحيوانات إخوتي وأقاربي.. أنا والشجر والجبال من أسرة واحدة.. أي ذئب يراني سيتردد في مهاجمتي.. لكن إيلي يضربني ليقتل عزة نفسي ويمزق كبريائي.. يضربني كما لو انه لا يريدني أن أكون متميزا لا في المدرسة ولا في أي شيء آخر ربما لأنني فرخ جن، إنه ينتقم من طفولته الصعبة بضربي واهانتي كلما لاحت الفرصة. شعورا كهذا لم يفارقني يوما واحدا" ص105 الابن يتفهم دوافع الشراسة والعنف عند الأب، لكن هذا الأمر ـ معرفة الدوافع ـ لا يغير من الحقيقة شيء، فمسار العنف والسادية اتجاه الابن والابنة والزوجة لم يتغير أبدا، واعتقد هنا كانت عملية المعرفة تدفع بالابن لكي يكون أكثر بعدا ـ عاطفياـ اتجاه الأب، وأكثر حنقا وبعدا عنه.
وهنا يعطي الكاتب حقيقة أن يكون الإنسان في المجتمع المتخلف، وهو عارفا يستعمل عقله في التفكير، فالمعرفة تجبر صاحبها على دفع الضريبة مضاعفة، مرة لأنه خلق هكذا في مجتمع أو بيئة لا تفهمه وغريبة عنه، ومرة لأنه يعي إنسانيته وما لها من حقوق، وكأن الكاتب يدعونا إلى عدم الخوض في تفاصيل الأشياء والأحداث، لان ذلك يسكون أكثر إيلاما لنا واشد وجعا علينا، خاصة إذا كان الجلاد قريب منا.
ويعطينا الكاتب طريقة تعامل هذا الوحش إيلي مع ابنته والتي ما زالت طفلة "أختي أنوار في الصف السادس الابتدائي.. أخذت شهادة المترك. فهي نبيهة من أذكى الفتيات، قوية البنية حاضرة البديهة. رآها إيلي وهي في البيت تضع على خصرها طوقا حديديا خفيف الوزن، وترقص كما علمتها معلمة التربية الرياضية. قال إيلي لها:
ـ ماذا تفعلين؟
ـ ارقص الهلاهوب..
لطمها على وجهها فحسبت أن وجهها بقى لاصقا في كفه، بكت كثيرا .. وقالت:
كل البنات يفعلن هكذا .. هذا درس في الرياضة
قال بصوت داكن:
ـ قسما بالهلاهوب لن تعودي إلى المدرسة مرة أخرى
بعد أسبوع فقط قال إيلي لزوجته:
ـ عريس تقدم لخطبة بنتك.. غدا سيحضر مع الجاهة.. ذهب إيلي وإيشا وأنوار والعريس وأنا إلى المحكمة لإجراء عقد القران
قرأ القاضي شهادة ميلاد أنوار فقال: البنت صغيرة .. أين هي ؟
دهش القاضي عندما شاهد أنوار وقد لبست حذاء ذا كعب عال وثوبا نسائيا فضفاضا بدت وكأنها أم" ص112و113، الشواهد الكثرة التي تناولها الكاتب حول شخصية المسمى إيلي تجعلنا نقف ضدها وبقوة، فهو يمثل الجهل والبطش كما هو حال الأنظمة العربية، فلا فرق بينهما أبدا، ومع أن الرواية ليست على مسار الرمزية المباشرة، إلا إن هذا الأب القاسي والشرس بتعامله مع أبنائه بهذه الطريقة يجعلنا نماثل فعله بما تقوم به الأنظمة الأبوية، فكلهما قريب منا وعلينا، وفيهما الجهل والبطش وبكثرة، ويتعاملا معنا بعقلية ورائية متخلفة.
يتناول الكاتب تحليلا لشخصية الأب ولطبيعته الشرسة وتعامله العنيف مع أسرته، محاولا أن يجعلنا نتعاطف معه "ـ يا ولد ..أنا لا أكرهك.. لكن اكره إنني متزوج ولي عيال، أنا صرت جبانا أخاف عليكم إذا مت
.. أمسكت بيده سألته ما إذا كانت أمي قد ولدتني من بطنها، ولماذا تكرهني؟
هل أنا ابنها؟
ظل ماشيا ببطء قال:
لا أريدك أن تحتاج حنان أمك .. قلب أمك مثل القنفذ .. هي تخافني ولا تحبني.. ولا تحب إلا نفسها وأهلها.. قبل أن أتزوجها كانت مثل زهرة النرجس ناعمة وما أحسنها.. أنا غلطت عندما تزوجت .. فقدت حريتي وبدلا من أقاتل الذين طردونا من بلادنا .. صرت أقاتل الرغيف من أجلكم.. الذنب ذنبي.. ذنب جسمي الحقير الذي يشتهي النساء.
ـ إياك عندما تكبر أن تجعل عقلك بين رجليك.. لا تتزوج .. الزواج سجن .. مقبرة ..ذل، تنتعش دقيقتين لتتعذب سنوات" ص121، الاعتراف بعدم مقدرة الأب على السيطرة على غريزة الشهوانية لا تبرر ابد ما يفعله اتجاه العائلة التي تعيش حالة من الاضطهاد، فهو يمارس حالة الأنظمة العربية في مسألة التبرير، فينسب الحالة المزرية التي يعيشها إلى الآخر وليس إلى نفسه، وإن حمل ذاته جزء من المسؤولية تكون في المجمل كتبرير له وعلى انه وقع ضحية القدر أو ضحية هفوة بسيطة يدفع ثمنها أضعافا مضاعفة، وحتى أن النصائح التي يعطيها للابن هي عين النصائح التي يقدمها النظام الرسمي العربي، فالمسألة الجنسية هي من المحذورات والممنوعات ويعاقب عليها بشدة كل من يقترب منها.
كما أن الطلب بالابتعاد عن المرأة جاء ليكرس عقلية الأب السادي اتجاه المرأة، وكأنه بهذا الطلب يريد من الابن أن يكون على شاكلة الأب بالقساوة والعنف، فعلميا الاقتراب من المرأة يعطي الرجل الراحة والسكينة، وهي الملاذ له من عند الشدائد وحالة الاضطراب.
فالأب هنا يمثل المجتمع الذكوري بكل معانيه، فينسب للأنثى السبب وراء الحالة البائسة التي يعيشها، فيحملها مسؤولية عدم توجهه إلى مقاتلة الاحتلال، وكأن المرأة والعائلة هي الحائل دون الإقدام على هذا الأمر، وليس هو "القاعد مع القاعدين"، وأيضا هنا نجد التماثل في التبرير بين ما يقدمه النظام الرسمي العربي حول عدم مواجهه الاحتلال والانصياع لما يطلب منه غربيا، بحجة الحفاظ على متطلبات المعيشية المواطنين وتأمين احتياجاتهم.
من تناقضات هذا الرجل ـ النظام ـ انه يقدم على حماية امرأة يضربها زوجها ويتناسى انه يضرب زوجته، فعندما يسمع بان تلك المرأة التي يشتهيها، يضربها زوجها تأخذه الحمية "..في أثناء ذلك دخلت المرأة ذات الصدر الهائل والمؤخرة الرجاجة.. تبكي متقطعة الأنفاس قالت :
ـ إيلي .. زوجي ضربني..
ـ سأكسر يده التي ضربك.. الوردة لا تضرب .. الو ..ر..د..ة. سادت لحظة هدوء .. إيشا صارت عند الباب .. دفعتني بيدها ودخلت والجرة فوق رأسها ثابتة على قطة قماش مستديرة مثل الكعكة..، فوجئت بالمرأة فصرخت ثم دلقت ماء الجرة على رأس المرأة. بدت المرأة كأنها خارجة من بركة ماء.. فاتضح بروز ثدييها الضخمين .. الحلمتان منقاران لديكين متوحشين .. هربت المرأة على الفور. وضع إيلي كفه على فم إيشا ثم لطمها بقوة وهو يقول:
