أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلاح أمين الرهيمي - حديث الروح(21)















المزيد.....

حديث الروح(21)


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 10:52
المحور: سيرة ذاتية
    


حياة السجن
في سجن الحلة الذي تحشد فيه الآلاف من مختلف أبناء مدينة الحلة أصبحنا منعزلين ومنقطعين عن العالم الخارجي ما عدا الإخبار التي تردنا من خلال المعتقلين الجدد،والطعام والشراب مما تقدمه إدارة السجن وهو من اردء أنواع الأطعمة ابتداء من الصمون الأسود وانتهاء بمرق البصل الخالي من اللحم أو إي شيء يشعرك بأنها طعام بشري،واستمر وضعنا بهذه الصورة لأكثر من شهر وبعد أن بدأت قوافل المعتقلين من بغداد والنجف وكربلاء وغيرها تترا على سجن الحلة وبعد أن ضاقت وازدحمت ردهات السجن وازدحمت معتقلات تلك المدن وملاعبها الرياضية والمدارس اضطرت إدارة سجن الحلة إلى إخلاء بعض العنابر من السجناء العاديين وتخصيصها للمعتقلين السياسيين فكان سجن الحلة يتكون من خمسة عنابر وكل عنبر يحتوي على ساحة كبيرة تحيط بها قاعات مستطيلة الشكل وفي كل عنبر ثلاثة أو أربعة قاعات ما عدى مغاسل ومرافق صحية مشتركة بين نزلاء جميع هذه العنابر،وللأعداد الهائلة من المعتقلين اضطرت أن تجمع السجناء العاديين في عنبر واحد وخصصت العنابر الأخرى للمعتقلين السياسيين وكان من نصيب أبناء الحلة وكربلاء والنجف عنبر واحد فتوزعنا على قاعاته وكانت أكثر اتساع وراحة من حيث المنام والجلوس والساحة الواسعة نقضي فيها الكثير من وقتنا في المشي والجلوس وبعد انتقالنا إلى معتقلنا الجديد أعلنت إدارة السجن تحديد يوم للمواجهة والسماح لعائلاتنا بزيارتنا في ذلك اليوم،وكان ذلك اليوم من اشد الأيام إيلاما ومأساوية لنا ولعائلاتنا حيث تحتشد من الصباح الباكر آلاف العائلات من النساء والرجال وكبار السن والأطفال وتزدحم الشوارع والطرقات بهذه العائلات التي قدمت من مختلف مدن العراق الشمالية والجنوبية والوسطى لمشاهدة أبنائها ونتيجة التدافع سقط الكثيرون تحت الأقدام وأغمي عليهم وسحق بعضهم تحت الأرجل كما ازدحمت ممرات السجن وساحاته وأصبح ذلك اليوم مشهودا وسادت فيه الفوضى والصراخ والبكاء وليته لم يكن ولم يحدث فقد ترك في نفوسنا غصة من الألم والحسرة والانقباض،ولكن للمبادرة الجميلة التي غيرت وقلبت الوضع النفسي المأساوي للمعتقلين إلى فرح ومرح بعد انتهاء المواجهة والزيارة ما قام به الأستاذ عبد الأئمة عبد الهادي والأستاذ لطيف بربن والحاج سعيد مطر الذي سره وأفرحه خبر وصول ولده العقيد كاظم سعيد مطر إلى المنطقة الشمالية مع عائلته حيث يسكن أهل زوجته وتخلصه من سلطة البعث وعدم تمكنهم من إلقاء القبض عليه فحدثت في ساحة السجن حفلة تضمنت الغناء والدبكات الشعبية والنكات اللطيفة التي كان يطلقها لطيف بربن والأغاني الجميلة التي يرددها الأستاذ عبد الأئمة (أبو نصار) وغيره التي استمرت لأكثر من ساعة وتركت أثرا كبيرا من الاستقرار والاطمئنان النفسي والراحة وكان أكثر الأخبار فرحا وسرورا قيام المجاهدة المناضلة الجريئة الفاضلة والدة الأستاذ سامي عبد الرزاق بجلب راديو صغير لولدها استطاعت إخفاءه عن عيون الحرس القومي والشرطة والأمن لانه سيوفر لنا الاطلاع على الإخبار المحلية والدولية التي نحن بأمس الحاجة إليها لإدامة صلتنا بالعالم الخارجي بعد أن كنا معزولين عن