أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية















المزيد.....


صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 3893 - 2012 / 10 / 27 - 10:39
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


التمهيد
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي أصدرت مؤسسة العولمة المتوحشة الثقافية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كتابين تهيأ فيهما الأذهان والأفكار لمرحلة ما بعد انهيار النظام الاشتراكي، الكتاب الأول (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) بقلم الكاتب الياباني المولد والأمريكي التجنس (فوكاياما) مبشراً له ومهللاً به للفكر الليبرالي الذي يسود العالم الآن متمثلاً في مرحلة العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة الذي يعتبر فيه أن العالم أصبح من الآن حتى نهايته ونهاية الإنسان في الوجود ليبرالياً بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام الاشتراكي، وسقوط جدار برلين عام / 1989 مما أدى إلى زوال وفناء النظرية الماركسية. وقد تطرقنا إلى محتويات هذا الكتاب والأهداف المبتغات منه في كتابنا (أمركة العالم وليس عولمته) و (النظرية الماركسية والعولمة) أما الكتاب الثاني فهو (صراع الحضارات) بقلم الكاتب الأمريكي (صاموئيل هنغتون) الذي يستنتج فيه فيقول (فرضيتي هي أن العالم الجديد لن يكون للصراعات في الأساس جذور أيديولوجية أو اقتصادية، وإنما ستكون انقسامات بشرية كبرى، ومصادر للصراعات الرئيسية ذات طابع ثقافي، وستلعب الدول القائمة على القومية الدور الأول في الشؤون العالمية، ولكن الصراعات السياسية العالمية ستجعل في حلبة الصراع أمماً وجماعات تنتمي إلى حضارات قومية ودينية مختلفة، وستهيمن تصادم الحضارات على السياسة العالمية).
إن هذين الكتابين يجسدان الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ونظامه الاشتراكي الذي يعتبر العدو الأيديولوجي اللدود للولايات المتحدة الأمريكية والنظام الرأسمالي المتعفن التي أصبحت بفضل الثورة المعلوماتية الهائلة في الاتصالات والتقدم الكبير والتطور في العلوم والتكنولوجيا القطب الأوحد على الساحة السياسية الدولية في العالم بعد أن أصبح العالم ما يشبه القرية الصغيرة تحيط بها من الجو والبحر والأرض الأقمار الصناعية وحاملات الطائرات والبوارج العملاقة والدروع المتطورة التي تعمل بالأشعة وغيرها.

إن الكتاب الأول (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) بدأ بتنفيذ وتطبيق أفكاره الجهنمية المدمرة المتمثلة بالعولمة المتوحشة وأفكارها الليبرالية كما حللناها وبحثناها في كتابنا (أمركة العالم وليس عولمته). والآن بدأ تنفيذ أفكار ومحتويات كتاب (صراع الحضارات) بالرغم من أن بعض أفكاره قد نفذت وأنجزت في دول المعسكر الاشتراكي من خلال تفككها وتشكيل دولها القومية والدينية كالبوسنة والهرسك والجبل الأسود والشيشان وأوزباكستان وتركمانستان وفي آسيا وأفريقيا وغيرها. والآن امتد إخطبوطها المدمر المتمثل بالمخابرات المركزية الأمريكية في الحركات التي سادت الدول العربية في أفريقيا والشرق الأوسط. وفي هذا الكتاب فإن الصراع لم يكن أيديولوجياً أو اقتصادياً وإنما سيكولوجياً بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد عن طريق (حارب الفكرة بالفكرة) بقول الفيلسوف الألماني (بيترلونريديك) في كتابه (مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة) (إن النظام الرأسمالي في الدولة الديمقراطية الليبرالية ليس غبياً حتى يكون أحادي التوجه ليعمل ويسود فيه نمط واحد من الفساد والارتشاء، إنه يمتلك مقابل احتكاره للسلطة والمعرفة وصهرها في بوتقة واحدة، مبدأً ثانياً يتمثل في تجديد نفسه وتفتيت سلطته وتنويع معرفته عن طريق سعيه الحثيث والدائم إلى اكتساح السوق واحتكارها حتى يصير بالإمكان التآمر ضد لعبة الاحتكار وتحويرها، بتأليب أنماط فساد ضد أخرى وهذه لعبة تعددية لا أخلاقية).
