|
المجتمع و حاجاته الضرورية
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2238 - 2008 / 4 / 1 - 11:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن التطور و التقدم لا يعني تغير الشكل و الهياكل و المظاهر الخارجية للإنسان و إنما ينطلق ذلك من خلال تفهم الإنسان ووعيه و ثقافته بالمتغيرات التي تحدث من تطور و تقدم و يعيش معها و ينسجم من خلالها مع الواقع الموضوعي الملموس في المجتمع و لكن الملاحظ و الملف للنظر لا الدولة و لا المواطن يشعر و يدرك هذه المتغيرات التي يتعرض لها و يلمسها و يلاحظها من خلال تعامله معها و حاجته إليها، وان هذه المستجدات و المتغيرات و ما تفرزها من سلبيات على المجتمع و على مستقبل البلد تمرر و أصبحت ظاهرة عارية يقتنع بها الإنسان و يتعامل معها في كل يوم من دون أن يحب لها حساب و نتائج و بدون تخطيط و برنامج لأنها مرتبطة و موجهة بنظام مدروس يتحكم حتماً بقدر الإنسان العراقي و حياته و مستقبله تؤدي إلى سلسلة من النتائج التي لا يقوى شيء على منعها في مرحلة وفق إستراتيجية ( الفوضى و البناء ) التي وضعها و خططت لها لجنة مجلس الأمن القومي الأمريكي سنة 2002 كما جاء في الموضوع الذي نشرته مجلة ( التضامن ) الذي يصدرها مجلس السلم و التضامن في الجمهورية العراقية في عدد ( شباط ) و كان الموضوع بقلم المفكر الاقتصادي الدكتور ( صالح ياسر ) و الذي تمهد الطريق لدخول العولمة و ربيتها الخصخصة المتعجرفة تتحكم بمصير الإنسان العراقي و حياته و مستقبله أسعار السوق و العرض و الطلب و أبعاد الدولة عن تأدية دورها في دعم السلع و الحاجيات الضرورية للشعب حتى تستطيع العولمة المتوحشة و ربيتها الخصخصة المتعجرفة أن تسلب الإنسان العراقي قوته و قدرته و عقله و يصبح مسلوب الإرادة مستسلماً لحكمها و قضاءها و قدرها و تؤدي بالمجتمع عبر آلاف التحولات و التقلبات غير المعروفة و غير المحسوبة إلى نهاية مقدرة و محسوبة تخدم ( نظرية الفوضى و البناء ) و من خلالها تصبح الأبواب العراقية مشرعة لدخول العولمة المتوحشة و ربيتها الخصخصة المتعجرفة و استحواذها على الاقتصاد العراقي و خيراته الواسعة و الهائلة . إن المجتمع المتقدم و المتطور هو الذي يعيش في وطن حر كريم يمتلك السيادة الكاملة على مقدراته و ثرواته تحت سلطة من الشعب و إلى الشعب تمتلك الرؤيا الواسعة و الاجتهاد المنفتح في رسم و تنفيذ سياسته حكيمة و عقلانية و تخلق في المجتمع روح الحركة و التطور و العمل و البناء يتجسد من خلال الوعي الفكري الخلاق و الثقافة و المعرفة و تنمية إمكانياته و مواهبه من خلال نشر الديمقراطية الصحيحة و تعزيز مكوناتها و مفرداتها عند ذلك تنفتح آفاق الشعب الواسعة و تعزز الثقة الحميمة بين السلطة و الشعب فتنفتح أمامه أبواب العلم و المعرفة و التطور التي تخدم وطنه و أبناء شعبه و إن كافة الخيرات و الثروات و المستلزمات الصناعية و تطورها تزخر بها أرض العراق و شعبه . إن المجتمع الذي لا يمكنه أن يرى واقعه الموضوعي الملموس بعين ثاقبة و عقل متفتح من خلال رؤيا صحيحة و واقعية لا يستطيع تجنب الأخطار و الأخطاء في المستقبل و تجاوزها و التي أصبحت الآن غائبة بشكل كلي عن حياته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و إن هذه الظواهر أخذت تنمو و تكبر و أصبحت متداخلة بالاقتصاد و المجتمع العراقي و اختلاط الأوراق هي السائدة في المجتمع و أصبح كل شيء أو ظاهرة تعوض بدلاً عن شيء أو ظاهرة أخرى حتى أصبح ذلك الشيء و تلك الظاهرة جزء من المجتمع و حياته في حاجته و سلعة و رؤيته و اجتهاداته المختلفة و أصبحت تمثل متناقضات و اختلاف مع بعضها . ان هذه الأشياء و تلك الظواهر ذات أثر فعال و مؤثر في ثقافة المجتمع العراقي و قد جاء ذلك في مقارنة المفكر الكبير الأستاذ محمد عايد الجابري حين قال ( كيف كانت ثقافة الخمسينات و الستينات من القرن الماضي . . . فقد كانت ثقافتين ثقافة استعمارية