ـ صوتك فضيحة .. إذا لم تسكتي في الحال سأطلقك .. كل ما في الأمر أن المرأة جاءت تسألني عن موعد استلام البقج من وكالة الغوث" ص123و124، لعبة الكذب على الذات قبل الآخر تمارس بكل براءة، وكأن من يقوم بها مجرد طفل وليس رجل ناضج وكامل البلوغ، فهذا الرجل ـ النظام ـ الذي يستأسد اتجاه المرأة التي يريد حمايتها من ضرب زوجها، يقوم بنفس الوقت الذي يتكلم فيه بشهامة وعقلانية اتجاه المرأة المضروبة، بضرب زوجته وتهديدها بالطلاق، وأيضا يقوم بالكذب، وهنا مرة أخر نجد التماثل بين سلوك هذا الرجل وسلوك الأنظمة، فهي في ذات الوقت الذي تقدم فيه العون والمساعدة للمعارضة في دول الجوار تقوم هي نفسها بممارسة اشد أنواع القمع والاضطهاد اتجاه مواطنيها.
فالأب هنا لا يكتفي بالضرب فقط، وإنما يستخدم التهديد بالطلاق، فهو اشد قباحة ونذالة من ذاك الرجل الذي تدعي المرأة ـ التي يريدها لنفسه ـ بان زوجها يضربها.
يعود الراوي للحديث عن همجية هذا الرجل فيقول عنه " إذا خالفت أمره ضربها بقسوة بعصاه المنقحة" ص 133، هذه طبيعة كل المستبدين، يمارسون القمع اتجاه الأقارب، ويظهرون التعاطف والرحمة للآخر، من هنا يتشكل لديهم المفهوم المتناقض لسلوك، فهم يعيشون في حالة من عدم الصدق من الذات وعدم الوضوح في الرؤية.
حالة الازدواجية في المعاير هي السائدة في سلوك هؤلاء القوم، فإيلي يقول شيء ويمارس ويفعل نقيضه مع الآخر "إيلي يذل إيشا بكلام قاس، كنت احسبه يكره النساء جميعا فهو يذمهن لأصدقائه، لكنه حين يحدث المرأة ذات المؤخرة الرجاجة والوجه الشهي كالبوظة، والكلام الناعم كالخيانة، أشعر أن في نيته أن يتزوج عشر نساء أخريات.. في صدره مئة ذئب يعوي الأنوثة .. ومئة ذئب آخر يعوي الفقر" ص141، الكاتب حريص على إظهار المزيد من التركيبة النفسية لهذا الرجل السادي والمتناقض، فهو يندب حظه بالمرأة التي تزوجها، ويشتهي أخرى محرمة عليه، وكأنه هنا يكذب ما قاله آنفا عن ندمه بالزواج وتشكيل العائلة، التي ترك مقاومة الاحتلال لكي يتفرغ لتأمين متطلبات الحياة لأسرته، فلا هو ناجح في ذلك ولا في هذا، كما انه في حقيقية الأمر يتلذذ بالفعل الذي يمارسه، فهنا الراوي يفضح السادية التي يمارسها الرجل أو النظام، حيث أن الحقيقة ليس ما يقوله ويمارسه في العلن، وإنما هناك حيوان في داخله تتحكم به غريزته، وليس إنسان قادر كبح شهوته والتحكم بها.
حال الأب بعد حرب 1967 وانهزام النظام الرسمي العربي، تنقلب عن نفسيته، ويمسي شخص آخر لكنه يحمل بعضا من عقليته ومسلكيته السابقة، "...أما أبي فبدأت عزيمته تذوي .. صار يمضغ العزلة .. تغيرت شخصية أبي بشكل لا يصدق، طال شعر لحيته حتى صار كجناح الديك. لا يتكلم إلا عند الضرورة القصوى، تخلى عن أوامره ونواهيه، وصار مثل حمة بركانية على وشك الانطفاء، يبتسم أو يبكي دون سبب. وأحيانا يؤدي رقصة الدبكة في منتصف الليل فيزعج الجيران. وأحيانا أراه يمسك بالشبابة كما لو أنها بندقية ويصوب نحو السماء ثم يقول : قتلته.. " ص179، حالة طبيعية ومنطقية لما آلت إليه حالة الأب، فهو السادي المعتد بنفسه، مارس وفعل وقال كل ما فيه اضطهاد وقمع لزوجته أبنائه، فمن الطبيعي أن يحدث هذا الانقلاب في السلوك وفي الفكر معا، بعد أن فقد الأمل في هزيمة الاحتلال، فكأنه يريد أن يكفر عما بدر منه من قول وعمل بحق العائلة، التي لم يحسن في تأمين حاجاتها الأساسية، رغم ادعائه بأنه قد فرغ نفسه لهذا الأمر، وترك مقاتلة الاحتلال لحين توفير المتطلبات، فأمسى "كمن اسلم في الليل لا المسلمون قبلوه ولا هو ظل على دينه".
لكن الأمر لم يقتصر على تلك التغيرات، بل انه يقدم على فعل يؤكد على عدم أهلية هذا الرجل على قيادة الأسرة، فيقوم بعمل غير سوي وكأنه ينتقم من نفسه ومن زوجته، ينتقم من النساء جميعا، "فك حزام بنطاله، وأنزل سرواله الداخلي بانت عورته ثم قال: ـ لقد قطعت عرقا حتى لا أظل عبدا له، ليس لدي ذكورة الآن. اهتم بنفسك ولا تقلق بشأني، إذا شعرت أنني سأموت سأقتل أمك حتى لا تتزوج رجلا غيري .. هل تفهم؟
ـ أف.. هـ...م" ص180، ما إن يتكلم الأب عن الزوجة حتى يعود إلى شخصيته السادية، فهل أراد الكاتب أن يسقط هذا الأب على النظام الرسمي العربي؟، وهل الأم هي الوطن أو المجتمع؟ لان الراوي يتصالح معها في نهاية الرواية لكنه لم يتصالح ويصفح عن الأب، نعتقد بان الرواية بعد هذا السرد يمكننا أن نقول بأنها تتحدث عن الواقع الرسمي العربي كما أنها يمكن أن نسقط أحداثها على المجتمع الذكوري العربي.
وهنا نستذكر أبو الخيزران بطل رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، فأبو الخيزران فقد رجولته بغير إرادته، فهو مخصي لأسباب الحرب، وليس لأنه أراد ذلك، أما رجب إسماعيل بطل رواية "شرق المتوسط" لعبد الرحمن منيف، فقد كان سليما لكنه ـ نفسيا ـ شعر بالخصي بعد اعترافه، فكان مخصي مجازا وليس حقيقة، لكن هنا الكاتب أراد لبطله (إيلي) أن يقدم على فعل الخصي بيده وبإرادته، فكأنه يمارس ساديته ضد نفسه وضد زوجته وأولاده في ذات الوقت، وما حديثه عن احتمال زواج امرأته بعد وموته المحتمل، إلا تكريس لحالة السادية اتجاهها، فهو يعتبر انتقال المرأة إلى رجل آخر يعد انتهاك لذكورته ولرجولته، رغم أنه هو نفسه كان يمارس المحرمات مع المرأة الرجاجة، وزوجته إن أرادت أن تفعلها، فسيكون هو ميتا وفي عالم من الماضي، فتتجلى السادية ومفهوم الملكية المطلقة والأبدية للمرأة في شخصية (إيلي) بكل وضوح

