أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - الانتظار المفعم بالجلالة














المزيد.....

الانتظار المفعم بالجلالة


مادونا عسكر

الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 01:40
المحور: الادب والفن
    


قراءة في قصيدة "درس من كاما سوطرا"* لمحمود درويش

لا يمكن للشّوق إلّا أن يكون راقياً، سامياً، يحلّق خلف الأزمنة والأمكنة. وكلّما ارتقى، اتّقد واضطّرم، وعصفت به قوّة الانتظار المستمرّ. هو الشّوق الذّي لا يبلغ نهاية ولا منتهى، هو حالة الظّمأ الدّائم الأبديّ، والولوج في سرّ الانتظار الذّي لا يُدرك بل يُعاش.
تلك المعاني نستشفّها من قصيدة "درويش"، ويطيب لنا الإصغاء إلى لهفة الشّوق الّتي تعبق بها حروف القصيدة.
تتكرّر كلمة (انتظرها) مع كلّ حالة من حالات القصيدة وتتدرّج من أولى لحظات الانتظار إلى بلوغ الوحدة والانصهار. ويبقى الانتظار محور القصيدة، ومحور قلب الشّاعر، حتّى بعد اللّقاء.
هو انتظار مفعم بالجلالة والأبّهة، فتمنحك القصيدة إحساساً بأنّك في عالم العظمة، حيث الانتظار شرف رفيع، ورقّة لا متناهية، فالمنتطر فارس نبيل والمتوَقَّع مجيئها، روح أو كيان من عالم غير محسوس وغير مدركٍ. كأنّه ينتظر من لا يعرفه الأرضيّون، بل روح آتية من خارج الزّمان لتحلّ في زمان الفارس وتبدّل معالم حياته.
بكأس الشراب المرصّع باللازرود انتظرها،
على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا انتظرها،
بصبر الحصان المعدّ لمنحدرات الجبال انتظرها،
بسبع وسائد محشوة بالسحاب الخفيف انتظرها،
بنار البخور النسائي ملء المكان انتظرها،
برائحة الصندل الذكرية حول ظهور الخيول انتظرها،
يتسرّب إلى تلك الأبيات، انتظار هادئ، يترافق والارتواء من كأس الوقت المرصّع بالأحجار الكريمة، حيث يظهر كأنّه كنز ثمين مُنح للمنتظِر، ليترقّب الحضور. ويتجلّى حيّاً من خلال رمز الماء، الّذي هو الحياة، وقويّاً يشابه استعداد الأحصنة للولوج في منحدرات الجبال الصّعبة والوعرة. وتختلط رائحة البخور النّسائي برائحة الصّندل الذّكريّة لتشكّل وحدة حاضرة قبل اللّقاء.
في هذا المقطع المعطّر بزهر الكولونيا ورائحة الصّندل والبخور، نتبيّن انتظاراً صبوراً، وقوراً مشتعلاً في آن. وكأنّ "درويش" يرسم لوحة سورياليّة ساحرة، يخطّ فيها الكلمات عطراً يتجسّد في انتظار شغوف نبيل وهادئ، ولكنّه مشتعل ومتّقد.
ولا تتعجل فإن أقبلت بعد موعدها فانتظرها،
وإن أقبلت قبل موعدها فانتظرها،
ولا تُجفل الطير فوق جدائلها وانتظرها،
لتجلس مرتاحة كالحديقة في أوج زينتها وانتظرها،
لكي تتنفس هذا الهواء الغريب على قلبها وانتظرها،
لترفع عن ساقها ثوبها غيمة غيمة وانتظرها،
وخذها إلى شرفة لترى قمراً غارقاً في الحليب وانتظرها،
وقدم لها الماء، قبل النبيذ، ولا
تتطلع إلى توأمي حجل نائمين على صدرها وانتظرها،
ومسّ على مهل يدها عندما
تضع الكأس فوق الرخام
كأنك تحمل عنها الندى وانتظرها،
يدعو الشّاعر المنتظرَ إلى التّريّث وعدم استعجال المجيء، رغم الشّوق المتّقّد، والمترقّب، فليس الموعد الدّقيق هو غاية الانتظار، بل الغاية الحقيقيّة هي استمراريّة الشّوق كشعلة تشتعل بذاتها لا تنطفئ ولا تهمد. فإن أتت قبل الموعد أو بعده، يبقى الشّوق عاصفاً في النّفس لا يرويه لقاء ولا يشبع توقه الحضور. ويهيّء المترقّبُ جوّاً راقياً رومنسيّاً، ويهتمّ بأدقّ التّفاصيل الّتي تليق بالرّوح الّتي ينتظرها والّتي لا بدّ أنّها آتية. وتسيطر الرّقّة في هذا المقطع، فيدعو الشّاعر المنتظر إلى التّعامل مع الآتية بليونة وحنوّ، كي تكون الآتية مرتاحة ومتنعّمة. وهي الحاضرة بوهجها السّماويّ، يخشى الشّاعر عليها من غرابة العالم، فيحاول تقديم كلّ ما يليق بحضورها الجلل.
تحدّث إليها كما يتحدث ناي
إلى وتر خائف في الكمان
كـأنكما شاهدان على ما يعد غد لكما وانتظرها
ولمّع لها ليلها خاتما خاتما وانتظرها
في حضورها رهبة وخشوع، فيكون الحديث معها همساً شاعريّاً ولغة خاصّة غير تقليديّة، ما يدلّ عليه "درويش" بحديث النّاي إلى وتر خائف في الكمان. هو حديث راق كما الموسيقى، ترتفع بالإنسان إلى الأعالي، وتفيض على روحه تامّلات السّماء. هو حضور آنيّ وأبديّ في آن معاً، لأنّه امتداد الأمس إلى الغد اللّامتناهي وغير المحدود بخطوات الوقت وقيود المكان. فيغرق المنتظر والآتية في وحدة تأمّل الأبد وبيقى الانتظار مضطّرماً.

وانتظرها
إلى أن يقول لكَ الليل:
لم يبقَ غيركما في الوجود
فخذها، برفق، إلى موتك المشتهى
وانتظرها!…
ويقودهما الشّوق إلى الإنصهار في قلب اللّيل حيث السّكينة والسّكون، فيخلو العالم إلّا من وجودهما، ومن شوقهما الشّغوف إلى الانتقال بالموت إلى الأبد حيث لا ينتهي الشّوق والانتظار بل يتحوّلان إلى حقيقة تُعايَنُ وتُعاش في النّور السّرمديّ، الأزليّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
* القصيدة من ديوان "سرير الغريبة"، دار رياض الريس، لندن، الطبعة الأولى، (125-128).






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لي أن انقصَ، لك أن تزيدْ
- قم للحياة
- القتل باسم الله
- أنت حاجتي
- أبديّة الحرير
- كلنا للوطن...
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد (7)
- دمع الحبيب
- بين -مع النّظام- و-ضدّ النّظام-، سقط الإنسان.
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد (5)
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد(4)
- الله بين الإيمان والإلحاد
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد(3)
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد (2)
- قراءات في سفر نشيد الأناشيد (1)
- إن أنت سكتَّ فمن يتكلّم؟
- اللّوحة البيضاء
- أيّها الغيث.
- الفكر الإنساني في جملة: -من ضربك على خدّك، حوّل له الآخر- (ل ...
- أنا وأنت... بعيداً جدّاً


المزيد.....




- إفران -جوهرة- الأطلس وبوابة السياحة الجبلية بالمغرب
- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - الانتظار المفعم بالجلالة