أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (2)














المزيد.....

في رحاب الحلّاج (2)


مادونا عسكر

الحوار المتمدن-العدد: 3939 - 2012 / 12 / 12 - 00:36
المحور: الادب والفن
    


المشيئة الواحدة

عبارات كيمياوية
نَسماتِ الريحِ قولي للرَّشا
لمٍ يزِدني الوِردُ إلا عطشا

لي حبيبٌ حبُّهُ وسطَ الحشا
إن يشأ يمشي على خدي مشى

روحُهُ روحي وروحي روحُهُ
إن يشأ شئتُ وإن شئتُ يَشا

نهح الحلّاج نهجاً صعباً في التّصوّف، إذ ألقى بنفسه في غمار الحضرة الإلهيّة، وقد بلغ ذروة التّماهي مع هذه الذّات العليا بحيث أنّه اتّحد بها اتّحاداً كلّيّاً. ولئن اتُّهم الحلّاج بالكفر، فإنّ هذا الاتّحاد بالذّات الإلهيّة لا يدركه إلّا من شهدوا عقلاً وروحاً عظمة الحبّ الإلهيّ، وهم النّخبة. والنّخبة هي صفوة الأشخاص الّذين أمكنهم التّفاعل مع الحبّ الإلهي، باكتشافهم أنّ الله الحقّ هو "الحبّ". والحبّ هنا لا يأتي بمعناه العاطفي والرّومانسي، وإنّما بمعنى علاقة حميمة ووثيقة بين الإنسان والله، تخلص إلى وحدة النّاسوت باللّاهوت.
كلّ مؤمن يحبّ الله ولكن ليس كلّ مؤمن يتفاعل مع الله الحبّ، فمفهوم الله متفاوت بين جماعة وأخرى، وحتّى بين شخص وآخر. قد يعبّر الفرد عن حبّه لله بالطّاعة وتطبيق الوصايا والالتزام بالشّريعة، أو بتأدية الفروض الدّينيّة بشكل تام. أمّا التّفاعل مع الله الحبّ، فهو يرتقي إلى ما هو أبعد من الشّريعة، بل هو التّحرّر من الشّريعة والسّلوك في حبّ الله من أجل الحبّ، لا طمعاً في جنّة ولا خوفاً من نار. فيحيا المؤمن عاشقاً للذّات الإلهيّة، يحيا بها ولها، ويكون بكلّيّته مكرّساً لها. والتّكريس هنا لا ينفي العلاقة بالمجتمع، إذ لا معنى للعلاقة مع الله بعيداً عن الآخر، والعكس صحيح. ونرى أنّ التّصوّف عند الحلّاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكاً فردياً بين المتصوف والخالق فقط. لقد طوّر الحلاج النّظرة العامة إلى التّصوّف، فجعله جهاداً ضد الظّلم والطّغيان في النّفس والمجتمع.
إنّ عشق الذّات الإلهيّة والاتّحاد بها يفيض عنه عشق مماثل للإنسان بشكل عام فتكون العلاقة عمودية مع الله وأفقية مع الإنسان.
هذا العشق الفائق كلّ تصوّر يدخل العاشق في حقيقة المعشوق، فيعاينه وكأنّه في مرآة إلى أن يحين موعد اللّقاء الأبديّ. فتشتاق النّفس شوقاً عظيماً، لا يرويه شيء. ويبقى الموت هو منية الرّوح، لأنّه يشكّل الدّخول إلى الحياة ومعاينة الحبّ المطلق وجهاً لوجه.
يحيا العاشق عشقه لمحبوبه الإلهيّ في قلب العالم ولكنّ حبّه لا يلمس الأرض، ويرتقي سلّم الانصهار والاتّحاد، حتّى يبلغ ذروة الذّوبان في الذّات الإلهيّة، حتّى يصبحا واحداً فكراً وروحاً، وبالتّالي تصبح المشيئة واحدة. فيكون المحبوب في عمق الذّات الإلهيّة، والمحبوب في عمق الذّات الإنسانيّة. فينهل المحبوب من الحبيب نبع الحبّ، ولا يرتوي، وينسحق أمامه بكلّيّته حتّى أنّه لا يفكّر بتحقيق مشيئة الحبيب وإنّما تصبح المشيئتان واحدة. ولا يعود الحبيب والمحبوب اثنين بل واحداً.

من هنا يعبّر الحلّاج عن هذه المشيئة الواحدة بقوله:
روحُهُ روحي وروحي روحُهُ
إن يشأ شئتُ وإن شئتُ يَشا

والإنسان إذا ما تفاعل مع الحبّ المطلق، وجد سبيله إلى الحقيقة بل لامسها بل دخلها وعاشها، وترجّى الموت كربح له لأنّ الحياة لا تكون حياة إلّا بالمحبوب ومعه.
________________
ديوان الحلّاج، أبي المغيث الحسين بن منصور بن محمى البيضاوي (244 هـ- 309 هـ/ 858-922 م)، صنعه وأصلحه أبو طرف كامل بن مصطفى الشيبي، منشورات الجمل 1997- الطبعة، الأولى- ألمانيا- كولونيا



#مادونا_عسكر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشّوق القديم
- في رحاب الحلّاج (1)
- عندما يشدو قلب الإمام للحبّ
- فصل من سفر الحبّ
- كان لنا قلبان
- ألقاك أبداً...
- الانتظار المفعم بالجلالة
- لي أن انقصَ، لك أن تزيدْ
- قم للحياة
- القتل باسم الله
- أنت حاجتي
- أبديّة الحرير
- كلنا للوطن...
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد (7)
- دمع الحبيب
- بين -مع النّظام- و-ضدّ النّظام-، سقط الإنسان.
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد (5)
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد(4)
- الله بين الإيمان والإلحاد
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد(3)


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (2)