الأم

الأم ـ المجتمع ـ في الرواية كما هو حال الأب، الراوي لا يشعر بعاطف اتجاهها، فهي تشبه حالة الأب بقسوتها، رغم أنها أيضا هي ضحية للقمع والاضطهاد، "لا تكاد تمر ليلة وأعيد هذه الأفكار في هواجسي.. ولم أكن لأنام إلا بعد أن أضع سلما أسطوريا فوق سطح حجرتنا واصعد إلى السماء درجة .. درجة.. على مهلي إلى أن تلكزني إيشا صباحا برجلها القوية فاقع من السماء على الأرض مرة أخرى" ص91، اعتقد بان المشهد السابق يعطي صورة لزوجته الأب وليس للام، فأيقاظ الطفل بالرجل وليس باليد أو القول الجميل الهادئ لا يدل على وجود علاقة طبيعة.
فالحياة القاسية التي مر بها وطريقة تعامل الأم ـ المجتمع ـ والأب ـ النظام ـ له جعلته يحذر القادم الجديد من هول الحياة التي سيجدها من إيلي وإيشا "ـ يا أخي إياك أن تنزل .. أبقى مكانك إلى الأبد..
لماذا تريد أن تنزل؟ أمك ستتخلى عنك.. لن تحضنك بعد أن تفطمك.. أرجوك لا تنزل.. ماذا تريد من الحياة؟ سيفرك إيلي وجهك بحذائه..
لن تلبس حذاء جديد.. ستتقرح أمعاؤك من العدس والأعشاب الضارة .. لن تجد إجابة عن أي سؤال لن ينفعك عقلك .. أرجوك لا تنزل!!
صاحت إيشا : يا مجنون .. ماذا تقول؟ يلعن اليوم اللي شفتك فيه!!
ثم أدارت ظهرها وعادت للبيت وأنا امشي وراءها، كالندم، كالبكاء، كالمجنون، كلا شيء، كالقبر المتحرك.
كنت احدث نفسي (لن اسمح لإيشا أن تصرخ في وجه أخي ولا لإيلي أن يضربه" ص144و145، الأم ـ المجتمع ـ إذن تشكل حالة إضافية من اضطهاد للابن، فهي تمارس أفعال غير سوية اتجاه ابنها، من هنا نجده لا يريد أن يكون هناك مخلوق آخر يشاركه حالة البؤس والحرمان والعنف الذي يعيشه ويعاني منه، فكأن الأم ـ المجتمع ـ هنا ليست أكثر من آلة إنتاج للبؤساء والمضطهدين، فهي هنا اقرب إلى شيء آخر ـ المجتمع أو الوطن ـ منه إلى مفهوم الأم الحقيقية، وهذا ما يكشفه الكاتب لاحقا عندما يتحدث عن المرأة التي يقابلها في بيت لحم وأيضا عن أم زميله في الدراسة التي يقابلها في نابلس.
المجمع بين ما يفعله إيلي وإيشا كان يشكل الضربة المزدوجة على الابن، فكان النظام والمجتمع أو الوطن كلاهما يمارسان حالة الضغط على المواطن، فهما لا يتركانه يرتاح ولو للحظة، "..ولا يوجد وقت لدي إيشا لاحتضاني دقيقة واحدة أو توجيه عبارة حنان واحدة.. إنها مذعورة من زوجها ومشغولة بالوقوف معه للدفاع عن حياتها.. على الرغم من ذلك لم اشعر بحاجتي لأحد.. . فقسوة إيشا وزوجها أصبحت لا تعنيني يوما بعد يوم ..لأنني لا احتاج لفرح ولا لحزن ولا لتربية ولا لمدرسة ولا لأهل" ص132، كان الابن بحاجة إلى كلمة حنان ليس أكثر، لكنه لم يجدها من أمه (وطنه)، العزلة والاغتراب موجودة وفاعلة في سلوك الأم و الأب معا وستنعكس بالتأكيد على مشاعر الابن، من هنا نجده لم يعد يلقي بالا لأي فعل أو قول يصدر عنهما، فهما بالنسبة له عدم وجودهما أفضل بكثير من وجودهما، لما يسببان له من الم ووجع وكآبة وحزن وبؤس.
الانقلاب اتجاه الأم الحقيقية أو المجتمع كان نتيجة العشق الذي وقع به الابن، فكأن عملية المصالحة مع الأم أو المجتمع كانت كناتج طبيعي للإنسان المحب، وهي تعطى للكل، إن كانوا طيبين أم غير ذلك، فتبدو المحبة والحب أقوى واشمل من البغض، وهما يتدفقان كالماء المنهمر من السماء إلى الأرض، يعم خيره على كل الكائنات، فيكون خيرا على الكل أن كانوا صالحين أم سيئين،


المرأة الأخرى

يحدثنا الراوي عن امرأة يقابلها في مدنية بيت لحم فتجعله يعرف حقيقة ما تعنيه المرأة في حياة الإنسان، "ـ أهلا وسهلا بك يا بني .. هل أنت تلحمي؟
ـ لا .. أنا نابلسي
ـ أنت في بيتك .. تفضل اجلس، سأحضر لك زيتونا وجبنا ومربى مشمش وزيت زيتون وخبزا هل يكفي هذا؟
...ـ مم شبعت .. أنت لم تأكل !!
حضنتني ورجتني أن آكل فلم استطيع .. لكني استطعت البكاء، فضمتني إلى صدرها كما لو أنني ابنها الحقيقي. تشجعت على الحديث فقلت لها: لست حزينا بل أنا سعيد جدا لان في هذه الدنيا نساء طيبات مثلك .. قالت:
ـ اعتبرني أمك .. تكلم..
ـ لست كأمي .. أنت شيء وأمي شيء آخر
قلت : هل أنت أم المسيح؟ .. سألتها : من تلك الأم العظيمة التي أشاهدها في الصورة تحمل طفلا يرضع منها؟
قالت: هذه أمنا مريم العذراء، ترضع طفلها السيد المسيح" ص103و104، هذا المشهد انعكس ايجابيا على الابن المحروم من عاطفة وحنان الأم، فوجد في هذه المرأة أو (الوطن أو المجتمع) الجديد عالما جميلا معطاء يقدم الإعطاء المادي والروحي والجمالي معا، فكانت عمليا اقرب إليه من أمه (وطنه أو مجتمعه) الحقيقي، وهذا الأمر نجده عند العديد من الذين غادروا أوطانهم إلى الغرب، فهناك وجدوا ذاتهم وحريتهم وكل ما هو ممنوع، فالحرية التي كانت مقفل عليها خلف الجدران وجدوها في الغرب. إذن الأم في الروية يمكن أن تكون الوطن أو المجتمع.
يقدم لنا الكاتب نموذج آخر عن المرأة النابلسية فنجدها تتعاطف معه وتقدم له كما قدمت المرأة التلحمية، "ـ خذ يا بني .. هذه هدية وليست صدقة.. وضعت السلة واقتربت مني، حضنتني بعطرها وأمومتها وقبلت جبيني المتسخ، ارتجفت، تصبب عرق روحي من كل ناحية وبكيت فعادت وحضنتني وهي تسألني
ـ لماذا تبكي؟
قلت : لأنك لطيفة جدا، أم عظيمة، أنا لم أتعود مثل هذا الحنان السماوي أنت ملاك .. أنت أم الأطفال في كل الأرض" 175، في الموقفين ركز الراوي على فعل "حضنتني" وكأنه يستكثر على نفسه هذا الأمر، ويستدل منه أيضا حاجته لهذا الحضن الذي لم يعهده في بيته من أمه أو أبيه.
الراوي في المقابلتين، بيت لحم ونابلس ترك فعل الحضن ـ الحنان والعاطفة ـ تأثيرا كبر بكثير من الطعام الذي قدم له، كما نجده يرفض التسول المادي ويقبل العاطفي، فهو جائع عاطفيا وبحاجة إلى الحنان أكثر من الطعام، فالألم الروحي اشد وجعا من الوجع المادي أو الجسدي.


