أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - الفيل و الضبع و البغل















المزيد.....

الفيل و الضبع و البغل


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3960 - 2013 / 1 / 2 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، و سالف العصر و الأوان ، ليثٌ أغلبَ ، نصّب نفسه على الغابة سلطاناً ، و كان ديدنه إفتراس الغزلان و الحملان ، يعاونه في غزواته ضبع شرس لا يشبع من الفتك بالحيوان . و لأن الضبع كان يعرف أن سيده الليث تكفيه هو و لبوته و شبله في كل وجبة ثلاثة من الحملان أو الغزلان ، لذا فقد اعتاد الضبع قتل عشرة منها ، كي يصطفي لنفسه السبعة الباقية . ضجَّت الحملان و الغزلان من الفتك الذريع بهن ، فاشتكين عند الفيل . شمَّر الفيل عن خرطومه ، و توجه راعداً نحو عرين الضبع ، و استدعاه ، و قال له و هو يلوح بخرطومه :
- أسمع ، أيها الضبع النتن ، إياك إياك و أن تفتك مرة أخرى بأي حمل أو غزال ، و إلا طوحت بك في غياهب مستنقع الرمال المتحركة ، فتغرق هناك غير مأسوف عليك ، ثم تطوف جثتك فوق مياه المستنقع ، فتأكلها الأبوام و العقبان .
- أرجوك يا معالي الفيل المبجل أن تتمالك أعصابك فكلنا شركاء في هذه الغابة . أنت تأكل النباتات ، فما شأن نيافتكم بالحملان و الغزلان ؟
- أيها الجاهل ، كيف تسمح لنفسك أن تسألني مثل هذا السؤال ؟ ها ؟ ألا تعلم أنهن أخواتي بالرضاعة ؟
- هممم . و لكن – يا معالي الفيل المحترم – أنّى لي أن أقلع عن افتراس الحملان و الغزلان ، و أنا لا أشبع من نهش لحومهن الطازجة ، و لا من قضم عظامهن الطرية ، و لا يسد جوع معدتي غيرهن ؟ هل تقبل أن أموت جوعاً ؟
- هل جربت أكل أوراق الأشجار مثلي ؟
- لا !
- إذن ، آن لك الأوان كي تبدأ بتجربة إملاء فمك النتن بها ، و قضمها ؛ فهي لذيذة و مغذية و معطرة للفم ، و لا عظام و لا دماء فيها . ما رأيك ؟
- و لكنني لا أحب أكل أوراق الأشجار ! و لا أستطيع تصور كيف أنها يمكن أن تشبع فيلاً ضخم الجثة مثلك . و لا يبدو لي أن مائة ورقة يمكن أن تساوي حتى نهشة واحدة من فخذ الغزال .
- إذن تناول وجباتك في مطعم الماكدونالدز !
- مطعم الماكدونالدز ؟ و لكن أسعاره غالية ، و لحومه متورّمة ، و مجدَّرة ، و مذبوحة على غير أحكام الشريعة . كما أنها تتسبب في عسر الهضم ! و لا تنسَ أنني حيوان مفلس ، لا يملك شروى نقير !
- لماذا لا تشتغل في مهنة مفيدة غير الفتك بالدواب المسالمة ، فتكسب منها ما تحتاج من النقود ، و تشتري طعامك بعرق جبينك ؟
- و لكنني – يا معالي الفيل - أمتهن أشرف وظيفة ؛ و إن كنت أستحرم من قبض النقود لقاء نتاج عرق جبيني ؛ و كل ذلك قربة إلى الرب تعالى .
- و ما هي وظيفتك ؟
- أنا الكاهن الأعظم للهيكل الحجري .
- و أي نوع من الوظائف هذه ؟
- إنها أشرف وظيفة ! إنني أتكفل بهداية العباد المذنبين الخطّائين إلى درب الرب الصحيح القويم مجاناً و دون أي مقابل ؛ و لم أخيب يوماً رجاء كل ضبعة متقية في جميع أرجاء الغابة في تأمين الإتصال لها بالرب حسب الأصول ؛ فمراسيم هذا الطقس المبارك هي تخصصي الدقيق الذي لا يدانيني في ضبطه أحد .
- الإتصال بالرب ؟ شيء عظيم ! و كيف تستطيع عمل ذلك ؟
- أرجو أن تعفيني - نيافة الفيل - من البوح لك بالتفاصيل فذلك هو سر المهنة الدفين .