محيطنا ،وتم تشكيل لجنة من المعتقلين تقوم بتنظيم شؤون السجن وأمور المعتقلين ومعالجة القضايا والأحداث المتعلقة بحياة المعتقلين وظروفهم المادية وقد أفرزت الاحتجاجات الدولية ومناشدات الشخصيات السياسية والمفكرين والمظاهرات الجماهيرية التي قام بها أنصار السلم والعدالة في العالم التي تشجب وتستنكر الأعمال الإرهابية والإعدامات والتصفيات الجسدية والاعتقالات العشوائية بالجملة وممارسات التعذيب البشعة التي جعلت العراق سجنا كبيرا وقد شكلت هذه الإعمال وسائل ضغط على الحكومة الانقلابية مما جعلها تخفف من ضغطها وأعمالها اللانسانية التي تمارسها مع المعتقلين السياسيين في سجونها ومعتقلاتها فسمحت بزيارة ذوي السجناء وجلب الكتب الأدبية وإدخال الطعام والملابس وسمح لحلاق السجن المرحوم كاظم أبو صلي بزيارة السحن مرتين في الأسبوع لحلاقة السجناء وله الفضل في إيصال الأخبار لأهالينا وجلب النقود والمأكولات ونقل الرسائل وكان للأستاذ عبد الأئمة (أبو نصار) دوره الكبير في تحسين العلاقات مع شرطة السجن وإدارته وكان لتلك العلاقة تأثيرها الكبير في حياتنا واستقرارنا واستطاع أن يوفر لنا حمام السجن للاستحمام به ويجلب لنا الطعام من الإدارة لطبخه ويقيم لنا كل أسبوع حفلة ترفيهية يشارك فيها السجناء بالغناء والنكات اللطيفة وكان يشكل ثنائيا رائعا مع الرفيق ألنجفي أبو لمعة صاحب الصوت الشجي والكلمات المؤثرة والأخ لطيف بربن أبو ياسين الذي ينتزع الألم واليأس والهموم من قلوب المعتقلين لتعم البسمة والفرحة قلوبهم ويجعلهم ينطلقون بالضحك والمرح والفكاهة بما يمتلك من موهبة وقابلية على حبك النكتة وقصها بأسلوب عجيب،وكان للرفيق قاسم حميد عبس مدرس الرياضة دور كبير في ممارسة الألعاب السويدية مساء كل يوم،كما صنعنا من عجين الصمون قطع دومينو نلعب فيها أوقات الفراغ،وكنت العبها مع الرفيق لطيف بربن والمهندس الأستاذ هادي اسود والسيد جودي عبد الحسين وكنت شريكا في اللعب مع أبو ياسين يقابلنا في الطرف الآخر هادي وجودي عبد الحسين وكنا نتغلب عليهم بفضل براعة وأسلوب لطيف بربن وكان الرهان على أربعة قناني بيبسي كولا كما كنا نطالع الكتب الأدبية وخاصة روايات وقصص نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وتوفيق الحكيم وميخائيل نعيمة وغيرهم من الكتاب والأدباء العرب،وأعود إلى الأستاذ عبد الأئمة ومواقفه وأفعاله النبيلة التي تتجسد فيها كل معاني الإنسانية والفضل والخلق النبيل ونكران الذات حينما كنت أشاهده وهو يقود ذلك الشاب المريض عقليا جاسم بيد وباليد الأخرى الشاب الضرير حاتم إلى المغاسل أو المرافق او الحمام ويدخل معهما ليغسل لهما جسميهما ويجلب لهم الطعام ويرعاهم رعاية ليس لها مثيل إن مثل هذه الأعمال لا يمكن تجاوزها أو نسيانها لأنها تبقى محفورة في الذاكرة وتعطي للأجيال درسا رائعا فيما كان عليه الشيوعيين من أخلاق فاضلة وصفات حميدة وإعمال إنسانية لا تصدر إلا من أناس صقلتهم التجربة وأدبتهم الحياة فجعلتهم في المقدمة من رادة الإنسانية وأصحاب المبادئ والأخلاق السامية التي ليس لها مثيل .