المكان ـ المدينة ـ

الرواية تدور في أربع مناطق جغرافيا متباينة اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا، فالمدينة بالنسبة لإيلي تشكل الجنة التي عاش فيها، فهي تذكره بمدينة يافا والعز الذي كان وجده فيها، ففي هذه المدينة تعرف على "إيشا" وتزوجها، كما أن المدينة بالنسبة "إيلي" بعد الهجرة مكان الترزق والبيع، " يحمل على ظهره حقيقية ممتلئة بالحفا المجدولة وقطع الخشبية، وفيها قدوم وسكين حادة، يسافر إلى عمان والكرك واربد والقدس والسلط ورام الله، يجلس في زاوية المقهى يجهز كراسي القش المطلوبة، وإذا جاء الليل ينام في المقهى نفسه" ص33، الكاتب يقدم لنا المدينة البكر، التي لا تعرف الخداع والكذب، فهي المكان الأمن لإيلي ومنها يحصل على مواد الرزق.
مدينة نابلس تأخذ مساحة جيدة في الرواية، فالكاتب يكشف انحيازه لهده المدينة، فعندما يتحدث عنها نجد في كلامه العاطفة وكأنه يتحدث عن حبيبته، "نابلس صبية مدللة بين عريسين يخطبان ودها هما عيبال وجرزيم، وعلى سفوح هذين الجبلين تتعلق البيوت بعضها بعض مثلما يمسك راقصوا الدبكة كل بزنار صاحبه، يسميها الرجال الأحرار (جبل النار) أتمنى أن تسمى زهرة النار، لان اغلب أهلها ناعمون كالأزهار، أذكياء كالنحل عنيدون كمقالع الحجارة في عيبال، مثقفون متنورون، وتجارها فهلويون، ونساؤها فاخرات بنكهة كنافتها، سيدات بيوت من الطراز الأول، معتزات بأنفسهن كاعتزاز جبل جرزيم بصلابة صخوره، تدخل سوق خان التجار فتحسب انك تعيش في العهد التركي" ص67، كل هذا الغزل والحب يكنه الكاتب للمدينة التي يعشقها، ولا ندري هل هو في المنفى أم في الوطن، فمثل هذا الكلام ينم على الحب الصوفي لهذه المدينة، فهي بالنسبة له كالأم والصديق والأخ.
وإذا أضفنا ما لقي الابن جينو من ترحاب ومعاملة خاصة في مدينة بيت لحم ومدينة نابلس، نستدل بان المدينة بالنسبة لأبطال الرواية تشكل ملاذ من الاضطهاد الروحي والاقتصادي معا، كما أنها تعوض عن الحرمان الذي يتعرض له أبطالها.

المخيم
المخيم يمثل في الرواية كما هو الواقع، مكان مؤقت يعج بالمتناقضات ومكتظ بالسكان، فهو يمثل الحالة المفروضة إجباريا على سكانه، من هنا كان المخيم يسير مع الفلسطيني جنبا إلى جنب ـ قبل أن يمسى العديد من الشعوب العربية لاجئين، كما هو الحال بالنسبة للعراقيين والسوريين و الليبيين والسودانيين والصوماليين واليمنيين ـ فكل من يسكن في المخيم يتمنى العودة إلى المكان ـ الوطن ـ الذي خرج منه، أو في أسوء الحالات يتمنى الانتقال إلى مكان غير هذا المخيم، "سيارة شحن زرقاء ضخمة تقف قريبا من مبنى مدير المخيم، يصف الرجال والنساء لتأخذ كل أسرة حصتها المقررة من الطحين وعلب السردين وزيت المرجرين وقطع الصابون والرز والعدس، يبدو المخيم في ذلك اليوم مثل خلية الدبابير.. حتى العصر.
إيشا تخيط من أكياس الطحين الفارغة سراويل لي ولها ولأختي ولزوجها.. أكياس طبع على كل كيس منها (هدية من الشعب الكندي) قماش الكيس خشن، فإذا مشيت اسمع بين رجلي اصواتا كصرير الباب التالف، جراء احتكاك القماش بباطن فخذي."ص130، اعتقد بان هذا الحال الذي مارسه العديد من الشعوب العربية بعد أحداث ما سمه الربيع العربي، أصبحوا يمتعضون من هذه المخيمات ويمقتونها كما مقتها إخوتهم من قبلهم، فالمخيم بكافة المقاييس يمثل حالة غير سوية للحياة البشرية، ففيه تكون الكرامة الإنسانية بعيدة المنال، كما أن الجوع والفقر الذي يشكل سمة عامة لكل من هو داخله، يجعل الناس فيه لا يشعرون بآدميتهم، خاصة عندما يقارنون أحوالهم الحالية بما كانوا عليه في الوطن.

فالنص السابق يعطي حقيقة الوضع الإنساني الذي يعيشه أهل المخيم، الفقر يجبر النساء على استخدام أكياس الفارغة كملابس داخلية، وهنا الطامة الكبرى، فمن المفترض أن تكون هذا الملابس ناعمة ورقيقة، حيث أنها تلامس المناطق الحساسة في الجسم، لكن لضيق لحالة المادية نجد أهل المخيم يستخدمونها في غير مكانها، كما نجد الاصطفاف لأخذ المعونة الغذائية أو البقجة (الملابس) تتماثل مع موقف المتسولين.

الصحراء

الصحراء بطبيعتها قاسية على الكائنات الحية بكافة أنواعها، ومن الصعب على إنسان كان في منطقة ريفية ذات الهواء العليل والخضرة التي تملئ المكان أن يتكيف فع هذه الصحراء، لكن الأحوال الاقتصادية أو رغبة الإنسان في التغير يمكن أن تجعله يتجه إلى هكذا مناطق، هذا ما يحدثنا عنه جينو بطل الرواية "مزاج الصحراء متطرف في كل شيء مثل أفكاري.. عواصف رملية تكنس خطايا البشر، في الشتاء برد يحطم أنياب الذئاب، وفي الصيف حر يقلي البيضة وهي في جوف الدجاجة، وإذا نزل المطر أحسب أن بحار الكون صعدت إلى السماء واندلقت على الأرض دفعة واحد.
الشجيرات الشوكية تظهر من بعيد كما لو أنها راقصات من الجن يجعلهن السراب أشكالا مائية غامضة تتحرك بلدونة عجيبة.
رمل الصحراء أسفنجة تمتص تعب البدوي وأنفاس قدميه، لذلك يسير أغلب البدو حفاة تحت سماء من النادر أن تفقد زرقتها الشديدة، لا جدران تصد بصر البدوي، لا ضجيج يشوش قدميه، فأمور دنياه تسيرها أخلاق الصحراء، البدوي لا يتذمر ولا يشكو، لا فرق بين طباعه وطباع أصدقائه الجمال والشاه والأعشاب الشوكية، الجميع أسرة واحدة متفاهمة" ص 53، ما يجعل هذا الكلام مميز هو إخراجه بطريقة أدبية، تجعل المتلقي يتعرف على طبيعة الصحراء والكيفية التي تفرضها الطبيعة على الكائنات الصحراوية، فللصحراء طابعها الخاص، ومن خلال هذا الكلام نستنتج التباين بين البيئية التي عاش فيها الراوي وبين هذه الصحراء، ففي بيئته الأصيلة هناك حواجز وجدران تمنع البصر من التمتع بالأفق الواسع، الهدوء والسكينة أيضا ميزة في الصحراء، كافة الكائنات والموجودات في تفاهم وانسجام فيما بينها.
ومن عيوبها البرد القارص، والحر اللاذع، الغبار الذي ينتشر كالنار في الهشيم، الطبيعة تفرض على الكائنات البشرية وغير البشرة أن تكون ضمن مساق خاص.
وهنا إلى بد من التنويه إلى العبقرية التي استخدمت في هذه الرواية، فعندما ينقلنا الكاتب من حياة المدينة إلى المخيم إلى الصحراء ومن ثم إلى الريف، يكون حقا قد أبدع وتميز بهذا التنوع والسفر بين هذا المواطن المختلفة، فهناك من استطاع أن يصف الريف كما هو الحال عند عبد الرحمن منيف في "الأشجار واغتيال مرزوق" وتحدث عن الصحراء في "النهايات" وتحدث عن المدينة في" قصة حب مجوسية" فكان فعلا كاتب يستطيع أن يتجاوز البيئية التي وجد فيها وان يكتب ضمن التنوع وهذا الأمر يجعل المتلقي في هذه الأقاليم المتباينة أن ينسجم مع النص كما يجعله يتفهم ويتعرف على المناطق، وهذا الأمر يحسب للكاتب الذي استطاع أن يجمع هذه المتباينات في نص واحد.