- و لماذا لا تستطيع الضباع الإتصال بالرب إلا من خلالك ؟
- لكوني الكاهن الأعظم لهيكل الإله .
- و كيف أصبحت الكاهن الأعظم ؟
- بالوراثة ، من المرحوم أبي .
- و من هو أبوك ؟
- كاهن الجهات الأربع ، قداسة الأب : شلنفص بن شلولو العرعوري .
- شلنفص ؟ ألم يكن يشتغل قوّاداً يجلب الضبعات السوداوات للضباع الخضران الغريبة طوال الوقت ، و ذلك قبل أن تهرب بجلدها قبل سنة من هذه الغابة ؟
- أنا أحتج ! و بشدة ! لقد كانت تلك وسيلة دستورية للإتصال بالرب !
- و لكن أباك لم يبق و لا ضبعة واحدة في كل الغابة لم يمتع الخضران بمفاتنها ؛ و كان كل ذلك يجري داخل أسوار قلعة الهيكل . فكيف تقول أنه مقدس ؟
- يا سيدي الفيل ، إتق الإله كي لا يمسخك خنزيراً أو قرداً حقيراً !
- طز بك ، يا ... ما أسمك ، أيها الضبع ؟
- جعرور العرعوري .
- إسمع يا سيد جعرور : ما أنت إلا ضبع حقير .
- كلا ، كلا ، يا سيدي . أتوسل إليك يا سيدي أن تصدق أقوالي . أنا ضبع ماجد ؛ و أنا الكاهن الأعظم لهيكل الإله المقدس ، و وظيفتي المحترمة هذه تدلل على كوني حيوان محترم ؛ و أنني على خلق و تقى ، و أخاف الرب ، و لا يفوتني أداء أي طقس من طقوسه المقدسة . و أن كنتَ لا تصدق أقوالي ، فاسأل عني الضباع ، و ستتأكد بنفسك كيف أنهم سيؤمِّنون جميعاً على أقوالي الصادقة هذه و بكل حق و حقيق .
- و هل شغلك في الهيكل كله جنس و متعة ؟
- كل ، كلا ! أنني أقيم الصلوات ، و أتلو الأدعية ، و أكتب الحروز ، و أقرأ الفأل ! هل تريدني أن أقرأ لك بختك ؟ أنت من برج العذراء ، أليس كذلك ؟
- الدلو .
- طيـ ..
- إسمع يا سيد جعرور ، لا حاجة لي في انتظار ما سيحصل لي مستقبلاً ؛ كما أن وقتي ثمين ؛ و لست مستعداً لسماع ترهاتك ، البتة . أريد منك الآن وعداً باتاً بأنك لن تفترس أحداً من أخواتي بالرضاعة ، مفهوم ؟
- مفـ مفهوم ، نيافة الفيل المبجل .
- هل أعتبر هذا وعداً قاطعاً منك ، يا سيد جعرور ؟
- بالتأكيد ، سيادتكم !
أعلن الضبع جعرور فجأة و على الملأ و من شاشات الفضائيات القطرية و السعودية و الإيرانية و الأمريكية توبته النصوح عن الفتك بالحملان و الغزلان ؛ و بالغ في إظهار آيات التبرؤ و الندم الشديد على أفعاله الشنيعة القديمة . كما راح يدعو الحملان و الغزلان يومياً إلى هيكله ، و يقدم لهن ألذ ولائم الحشيش و الورد ، و يبدي أقصى الإحترام و الإجلال لمقامهن . ليس هذا فقط ، بل و أستطاع هداية غالبيتهن إلى طريق الرب الصحيح القويم ، و راح يمنّيهن بالمستقبل المشرق القادم لا محال ، و بالقناعة كنزاً لا يفنى ، و بالصبر مفتاحاً للفرج ، و بالآخرة الفاخرة بأنهار العسل و المن و السلوى ، و بالطاعة لأولي الأمر . كان كل ذلك يحصل أمام رؤوس الإشهاد ، و في وضح النهار . أما في غياهب الليل ، فقد كان ينسل خلسة من هيكله إلى أيكة الليث ، و ينتظر هناك لحين انغماس الليث في تبادل الغرام مع لبوته ، فيتقمم على الجيف التي يعافها الليث و اللبوة .
و بعد فترة وجيزة ، مات الليث ، سلطان الغابة ، لابتلاعه قرن جاموس . أجريت الانتخابات الفشفاشة في أرجاء الغابة كلها ، ففاز الضبع بغالبية الأصوات ، باعتباره صاحب القائمة الانتخابية المتقية المباركة ؛ و توّج حاكماً أوْحَدَ على الغابة . و أستمر يتقمم خلسة ليلاً على جيف اللبوة عندما ينزو عليها شبلها الشاب ، خوفاً من بطش الفيل .
