|
نثرنا لرماد الموتى
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 21:26
المحور:
الادب والفن
بعد مجيء المغول ...
انهمكوا في تلاشي خوفهم منّا بصيانة قبورنا . مُجازاتهم لأعمالنا في الماضي فعل يُبرّأ المرء فيه نفسه من الإفراط في الاعتدال . اعتقادهم بأن الآلهة تتخلَّى عنّا في أكواخ الأسر ، يجعلهم ينذرون بناتهم الى الوافدين الغرباء وهم يجلبون معهم الزبيب ونسيم بحيرات النجوم . تدوّي في المفازات أشياء كثيرة غامضة ، وفي قانونهم الذي أضاعه الوشاة فيها ، حياء قليل للميت الذي يُنتزع منه قوس أيّامه . الجلوس مع الغالب في مراعاته لجرمه ، نكبة زيْدّت فيها البَليَّة على المغلوب ، شعب عظيم يغوص في إمتاع طويل لخزيه والعدو يسوسه الى العبودية ، يتنحَّى ضباطه وقناصله وآلهته في لحظة العار ، ويقتسمون الأشلاء مع البرابرة . شيئان ينهمك فيهما الخائن بعد مجيء المغول ، قتله لأبناء جلدته ، والسطو على الأبنية التي لم يهدمها العدو .
شائبة مألوفة ...
نافلة من الشمس في دنوها من الأشجار ، تُجنَّبنا الخصام مع ما لا نتيقَّن من محبَّته في تحلَّل العناصر . سقوط الميت في برّية البئر نيابة عن الأيَّام التي استثنى فيها نفسه من العيش ، طريقة سليمة لمصالحته موته وتقرّبه من الشفاعة العظيمة لأولئك الذين يتزلَّف لهم . العالي والسامي يُعجزنا في إرضائه ونحنُ نجني ثمار شروره في الصباح والمساء ، وإيماننا تنقصه عصارات تُنشّط خيالنا وفزعنا من عبور النجود الكبيرة في الجحيم أو الفردوس . إشاعة الاحسان في رثاء من يموت منّا ، فضيلة يثبَّتها يأسنا من نقص القرابين في الطبيعة ، وكلّ ما نرجوه الغفران ، يتعارض مع مديحنا له ، ويقدّم لنا شائبة مألوفة لا تُسعفنا في اخضاع رغباتنا لرأفته التي تستعلي علينا .
نثرنا لرماد الموتى ...
منازل مخصوصة لنوم المقدسين ، ندخل أبوابها في الصيف ونشعر بالرهبة من قبابها شديدة الخصوبة . إرجاع الميت الى الشهور التي حملته أمّه فيها . تأهيل جديد للأفعال التي تنساها الذئاب في ترصَّدها للفريسة ، والزمان يبرم بحيّل كثيرة حبال موتنا . التقريب بين الخالد والفاني ، خطأ نحوي نرتكبه عند حفر القبر للحيّ وهو يرهن نفسه لكمثرى الشمس . زبائن يتمتَّعون باهلية كافية للحمق ، يخسرون أموالهم في إنفاقها على شعائر يتجنَّبها المارّة ، وأيّام القيظ تستهين بادعاءتهم القرابة معها . تخرّصات يعاد انتاجها في كلّ عصر من أجل أن ينام الحالم على جنبه ، لكنَّ إناطتنا إشارة حظوظنا للطبيب الأعمى ، لا تعفي النسر من نبش ما نخفيه في أسفل الشجرة المجوّفة للسنة . وتائر غامضة نتعذَّب فيها ونحولها الى مراكب في ليل الحصاد . نفخ النسيم على الحجارة الصلدة ، شرك بالآلهة الشريرة التي تتعقَّبنا في نثرنا لرماد الموتى .
في رقاده على الجميل في الطبيعة .
يدحضون إقرارنا لهم بالعفّة ويعتَّمون على كلّ إشارة خيّر . حِجاجنا معهم حول الوردة التي تفنى فيها عائلة العصفور في ندامة الصيّاد ، يلجأهم الى صفّ الدمثين . مصداقية تنزع الى إزاحة المادة عن العظم ، نريدها منهم في غفلتهم ويقظتهم . الملاّح في تناثر البحار على قنديله الأجوف ، يُجرّد رغبته من توقها الى الغرق مع أضرابه ، ويواصل غيرته من الخصوم . الاعتراف بتفوّق الصخرة على النجمة ، تطبيق للعدالة في مداعبتها لأوهام الانسان . قبور أولية تكشّر بإفراط ضد ما نحاول تخليصه من إلحاحه على زواله ، نغضي عن علاماتها العجماء في توخّينا الحذر منها ، ونوقّر الدائم في رقاده على الجميل في الطبيعة .
ندى الوئام مع النفس ...
مهانة كبيرة لا تخلو من ادعاء بالحسد ، يبديها رجال الدين ضدّنا ونحنُ نحظى بصداقة الآلهة . دوافعنا السامية في فض الاشتباك بين العصفور والأفعى ، تكلَّفهم فقدانهم لقرابيننا المرجوّة . الرضا في الحاق الضرّر بالشجرة التي ترضع أطفالها في الظهيرة ، خروج على ما نؤمن به ، لكنَّ هؤلاء الأوغاد الذين ينسبون أفعالهم المقيتة الى الله ، يضطرون بعد كلّ صلاة لنا مع الأجداد الموتى ، الى دهن أبدانهم بذرق الطيور . الشذرة اللامعة لندى الوئام مع النفس ، لا يفلتها الرجل الصالح من حياته في سجنه لنفسه في الماوراء ، وكلّ حجارة تتهشَّم تحت الشمس ، مأوى للغريب . ما لم نجروء عليه في تلاوتنا لنشيد الألم بين أنقاض العالم ، فراغ بئر غطست فيها سنواتنا التي تشابهت علينا .
4 / 5 / 2013
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأبواب العتيقة للربيع
-
ما يلزمهم مع الزائل
-
الورم الجميل للحظة موتهم
-
بين السياج والبرّية
-
كلّ حرب لها شائعة معروفة
-
سهرنا في الريح مع الملُقّنين
-
اطراء العفّة
-
قسمتنا من الإرث
-
في تنفيذنا مشيئة الموتى
-
ما يتعاقب في أحلامنا
-
قصر حياته مع الأغلبية
-
تماثل طقسي
-
قبل الطوفان وبعده
-
فتائل الهاوية
-
الاطاحة بالمراثي
-
في إنشاده لموته
-
ما يجاوز يأسنا
-
ما كُنّا نخفيه عن الموتى
-
مطالبهم في البرّية
-
المنحدرون من هاوية الحرب
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|