الريف

الكاتب كما يمجد مدينة نابلس وبيت لحم يمجد كذلك الريف، فالطبيعة الخضراء تجعلنا ننحاز إليها بسلاسة، فهي تناسب التركيبة البشرية وتجعلها تشعر بالراحة وتمنحها الهدوء والسكينة، فالريف هو المكان الأكثر ذكرا في الرواية، وهذا يدل على انحياز الكاتب للريف ـ في إلا وعي عنده ـ فرغم تمجده في المدينة إلا أن الريف اخذ المساحة الأكبر في حديثه، ويمكن أن ننسب ذلك أيضا إلى أن الوطن ـ فلسطين ـ يترسخ في الذاكرة من خلال هذه الأراضي البهية والبديعة، "أمر ببئر فالقي عليه التحية، اسمع صوت الرعد فاحسب أن كبير الجن ينادي علي، ينزل الثلج فاحسب أن في السماء بائع أزهار يرمي الياسمين الأبيض على البشر، أحب النوم في المغاير والجحور وتجاويف الزيتون الهرم، آكل الجنادب والنمل الطيار استمتع بصيد الأفاعي والعقارب، اسرق بيض العصافير وآكله، أقلد صوت الديك والحصان، أخلع الأعشاب واشم جذورها"ص 11، في هذا الكلام تتجلى الطبيعة والحياة الريفية بكل جلاء، فلا شيء يرسخ في الذاكرة كما الطفولة، فإذا أضفنا إليها هذا الوضع السعيد والجميل فكيف ستمحى؟ خاصة إذا كانت الأيام القادمة سوداء، جدباء، ماحلة، تجعل الإنسان في حالة من البؤس والكآبة بشكل شبهة دائم!
الحالة البائسة التي مر بها جينو جعلته يتجه إلى الطبيعة لكي يتخلص من قسوة إيلي وإيشا والحياة بمجملها، "نعم!! توهمت حد القين منذ السادسة من عمري أنني طفل لا علاقة لي بالبشر سوى أنني نشأت عند إيلي وإيشا، فعرفت عاداتهما، وعشت معهما كما لواني حقا أبنهما، وإلا ما معنى محبتي لكل بقرة ضخمة أشاهدها؟ أجلس بجانبها وأقول: اسمحي لي أن أسميك أمي؟ ما معنى أن ادخل كرمة زيتون فابحث عن زيتونة كبيرة وأقول لها: خذيني لحضنك يا جدتي؟" ص20، اعتقد الكلام السابق الذي قلناه عن الحياة الصعبة والقاسية التي مر بها جينو جعلته يتجه إلى الراحة والسكينة، فوجدها في الطبيعة، الريف وما فيه، البقرة الحلوب التي يرضع منها لكي ـ في إلا شعور يعوض نقص الحنان إتجاه الأم ـ الزيتونة التي يجهلها جدته، لكي يعطي ذاته شيء من الحياة الأسرية الطبيعية، واعتقد هنا يجب التذكير بكتاب فراس عبيد "البعد السابع" الذي حقا يشكل دعوة قوية نحو التوجه الطبيعية، التي تمنح الإنسان الهدوء والنظر إلى الأفق، فجينو كان يعوض النقص والخلل في العلاقة الأسرة من خلال التوجه إلى الريف.

المسافدة

الكاتب يتناول العديد أشكال المسافدة، فقد تحدث في البداية عن الأغنام "على الفور اقترب من العنز تيس غنم الراعي .. كان بحجم عجل له انف كبير على شكل قوس يخرج من بين عينيه حتى فمه كأنه مقدمة فأس .. وصار يبأبئ" ص31، حالة طبيعة أن يرسخ هذا المشهد في ذاكرة الطفل، لكن التطرق إلى العديد من مشاهد المسافدة تجعلنا نؤكد اشمئزاز الكاتب على هذا الفعل، خاصة عندما يتحدث عن المضاجعة التي تتم بين إيلي وإيشا، وما كان يتعرض له من ضغط نفسي وجسدي، فكأنه من خلال هذه المشاهد يريدنا أن نربط تلك العملية البشرية بالحيوانية فنساوي بين طبيعة البشر الحيوانية والطبيعة الحيوانية، فلا نفرق بينهما، وهنا يكون إيلي وإيشا قد أمسيا كالحيوانات ليس في المسافدة وحسب بل في علاقتهما ببعض وعلاقتهما بحينو أيضا.
ينقلنا الكاتب إلى مسافدة الجمل فيقول "اقتربت في عصر يوم من شجرة طلح ضخمة تمثل معلما بارزا في تلك المنطقة، كنت أرعى غنمي فشاهدت تحت الشجرة جملا ينكح أنثاه، وحالما شاهدني نهض عنها ونظر باتجاهي كان سفوده متدليا كأفعى أرجوانية، تنكمش تدريجيا، رفع ذيله، وأسرع نحوي وهو يرغو رغاء مثل رعد مخنوق في بئر" ص63، في هذا المشهد أراد الكاتب أن يقول بان الحيوانات ـ أحيانا ـ تكون أكثر عفة من الإنسان، الذي لا يخجل من ممارسة الجنس أمام الآخرين، والمقصود هنا إيلي وإيشا.
يتحدث الكاتب عن الضب فيقول عنه "حجم الضب بطول ذراع تقريبا، له شكل تمساح، وذيله بحراشف كرؤوس المسامير الصغيرة .. الضب الحيوان الوحيد الذي يملك ذكريين كل منهما بحجم حبة الصنوبر، لكن هل تملك أنثاه استين؟ ذلك الذي حاولت مرارا أن اعرفه فلم استطيع" ص59، الكاتب يبدو وكأنه عالم أحياء، يبحث عن المعلومات بكل تفاصيلها فلا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا وتثير فيه حب المعرفة.
"ديك واحد،/ دجاجة واحدة... يصبح على الجميع بالخير، ثم يتلصص من بين ثقوب السياج على دجاج الجيران، فيقفز بخفة فينكح ما طاب له من فراخ الدجاج وعجائزه ثم يعود خلسة لدجاجته التي لا تعترض على خيانته بل تمشي بظله راضيه" ص92، الكاتب في هذا المشهد أراد أن يربط الخيانة التي قام بها إيلي مع المرأة الرجاجة، ولكن في النهاية قبلت إيشا أن تستمر بحت قيادة زوجها.
"... ضفدع صغير يركب ضفدعة ضخمة.. تحكم ذراعاه على رقبتها كالطوق، يسيل من أسفل الضفدع الصغير شيء كاللعاب يجري فوق منتصف ظهر الضفدعة الضخمة .. يقطران قطرة قطرة، قطرة على الحبل اللعابي الشفاف الذي ينزل من أسفل ظهرها" ص153. المشهد السابق يشير إلى الامتعاض من الممارسة الجنسية، أولا عدم الانسجام في الأحجام بين الذكر والأنثى، وثانيا اللعاب الذي يوحي إلى شيء مقرف، من هنا نجد عدم قبول السارد للعملية المسافدة، والتي يمكن أن تتماثل مع أي عملية جنسية بشرية.
"السمكة قصيدة البحر .. رشيقة كراقصة باليه .. فائقة الأنوثة، تتثنى بمرونة تحرج ذكورة الماء في موسم التزاوج تستعرض الأنثى جسدها أمام الذكر بحركات إغرائية متتالية تنقلب على ظهرها حينا وتهز ذيلها هزات سريعة، ثم تتحرك دائريا كأنها مهندسة تخطيط لبناء بيت .. يلحقها الذكر فتهرب سريعا ثم تتباطأ لتعطيه الفرصة للاقتراب منها.. يصاب الذكر بالجنون فيشم رأسها ثم يقلب ظهره ويلصق أسفله بأسفلها" ص162 إذا استثنينا هذه المسافدة نجد ما سبقها يشير إلى امتعاض وقرف السارد لأي عملية مسافدة أو أي عملية جنسية، ولا ندري لماذا في هذا الوصف فقط قدم لنا تصوير شهي للجنس أو المسافدة؟ هل لان الأنثى هي من يسيطر على الذكر وتتحكم فيه حسب رغبتها؟ أو لان السارد يحب الحياة المائية ومنها الأسماك؟ وأما لأنها تصف الذكر بصورة غير سوية "فيصاب الذكر بالجنون"؟، أسئلة يمكن أن يجاب عليها بعد العودة إلى النص.