و حالما تبوأ الضبع دسة الحكم ، حتى جاءته وفود المريدين من كل حدب وصوب ، و دبَّجوا له القصائد الفريدة ، و لحنوا المدائح لنضالاته المديدة ، و أرخوا لسيرته الدستورية الحميدة ، و أخلاقه القويمة الرشيدة ، و روائحه الزكية الوطيدة ؛ فصدق الضبع أنه قدّيس بكل حق و حقيق . و كان من بين الوفود المبايعة شيخ عشيرة الثعالب ، الذي سأل الضبع عن سبب هزاله ، فقص عليه الحاكم جعرور قصة وعده القاطع للفيل بعدم الفتك بالحملان و الغزلان . لام الشيخ العجوز الضبع على ضعفه و تهاونه في وضع الأمور بنصابها القانوني السليم ، و طالبه بوضعٍ حد لتجاوز الفيل على الحقوق التي كفلها الدستور له باعتباره حاكم الغابة ، على سن و رمح . ثم ، عرض شيخ الثعالب أن يأخذوا – هو و عشيرته – على عاتقهم مهمة شد وثاق الفيل شداً محكماً لا انفكاك له منه ، و تركه على تلك الحالة ، فيموت من الجوع و العطش قضاءً و قدراً . و طلب الشيخ الماكر من الحاكم إصدار الأوامر المشددة لكل الحيوانات بعدم التدخل بشؤون قضاء الرب العادل المستقل بخصوص الفيل .
فرح الضبع بهذه الخطة الذكية الحكيمة ، و وعد شيخ الثعالب بجائزة سنية له و لكل أفراد عشيرته إن هم أفلحوا في تنفيذها ، كما أصدر أوامره المشددة بعدم التدخل بشؤون قضاء و قدر الرب العادل المستقل بخصوص الفيل .
في الليل ، إنسل الثعلب العجوز مع أفراد عشيرته إلى أيكة الفيل ، و طلبوا منه استضافتهم عنده . رحب الفيل بالضيوف أحر الترحيب ، و قدم لهم الورود هدايا ، فردوا عليه بهديتهم : نبيذ الكرز . فرح الفيل بهذه الهدية الفريدة ، و عب منها ما شاء ، حتى تعتعه السُكْر ، و نام . عندها ، شدَّ الضيوف وثاقه بأمراس الكتان شدّاً محكماً ، و انسلوا منسحبين تحت جنح الظلام .
في الصباح ، صحا الفيل المغلول من سكرته ، و راح يصرخ و يستغيث . تقاعست كل الحيوانات عن نجدته إمتثالاً للأوامر المشددة للحاكم العادل ، و سدت آذانها ؛ إلا بغل عنيد ، سمع الرعد الرهيب للفيل ، فخف لنجدته ، و فك أسره ، بعد جهد جهيد .
ما أن استعاد الفيل حريته ، حتى قرر الرحيل نهائياً عن تلك الغابة الملعونة ، مرة ، و إلى الأبد . رجاه البغل التراجع عن قراره المؤلم هذا ، و هو يقول له :
- كيف – يا معالي الفيل المحترم – يمكن أن تقرر الرحيل عن هذه الغابة ؛ فتترك المُقام في بلدك العزيز ، الذي ولدت و ترعرعت فيه ، و شربت من ماءه العذب ، و تنفست هواءه الطلق ؟
- ألا بئس المقام في بلد يتسنم الحكم فيه ضبع نتن حقير ؛ و يتولى الشدّ فيه ثعلب غادر سكير ؛ و لا يتكفل بالحل فيه إلا بغل عنيد غرير .
بلاد سومر و أكد ، 2013 ق . م .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طرزان و ذريته
- رد على د. مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة ...
- رد على د . مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
- شيخ المتقين و الخنازير
- شَعَبْ و أبو وطن : قصة قصيرة / 3-3
- شَعَبْ و أبو وطن : قصة قصيرة / 2-3
- شَعَبْ و أبو وطن : قصة قصيرة / 1-3
- كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 12
- كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 11
- كنوت هامسون : رواية نساء المضخة / 10
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 9
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 8
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 7
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 6
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 5
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 4
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 3
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 2
- كنوت هامسون / رواية : نساء المضخة / 1
- السيد و العمامة


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - الفيل و الضبع و البغل