إن الولايات المتحدة الأمريكية وشعبها لا تمتلك خصائص الوحدة القومية التي تمتاز به بحسب التعريف العلمي للقومية (بأنها مجموعة من الناس لها تاريخ مشترك ولغة مشتركة وأرض مشتركة نجد تعبيرها في التكوين النفسي المشترك) وإنما جمعتهم الروح الشريرة لأنهم كانوا يمثلون حثالة المجتمع في البلدان التي هاجروا منها وبقيت روح الشر والعدوان والغدر والاغتصاب في نفوسهم المريضة منذ أن وطئوا الأرض الأمريكية حتى يومنا هذا، فالولايات المتحدة الأمريكية قد غرزت في العقول الباطنية لقادتها روح التسلط والعدوان والاغتصاب فأينما حلت وأينما وجدت نشرت الموت والدمار .. هي التي خلقت الإرهاب وهي التي خلقت الدكتاتوريات والانقلابات والفتنة والتمرد في كل زمان ومكان ومن المستحيل أن نجعل من الذئب حملاً وديعاً. وهنا أود أن أشير إلى أنه ليس اعتباطاً في هذه المرحلة صعود (أوباما الأسود الذي يمتلك جذور إسلامية والفقير الذي ينتسب إلى عائلة سوداء في أفريقيا) رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية إن هذا الرجل المسالم والوديع قد دربته وصقلته عقول كبيرة فعلمته كيف يأكل وكيف يتكلم وكيف يسير، وفن الخطابة والمجاملة حتى يستطيع أن يبهر الأنظار ويجذب العطف والحب والاحترام، أما الحزبان الجمهوري والديمقراطي فإنهما وجهان لعملة واحدة يسيطر عليهما (اللوبي الصهيوني). أما الأحزاب الأخرى فما هي إلا رتوش للصورة المزورة والمشوهة للديمقراطية المزيفة التي تهدف منها ذر الرماد في العيون وتشويه الحقيقة والكذب والخداع، ولذلك فإن الرأسمال العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يستطيع أن يخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، إلا أنه لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت، وفي النتيجة لا يصح إلا الصحيح.
هنالك ملاحظة أود طرحها جواباً على أسئلة واستفسارات أحبتي الأعزاء عن مصادر الكتب التي صدرت عني، وعن سبب كتابتي (تقديم ومداخلات وليس تأليف) وقبل أن أكتب ردي أشكر كل من أهديت له الكتاب وقرأه ولم يرمه على أحد رفوف مكتبته ليتجمع عليه التراب، وأقدم شكري الجزيل لكل من ينقدني ويحاورني.
إن الظواهر الخارجية موجودة بيننا، إلا أننا لا ندركها أو نعرفها، إلا عن طريق حواسنا التي هي مصدر معرفتنا، ولذلك فأكون أنا العارض وأنا المعروض، والواصف والموصوف، مثل الإنسان حينما ينظر إلى المرآة لا يرى إلا نفسه ثم أن للنفس أعماقاً كأعماق البحار، وغموضاً كغموض الليل، فالوعي واللاوعي، والشعور واللاشعور والعقل الباطني والظاهري، والغرض القريب والبعيد والباعث السطحي والعميق، وإن النفس إضافة إلى هذا وذاك، في بعض الأحيان تكون غير منصفة في نظر الآخرين، إذن فكيف يكون الإنصاف ..؟ كل هذا وأمثاله يجعل تحليلها صعب المنال، وفهمها أقرب إلى المحال.
من الطبيعي أن مصادر معرفتي تعلمتها وطورتها من خلال معارف وفكر الآخرين إن ذلك طور ملكتي وعمق معرفتي ووسع تجربتي، فأصبحت أقرأ الكتب والمجلات والصحف والاستماع إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فإن هذه هي المصدر التي تقدم لنا المعطيات الأولية عن تلك الأشياء والحقائق التي تبقى فينا على شكل صور وبهذه الصور يتصرف فكرنا وبواسطتها يبني، وهذا يعني أن تلك المصادر التي تدخل عن طريق الحواس فتحتفظ بها الذاكرة وتشكلها مخيلة الإنسان ومن ثم تقوم المخيلة بترتيب وتحليل تلك المصادر والمعلومات. وإن هذه الترتيبات هي معرفة الإنسان وعلى ضوئها يتصرف ويتعامل الإنسان مع الحقائق والناس في الوجود، إن المواضيع التي أستعرضها في الكتب تكون مصادرها أفكار ومعرفة الآخرين وحينما أقرأها وأحللها وأفسرها وأرتبها حسب العقل الذي أملكه وتجربتي ثم أكتبه وأستعرضه حسب قناعتي واجتهادي وفكري، كما أن طرحي واستعراضي للموضوع، أعتبره كظاهرة وإن أية ظاهرة في الوجود يكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل، وهذه الأسباب والعوامل تعتبر روافد إما أن تكون سلبية أو إيجابية وحينما أطرح الموضوع يكون ذلك من خلال التحليل إذا كان سلبياً أو إيجابياً عن طريق السؤال والجواب أي لماذا ؟ إن الموضوع يجب أن لا يكون مجرد سرد للأحداث، لأن هذه الأحداث يكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل فيجب على الكاتب والباحث أن يحلل ويبحث عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى إفراز الحادث، وما عدا ذلك فما هو دور الباحث والمحلل والكاتب ؟ وما هو دور الفكر ؟ إذا كان الكاتب والباحث ينقل من المصادر ويُكوِّن منها الموضوع فينشره في كتاب.
