عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 13:46
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الإنسان الكوني والهوية
أولا لابد لنا أن نسأل عن معنى الهوية التي أنكرها أهل الحداثة والداعين لكونية الإنسان؟وهل أن الهوية مجرد نتاج ذهني يتعلق بفهم محدد أم هي وقائع تفرض نفسها دون أن نتدخل نحن في ترتيبها أو تشكيلها وفق معتقد أو فكرة محددة؟,أظن أن الجواب ينحصر في تعريف هذه الجملة(مــا الإنسان) عن معنى الإنسانية عن بحث ماهية الإنسان عن طبيعته وعن علاقته بمحددي الخير والشر علاقته بالمكان علاقة افتراضية أم حقيقة كونية,عن انتاجه وارتباط هذا الانتاج بعوامل موضوعية وذاتية لا يمكن انكارها,عن قدرته في تكوين المجتمع عن قابليته للتبدل الفكري المبني على ذاتيته والذي بدرها تنبئ عن تفسيرات متناقضة لا تتفق مع الهوية المجردة له كما يصورها دعاة الكونية,هذه جملة كبيرة من الإشكاليات التي لا بد أن تفهم بيقين حتى نرى امكانية اطلاق الكونية على الإنسان الحر المجرد من عدمها.
إن تقسيم الإنسان وفهمه حسب محددات الماهوية التقليدية وهي((الفرد والمجتمع والنوع))لا تدع للإنسان مجال أن ينسلخ عن طبيعته الذاتيه في القدرة على التنوع والتفرد وتوليد القيم بناء على أسي التكامل والتناقض في تبني الاختلافات البيولوجية والتكوينية بما فيها من افتراض الأختلاف بالنتائج والممارسات وحب الذات والحرية في العيش بخصيصة ملتصقة أصلا فيه ومترافقة مع الوجود,لأن الشكل الطبيعي لحياة الإنسان يفترض تلك القابلية بل تتأكد دوما كلما حاول إنكارها أو تجاوزها فهو عارف لما يريد وفاعل له وصانع لقواعد المعرفة ومتجدد بها وبما يتحصل منها لا على سبيل التوالي فقط بل من خلال تزامنها مع وجوده.
وهناك أيضا ما يمكن أن نفهمه من خلال فهمنا لماهية الإنسان وهو الميل الطبيعي للاكتساب والتأثير والتأثر المتبادل المرتبط مع الزمن فلو ألجئنا الإنسان لكونيته المجردة نحكم بالضرورة عليه أن يكون بحال من حالين أما أن يبقى يدور حول هذه الكونية ويرفض حركة الزمن حتى لو أفرزت قيم متناقضة معها وبالتالي نكران أساس الكونية ذاتها أو نقبل بتغير وتبدل طبيعي وبذلك يكون هناك احتمال أن تكون هذه الكونية جزء من ماضي لا يتناسب مع قيمة الإنسان المتحرر والمنتمي للذات المجردة وهنا نحكم ببطلان ثبوت هذه الكونية التي تحمل بطياتها بذور نقائضها وأسباب دعوتها المطلقة.
الإنسان الكوني وأشكالية الهوية
إذن فالإنسان حسب طبعه وطبيعته كائن متنوع ومتبدل بالهوية إنه مركب وقابل للوصف بحسب المتبدلات والتحولات التأريخية وما تنتج وينتج من تنوع قيم وانتماء لهذه المتبدلات وغيرها,ولذا لا يمكن الحكم بذوبان حتمي ونوعي غير حقيقي في اطار شمولي جمعي ينفي الهوية ويمنع عليه التواصل زمنيا ومكانيا مع ثبوت تأثيرات هذين العنصرين عليه بالدليل العلمي التطبيقي مقابل افتراضات حالمة تنتهي بتجريده من إنسانيته البديهية وتقذف به في عالم ليس له ملامح وليس لديه صورة يمكن من خلالها أن نجعل لقوانين الماهوية الثابتة دور في الحكم العلمي عليه وعلى منجزه التأريخي.
