أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (7)














المزيد.....

في رحاب الحلّاج (7)


مادونا عسكر

الحوار المتمدن-العدد: 4040 - 2013 / 3 / 23 - 01:28
المحور: الادب والفن
    


الألم من الحبّ نعمة

دستور المحبين*

قضى عليه الهوى ألا يذوقُ كرىً

وباتَ مُكتحلاً بالصَّابِ لمْ يَنَمِ

يقولُ للعينِ: جودي بالدموع، فإنْ

تبكي بجدٍّ [ وإلا ] فلنجُدْ بدَمِ

فمنْ شروطِ الهوى إنَّ المحبَّ يَرى

بُؤسَ الهوى أبداً أحلى من النِّعَمِ

كيفما أدركنا مشاعر انجذاب أو تعلّق، أطلقنا عليها تعريف "الحبّ"، إلّا أنّ للحبّ أصولاً بل هو أصل واحد يرتبط ارتباطاً وثيقاً به، ألا وهو الألم. وما لم يذق المحبّ طعم الألم من شدّة الحبّ فكأنّه لامس أطراف الضّوء وظنّ أنّه يجيد محاكاة النّجوم. أو أبهر حسّه نسيم الهواء فظنّ أنّه بلغ سرّ هبوبه.
وكيفما اتّبعنا طقوساً أو أشكالاً للتّعبير عن ولائنا لله، الحبّ الأسمى، أدرجناها في خانة الدّعاء والصّلاة، إلّا أنّ للدّعاء والصّلاة ترتيباً آخر، قد يجرّدنا من كلّ طقوس وترتيبات وشعائر حين يفكّك المحبوب قيود الرّوح ويطلقها إلى رحاب الحبيب ويخضّع الجسد لحبّه، فيفتح القلب له بل يصير هو القلب النّابض فيه.
هذا ما نسمّيه بالإيمان الخالص، أي المجرّد من كلّ ما يمكن استخدامه من ماديّات في سبيل التّعبير عن الحبّ للحبيب الأوحد. والمتحرّر من كلّ نصّ أو شريعة أو وصيّة، فلعشق الحبيب شريعة واحدة ، ألا وهي "الحبّ الصّرف". هذا الإيمان الخالص هو مسيرة حياة مع الحبّ المطلق، دربه جهاد واجتهاد بهدف عيش نعمة الحبّ. فلا أسباب تدفع المحبوب لغوص غمار الحبيب، ولا هدف يرجوه منه، هو الحبّ من أجل الحب، الحبّ فقط.
الإيمان الخالص استحقاق عظيم يرفع الإنسان من العبوديّة إلى العبادة، أي من عبد إلى عابد. فالعبوديّة هي الانطلاق من الله إلى الإنسان وأمّا العبادة فهي الانطلاق من الإنسان إلى الله حتّى بلوغ الوحدة معه، أي اتّحاد الحبيب بالمحبوب، وهي الرّتبة الأجلّ والأصفى. العبودية هي تطبيق الشّريعة بغية اكتساب قرب الله أمّا العبادة فهي التّحرّر من الشّريعة لأنّ الله قريب بما يكفي بل هو القرب، بل هو الأنا والأنا هو، فتبطل مفاعيل الشّريعة، ويبطل الهدف، ويكون الحبّ الصّرف.
لا بدّ أنّ "الحلّاج" استحقّ هذه الرّتبة بغض النّظر عن كلّ ما يقال في حقّ هذه الشّخصيّة الّتي شكّلت موضع نقد، إذ لا يمكن لأيّ كان أن يعبّر عن الحبّ أو عن التّفاعل معه انطلاقاً من الخيال. لا بدّ أن يحياه يقيناً ويعجز عن ترجمته بالألفاظ والكلمات، فيستخدم اللّغة الأقرب للحالة بغية إبلاغ المقصد. هو الّذي يبيّن لنا مكنون قلبه في هذه الأبيات العظيمة:
شيءٌ بقلبي، وفيه منكَ أسماءُ

لا النورُ يدري به كلا! ولا الظلمُ

ونورُ وجهِكَ سرٌّ حينَ أشهدُهُ

هذا هو الجودُ والإحسانُ والكرمُ

فخذ حديثي، حبّي، أنتَ تعلمُهُ

لا اللوحُ يَعلمُهُ حقاً ولا القلمُ.

