أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (4)














المزيد.....

في رحاب الحلّاج (4)


مادونا عسكر

الحوار المتمدن-العدد: 3962 - 2013 / 1 / 4 - 17:57
المحور: الادب والفن
    


أحبّ حتى الموت لأحيا

العشق موت وحياة

واللهِ لَوْ حَلَفَ العُشَاقُ أَنَّهُمُ
مَوتَى من الحُبِّ أَو قَتلى لما حَنَثوا

قَوْمٌ إِذا هُجِروا مِن بَعْدِ ما وُصِلوا
ماتوا، وإنْ عادَ وَصْلٌ بَعْدَهُ بٌعِثوا

ترى المحبّينَ صرعى في ديارهُمُ
كَفِتْيَةِ الكَهْفِ، لا يَدرونَ كمْ لَبِثوا

يتّخذ الحبّ معناه الأصيل عندما يبدأ وينتهي في قلب الله. فالله مصدر الحبّ، بل هو الحبّ المطلق، هو النّبع الذّي يستقي منه كلّ محبّ فيض مشاعره وأحاسيسه. فالحبّ إن بقي في إطار العالم بقي عند حافة التّعلّق العاطفي الّذي قد ينتهي أو يتبدّل مع مرور الوقت وانطواء السّنين.
والحبّ المستمدّ من النّبع الأصيل هو العشق الحرّ الّذي لا يدفن نفسه في الأنانيّة والغيرة والتّملّك والسّيطرة. وينطلق حرّاً في هذا العالم ويسمو إلى العلا دون أن يلمس الأرض. ولمّا كان هذا العشق مستمدّاً من العلا اقتضى أن يتّخذ مساراً متسامياً، مترفّعاً عن العالم، زاهداً به.
كما أنّه لا بدّ لهذا العشق أن يعتمد أسلوب حياة كي يصل إلى مبتغاه، وهو أشبه بطريق جلجلة يسلكها العاشق بخطوات ثابتة، ليرتفع على جبل الحبّ متطلّعاً نحو السّماء حيث وطنه الأبديّ.

واللهِ لَوْ حَلَفَ العُشَاقُ أَنَّهُمُ
مَوتَى من الحُبِّ أَو قَتلى لما حَنَثوا

إنّ هذا الحبّ الرّاقي والمتسامي يفتك بكيان الإنسان، عقلاً وروحاً، فيخطف العقل بعظمته السّماويّة ويصوغ منه أفكاراً مستنيرة تتدلّى من كرمة الحكمة. ويسلب الرّوح أشواقها ليحيكها ثوباً زاهداً له وحده.
هو الحبّ الّذي يمسك بيد الإنسان ويسير به في طريق مؤلم ولا نقول موجع، فشتّان بين الألم والوجع. فالأوّل عطر السّعادة الّتي تنبع من فيض الفرح، يتنسّم في حنايا الرّوح ليمنحها نشوة لا يعرفها إلّا من لامس الحقيقة وعايشها. وأمّا الثّاني فوخزات عذاب يسكّنها مخدّر ويخفّفها طبيب.
سرّ الحبّ الحقيقيّ، داء الألم يفتك بالجسد والرّوح ويسير به نحو الموت الّذي هو عتبة الحياة. ليس الموت من الحبّ بدعة أو شغفا زائلا، وإنّما غاية يسعى إليها المحبّون ليتحرّروا من كلّ قيود العالم الفاني، ليحيوا في العالم الباقي.
وإن أقسم العشّاق أنّهم سيموتون حبّاً، فهم صادقون، لأنّ الموت بالنّسبة لهم باب الحياة.
قَوْمٌ إِذا هُجِروا مِن بَعْدِ ما وُصِلوا
ماتوا، وإنْ عادَ وَصْلٌ بَعْدَهُ بٌعِثوا

الموت ربح لمن دخلوا سرّ الحبّ وعاينوه حقيقة مطلقة، فينتفي عنه معنى النّهاية الحتميّة، ويصبح المبتغى إذ إنّه يشرّع لهم أبواب الحياة.
يقول الفيلسوف الفرنسي "تاليران- Talleyrand" إنّ الموت هو فعل حرّيّة بامتياز، والمعنى أنّ بالموت نتحرّر من كلّ ما يقيّدنا جسديّاً وفكريّاً وروحيّاً، وننطلق كقيمة إنسانيّة نحو الكمال المطلق. تلك هي غاية العاشق، التّحرّر من كلّ شيء للانطلاق نحو كمال الحبّ. هو لا يسعى إلى الموت، أي لا يُقْبل على الانتحار، بل يرنو إليه من بعيد ويتوق إلى تلك اللّحظة الّتي ستخرجه من هذا المنفى إلى الحرّيّة المطلقة.
وبذلك، لا همّ إن تفرّق المحبّون، فهم ومتى انفصلوا عن الزّمان والمكان عبروا إلى اللّازمان واللّامكان، ليبعثوا في حياة جديدة.
ترى المحبّينَ صرعى في ديارهُمُ
كَفِتْيَةِ الكَهْفِ، لا يَدرونَ كمْ لَبِثوا

العاشق الذّي لامس حقيقة الحبّ، يحياها في العالم مع إنّه عمليّاً خرج عن نطاقه. ولكنّه لا بدّ أن يحياها هنا ومنذ الآن، لأنّها ليست محدودة بالمكان والزّمان، وإنّما هي ممتدّة منذ الأزل وإلى الأبد. فترى العاشق يدخل سرّها ويعاينه ويفقد معنى الزّمان والمكان، فيمكث في العالم لكنه متحرّر منه، وكأنّي به يحضن بشماله الأزل وبيمينه الأبد.
يبقى العاشق طريح العالم من شدّة الحبّ، ويترقّب السّاعة المجيدة حيث تنفتح له أبواب المجد الأزلي فيعبر لابساً ثوب العرس، مكلّلاً بأنوار الحبّ، إلى ضياء النّور السّرمدي.
كذا يعبّر ابن الفارض عن الموت عشقاً:
إن شئت أن تحيا سعيدًا فمت بهِ
شهيدًا وإلّا فالغرام له أهلُ

فمن لم يمت في حبّه لم يعش بهِ
ودون اجتناء النّحل ما جنت النّحلُ

_________________
ديوان الحلّاج، أبي المغيث الحسين بن منصور بن محمى البيضاوي (244 هـ- 309 هـ/ 858-922 م)، صنعه وأصلحه أبو طرف كامل بن مصطفى الشيبي، منشورات الجمل 1997- الطبعة، الأولى- ألمانيا- كولونيا



#مادونا_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدك تكفيني
- في رحاب الحلّاج (3)
- في رحاب الحبيب
- هوذا الحبّ بيننا فابتهجوا.
- السّياسة، مجدلة كبرى
- النّفس
- في رحاب الحلّاج (2)
- الشّوق القديم
- في رحاب الحلّاج (1)
- عندما يشدو قلب الإمام للحبّ
- فصل من سفر الحبّ
- كان لنا قلبان
- ألقاك أبداً...
- الانتظار المفعم بالجلالة
- لي أن انقصَ، لك أن تزيدْ
- قم للحياة
- القتل باسم الله
- أنت حاجتي
- أبديّة الحرير
- كلنا للوطن...


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مادونا عسكر - في رحاب الحلّاج (4)