أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - طنجة؛ مدينة محمد شكري 2















المزيد.....

طنجة؛ مدينة محمد شكري 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4277 - 2013 / 11 / 16 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


الزيارة الثانية:
لكأنما الجهات الأربع، المُحَدِدَة تخومَ عالمنا، تتعانق في مدينة طنجة: الشرقُ والغرب، البحرُ المتوسط والمحيط الأطلسي؛ الشمالُ والجنوب، أوروبة وأفريقية. لا غرو، إذاً، أن يشكل الطنجاويون النسبة الأكبر من مواطنيهم المغاربة، المهاجرين إلى القارة العجوز، وخصوصاً بلدان فرنسة واسبانية وايطالية وهولندة وبلجيكة. في روايته الأخيرة، " أن ترحل "، يضعنا الطاهر بنجلون في أجواء حمّى الهجرة، التي تدفع شبان المدينة إلى المغامرة بحياتهم في سبيل الوصول إلى الشاطيء الآخر؛ الاسبانيّ. حينما اشتريت هذه الرواية من مكتبة حديثة، قريبة من مكان اقامتنا هناك في مركز طنجة، فإنني عرضتُ على قرينتي صورة غلافها الفوتوغرافية: شباب يجلسون في أعلى مكان بحيّ " القصبة "، يتأملون بنظرات حالمة الجانبَ المقابل لشاطيء مدينتهم، ثمّة أين تبدو بوضوح جبال الأندلس. وقد علّقت زوجتي على الصورة بالقول: " نعم، أتذكّر عندما كنا نقف في ذلك المكان، مستندين إلى جدار القصر الكبير ".
إذاك، كان قد مضى حوالي خمسة أشهر على زيارتنا الأولى للمدينة، حيث نزلنا في نفس الفندق الحامل اسمَ أشهر فنان عالمي بالقرن العشرين. على الرغم من هذا الاتصال الوثيق، بين طنجة وأوروبة، فإنّ مجتمع المدينة بدا لنا أكثر محافظةً من قرينه، المراكشيّ. الفتيات هنا محجّبات غالباً، وقلّما تجدُ إحداهن بصحبة صديق في الشارع أو حتى ممتطية دراجة نارية. ربما أنّ هذا هو السبيل الوحيد، الذي ارتأته الأسرُ المسلمة رداً على حالة الاستلاب والأورَبة، المرافقة لعهود السيطرة الأجنبية وما تبعها من وضع المدينة تحت الحماية الدولية. إذ تدفق الآلاف من حملة الجنسيات الغربية على طنجة، قبيل وخلال وبعيد الحرب العالمية الثانية، يجذبهم للإقامة فيها القوانين الملائمة ورخص العيش، وأيضاً، سهولة الحصول على المخدرات والرقيق الأبيض من الجنسين. إلا أنّ الملفت عندئذٍ، هوَ اعتبار بعض أدباء الغرب لطنجة كـ " مدينة الحلم "؛ أي جعلها مَحَجاً بديلاً لباريس، التي كان مركزها الثقافي يحتضر آنذاك. هوَ ذا براين جيسن، الكاتب الأمريكي، يصف المدينة في رسالة لصديق: " إن طنجة، خلا هذه السنين ( يقصد فترة الاستقلال )، كانت فردوساً. لن نرى أبداً هذا على الأرض ".
في زيارتنا الثانية، إذاً، وبناءً على نصيحة الأقارب، أحجمنا هذه المرة عن التوغل في مجاهل المدينة القديمة؛ وخصوصاً " القصبة ". بيْدَ أنّ خطر اللصوص والمنحرفين ( وإن كان مبالغاً فيه غالباً )، فإنه على ما يبدو غير مرتبط بمكان محدد في طنجة. فحينما نزلنا إلى الشارع الرئيس، الموازي للكورنيش البحري، وقعت لنا حادثة مع أحد أولئك المنحرفين. ثمّة، كانت تقوم مقاعد خشبية عريضة، منذورة للمتنزهين، وقد ظللتها أشجار النخيل والتوت. الجوّ كان ربيعاً، صاحٍ ورائعاً، ينشر نسيمَهُ المعبّق بأريج الورود، والآتي من ارتطام أمواج البحر بالمحيط. خلفنا، تقوم تلك الأبنية الأثرية الأنيقة، البيضاء الناصعة، العائدة لحقبة الهيمنة الاسبانية. من أمامنا كان يمرّ فتيَة مشردون، بحسبما تفصح رثاثة مظهرهم، يتسلّى بعضهم بارتقاء سبطانات المدفعية القديمة، المتناثرة في محيط المكان. فجأة، ينحني أحدهم ليتناول زجاجة المياة الغازية، التي كنا قد أركنا إياها في فيء الشجرة القريبة من مقعدنا، واضعاً بمحلّها زجاجة خمرة فارغة كانت في يده. حينما صحتُ بذاك الفتى ليقف، وكان قد تجاوز موقفنا في سيره المتمهل وغير المكترث، فإن قرينتي أمسكت يدي وشدّتها بقوّة: " دعه؛ ألا ترى من يكون؟ ". فيما بعد، استعدّتُ هذه الحادثة، حينما طالعت ما يشابهها في كتاب لمحمد شكري ( بول بوولز وعزلة طنجة )، سبق واشتريته هناك من مكتبة تتبع دار نشر محلية: " قرب منزلي، اعترضني اثنان، تركتهما يسلبانني ساعتي دون أن أقاوم وأعنف معهما. أحدهما ضحك ضحكة استهزائية. انهما من السافلين ".
شاطيء طنجة، الرمليّ والصالح للسباحة، كان خالياً من المرتادين تقريباً في هذا الأوان من الربيع المبكر، الرطب نوعاً. ليلة أمس، في غرفتنا بالفندق، عاودت الكوابيسُ قرينتي بسبب صوت الريح المزمجرة بقوّة ودويّ، والناتج عن التقاء أمواج البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي. ثمّة، على الشاطيء، حقّ لي صباحاً أن أتذكّر صورة نادرة لمحمد شكري الفتى، وهو يبيع أشياءَ تذكارية للسيّاح الأجانب على مدخل ميناء المدينة. فلم يكن بلا مغزى، إذاً، أنّ القصة الأولى لهذا الكاتب العصاميّ كانت بعنوان " العنف على الشاطيء "؛ حيث نشرتها مجلة " الآداب " اللبنانية حينما كان عمره يناهز السابعة والثلاثين عاماً. والمعروف عن شكري، بأنه بدأ الدراسة الابتدائية وهو في العشرين، ثمّ صار بنفسه معلّماً في مدارس طنجة والعرائش لعدة أعوام، حتى تمكّن من الحصول على التقاعد الجزئي بسبب معاناته من الادمان والكآبة: " معظم الوقت أقضيه متمشياً في المستشفى، متفرساً وجوهَ المرضى وأستمع الى أقوالهم وهذيانهم. رغبتي في تناول الكحول لم تعد توترني "، يكتب في احدى رسائله إلى صديقه الكاتب محمد برادة في نهاية عام 1977 من المستشفى، الذي كان يعالج فيه من الادمان.
كانت زوجتي من جيل المغاربة الفتيّ، الذي حظيَ بقراءة كتاب " الخبز الحافي " في المنهاج الدراسي الثانوي. ذلك أنّ هذه السيرة الذاتية، وهيَ أشهر آثار محمد شكري، كانت قد منعت بعد قليل من نشرها باللغة العربية عام 1983، لما تضمنته من مشاهد العالم السفليّ لطنجة وغيرها من المدن التي مرّت بها طفولة كاتبها، القاسية والبائسة. والمعروف الآن، أنّ " الخبز الحافي " قد ظهر أولاً مترجماً للإنكليزية في نيويورك بفضل نزيل طنجة؛ الكاتب الأمريكي بول بولز. ففي شقة هذا الكاتب، بحيّ " مرشان " العريق، تصادف وجود شكري الشاب عندما كان الناشر الأمريكي موجوداً في زيارة لمواطنه المبدع. وقد ادّعى شكري عندئذٍ بأنه قد أنهى كتابة الجزء الأول من سيرته الذاتية، مما جعل الناشر يتحمّس ويطلب من بول بولز أن يبدأ بترجمتها فوراً. وكما يذكر محمد شكري، في كتابه عن نزيل طنجة هذا: " لم أكن، في الواقع، قد كتبت بعد جملة واحدة من سيرتي الذاتية " من أجل الخبز وحده " ـ كما هي في عنوانها الأصلي العربي ـ بل كنت أحلم بكتابتها يوماً ما، بعد أن أحقق بعضاً من الشهرة الأدبية. أحداثها كانت مطبوخة جيداً في ذاكرتي ". منذئذٍ، ستبدأ رحلة معاناة أخرى لهذا الكاتب الناشيء ( المتأخر في ولوج عالم الكلمة )؛ ألا وهيَ استغلال الناشر لجهوده وعدم ايفائه بحقوقه المادية عن كتبه المنشورة بالانكليزية؛ حدّ أنه نعته بالعولق أو " الفامبير "، مصّاص الدماء البشرية. غير أنّ هذه السيرة الذاتية ( الجزء الأول منها )، قد جلبت الشهرة الأدبية للمؤلف، التي كان يحلم بها، بله ولم يكن يتوقع حجمها الكبير. إذ ما لبثت السيرة أن ترجمت إلى الفرنسية، من قبل الروائي المغربي الطاهر بنجلون وبعنوان من وضعه، " الخبز الحافي "؛ حيث قدّر له أن يغدو، لاحقاً، هو عنوانها بأربعين لغة بما فيها العربية.
< للرحلة صلة..

المراجع:
1 ـ الطاهر بنجلون، أن ترحل ( رواية )
2 ـ محمد شكري، بول بولز وعزلة طنجة ( مذكرات )
3 ـ محمد شكري، الخيمة ( مجموعة قصصية )
4 ـ محمد شكري ومحمد برادة، ورد ورماد ( رسائل )
5 ـ محمد شكري، الخبز الحافي ( سيرة )



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - طنجة؛ مدينة محمد شكري 2