هنالك سؤال يطرح نفسه وهو أن الكاتب أو الفكر من الذين اعتمدنا أقوالهم في كتبنا كمصادر ومراجع للبحث .. أقول أن ذلك المفكر أو الكاتب من أين جاء بهذه المعلومات والأبحاث التي اتخذناها مصادر لكتبنا ومواضيعنا .. لماذا لا نكون مثل أولئك المفكرون والكتاب نستعين بمعرفتنا وعقولنا وفكرنا واجتهادنا ؟
وختاماً للموضوع أقول : أجعل من الموضوع صورة وأتركها إلى قناعة المتلقي من خلال تحليلها وتفحصها .. وهذا أيضاً من مسؤولية المتلقي الذي يجب عليه أن يحلل وينقد كل ما يقرأه حتى يستطيع أن ينمي ويطور ملكيته العقلية والثقافية وليس عليه أن يقرأ الموضوع والكتاب من أجل قضاء الوقت وملء الفراغ وشكراً.



الولايات المتحدة الأمريكية
كان معظم المهاجرين الذين أموا أمريكا من الأوربيين في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين من الرجال والنساء من المستضعفين والمشردين في الأرياف أو ممن انتموا إلى طوائف صغيرة، أو من غير المرغوب ببقائهم فأجلوا عن ديارهم طوعاً أو قسراً، كما كان البعض منهم من ضحايا الحروب والمجاعة والاضطهاد الديني وجور الكنيسة والظلم الاقتصادي والإجحاف الناجم عن الأنظمة العقارية والقيود التي تفرضها الهيئات الحكومية والتمييز العنصري، لقد هاجروا مخلفين وراءهم تلك الأوضاع والأساليب والشعائر التي طالما حالت دون رفعتهم وارتقائهم، أو في الأقل البقاء أحياء. لقد خلف المهاجرون كل ذلك وراءهم وجاءوا إلى أمريكا وغدا بمقدورهم أن يصبحوا ملاكاً حقيقيين للأرض عن طريق التأمين أو وضع اليد أو الشراء، وتلك كانت أهم المغريات التي اجتذبت عشرات الملايين من المهاجرين الأوربيين وحثهم على مبارحة بريطانيا وألمانيا واسكندنافيا وأوربا الوسطى خلال مائتين وخمسين عاماً. كانت أراضي أمريكا واسعة وتمتاز بخصوبتها ووفرة المياه فيها فجعلت من المهاجر غير ملزم بالإقامة في قرية ما، ولم يعد مقيداً بنظام تلك القرية الزراعية، ولم يعد مجبراً على دفع الإتاوات عيناً أو عملاً أو خدمة يؤديها للملاك كما كان في موطنه الأصلي. وأصبح بإمكانه أن يعيش حيثما يحلو له، فاختار مأواه بعيداً عن جيرانه حيثما طابت له الإقامة في قلب مزرعته، وغرس فيها ما شاء، ومارس زراعة القطن واتخذها أساساً لمورده المالي وتمتع بحق الاستفادة بالموارد المائية وشملت حقوقه ما في باطن الأرض التي يملكها وحق له أن يوصي ويقسم ملكه كما يشاء، فأحس بذلك أنه غدا مواطناً حراً.
لم تقتصر حرية المهاجر إلى أمريكا على امتلاكه الأراضي الزراعية وإنما أصبح حراً في أن يتخذ له متجراً وأن ينتقل منه إلى سواه وأن يتاجر متى وأنى شاء وبالشروط التي تروق له.