الدين ورجال الدين المسيحيين

المسألة الدينية تأخذ مساحة جيدة من النص الروائي، " عند خروجي من البيت صباحا أغمض عيني وأرفع ذراعي إلى السماء وأقول
ـ صباح الخير أيها الرب.." ص10، من خلال هذا القول نستدل على الحالة الإيمانية التي يتمتع بها السارد، فهو هنا إيمان بالدين المسيحي، حيث استخدم كلمة الرب وليس الله المتداولة بين المسلمين.
وأيضا يعود الكاتب إلى تأكيد حالة الإيمان عند المسيحي حينما قال إيلي لابنه "أقسم بهذا النهر المقدس، إذا لم تسمع كلامي جيدا وتفعل ما أريد منك لأرميك في الماء ويسحبك النهر إلى البحر الميت فتنزل إلى القاع. هل تفهم" ص35، في هذه الصورة يعود الكاتب ليكرر استخدام الأب القاسي للدين كوسيلة لممارسة القمع والبطش، فهو هنا ـ بطريقة غير مباشرة ـ ضد المتدينين وضد الدين، الذي يستخدم كوسيلة للقمع، وكأنه يؤكد في هذا المشهد على العلاقة الوطيدة بين النظام القمعي والدين، فكلاهما يقسوا على الأفراد.
مرة أخرى يستخدم الدين كوسيلة من وسائل القمع والقهر، فها هي إيشا تستخدم التراث الديني كأحد الوسائل لقمع الأبناء "أحضرت إيشا إبريق الشاي وقطعا من الخبز الناشف وقالت: كلوا ... لا يوجد في البيت شيء آخر إلا عزرائيل" ص44، رغم الجوع ولفقر وبدل من أن تتحدث الأم لأبنائها بطريقة هادئة نجدها تستخدم التراث الديني كوسيلة إجبار على الخضوع والاكتفاء بما هو متاح.
وأيضا تعود إيشا إلى أستخدم الدين كوسيلة لتأنيب ولدها، والتي من المفترض أن تكون اقرب ما يكون إليه، لكنها أداة من أدوات القهر تبعد جينو عن محيطه أكثر فأكثر ".. اسم الرب .. اسم الرب .. أنت لست ولدي .. يقصف عمرك يا الساهي الداهي ..من أين أتيت بفرخ الحمام .. من أين؟...
ـ اذهب إلى اهلك الجن كي يعالجوك أو امضغ ورق زعتر، الرب بلاني فيك.. يقصف عمرك" ص46، كأن الأم أو المجتمع هنا يمارسان عين سلوك النظام الأبوي التسلطي، فهي كأم أو كمجتمع ترفض أي حالة تمرد على الواقع وتسعى بكافة السبل والوسائل إلى الحفاظ على المسار الرتيب للأوضاع، فهنا تكريس لحالة العادية التي يفرضها الأب، والعمل على رفض أي تجاوز للعرف والعادة السائدة، وهنا يستخدم أيضا الدين كأحد الوسائل القمعية للأفراد الذي يخرجون عن العرف.
أيضا يستخدم الدين من بقية أفراد المجتمع، كأحد الوسائل الدجل، من قبل من يدعون معالجة الناس "ـ نفذ ما أقوله لك تطحن بزر فجل، وبزر بصل، وبزر كرفس وبزر جرجير ثم تخلط كل ذلك بالعسل، ستصبح بإذن الرب قويا كالحمار" ص47 لا ندري لماذا يستخدم اسم الرب في هكذا مواضيع؟ هل هو دليل على الإيمان به، ثم أعطاء الشخص المقابل صورة عن التقوى والورع عند من يتكلم؟ أم أن استخدم اسم الرب هناك كتأكيد على الخداع والدجل، ومن ثم جعل الرب هنا شريك في عملية الغش؟ وهنا لا بد من التنويه إلى أن استخدم اسم الرب للإقدام على فعل الجنس الذي يبغضه السارد ولا يتوافق معه أبدا.
يعود الكاتب إلى تأكيد استخدام التراث الديني كوسيلة للإقدام على فعل الجنس الذي يبغضه فيقول نقلا عن الكتاب الذي يحتفظ به إيلي، والدي يمثل بالنسبة للأب كتاب الحياة "قال والله ما رأيت اصح منها واني دخلت بها وعلى أربعين بكرا في ليلة واحدة.. تأخذ على بركة الله تعالى ثلاثة سرادك أو ثمانية أو أربعة عشر تكون صغارا وهم المسمون بالفراريج، تأخذ خصاهم، وتأخذ زنجبيلا اخضر وجوز الشرق وجوز الطيب" ص88، من خلال هذا النص التراثي كأن الكاتب يريد أن يقول لنا بان المشكلة ليست الآن وحسب،ولكنها تمتد إلى مئات السنين، فالدين يستخدم كوسيلة للإقدام على أفعال ـ يبغضها ـ من التهديد أو ألتبري أو التنغيص أو الجنس، من هنا هو لا يتفق مع هذا الاستخدام لا شكلا ولا مضمونا.
في المقابل من هذا الاستخدام السيئ للدين من قبل أشخاص لا يعرفون شيئا منه، يتناول الكاتب صورة وردية لرجال الدين، فها هو احد رجال كنسية المهد يخاطبه بصورة الأب الحاني على ولده والحريص عليه "وصلنا كنسية المهد.. وتجولت في قلبها وصوت الكناري يعزف في أذني موسيقى حزينة جدا كأنها البكاء.. انتحبت جانبا.. وفي اللحظة التي رفعت بها يدي لأمسح دمعتي، امسك يدي رجل مهيب طويل ذو لحية بلون الكمون، يلبس عدة معاطف سوداء وفي رقبته قلادة يتوسطها صليب كبير نسبيا، وضع يده بلطف على رأسي وقال:
ـ ما بك حزين يا بني.. هل شعرت بالخشوع؟ هذه الكنسية مبنية على مغارة السيد المسيح.. المجد للرب في السماء.. لا تمسح دمعتك، دعها تسقط على ارض الكنسية سيباركها الرب أنها دمعة غلام برئ، الرب يا بني بارك قطرة الحليب التي نزت من صدر مريم العذراء فسقطت على ارض المغارة" ص101، إذن الراوي ليس ضد الدين ولا رجال الدين، فهو يعطي لهم صورة بهية وورعة، لكنه ضد الأشخاص الذين يستخدمون الدين للدجل وللتهديد وللتأنيب والتبرئة من الأقربين، في الكلام السابق نجد الرب يهتم بأبسط الأمور، فالدمعة بالنسبة له تعني الشيء العظيم، من هنا كانت دعوة الراهب لجينو بعدم مسحها، كما نجد رجل الدين يعرف كيف يتعامل مع الآخرين، فهو قريب جدا منهم ويستطيع أن يتفهم ما يصدر عنهم.
إعجاب الراوي بالمتدينين المسيحيين كان واضحا في الرواية، فهو عندما يتحدث عن المرأة التلحمية يتحدث عنها وكأنها مقدسة، من هنا نجد هذا الحوار "ـ أهلا وسهلا بك يا بني .. هل أنت تلحمي؟
ـ لا .. أنا نابلسي
ـ أنت في بيتك .. تفضل اجلس، سأحضر لك زيتونا وجبنا ومربى مشمش وزيت زيتون وخبزا هل يكفي هذا؟
...ـ مم شبعت .. أنت لم تأكل !!
حضنتني ورجتني أن آكل فلم استطيع .. لكني استطعت البكاء، فضمتني إلى صدرها كما لو أنني ابنها الحقيقي. تشجعت على الحديث فقلت لها: لست حزينا بل أنا سعيد جدا لان في هذه الدنيا نساء طيبات مثلك .. قالت:
ـ اعتبرني أمك .. تكلم..
ـ لست كأمي .. أنت شيء وأمي شيء آخر
قلت : هل أنت أم المسيح؟
ـ أنت غريب.. ماذا تقول .. أم السيد المسيح اسمها مريم وأنا اسمي بهية .. أم باجس
قلت على الفور: إذن أنت بنت مريم؟
ـ اسم الرب حواليك..مار جرجيوس قدامك.. هل جرى لعقلك شيء.. مريم لم تنجب إلا المسيح ألا تعرف ذلك؟
ـ بل اعرف
.. سألتها : من تلك الأم العظيمة التي أشاهدها في الصورة تحمل طفلا يرضع منها؟
قالت: هذه أمنا مريم العذراء، ترضع طفلها السيد المسيح" ص103و104،
الرجال والنساء المتدين يجدون الاحترام والمحبة من الراوي، فهم اقرب إليه من إيلي وإيشا، كما أنهم يتفهمون مشاعره وأحاسيسه، ويعملون على التخفيف عنه، فهم الحاضن والحاني والمهدئ له.
من هنا الكاتب يحترم من يقوم بدوره ويمتعض من كل من يأخذ القشور ويعمل على إلحاق الضرر المادي أو المعنوي بالآخرين.