ولئن يستحقّ "الحلّاج" هذه الرّتبة ، فلا بدّ أنّه انتهج مسيرة حياة كان محورها حبّ الحبيب، وفرّغ ذاته من كلّ شيء إلّا منه. وبات الحبيب حاضراً أبداً في قيامه وجلوسه، في أنفاسه، في جوعه وعطشه، في تعبه وراحته، في حزنه وفرحه... وهذه المسيرة الحلّاجيّة أثمرت اختباراً حقيقيّاً أدّى إلى معرفة سرّ الحبّ الحقيقي والكامل، ألا وهو الألم. فلا ينشد أبياته عبثاً في قوله:
قضى عليه الهوى ألا يذوقُ كرىً

وباتَ مُكتحلاً بالصَّابِ لمْ يَنَمِ

فالحبّ الكامل يستدعي السّهر، إذ لا يُشبع من مناجاة الحبيب، وإن تعبت العين من كثرة الاجتهاد يبقى القلب أسير وجهه البهيّ. فكلّما ناجيته اشتدّ عطشك إليه، وكلّما ارتويت منه جعت إليه أكثر فأكثر. ولا يضرم حبّك إلّا الدّمع الغزير، لأنّ الحبّ يبلغ حدّه فيعصر القلب شوقاً، ويؤلم الوجد حدّ البكاء.
إنّه لأمر عظيم أن يبكي المحبوب من شدّة الحبّ، فإن دلّ هذا على شيء، فهو يدلّ على أنّ الحبّ بلغ عظمة ضاق بها القلب فبكى. والألم يتّخذ مسار بذل الجسد والرّوح معاً، فالدّموع والدّم وسيلتان للتّعبير عن هذا الحبّ، ومن خلالهما يثبت للمحبوب قدر محبّته. فلا حبّ حقيقيّ من دون تطويع الجسد وبذله في سبيل الحبيب الّذي له الجسد والرّوح. عاش الحلّاج هذا الاختبار فحضر أمام عظمة الحبيب وهو ما زال يحيا في العالم:
يقولُ للعينِ: جودي بالدموع، فإنْ

تبكي بجدٍّ [ وإلا ] فلنجُدْ بدَمِ

فالحبّ ليس هدفاً يصبو إليه المحبوب، وإنّما يولد حبّه في قلب الأزل فيحفظه في قلبه ويسير على درب الألم ليحضن الأبد. وتتجلّى نعمة المحبّ في الألم من الحبّ، ويظهر لنا "الحلّاج" المبتهج والمتألّم حبّاً، حين يشدو:
فمنْ شروطِ الهوى إنَّ المحبَّ يَرى

بُؤسَ الهوى أبداً أحلى من النِّعَمِ

هو النّعيم الحقيقيّ والأكيد، أن يهبك الحبّ أسمى ما فيه وهو أن تتألّم من شدّة الحبّ. هي النّعمة المعطاة للمحبّ من دون استحقاق، فالنّعمة عطيّة مجّانيّة. والحبيب يفيض بحبّه دون شروط، وإذ تخطو نحوه تطأ السّعادة الحقيقيّة، والّتي هي الألم من الحبّ. وترى العالم من حولك يبحث عن السّعادة عبثاً، وأنت السّعادة في قلبك.
تلك هي النّعمة، وتلك هي السّعادة: أن تترنّح ثملاً من كأس الحبّ، حتّى إذا ما بلغ الثّمل حدّه غبت عن العالم لتدرك يقظة الحبّ فيك، الحبيب.



#مادونا_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أمّي
- حتّى النّسمة الأخيرة
- وجهك أيقونتي
- من ثمارهم تعرفونهم
- تكلَّمَ حبيبي
- صغيرة أنا في هذا العالم، كبيرة في قلبك
- عيناي لك الحبيب
- ضدّ الطّائفيّة
- صلاة بلا كلام
- تخيّل...
- في رحاب الحلّاج (5)
- للحرّيّة عندي معنى آخر
- من هم صانعو السّلام
- سأكون ما تريد
- إلى ملاكي الحارس
- في رحاب الحلّاج (4)
- وحدك تكفيني
- في رحاب الحلّاج (3)
- في رحاب الحبيب
- هوذا الحبّ بيننا فابتهجوا.


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (7)