كان الشعب الأمريكي هجيني الدين والشكل والنوع والقومية ويمتاز بحب القوة وتكوين الثروات الخاصة تارة عن طريق الغزو والنهب واستغلال العبيد وتسخيرهم وتارة أخرى عن طريق التجارة والربا والمغامرة والبحث عن بلوغ المجد والعظمة.
لقد هاجرت هذه الأقوام إلى أمريكا في عصور كانت تسود أوطانهم أنظمة الرق والعبودية والإقطاع، وقد خلفوا كل ذلك وراءهم وأصبح بمقدورهم أن يكونوا ملاكاً حقيقيين، وتقبلوا النظام الرأسمالي بصيغته وطبيعته الليبرالية وارتضوه أدبياً وقانونياً واجتماعياً. وقد وصف الكاتب كريغور في الربع الأخير من القرن الثامن عشر تلك المجاميع البشرية المهاجرة التي استقرت في أمريكا بما يلي (لقد كانوا قبلاً مغمورين في أوطانهم، لأذكر لهم في السجلات المدنية، اللهم إلا في القوائم المعدة لفئة (الفقراء المساكين والمشردين واللصوص وقطاع الطرق) فإذا بهم هنا، ينعمون برتبة المواطنين ويكافئون بسخاء على أعمالهم، ثم أخذوا يجمعون أجورهم ليمتلكوا بها الأراضي فحازوا بعد ذلك على لقب الرجل الحر واستمتعوا بخصائص ذلك اللقب وبسائر متطلبات المواطن).
كانت الأراضي الأمريكية غنية بمواردها الخام، ولما كان المهاجر إلى أمريكا يبحث عن المال والجاه، فإن هذا المهاجر استطاع أن يستخرج ثروة كبيرة مكنته من إقامة المنشآت وتكوين الثروات الكبيرة، كما استطاع المهاجر أن يستغل العبيد ويزرع الأرض فكانت سبيلاً للحياة والغذاء وسبيلاً في الوقت نفسه للتجارة.
وقد سارت عجلة التطور الرأسمالي الليبرالي في أمريكا وفق المتطلبات التالية :
ظهور القوانين التي تحمي الملكية الخاصة مع ما يترتب عليها من حدوث تفاوت طبقي في الثروات والمداخيل، وتزايد ونمو الثروة يستند على عاملين، فيغدو من جهة متصلاً بجني الأرباح من الأعمال والوسائل الأخرى، والآخر نتيجة لادخار فائض النفقات الشخصية وتراكم رأس المال، كما يجب إحداث جهاز يقوم بوظائف التسليف، أي المصارف تتلقى الودائع وتعتني بالحسم والأقراض، وعلى المجتمع أن يؤدي دوره بأن يجعل شعاره الملزم إنتاج البضائع والسلع، وأداء الخدمات.
في مثل هذا الجو المشبع بالحرية الليبرالية استطاع المهاجرون أنجاح الرأسمالية وازدهارها لأن ظروف أمريكا المختلفة مؤاتية لنشأة الرأسمالية الليبرالية ونموها.
لم تقتصر أهداف الولايات المتحدة الأمريكية على انهيار المعسكر الاشتراكي، عدوها اللدود الذي كان يقف بشموخ وعناد ضد مشاريعها في قهر الشعوب واستعمار أوطانها وإنما تركت بصماتها وآثارها السلبية في الانهيار والإحباط والتهميش على جميع القوى التقدمية واليسارية وحركاتها وأحزابها في العالم وبشكل خاص في المنطقة العربية، ولا زال ذلك الزلزال يؤدي دوره الفعال في العلاقات الدولية وفي مناطق شتى من العالم ضمن سياسة التفتيت وإعادة التشكيل الإقليمي طبقاً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية الجهنمية من أجل الهيمنة على العالم والتفرد بالاستحواذ عليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
إن الولايات المتحدة الأمريكية هيأت الأفكار السيكولوجية لمشاريعها الجهنمية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي بإصدار كتابين، الأول هو (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) للكاتب الياباني المولد والأمريكي التجنس والذي يعلن فيه بأن العالم أصبح من الآن (بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وجدار برلين) وحتى الإنسان الأخير في الوجود ذات طابع ليبرالي، وهو الذي بدأت بتنفيذه الإدارة الأمريكية عن طريق العولمة المدمرة للإنسان والطبيعة، وهذا ما تطرقنا إليه في كتابنا (أمركة العالم وليس عولمته). أما الكتاب الثاني (صراع الحضارات) للكاتب الأمريكي هنغتون والذي يعتبر فيه أن الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية قد انتهى، إلا أن الصراع سيتحول إلى صراع بين الأديان والقوميات وهذا الصراع هو أيضاً من المشاريع التي تهدف إليه الولايات المتحدة الأمريكية في انفرادها واستحواذها على العالم، وهو ما سنتطرق إليه في كتابنا الذي أعتبره الجزء الثاني في أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في أمركة العالم وليس عولمته. ...