إن سجن الحلة كما وصفته سابقا يتكون من عدة عنابر تشرف على ساحة كبيرة فيها المرافق والمغاسل والحمامات وهي مشتركة بين جميع العنابر وكل عنبر ينفصل عن الآخر بواسطة باب كبير من الشيش المشبك بحيث يستطيع من يقف خلفها مشاهدة الساحة ومن فيها وفي احد الأيام كنت واقفا في طابور طويل انتظر دوري في الدخول إلى المغاسل رأيت شخصا من خلف احد العنابر يؤشر لي ويطلب من الذهاب إليه وكان بعيدا عني وعندما اقتربت منه عرفته قلت للشرطي الذي يقف في الساحة انه ابن خالتي وطلبت منه السماح لي بالتكلم معه،فسمح لي بذلك لان علاقتنا بهم طيبة ويسودها الاحترام لعلمهم بأننا أبرياء ونناضل من اجل الفقراء ولسنا مجرمين أو قتلة أو سارقين أضف لذلك ما نالهم من الأذى من أجلاف الحرس القومي وتعاملهم السيئ معهم فكان هذا الخلاف لصالحنا لأنهم يعرفون عمق الخلاف بيننا،وكنا نعاملهم بالاحترام والتقدير فبادلونا ذات الاحترام،فاقتربت من الشخص المذكور فصافحته وقبلته وكان الأستاذ رزوق تلو شقيق الشهيد الراحل جورج تلو وكان في العنبر الذي يضم عناصر كثيرة من أهالي بغداد واخبرني بأنهم معزولين عن العالم وإخباره وضرورة إقامة علاقات وتبادل أخبار بيننا وبينهم فوعدته خيرا واتفقت معه على اللقاء في اليوم التالي وغادرته عائدا إلى العنبر الذي أعتقلت فيه فأخبرت الرفيق إبراهيم كرماشة عضو لجنة الإشراف ورعاية شؤون المعتقلين وأخبرته بالحديث الذي جرى بيني وبين الرفيق رزوق تلو الذي تعرفت عليه من خلال اشتراكنا بمهرجان الطلبة والشباب في موسكو سنة 1957 فوافق على ذلك على أن نكتب لهم ما نسمعه من أخبار الراديو وخاصة ما تذيعه إذاعة صوت العراق الحر من براغ، عن أخبار وحوادث العراق والاحتجاجات العالمية عما يجري من اعتقالات وتعذيب وإعدامات وتشريد إضافة إلى ما تذيعه من أخبار عن الأعمال البطولية التي تقوم بها المقاومة العراقية ضد الانقلابيين وتكون هذه الرسالة على شكل زبانة صغيرة وإنا أقوم بتوصيلها أليه واستلام ما لديهم من أخبار وفي اليوم التالي أخبرت الأستاذ رزوق عن وجود راديو لدينا وسنكتب لهم ما نسمعه من أخبار وما يحدث من تطورات في رسالة اجعلها على شكل زبانة واتفقت معه أن أضعها في احد المرافق الصحية التي حددتها له ومكان الرسالة واستمرت هذه العملية لأكثر من شهر نتبادل المعلومات بهذه الطريقة وفي احد الأيام رأيت الأستاذ رزوق بحالة عصبية وهو في شجار مع الشرطي في ساحة السجن فأسرعت نحوه لمعرفة السبب فهمس في أذني بان المرافق التي وضع فيها الرسالة دخل أليها احد المعتقلين ولم يخرج منها لحد الآن والشرطي يطلب منه الدخول إلى العنبر فطلبت منه الذهاب وترك الموضوع لي وسأسلمها له باليد أو أضعها في جيبه خلال مصافحتي له وعناقي معه وعندما جاء دوري دخلت المرفق الصحية وأخرجت الرسالة من محلها وسلمتها له بعد أن تعانقنا،ومنذ ذلك اليوم بدأت بالخروج أولا والالتقاء به قرب الباب ومعانقته أو السلام عليه واضع الرسالة في جيبه أو يده دون إن يشعر احد ،وبعد ذلك بفترة رحل الكثير من المعتقلين إلى نقرة السلمان.



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث الروح(20)
- وحدة القوى الوطنية والمرحلة الراهنة
- حديث الروح(19)
- حديث الروح(7)
- حديث الروح(8)
- حديث الروح(9)
- حديث الروح(10)
- حديث الروح(11)
- حديث الروح(12)
- حديث الروح (13)
- حديث الروح(14)
- حديث الروح(15)
- حديث الروح(16)
- حدسث الروح(17)
- حديث الروح(18)
- حديث الروح(6)
- حديث الروح(1)
- حديث الروح(2)
- حديث الروح(3)
- حديث الروح(4)


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلاح أمين الرهيمي - حديث الروح(21)