الدين الإسلامي والمسلمون

يتحدث الكاتب عن المتدينين بالدين الإسلامي عندما كان في الجزيرة العربية، فهو يعطي صورة طبية عن هؤلاء وكأنه يؤكد على أن الدين عند من يتفهمه يكون تأثيره ايجابيا ويخدم حالة الانسجام والمصالحة مع الواقع، "قد تهب عاصفة صحراوية وتقتلع بيت الشعر فلا يغضب البدوي ولا يحزن إنما يقول (الحمد لله على كل شيء) ص56، فهنا نجد البدوي ينسجم مع واقعه ويستخدم الدين كعامل مساعد على التخفيف وإزالة الهم والغم،وهذا الأمر لم يقتصر على الرجال فقط وإنما أيضا تتعامل به النساء أيضا "قالت رفلة: الحمد الله على سلامتك .. يا كافي .. يا دافع البلا.. ما عليك.. خذ كل الغنم .. لا تزعل على الغنم" ص65، ما يلفت النظر في موقف الراوي من استخدام التراث الديني هو المكان، ففي المخيم وسكان المخيم يستخدم الدين كأداة ووسيلة للقمع والقهر، لكنه في المدينة أو في البادية يكون استخدامه ايجابيا، وكأن الراوي يريدان يقول بان الدين في غير مكانه ـ مجازا أو حقيقة ـ يكون سلبيا، وعندما يكون الإنسان في مكانه الطبيعي، ومهما كان هذا المكان صعب وفيه ظهوار طبيعية قاسية، يكون الدين ايجابيا، وهنا نستنتج ما يريده الكاتب من هذا التناقض في استخدام الدين، فكأن الدين ومن يستخدمون الدين بما أنهم غرباء طارئين في المخيم، فمن الطبيعي أنهم غير طبيعيين، من هنا نجدهم يتعاملون بطريقة غير سوية في كل شيء، الأب وألام يتعاملا بقسوة مع الأولاد، استخدام المورث الديني النقي كأداة ووسيلة قمع وترويض.

الموت عند إيلي

كما قلنا نكاد لا نجد صفحة في الرواية إلا وفيها ذكر للموت أو لأحد مظاهره، فالروية تعج بهذا الاسم، وكأنها كتبت عن الموت، فهو الذي يلاحق شخوص الروية في كل حدث "لان نهاية كل حقيقة أو حلم هي الوهم الأكيد.. هي النوم الأزلي في مترين من الأرض (القبر) سيد النهايات" ص16، هذه النهاية نجدها للبشر وأيضا للحيوان، فكلاهما نهايته الموت، فلسفة الموت بدأت في حديث إيلي فهو دائما وفي أي كلام يقوله يستخدم لفظ الموت" عندما يمرض لا تحسب أنني سأموت.. لن اسمح لأحد أن يشمت بي، لا أنت ولا أمك ولا حفار القبور ولا الموت نفسه، أنا لا امرض .. أنا لا أموت" ص22، وعندما يتحدث عن ماضيه "قال: الكلب براق صديقي مثل أخي كان ضخما، ذراعه اكبر من فخذك، هو الوحيد الذي فهمني وأخلص لي، لكنه مات، لدغته أفعى أم قرون"ص25 الموت يلاحق كل الحيوانات التي أحبها إيلي، فبعد موت الكلب يموت الحصان "كان رعاد زوجا جولا لأكثر من عشرين فرسا في منطقتنا، لكنه أكل عشبا ساما فمات بعد أن تزوجت أمك بسنة.. هكذا كل الذين أحبهم يموتون سريعا، أنا لا أحب الحياة لأني أخاف أن تموت.. ولا أحب امرأة واحدة لأني أخاف أن تموت" ص26 هذه صورة إيلي عن الموت وكيف يشكل بالنسبة له الظل الذي يلاحقه أينما سار، فالموت هو الصياد وإيلي هو الطريدة يلحقها الموت.
الموت بالنسبة إيلي يشكل أهم حدث يفكر فيه، فهو جزء أساسي من مفهومه عن الواقع، من هنا نجد تعامله مع جينو يخضع لهذا المفهوم " إذا خفت من الماء فإنك ستموت وسيرميك النهر في البحر الميت"ص37 المطاردة بين الفريسة والمفترس تنعكس في قول إيلي لجينو يتلكم إيلي باللغة التي يفهمها، لغة الموت، فهو لم يكتفي بذكر الموت بل زاد عليه "البحر الميت" كتأكيد على انعكاس وتأثره بالموت. وتستمر المطاردة بين الفريسة والمفترس والتي تنعكس في قول إيلي لجينو "هذا أول نهر في الكون، أكثر منطقة منخفضة، هذا نهر القمر، لا يموت .. وأنا لن أموت" ص39، عندما يكون الفكر معلق بمسألة ما فلا بد أن تنعكس في مسائل أخرى، من هنا نجد إيلي في أي موضوع يتحدث ينعكس عليه التفكير بالموت، الظل الذي يلازمه " فها هو يخاطب زوجته باللغة الوحدة التي يعرفها "اسكتي .. يا ليثني بقيت (عزابي) على كيفي.. اعمل ما أريد، أموت عشرين موته، هذه حياة كلها موت، فلماذا لا أموت على كيفي؟" ص131، إذن هاجس الموت يلاحق إيلي في كافة تفاصيل حياته، فالماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة له يكون الموت هو الحاضر والسيد، لا يستطيع أن يتكلم دون ذكر سيده ـ الموت ـ

الموت عند جينو

من الطبيعي أن يترك الأب أثرا من شخصيته على الابن، حتى لو كان من باب عامل الوراثة، وهذا ما حدث مع جينو، فعقلية الأب القاسية وكلامه الدائم عن الموت جعل الابن يسير في خط الأب، فالموت يشكل الظل الذي يطارد الفتى في كل أمر " أجلسني إيلي في حضنه، وامسك ساقي وفتحمها عن آخرهما، حتى بان حمامتي وما حولها.
اقترب الرجل الطويل مني وهو يتمتم (بسم الله .. الله .. الرحمن .. الله) وطلب مني أن أغمض عيني فلم افعل،وضع في حمامتي قطعة قضية بحجم عود الكبريت فصرخت، قلت للرجل :
ـ هل سأموت؟" ص41،الألفاظ التي سمعها جينو عن الموت، جعلته يضن أن عملية الختان ستسبب له الموت، من هنا نجد انعكاس فكرة الأب على الابن، وعندما أراد جينو أن يستكشف حياة الخلد كانت المفاجأة في انتظاره "لقد ضربت المجرفة حول الكوم ضربة قوية وأزحت التراب فإذا به معلق بسن المجرفة والدم ينز منه"ص75، فالموت هو الفعل السائد في أحداث الرواية وهو اللفظ الذي يشكل احد معالمها الرئيسة، وعندما يطلب جينو الوحدة يجد الموت والحديث عنه أمام ناظريه "خرجت يا صديقي من كوخ سردة، فإذا ثلاث نساء يجلسن حول قبر واحد، اقتربت منهن أكثر، إحداهن تردد بلا انقطاع عبارة (إلى الجنة يا زوجي العزيز) والثانية تضع صدرها على شاهد القبر وتقول (منذ مت يا زوجي لم يعد في صدري حليب) والثالثة تضع كفيها على القبر وتردد:
(يا ريت يومي قبل يومك.. منذ أن مت لم استحم ولم اغتسل) ص80، هذا هو المطارد لشخوص الرواية، أينما كانوا يجدوا الموت، ومهما تحدثوا يتحدثون عنه، وأيضا عندما يخرج جينو إلى الطبيعة والتي من المفترض أن تشكل له حالة من التوازن ولتعطيه الهدوء والسكينة، نجد الموت يطارده هناك "عاد القنفذ إلى أجدمة العشب الصغيرة يبحث عن شيء فيها، رأيت في تلك اللحظة صقرا يقف في الهواء ويحدق باتجاه القنفذ.. فقلت للصقر:
ـ لن تستطيع صيد القنفذ .. ابحث عن صيد آخر
لكن الصقر سخر مني فانقض على القنفذ، حمله بمخالبه وارتفع عاليا في السماء ثم أفلته، وقع القنفذ على الأرض ميتا.. هجم الصقر عليه وقلبه على ظهره فصار بطنه الخالي من الشوك مكشوفا.. التهم الصقر من القنفذ وجبة سريعة " ص83، ذكر تفاصيل المشهد يحمل صور مزعجة، ويعطي دلالة على التأثير السلبي الذي يحمله جينو، فالموت وبأبشع صوره يتجلى له، وفي المكان الذي من المفترض عن يمنحه الراحة، من هنا يكون الموت هو الظلال التي يستظل بها شخوص الرواية.
وأيضا نجد الموت يلاحق النمل الطيار "بين أصابعي عود انبش به بيت النمل، يخرج النمل مسرعا بأحجام مختلفة، فوجئت بعشرات من النمل الطيار يسقط على الأرض بلا حراك، تلك أول مرة أشاهد فيها نملا بأجنحة" ص99، ما يلفت النظر في هذه المشاهد أنها في مجملها كانت تشكل لدى جينو حالة من الاستكشاف والمعرفة، فبدلا من أن تكون المعرفة تدفع به إلى حب الحياة والتمتع بها، نجد الموت يقف له بالمرصاد، فلا يكاد يتعرف على أي مسألة أو أمر إلا والموت يكون حاضرا وبفاعلية مطلقة.
حتى الموت يلاحق جينو في المدينة التي أحبها، "جنازة كبيرة متجهة من ميدان الملك حسين وسط نابلس إلى المقبرة الرئيسة ... نظرت خلفي فإذا قط يزيح الورود عن قبر الشخصية المهمة ويبول" ص176 و177

الحكم

يتناول الكاتب مجموعة من الحكم التي تعبر عن تجربة إيلي في الحياة أو تجربة جينو، فكلاهما يتكلم بمفهومه عن الواقع الذي عايشه "الفوز لمن يضرب أولا" ص34 "كن صاحب رأي حتى لو كنت على خطأ"ص49، الجسم نار والمرأة ماء"ص121، "كن مثل الطير يتزوج كل موسم أنثى جديدة يتركها ويرحل... لا تمشي في ظل احد، لا تضع رأسك تحت إبط أحد" ص162، وهناك مجموعة كبير من الاقول وضعها إيلي في تشكل خلاصة فهمه للحياة، نقتبس منها
"* المرأة تريد من الزوج أن يكون حمارا في النهار وحمار في الليل وهو يريدها غزالا في النهار وغزالا في الليل
*الموسيقى هي الوطن الوحيد الذي لا يطلب منك جواز سفر
* في مرحلة الشباب الجسد حصان والروح عربة، وفي الشيخوخة الروح حصان والجسد عربة
*لا أكون جبانا إلا أمام لص فقير يحاول سرقتي، وأمام امرأة جميلة
*أصدقائي ثلاثة: الأول مخلص كالثوم لكنه مزعج، والثاني كنور القمر لا يحتمي أحدا، والثالث كثير مثل الباذنجان لا يضر ولا ينفع
*الذي يرى حبيبته في المنام لا ينبغي أن يستيقظ من نومه
*القلم الذهبي ليس بالضرورة أن يكون خطه جميلا
*مشكلة الجمر وقطعة الثلج أن كلا منهما تريد أن تكون الأخرى
*القهر دمعة رجل شجاع تسقط على مسدسه المكسور
* لا شيء يستحق الشفقة كالحصان الأصيل يركبه رجل جبان
* لو أني اعرف يوم مماتي لدمرت العالم
*أحسن للإنسان أن يسأل لماذا ولد؟ وليس لماذا سيموت؟
اعتقد بان الرواية متميزة جدا أن كان على صعيد الشكل أو المضمون، كما أن فكرتها تثير المتلقي، وأسلوب طرحها ينساب بسلالة ويسر، فهي تجري كالماء يجذبنا إلى صوته ومنظره في أنا واحد



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحضارة الهلالية (قدسية رقم سبعة)
- التكوين الهلالي والتوراتي
- نحن العرب
- التأثر المصري في التكوين التوراتي
- الخطوط البارزة في التاريخ (المدن الشامية)
- الخطوط البارزة في التاريخ (الدولة الاشورية)
- الخطوط البارزة في التاريخ ( الدولة البابلية)
- عصر الدويلات السومرية (آور)
- الخطوط الباروة في التاريخ ( الدولة الأكادية)
- الحضارة الهلالية والتكوين التوراتي الخطوط البارزة في التاري ...
- الحضارة الهلالية والتكوين التوراتي المقدمة
- -حبر- لمحمود ابو هشهش
- ادب القفز بالمظلات لمعين بسيسو
- رائحة النوم
- من تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني
- -أميرة الوجد- للشاعر فراس حج علي
- مدخل النص القرأني (الكامل)
- ملحمة جلجامش النص الكامل
- محلمة جلجامش -الطوفان-
- هواجس


المزيد.....




- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - سفر الموت في -مفتاح الباب المخلوع