مؤسسات العولمة
بعد أن أزاحت الولايات المتحدة الأمريكية الدول الاستعمارية التقليدية كفرنسا وبريطانيا وأسبانيا والبرتغال وغيرها من الساحة الدولية، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية الدولة الوحيدة على قمة بنية القوة العالمية من كلا جانبي الحرب التي لم تصب بنيتها التحتية من طرقات وجسور وأبنية وبنوك بأذى، وأصبح لها شبه احتكار للتقنية الحديثة وصناعتها في وضع يؤهلها لإنتاج السلع التي أصبحت تباع بسعر مرتفع في أنحاء العالم، وقامت بمساعدة دول أوروبا الغربية وآسيا على استعادة عافيتها لأن عدم القيام بذلك قد يخاطر بعدوتها اللدودة (الشيوعية) بالانتشار بعد الانتصار العظيم الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية وتكوين وإنشاء النظام الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، فوضعت خطة مشروع (مارشال) لمساعدة تلك الدول في إعادة بناء ما هدمته الحرب، واعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية في استعمار الدول الأخرى والاستحواذ عليها عن طريق (الاستعمار الاقتصادي) الذي يختلف عن طبيعة الاستعمار التقليدي الذي كان سائداً من قبل والذي يعتمد على استعمال الجيوش الجرارة في السيطرة على الدول الأخرى والاستحواذ على ما تخزنه أراضيها من مواد أولية وجعلها سوقاً لتصريف ما تنتجه مصانعها من سلع وبضائع.
كانت المؤسسات الاقتصادية (وول ستريت والخزانة الأمريكية ومجموعة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومركز التجارة العالمي وغيرها) موجودة قبل تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي إلا أنها نشطت وبرزت بشكل واضح بعد الانهيار في الدول الاشتراكية من خلال حاجات واضطرار الدول الفقيرة والنامية إلى الأموال والمساعدة الفنية والتقنية التي كانت دول المعسكر الاشتراكي تقدمها لهذه الدول بدون شروط ومن أجل تقدمها وتطورها وسعادة ورفاهية شعوبها، وبعد انهيار النظام الاشتراكي اضطرت هذه الدول إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، فتكون الشروط المجحفة التي يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول الفقيرة والنامية باستعمال تلك الأموال على البنية التحتية مثل إنشاء المطارات والجسور والطرق وتشييد البنايات وغيرها من المشاريع غير المنتجة بحيث تجعل تلك الدول أسواقاً للسلع والبضائع التي تنتجها الدول الثمان الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الشروط الأخرى التي تفرض على تلك الدول التدخل في شؤونها الداخلية عن طريق إشاعة الليبرالية ليس في الاقتصاد فقط وإنما في قيام مجتمع ديمقراطي (مزور) يقوم على مبدأ قبول الديمقراطية، وإن هذه الظاهرة تمتاز بالخديعة واللعبة الازدواجية الخبيثة لأنها توحي بأن الشعب يجب أن يشارك في الحكم ومن ناحية أخرى إن الحكام الذين يصبحون مرتبطين وعملاء للامبريالية الأمريكية يحتاجون إلى درجة من رضا وإجماع المحكومين يحصلون عليها ليس عن طريق القوة وإنما عن طريق الانتخابات المزورة وغير الشريفة تزكي وتبرز سلطة الحكام، لأن هذه الطريقة تجعل من السهولة أن تحكم بها الكثرة الجماهيرية من قبل الحكام وإلى خضوع تلك الجماهير الواسعة الضمني إليهم.
وهذا الأسلوب الترقيدي والتخديري للجماهير الواسعة التي تمتلك القوة ومن خلال تلك الوسائل المشوهة والمزورة، وبدون ذلك سوف تدرك تلك الجماهير التي تمتلك القوة الفكرية والسياسية أن تنتفض وتطيح بأولئك الحكام العملاء، وعكس ذلك فإن وسائل الترقيد والتخدير الديمقراطية المشوهة والانتخابات والحريات تعتبر أن الحكومة مؤسسة ديمقراطية تقوم على حكم الرأي، وهذه الخديعة التي تقوم على قاعدة الليبرالية تجعل من الحكومات الأكثر طغياناً وتعسفاً ضد شعوبها تمتاز بالحرية والشعبية الواسعة.