امبريالية . . . و ثقافة وطنية تحررية . . . أما اليوم فالتصنيف الذي يريد تكريسه الواقعون تحت تأثير أيديولوجية العولمة هو ذلك الي يجعل الثقافة صفين . . . ثقافة الانفتاح و التجديد و ثقافة الانكماش و الجمود . . . أي ان الأولى ثقافة التبعية و الثانية ثقافة الوطنية ) . أما إذا تطرقنا الى السوق العراقية فنلاحظ من حاجيات وسلع و خضروات و مواد غذائية فنجدها غارقة و متخمة بكل ما هو أجنبي و غير منتج محلياً . يقول بعض خبراء و مطلبي و المبشرين بالعولمة : ( ان العراق من الدول المتأخرة التي لم تصل اليها العولة لحد الآن ) . . ان هذا كذب فاضح و افتراء على الحقيقة . ما هي العولمة ؟ ان العولمة تعني انفتاح الحدود لأي دولة على مصراعيها أما دخول الأفراد و رأس المال و البضائع و السلع الى أسواق تلك الدولة و أعراقها . حينما نلاحظ هذه التفسيرات و الأقوال يتبين لنا بشكل واضح ان العولمة دخلت الى العراق مع استراتجية ( الفوضى و البناء ) بعد سقوط العراق في 9/4/2003 في الوقت الذي هدمت و دمرت الطائرات و الصواريخ الأمريكية البني التحتية العراقية و بعد استيلاء قوات التحالف و صدور قرار احتلاله من قبل مجلس الأمن و تعين ( بريمر ) حاكما على العراق بدأت المرحلة الثانية من إستراتيجية ( الفوضى و البناء ) بعد إن أصدر قراره بحل الجيش العراقي و قوى الأمن الداخلي فأصبحت الحدود العراقية سائبة و منفلتة لمن هب و دب من المخربين و الارهابين و أصبح الأمن في الداخل منفلتة و عمت الفوضى و السلب و النهب جميع المدن العراقية و ترافقت معها و تنافست دخول مرحلة العولمة فدخلت في تلك الفترة مئات الآلاف من السيارات المستهلكة و العاطلة من ( مقبرة الأموات ) في دول الخليج العربي أول كارثة اقتصادية في الشوارع التي لم تكن مؤهلة و مستعدة لاستقبال هكذا أعداد كبيرة من السيارات إضافة الى خلق أزمة و شحت في الوقود المحركات لان ما ينتج من هذه المواد لا تسد طلب و حاجة هذا العدد الهائل من السيارات و الكارثة الاقتصادية الثانية و الفوضى بإغراق الأسواق العراقية بالسلع و الحاجيات الكهربائية بكميات واسعة بالإقساط و النسيئة و بالرغم من رداءتها الآن إن الناس أقبلت على اقتنائها و شرائها بشكل واسع مما خلق أزمة قاتلة في الطاقة الكهربائية العراقية التي لم تستطيع ان تكفي و توفر الكهرباء لهذه الأعداد الهائلة من السلع و الحاجيات الكهربائية المستوردة ، و الكارثة الاقتصادية الثالثة إغراق السوق العراقية بالملابس الجاهزة و الرخيصة الرجالية و النسائية و الولادية و الأطفال إضافة الى الأحذية و الملابس المستعملة ( أللنكات ) الملوثة و الغير صحيحة مما أدى الى توقف و إغلاق مصانع و معامل الألبسة الجاهزة العراقية و ورش الأحذية مما أدى الى خسائر كبيرة في رأس المال الوطني و تسريح مئات العمال من المصانع و المعامل و الورش الذين أصبحوا في عداد البطالة المتفشية في البلد لان هذه الألبسة تمتاز بنوعيتها و رخص أسعارها . و الكارثة الاقتصادية الرابعة هو توقف زراعة المواد الغذائية و الخضروات و الفواكه حتى الكرفس و الكراث و غيرها و استيرادها من دول الجواد و ذلك بسبب إهمال الأراضي الزراعية مما أدى الى رداءتها و عدم الاعتناء بها من حيث المياه الجوفية و تصبحنها و عدم الاهتمام و رعاية وزارة الزراعة من حيث تقديم المساعدات و البذور و الأسمدة و إقامة و حفر البزول لسحب المياه المالحة و الاهتمام بزراعة مواد أكثر فائدة و نفعاً مادياً و أقل تعباً و كلفة . ان هذه الظاهرة تجعل الدولة و الأحزاب الوطنية كافة ( التي ازدحمت برامجها عن الوطن المذبوح و الشعب المستباح ) أمام مسؤولية تاريخية كبيرة أمام الله و أمام الأجيال القادمة حيث ان أي حدث أو ظاهرة تبقى محفورة في ذاكرة الناس و في بطون الكتب و على منصة التاريخ الذي تستعرض من أمامه الأجيال القادمة . و من أجل تجاوز هذه الظواهر الكارثية و من أجل العبور بالعراق العظيم الى شاطئ الديمقراطية و الفدرالية و التعددية و الأمن و الأمان و الاستقرار و السعادة و الرفاهية لا بناء الشعب العراقي الموحد و اعتمادا على المقولة ( ان الشيء كلما سما قدرة زاد نصيبه من الاكتفاء الذاتي ) و لذلك فإن بعض الرسائل التي توفر القوة للدولة و تصون استقلال البلاد و حرية و سعادة و كرامة شعبه هي : الاهتمام و الرعاية بأرض العراق الطيبة و خصوبة تربتها التي تسقيه أعظم نهرين دجلة و الفرات لكي تستطيع هذه الأرض المعطاة و الذي كان يعيش على خيرتها ( 40 مليون إنسان ) ان تمد حياة الشعب بكل ضروريات الحياة و معيشتها و ان الشعب الذي يستثمر أرضه يكون مكتفياً ذاتياً كما ان استقلال الأرض و خيراتها من قبل أبناء شعبها تجعل ذلك الشعب أكثر استقلالاً و حرية و إرادة و كرامة . و بالعكس فإن اعتماد أي شعب على الاستيراد و التجارة الخارجية لتزويد الشعب بالسلع و الحاجيات الضرورية التي يحتاجها ستكون أقل أمناً لان استيراد السلع و الحاجيات و المواد الغذائية الضرورية يمكن في الأيام أن تمتع عنها بسبب سوء العلاقات أو الحرب أو خطورة الطريق أو للضغط الخارجي على تلك الدولة المستوردة تلك المواد و إذا كرس المواطنون حياتهم و عملهم بشؤون التجارة و الاعتماد على الاستيراد فسيجعل ذلك الشعب مستهلكاً فقط و يفسح المجال و يصبح الطريق مفتوحاً الى الإهمال لان التجارة هدفها يقود بصفة خاصة الى الربح الفاحش و كسب المال لذلك فإن التجارة تخلق الأنانية و حب الذات و توقظ الجشع في نفوس المواطنين كما تكون نتائجه سلبية حيث يصبح كل شيء يخضع الى قانون السوق مما يؤدي الى زعزعة الثقة بين الناس و يفتح الطريق أمام كل أنواع الغش و الخداع و الاحتيال و تتعزز تلك التصرفات مما يجعل الفرد يسعى من أجل كسب المال و الربح الفاحش مما يؤدي بالنتيجة الى فساد الحياة الاجتماعية في المجتمع الإنساني العراقي . كما يجب الاستفادة من الخزين الهائل من النفط و الغاز و المعادن الأخرى و استغلاله في بناء صناعة وطنية متقدمة و متطورة فتوفر و تكفي ذاتياً من السلع و الحاجيات الضرورية المتنوعة و المختلفة مازال جميع مستلزمات هذه الصناعة متوفرة في العراق من الأيدي العاملة و الخبرة الفنية و المواد الأولية ، و بما ان دستور العراق ينصص صراحته على ما تخزنه أرض من ثروات هي ملك الشعب العراقي فيجب استخدام هذه الثروات لسعادة و رفاهية الشعب العراقي و تعويض ما تعرض له الشعب العظيم طيلة عقود طويلة من الزمن من جوع و مآسي و الآم و اضطهاد على أيدي حكام تجردت أنفسهم وعقولهم من القيم الروحية و الإنسانية .
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث الروح(24)
-
حديث الروح(25
-
حديث الروح(23)
-
حديث الروح(22)
-
حديث الروح(21)
-
حديث الروح(20)
-
وحدة القوى الوطنية والمرحلة الراهنة
-
حديث الروح(19)
-
حديث الروح(7)
-
حديث الروح(8)
-
حديث الروح(9)
-
حديث الروح(10)
-
حديث الروح(11)
-
حديث الروح(12)
-
حديث الروح (13)
-
حديث الروح(14)
-
حديث الروح(15)
-
حديث الروح(16)
-
حدسث الروح(17)
-
حديث الروح(18)
المزيد.....
-
هكذا وصلت الملكة رانيا والأميرة رجوة إلى البندقية لحضور حفل
...
-
شاهد لحظة إنقاذ طفلة علقت في مجاري الصرف الصحي في الصين لساع
...
-
بخيوط من ذهب وحرير أسود.. الكعبة ترتدي كسوتها الجديدة مع بدا
...
-
رافائيل غروسي يكشف معلومات مهمّة عن البرنامج النووي الإيراني
...
-
يتمحور حول المعادن النادرة.. الولايات المتحدة تعلن توقيع اتف
...
-
بكيين تؤكد توقيع اتفاق تجاري مع واشنطن وتكشف عن بعض تفاصيله
...
-
المغرب..نانسي عجرم تثير الجدل بسبب العلم الوطني
-
بريطانيا تنسحب من مشروع بقيمة 34 مليار دولار لاستيراد الطاقة
...
-
عاجل | سرايا القدس: قصفنا مع كتائب القسام بقذائف الهاون تجمع
...
-
محللون إسرائيليون: نتخبط في غزة ونطارد نصرا مطلقا لن يتحقق
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|