أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (3)














المزيد.....

في رحاب الحلّاج (3)


مادونا عسكر

الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 17:00
المحور: الادب والفن
    


الحبيب الأنا

وصف موعد حبّ صوفي

لي حبيبٌ أزور في الخلوات
حاضر غائب عن اللّحظات

ما تراني أصغي إليه بسمع
كي أعي ما يقول من كلمات

كلمات من غير شكل ولا نطق
ولا مثل نغمة الأصوات

فكأنّي مخاطب كنت إيًّاه
على خاطري بذاتي لذاتي

حاضر غائب قريب بعيدٌ
وهو لم تحوه رسوم الصّفات

هو أدلّ من الضمير إلى الوهم
وأخفى من لائح الخطرات

فجّر "الحلّاج" إيمانه حبّاً، استمدّه من الله لتتحوّل عبادته إلى عشق لا متناه. وهذا العشق لا يمكن أن يظهر بالشّكل الّذي نستشفّه من كلمات "الحلّاج"، إلّا إذا كان صادقاً تامّاً. كما أنّه ليس بالإمكان أن نحبّ الله بمبادرة شخصيّة فرديّة، فالله هو من يحبّنا أوّلاً ويزرع فينا محبّته، فيأتي الإيمان به جواباً على هذا الحبّ. والطّريق إلى الله وإن تشعّبت سبلها إلّا أنّ الحبّ هو الطّريق الأقرب والأجمل والأرقى، إذ إنّه يساهم ببناء علاقة شخصيّة مع الله تتدرّج مع الوقت إلى علاقة حميميّة وخاصّة، لا يدرك معناها إلّا الحبيب والمحبوب.
أيًّا كانت معاني الصّوفيّة سواء أكانت مبهمة أم معلنة، غامضة أم واضحة، إلّا أنّ ما يظهر لنا من خلال العبارات الحلّاجيّة، هو حبّ عظيم وعشق لا محدود للذّات الإلهيّة. ليس شعر الحلّاج تأليفاً خياليّاً وإلّا لاكتفينا بالمعنى الظّاهريّ ولما سرقنا عمق المعنى.

لي حبيبٌ أزور في الخلوات
حاضر غائب عن اللّحظات

حبيب ليس كالأحبّة، وزيارته ليست تقليديّة. هو الحبيب الّذي في الخفاء، وهنا الخفاء هو الذّات الإنسانيّة. يدخل المحبوب مخدعه أي ذاته ليحدّث الحبيب الحاضر الغائب عن اللّحظات. فالزّمان الممتدّ بين الدّقائق والسّاعات لا يعني شيئاً، واللّحظات تشبه نسيمات الهواء الّتي تتأرجح على أهداب المكان ولا نراها ولا نعرف من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. يزور المحبوب الحبيب في عمق أعماقه بل هي زيارة الحبيب الّذي يحبّ أولاً ليمنح المحبوب القدرة على الحبّ المطلق.
ما تراني أصغي إليه بسمع
كي أعي ما يقول من كلمات

كلمات من غير شكل ولا نطق
ولا مثل نغمة الأصوات

الإصغاء سر المحبّين، إذ إنّه يرتقي عن الاستماع، ويتجرّد من الحاسة ويتخطّاها إلى التّأمّل الصّامت، ولكن في نفس الوقت يملأ صوت الحبيب كيان المحبوب. ما يصغي إليه المحبوب ليست كلمات عابرة وإنّما هو يروي حواسه من الحضور ويرتشف من سكينته أبلغ لغة، فيسمع ويرى ولكنّه لا يسمع ولا يرى.
هذا الإصغاء إلى اللّاكلام يشكّل حالة صلاة مرتقية جداً حيث لا الحبيب يتكلّم ولا المحبوب، ولا الحبيب يسمع ولا المحبوب، إنّما هو الحضور الّذي يكتفي به الاثنان معاً، وهو فوق الكلام وفوق اللّغة. في نفس السّياق يقول جلال الدين الرّومي: "للعشق لغة ليس ينطق بسواها، ولا يفهمها إلا أهلها". فليس متاحاً للجميع فهم لغة العشق لا لصعوبة فيها ولكن لخصوصيّتها وحميميّتها. ويقول القدّيس بولس: " إنّ الرّوح يصلّي فيكم بأنات لا توصف". هو من يصلّي فينا وليس نحن من نصلّي، فجلّ أقوالنا تمتمات، وهو الّذي يحبّ فينا فحبّنا لا يكتمل إلّا به.
فكأنّي مخاطب كنت إيًّاه
على خاطري بذاتي لذاتي

حاضر غائب قريب بعيدٌ
وهو لم تحوه رسوم الصّفات

يتهيّأ للعاشق بداية أنّه يخاطب حبيبه إلّا أنّه يخاطب ذاته، فالحبيب في داخله، يسكن في عمق أعماق ذاته، وحاضر في الكيان كلّه. وإن غاب عن البصر فهو غير محتجب عن البصيرة. هو البعيد عن الحواس لكنّه القريب أكثر من القرب في خلايا الرّوح، والمرتفع فوق التّعابير والمنصهر في كلّ ذرّة من الطّبيعة الإنسانيّة.
قد نصف الحبيب بأعظم الصّفات وأسماها لكنّنا نبقى نتمتم الكلمات ونتلمّس المعاني. فالحبيب أعلى وأسمى من كلّ صفة، وأعظم من أيّ لغة. وندرك الحبيب بالصّمت ويتفوّه القلب ما تعجز عن وصفه اللغة، فإدراكه أشبه بمن غاص في أعماق البحار ليكتشف جمالها الحقيقيّ. فالجمال المنقشع على وجه المياه ليس إلّا لفحات من سحر البهاء. وأمّا الفتنة والسّحر فيكمنان في العمق حيث الاتّحاد بجمال الحبيب، فنتجمّل.
_____________
ديوان الحلّاج، أبي المغيث الحسين بن منصور بن محمى البيضاوي (244 هـ- 309 هـ/ 858-922 م)، صنعه وأصلحه أبو طرف كامل بن مصطفى الشيبي، منشورات الجمل 1997- الطبعة، الأولى- ألمانيا- كولونيا



#مادونا_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رحاب الحبيب
- هوذا الحبّ بيننا فابتهجوا.
- السّياسة، مجدلة كبرى
- النّفس
- في رحاب الحلّاج (2)
- الشّوق القديم
- في رحاب الحلّاج (1)
- عندما يشدو قلب الإمام للحبّ
- فصل من سفر الحبّ
- كان لنا قلبان
- ألقاك أبداً...
- الانتظار المفعم بالجلالة
- لي أن انقصَ، لك أن تزيدْ
- قم للحياة
- القتل باسم الله
- أنت حاجتي
- أبديّة الحرير
- كلنا للوطن...
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد (7)
- دمع الحبيب


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (3)