تشير مجلة (ايسترن إكونوميك ريفيو الفرنسية) حول كيفية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتصدير قيم حرية السوق الخاصة بها من خلال اتفاقية منظمة التجارة العالمية الخاصة بالاتصالات الهاتفية التي تعتبر من أحد التأثيرات المرحب بها، هو تزويد واشنطن بأداة جديدة للسياسة الخارجية حيث أن الاتفاقية تسمح لمنظمة التجارة العالمية بالتدخل في التوجهات والرؤيا، لتلك الدول.
إن مؤسسات العولمة لا تقتصر على الشؤون الاقتصادية وإنما تشمل الشؤون الاجتماعية والسياسية والفكر والثقافة والعلوم وذلك من خلال الثورة المعلوماتية في الاتصالات والفضائيات والانترنيت وغيرها التي بواسطتها استطاعت أن لا تقتصر على اختراق أفكار الناس وقيمهم المادية والمعنوية وإنما استطاعت أن تخترق جدران البيوت وفبركة مفاهيم صالحة للنشر والتعميم عبر أحدث الوسائل التقنية، خصوصاً وأن العالم المعاصر أصبح تحت قبضة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بعد هذا التطور والتقدم السريع لوسائل الاتصالات التكنولوجي الموظف لمصلحة الشركات المنتجة له، ومن أجل أن تكتمل السيطرة تتسلل هذه الأيديولوجيات بأساليب وطرق مموهة تخفي حقيقة أهدافها الرامية إلى تدجين جيل الشباب الصاعد عبر العديد من البرامج والأفلام المؤثرة بإغراءاتها وجاذبيتها في منحى التكوين العقائدي حتى ينحرفوا عن كل ما يخدم وطنهم ويطور وينمي مشاعرهم الوطنية تجاه شعوبهم، وهم في طور التفتيش عن ملاذ تكتمل به شخصيتهم الموجهة حتى تنسجم وتتطابق وفق هذه السياسة الإعلامية مع نماذج أبطال أفلام ذات مضمون بحثهم على الانخراط في دائرة الاستهلاك السوقي، والذي يبشر بالمزيد من الانجراف بالملذات والإحباط الساري على أكثر من صعيد، وتجعل الشعوب تفقد معه أمل الخروج من دوامة المراوحة في دائرة الاجترار الاستهلاكي لمؤسسات العولمة المدمرة للإنسان والطبيعة التي نجحت في غرس مفاهيمها معتمدة على مجموعة أفكار ووسائل تزين صورتها القبيحة وجعل الشعوب بأساليب الترقيد والتخدير تنحاز إلى جانب المنتصر وتنقلب على المهزوم.
إن هذه الوسائل والأساليب لا يمكن لها أن تكون حلماً ويصبح ملاذاً يدغدغ مشاعر وأحاسيس المعذبين والمحرومين، أو يكون حيزاً ومتنفساً للذين فقدوا الحيلة والإرادة في بناء نظام اجتماعي يقوم على الإنصاف والوطنية والعدالة الإنسانية.
إن هذا الكلام ليس خيالاً إذا وجدت الإرادة والتصميم والقيادة الجماهيرية الصادقة التي تنصهر مع جماهير الشعب وترسم لها الحقيقة المرة والواقع المؤلم لهذه الظلامية البراقة المتمثلة في النظام العالمي الجديد.

يتبع في الايام المقبلة....



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظرية الماركسية والعولمة
- الرفاق الأعزاء
- الى من يهمه الأمر .. مع التحية
- رسالة حب إلى صديقي الدكتور عدنان الظاهر
- حوار مع مشروع بول بريمر الجديد
- التغيير والتجديد في الفكر الماركسي الخلاق
- حديث الروح(30)
- حديث الروح(29)
- حديث الروح(28)
- حديث الروح(27)
- حديث الروح(26)
- لمن تنادي . . . و بمن تستغيث !! ؟
- ما هي الحقيقة (1-2)
- ما هي الحقيقة(2-2)
- العلاقة الجدلية بين المجتمع و الانسان
- ذكرى العيد الميمون الرابع و السبعين للحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع و حاجاته الضرورية
- حديث الروح(24)
- حديث الروح(25
- حديث الروح(23)


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية