أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند صلاحات - أحلام المجانين ... ليلة صيف















المزيد.....

أحلام المجانين ... ليلة صيف


مهند صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 1124 - 2005 / 3 / 1 - 12:12
المحور: الادب والفن
    


خارج بلا أعراف أو طوائف ... زاحف بلا خرائط أو شوارع ... أحدد وحدي إتجاه بوصلتي ... وأضيف للإتجاهات الأربعة إتجاها خامساً غير المعروف والمألوف لدى البشر.
خارجٌ من عصري لا أنتمي لطائفة ولاعائلة أوقبيلة ... آتي مستعيراً أدواتي بديّنٍ موجلٍ إلى عصر آخر سيأتي ... و ضارباً بعرضِ الحائط آعراف القبائل في طقوس التزاوج الموسمي، وتكفين الموتى، والخطايا الكبرى، والرقص في زمن الغبار، وأغاني الحصاد، وتراث الأجداد ...
أنتمي للعصور التي مضت والتي ستأتي ... أعبر العصر الحجري والنحاسي والحديدي والفضي والذهبي إلى الذري والإلكتروني وعصر التزوج مع سكان الفضاء.
أُنكر عصري ونَسبي من الأباء ... أُنكر كتب مدرستي الأولى وأولاد حارتي والمدينة التي خلفتها الحرب بقايا بيوت وبضع سماسرة سلاح وتجار دقيق أبيض ورقيق العصر ... أنكر متطلبات العصر والسرعة والإتصالات ... ولا أنكر ذاتي ... أتوحد فيها وإليها فقط أنتمي وللأقلام والحبر والسكين … فتلك كل أدواتي .
أُغامر في إغراق الشعراء في بحور الفراهيدي ... أتنقل بلا سفينة في تلك البحور ... أكسّرُ أوزانها وأمواجها … أتحدى أنواءَها ... أسحب قوافيها من شدو شعرائها ... أصادرها كصناديق البخور المهرب في السفن التجارية القادمة من الهند ...
أُنكر عصر النصابين ... وعصر الثوار التجار ... وعصر لعب القمار بأموال الشعوب الجائعة والمتناحرة على رغيف خبز جاف ...
أُعيد تطهيرَ الثورة من الثوار التجار والمقامرين ... أعيد تشكيل نفسي كما أرى ... فمرة أستبدل قلبي بقمر ... ومرة أبدل يدي بقلم … ومرة حجر ... ومرة أستبدل عيناي بشموس حارقة ... ومرة بأقمار عاشقة ...
لا أنتمي لشاعر أو سلطان أو نصاب من نصابي هذا العصر ... لا أخضع لقانون أو عُرف صاغه مجنون أو مغامر .
أمشي أينما شئتُ ... وكيفما أحببت ...
أسيرُ في المدن المكتظة جداً بالفقراء والسعال والزكام والمتسولين على الأرصفة الملونة بالأسود والأصفر.
أدخل الحارات دون خوف ... حاراتٍ لم يدخلها من قبلُ رجالُ الأمنِ ولا المرشحونَ لانتخابات مجلس الشعب أو المباحث العامة ...
أُعيد تلوينَ جدرانها المصبوغةِ بالأزمنةِ وخربشاتِ العابرين والثائرين والكاظمين الغيظ منذ ميلاد الظلم على الأرض وفرعنة فرعون وقيام دولة اليهود ...
أدخل بيوتاً لم يدخلها الخبز المحمص على الطريقة الفرنسية أو الصرف الصحي ... لا يسير الماء بها عبر الحائط … ولا يسيل من حنفيات فضية ... لا يعرف سكانها صوت رنين الهاتف أو إنكسار الضوءِ عبر النوافذِ الملونةِ الزجاج ... بيوتا بلا نوافذ لا تعرف لون الشمس بداخلها ... لا يسكنها إلا دخان الحطب المشتعل بالمواقد وسعالُ أطفالٍ مرضى … وذكرياتُ أخوةٍ لهم ماتوا بالسل والكوليرا.
أنتمي للبيوت ... لأحجارها العتيقة كالحكمة ...
أنتمي للذين يسكنون تلك البيوت التي بلا أبوابٍ أو أسقف ...
للذين يكدحون العمر ... لا يعرفون ماذا تعني الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات، ورأس المال، و العولمة والشبكة العنكبوت ...
أتوحد في الإنسان الأول الذي يحيى هذا العصر بلا بيت يأويه من برد السرعة العصرية ... أو حر القنبلة الذرية ... أنتمي لمن لا يملك خبزاً ولا يفكر بنوع النبيذ الفاخر ليلة رأس السنة ... للذي يفضل رأس الماعز على رأس السنة ...
أدخل من كل أبواب المدن الكبرى المكتظة حتى الموت ... ويختنق الإنسان فيها لضيق النَفَسِ والهواء المرِّ كالحنظل ...
أُشهرُ سيفاً من سكْبِ الدمِ والعرق والقهر المعتق، في وجوه شعراء الحاكم ... وحاشية، وجواري، وحراس الحاكم ... ورأس مال الحاكم في البنوك الأجنبية.
أُعلنُ في بيانٍ صادرٍ بإسمي وبإسم كل المجانين في مملكة الجنون الممتدة من بحر لم يكتشفه مغامر إلى بحر لا يسكن جزره إلا ثائر أو هندي أحمر لم يتلوث بالولايات المتحدة الطاعون.
نُعلنُ في البيان أنّا : خارجون على عصر صار فيه الثوار يرجمون بالحجارة حتى الموت كالزناة.
عن زمن يضيع المفكر والفنان والأديب في صحرائه ... ويموت بكاتم صوت أو غريقاً في تناقضات الصحراء.
عن عالم شوارعه معبدة بالإسفلت والقهر وجماجم أطفال الفقراء وجلود السجناء المحكومين بالظلم المؤبد ...
عالمٌ ثلثاه شوارعٌ عريضةٌ ولم يزل سكانه يضلون الطريق.
عالمٌ كله طريق وليس فيه للحق والعدل طريق .
أسخَرُ من شاعرٍ ينظمُ من وجعِ الحكايا أغانٍ وقصائد ... ويعتاش من مِنَحِ الملوك ... وهدايا السلاطين كديك مزبلة.
أَعلن الثورةَ في الشعوب التي تنام على قهرها … وتسير على الطرق المعبدة من جِلدها منذ سنين ... وترى الحاكم يُسلم المدينة للطغاة ... ويدفع الجزية للغزاة ... ويعترف بالأرض التي تعبق بروائح الأجداد كحق شرعي للمحتلين.
تخر تلك الشعوب أفرادا وجماعاتٍ لحكامها ساجدة راكعةً خاشعةً لا مبالية .
وتقبل الكف التي سرقت أرواح أطفال الفقراء وهدمت بيوت المنسيين ... وتغني نشيد الاستقلال لقاء كيس خبز وعلبة سردين ...
تلك الشعوب التي لا تزال منذ سنين تصلي لعلبة السردين ...
تلك الشعوب التي صفقت للذي يقتسم الوطن الكبير بشجره ونفطه وهوائه وقبور شهدائه مع الغزاة ويسميه عراقاً جديداً أو إسراطين.
أعلن التمرد على القبائل التي أدمنت جوعها ... وارتهنت بنادقها … وقبُّلت سوط جلادها ... وإستراحت للزنازين ... وهوت في أسفل السافلين .
أستل من أقلامي حروفاً ... أعيد بها بناء جسرٍ قصفته الطائرات ... وبيت مرت على أعمدته الدبابات ... أعيد بناء عصر ليس فيه دجال ... أو سمسار ... أو تاجر سلاح ... أو مخلّص من ظلم العبيد ... أو بائع أحذية جلدية .
فكل سكان عصري فقراء وأطفال ومجانين ... لا يلبسون الاحذية المصبوغة ..
أطفال يلعبون في الحواري المقفلة عن العالم الأخر ... لا يتقنون الهوكي والبولنغ ... أو الأصوات التي تهتف لمرشح الرئاسة الأوحد ... أو مرشح البلدية ... أو المرشح لحل القضية بالطرق الأمريكية.
لا يستهويهم حلّ ألغاز الذرة أو النظرية النسبية لإنشتاين ... أو حتى ألغاز الشبكات العالمية ... ولا تستعبدهم الشركات المتعددة الجنسيات ... فالوطنُ بالنسبة لهم ... مجرد زقاق في مخيم ... أو زهرة تنمو بين شقوق بيت عتيق ... أو رغيف خبز ساخنٍ ... أو شمس في الفجر تفيق ... أو عينا امرأة تبكي رجلاً مات غريباً بلا صديق ... في عصر اللا أصدقاء ... وتلك بالنسبة لهم أكثر المسائل تعقيداً.
أنتمي لعصر أتذوق فيه الوطن كالبرتقالة ... وأسمع فيه العصافير تشدو أغانيَ لم ينظمها شاعر تربى في البلاط الملكي ... أو في الإسطبل الأميري ... أو في الزقاق المحشو بالمخبرين ... أو مفاوض شارك في صنع المهزلة .
أنكر كل الأشياء حولي ... من أعراف ... وأسماء ... وأرقام ... وأنكر كتب التاريخ الحديث المكتوب بأفيون مؤرخ ...
وأغتال كل العبارات الزائدة في اللغة ... وأغتال مدرس التاريخ .
أعلن الحرب بالكلمات ... أنتمي للفقراء في كل العصور ... أهدم قصر هارون الرشيد ... وأطلق منه الجواري والعبيد ... وأعيد تشكيل الزمن البعيد ...
أرتد عن عصر الحداثة والعولمة ... والأطفال القادمين من الأنابيب ... والمدن التي كل شوارعها مليئة بالمخبرين ... والعاطلين عن العمل ... و الباحثين عن المتعة ... أو النفط ... أو جليدٍ للتزلج ... أو المنتظرين المفاجآت الآتية في كيس ساعي البريد .
عن مدنٍ تستوردُ حتى البشرَ و الضجرَ ... والبن الأسود ... والماء المعبأ في العلب ... ولا تصدّر إلا الهزائم ...
عن بلدٍ تحكمه الهزائم والمهازل .

( إستفاقة)

بعد إنتهاء الوقت المحدد للحلم بحسب قانون وزارة الأحلام والأماني المستهلكة أستفيق من الحلم بطريقة كلاسيكية معتادة ...
أتقلب على جنبيَ ذات اليسار وذات اليمين ... أفيق من أحلام الغفلة والمجانين ... أعتذر لزماني عما قلته بحقه من حقائق، ومن إعتراض على إرادة أمير المؤمنين بحكمه ...
وأعدُ نفسي وزماني أن لا أعاود النوم ثانيةً … كي لا أعود مرة أخرى لممارسة أحلام المجانين ... و أؤجل نومي القادم حتى ينتهي هذا الصيف ... فالصيف نصفه قوارض وحشرات ... ونصفه الأخر يأتي فيه القمر ليوزع علينا أحلام مجانين .


مهند صلاحات
* عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين



#مهند_صلاحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أتى عيد العشاق... سيدتي
- هل تحولت السلطة الفلسطينية إلى مركز أمني جديد في المنطقة الع ...
- محاكمة الذات بالمعايير المبدأية
- لا بد أن يسقط القمر
- وصايا الشهداء
- شعارات / قصة قصيرة
- قررت الزواج ببحر غزة
- الخطأ في شمولية الحكم على الفكرة / ردا على مقالة محمد الموجي ...
- محاولة لترجمة النهى في ليلة راس السنة
- من يحسن قراءة الوطن على أعتاب السنة الجديدة ؟
- المُخٌلِّص
- التكفير سلاح الجاهل ... ردا على الأستاذ محمد الموجي حول كفر ...
- علمانية الفرد العربي ... الحقيقة المرفوضة
- الأندلس الجديدة ... والطاغوت على أبواب المدينة
- لماذا أبو مازن مرشح الإجماع الفتحاوي
- الحوار المتمدن ... ويكفي أن نقول هو المكان السليم للحوار الم ...
- ذاكرة الزمن المستعار 1
- الجريمة ... حين تحاول أن تكون ثقافة لشعب مقاوم ...
- نبوءات الشهداء
- أنفلونزا


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند صلاحات - أحلام المجانين ... ليلة صيف