ومن هنا يصار حتما ولزاما علينا أن نرفض الهوية المجردة,الهوية التي تجعل من الفرد والمجتمع والنوع مجرد وهم أو أن يكون كأي شيء ما يتم اختراع صياغته في وصف واحد,هذا الرفض مبني على منطلق عقلي ومنطقي يحاكي طبيعة الأشياء وليس تجاوز حقيقي على القوانين الثابتة التي لم يتمكن دعاة الكونية من اثبات عكسها أو ايجاد بدائل تبرهن على صحة ونجاعة المفترض الصوري عندهم,وخاصة لو نظرنا إلى أن تنوع العلاقات الاجتماعية ومبانيها القائمة على التباين والتعدد والخصوصية التي لها ارتباط حقيقي بالمكان والزمان وبالبنيان التكويني البيولوجي المتنوع,بحيث لا يمكننا اهداره اعتباطيا دون أن يكون لدينا برهان عملي وعلمي على أن يكون التجرد منها ممكن وحقيقي ولا يناقض الثبات بمرور الزمن وتبدل المكان.
إن البحث عن هوية الإنسان يمر عبر سلسلة من الارتباطات والتشابكات المادية والمعنوية والروحية والتي في جلها مرتبطة روحيا بالذات الإنسانية التي ترفض التخلي عن هذا الثابت لديها مقابل مشروع لم تتبين جديته ولم يثبت عمليا ويقينيا أن قادر على أن يحمل الإنسان على التضحية بها وتجاوزها مع كل فشل نراه للمفهوم تطبيقيا على أرض الواقع وبالتجربة الحسية,فهو يبنى قناعته ليس بناءا على مقتضيات فكرية فقط بل على موائمة بين الذات المنفردة والموضوع الخارجي وبين الذات التي تنادي بها الكونية ونفس الموضوع ومن ثم المقارنة بين النتائج.فهو ليس بذاك الكائن الغبي اللاواعي لحقائق كونية وليس صنفا من جنس متماثل بالخصائص العامة والخاصة بحيث يمكنه ان يفقد خاصيته لمجرد أن يكون امامه فكر نظري يريد أن يبرهن مصداقية خالية من برهان مؤكد.
يقتضي موضوع التجرد مستلزم أول وهو قدرة الأنا على تجاوز حقيقتها التكوينية,فهي تمثل لها أسس البرمجة الذاتية ومنبع التصورات الإمكانية من عدمها فلو توصلت الذات إلى القدرة على تجاوز البرمجة والتخلي عن وظيفة التصور اللا ممكن يكون بالإمكان القول بإيجاب عن أن اذات يمكنها ان تتجرد عن هويتها,ولكن يبقى سؤال اكثر إلحاحا عندما تجرد موضوع من وصفه الخاص أن بالتأكيد تبدل أيضا الماهية وتغير في الشكل الوجدي المرتبك به التصور الماهوي,إذن لا بد من صنع ذات جديدة غير تلك التي حاولنا تجريدها من هويتها,إنها ذات أخرى مصنوعة ومصنعة أيضا بمواصفات خاصة ونظام تشغيلي جديد,وهذا يعني لنا بالضرورة قتل الذات القديمة أو بالأقل أخراجها من الوجود الفاعل والمنفعل.
إذن لا يمكننا أن نقول أننا نجحنا في تغير معطيات الذات وأن تغير الهوية وتجريدها من أسسها ممكن,بل نحن نجحنا في أدلجة ذات جديدة وإيجادها على النحو الذي يتوافق مع مفهوم أخر يتجاوز الذات القديمة والأصيلية وإنما المستجيب الحقيقي له ليست ذات الإنسان الموجود إنها براءة اختراع حقيقية,أنتجها فكر ونظرية ولم تنتجها وقائع التكوين ولا شكلتها حركة الزمان ومستحقه ولم يكتشفها الوعي وهي لم تكتشف بوعيها الذاتي تلك المتطلبات التي فرض الزمن قوانينه عليها,أنها قيمة خارج الزمن وهميه تلك الهوية المجردة من الذات والذات المتجردة من هويتها.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