أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - إطلالة من الخارج على المزبلة السورية














المزيد.....

إطلالة من الخارج على المزبلة السورية


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 19:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين انطلقت للمرة الأولى شرارة الثورة السورية من مدينة درعا، شاهدت من شاشة التلفزيون بشاعة انتقام الأجهزة الأمنية السورية من مجموعة صغيرة من الأطفال والمدنيين لمجرد ترديد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، الذي كان قد تحول إلى موضة شعبية عربية واسعة الانتشار في ذلك الوقت بعدما أطاح على التوالي بنظامي حكم عتيدين في تونس ومصر في غضون أيام وبثمن زهيد من الأرواح. كان واضحاً تماماً من البداية أن أجهزة الأمن السورية تريد أن ’تصنع عبرة‘ للآخرين من كل من تسول له نفسه الجهر بمناوئة النظام أو محاولة إسقاطه أسوة بما حدث في البلدين الشقيقين. منذ هذه الواقعة الأولى، فهمت وكرهت إلى حد الاشمئزاز مقاربة النظام الأمنية الفجة ضد ثوار مدنيين يطلبون الحرية في بلدهم من رئيس جمهورية فرضته- للمفارقة- الخلافة الوراثية لأبٍ كان بدوره قد حكم سوريا بالحديد والنار لمدة ثلاثين سنة متصلة. هو، بصراحة، نظام حكم بغيض لا يولي حتى الحد الأدنى من الاعتبار لإرادة شعبه.

ثم، بحجة القمع الوحشي من أجهزة النظام، سرعان ما اتسعت وتحولت الاحتجاجات المدنية السورية بدورها إلى تمرد مسلح. ومن شاشة التلفزيون أيضاً، إضافة إلى الفظائع التي كانت تنسبها المعارضة لقوات النظام أصبحت الآن أشاهد فظائع جديدة لكن هذه المرة النظام هو الذي كان يعرضها وينسبها للمعارضة، أو الجماعات الإرهابية والتكفيرية كما يسميها. قد أصبح العنف والقتل في سوريا متبادل. علاوة على ذلك، كنت ولا أزال مع كل مقطع فيديو تعرضه مجموعات المعارضة، أو تنسيقيات الثورة السورية كما تسمي نفسها، أشعر بضيق وامتعاض إلى حد القيء سواء من طريقة العرض أو محتواه أو الكلمات الفجة المليئة بالتكبيرات في غير محلها، كأني أمام مشهد مدبر ومفتعل، أو على الأقل متربص ومتجار بما يجري وربما حتى يذكيه كوسيلة مكيافيلية خبيثة للوصول إلى الحكم بأي ثمن. باختصار، هذه المعارضة السورية، مثل النظام السوري نفسه، لا تحترم الدم المراق وتتاجر به أبشع ما تكون المتاجرة. هي معارضة بغيضة من نفس جنس النظام الحاكم البغيض؛ قد أكون مخطئاً ومتجنياً في هذا الاستنتاج، لكن هذا هو صدقاً التصور الذي تكون لدى وأنا أتابع تفاصيل المشهد المأساوي من بعيد، في القاهرة، عبر شاشة التلفزيون.

حمزة، صبي سوري ودود وبشوش جداً في حوالي العاشرة، قوامه نحيل وفي طول ابنتي فرح تقريباً. كأني بسوريا تراباً وصخراً، بحراً وجبلاً، تطبق فوق صدري كلما رأيته يطوف الشوارع والحدائق ليلاً حيث أسكن مستعطفاً برقة وإباء المارة والجالسين ليشتروا منه بجنيه ترمس أو قطعة كيك صنعتها والدته، التي ربما ترقبه من بعيد تفادياً الحرج. هل يمكن يوماً أن تتشرد ابنتي وزوجتي هكذا في إحدى دول الجوار، حيث تجوب صغيرتي الشوارع استجداء الإحسان وزوجتي تبيع الكيك؟! لعن الله كل الرجال السوريين- في الحكومة والمعارضة- الذين لم يعملوا حساباً لمثل هذا اليوم.

في مكتبي التقيت سورياً آخر دمث الخلق يعمل مدرساً ببلده يدعى أبو خالد. في حديثي معه، واجهته بصراحة: "ربما أنتم السوريين فيكم حاجة غلط". كل بلد فيه مشاكل، وربما نحن في مصر لدينا مشاكل أكثر منكم وقد مررنا بأوقات ومواقف عصيبة وربما أكثر صعوبة وتعقيداً مما تمرون. خلال ثورة 25 يناير 2011 وصولاً إلى ثورة 30 يونيو 2013 كنا ولا نزال نختلف ونتعارك ويسقط ويقتل بعضنا بعضاً- لكن في حدود المعقول أخلاقياً ووطنياً. مهما بلغ بالمصريين الغضب من بعضهم البعض، هم لا ينسون أبداً أن هم ربما قد تشاركوا معاً الدفعة والفرقة نفسها في كتيبة عسكرية ما، أو المأكل والمشرب على مأدبة عرس أو صوان عزاء أو حتى مائدة رحمن رمضانية بالشارع، أو سافروا وتسامروا معاً في نفس الأتوبيس أو المترو أو القطار الواحد، أو درسوا وتعلموا في نفس المدرسة أو الجامعة، أو تلقوا العلاج في نفس المستشفى العام، أو اشتغلوا معاً في نفس الإدارة أو الشركة المنتشرة فروعها في كل الجمهورية. وطن واحد لشعب واحد يشارك بعضه البعض في كل شيء. حتى حيث أسكن، القوانين المصرية تشترط أن يسكن المسيحي في شقة مجاورة لي بنفس العمارة، ليس في عمارة منفصلة، أو حي منفصل، أو قرية منفصلة أو مدينة منفصلة. مصر عبارة عن ملك عام لكل المصريين.

في مصر، نحن قد أسقطنا بالفعل من الحكم ثلاث أنظمة- مبارك وطنطاوي والإخوان- في مدة لا تتعدى ثلاث سنوات وثمن إجمالي لا يتعدى عدة مئات القتلى، وبضعة آلاف الجرحى ومن دون مشردين أو نازحين أو مهجرين. في المقابل، السوريون- حكومة ومعارضة- في صراعهم على السلطة قد دمروا بلدهم، وقتلوا وأصابوا من بعضهم مئات الآلاف، وشردوا وهجروا من بعضهم الملايين. رغم هذا الثمن المروع، لا يزال كلا الطرفين مصر على موقفه- أحدهما إلى حد إبادة الآخر بالسلاح الكيميائي، والآخر إلى حد إبادة الأول أيضاً لكن بتدخل السلاح الأجنبي الفتاك. هل يوجد في العالم حكومة ومعارضة أسوأ من ذلك؟

الصورة هكذا لا تظهر سوريا كما كنت أظن وأتمنى سابقاً كوطن واحد لشعب واحد؛ في الحقيقة ما أراه أمامي الآن على الشاشة وعبر الانترنت مجرد صندوق قمامة غير متجانس قابل للاشتعال في أي وقت بسبب تخمر وتفاعل المواد العضوية المتعفنة والمتحللة المحشورة عنوة بداخله.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معاقبة التدخل القطري في الشأن المصري
- إمارة قطر، محمية أمريكية أم شوكة عربية؟
- وهم أسلمة الكافر بطبعه
- في آداب الصراع المسلح بين الدولة والثوار
- الدولة الرب
- الإخوان لا يتعلمون الدرس
- على طريق الإصلاح الديني-3
- على طريق الإصلاح الديني-2
- على طريق الإصلاح الديني
- المقدمة إلى الإصلاح
- ليبرالية مفلسة من داخل الصندوق
- خرافة الليبرالية الإسلامية والتفكير من داخل الصندوق
- ليس دفاعاً عن الإخوان
- مشكلة ضمير البرادعي
- عن فوائد الحروب
- ليبراليون في بيادة العسكر
- عن ديمقراطية الإسلام السياسي الموعودة
- 2- الإسلام السياسي يُحارب، لا يُسترضى
- مراهقة ليبرالية مصرية أم سذاجة في تحليل الحروب؟
- بعد فشل مشروع النهضة، الأخوان يطلقون مشروع الشهيد


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - إطلالة من الخارج على المزبلة السورية