أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - القطار الأمريكي 1963 وسباق المسافات الطويلة (الأخيرة)















المزيد.....

القطار الأمريكي 1963 وسباق المسافات الطويلة (الأخيرة)


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3864 - 2012 / 9 / 28 - 13:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الانقلاب التاسع والثلاثون- 1963
القطار الأمريكي وسباق المسافات الطويلة (الأخيرة)


لم تكن قوى الانقلاب، وعلى رأسهم العسكريون: [... لتختار أنصاف الحلول، إذ أنهم كانوا يأملون في القضاء على الشيوعيين مرة واحدة وإلى الأبد، أو أنهم كانوا يريدون إقناع أنفسهم بأن الشيوعيين إنما كانوا يدفعون ضرائب استحقت عليهم منذ زمن، الأمر الذي يبرر لهم - للبعثيين - أفعالهم تماماً... ].
وهكذا تعاونت العديد من المراكز الغربية، وخاصةً الأمريكية والبريطانية، على إسقاط حكم الزعيم قاسم حيث: [... اندفعت إلى إستغلال الجفاء وتعميق الهوة بين الجمهورية العربية المتحدة وحكومة الثورة في العراق، مستغلة الشعور القومي المتأجج وخلق مقاومة شعبية ضد الاتجاه نحو، فاتجهت الولايات المتحدة الامريكية إلى إستغلال الجفاء بين البلدين العربيين والاستفادة من شعبية الرئيس جمال عبد الناصر في العالم العربي وفي العراق على وجه الخصوص، لمهاجمة حكومة وقيادة عبد الكريم قاسم ولتقويض نظامه السياسي. ففي28 آبريل 1959 صرح آلن دالاس مدير وكالة المخابرات الأمريكية، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن الوضع في العراق من أخطر الأمور في العالم اليوم) وأعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية فلبرايت بأنه: بالرغم من أن الشيوعيين في العراق قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على الحكم، إلا أن الموقف لم يصل بعد إلى مرحلة الخطر، فإذا تنبه الغرب إلى استغلال المرحلة التي وصل إليها سوء العلاقة بين موسكو وعبد الناصر، فإن الأخير بإمكانه أن يلعب دوراً مهماً لإنقاذ العراق.
وزاد من رعب الساسة الغربيين الخطاب الذي ألقاه عبد الكريم قاسم في 14 آذار/مارس 1959 في مؤتمر الصناعيين العراقيين وفيه قال: (أعلن للعالم بأننا أصدقاء للدول الاشتراكية وسوف أعمل أنا شخصياً بكل نشاط وفق مصلحة الوطن، لأننا وطنيون نعمل لمصلحة بلدنا وشعبنا). عقب ذلك قررت الولايات المتحدة، كما يبدو، محاربة الثورة في العراق وإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم بأي ثمن مستغلة الخصومة بين ج. ع. م. والعراق. فاتجهت إلى التقارب مع الرئيس عبد الناصر بعد جفاء، وخففت من خصومتها له، لتستفيد من مكانته في إنقاذ العراق من (الشيوعية)... ]. (التوكيدات منا - الناصري).
هذا الاستنتاج الذي يتفق عليه كثير من الباحثين والسياسيين يوضح الصورة التي نسجتها العلاقات الدولية في المنطقة وبتلك الحجج غير الموضوعية، إذ تلاقت المتناقضات لتطويق حكومة تموز/قاسم، وتوافقت المصالح بين امريكا والرئيس عبد الناصرالراغب في تحقيق زعامته الأنوية الفردية، والذي [... اندفع متجاوباً مع بعث العراق، يعطيه كل دعم ومؤازرة ويظهر له الود التام... ] (76)، حسب قول طالب شبيب، لأجل الإطاحة بحكم الزعيم قاسم مع أنه الأقرب في جوهره إلى الناصرية إذا نظرنا إلى أهدافه الاجتماعية/الاقتصادية ونظرته الاستراتيجية للأمة العربية مما لدى حزب البعث العراقي، وحتى من حليفها عبد السلام عارف وهذا ما توصلت إليه القيادة المصرية بعد انقلاب 1963، حيث اتهم الرئيس عبد الناصر حزب البعث بموالات الاستعمار، عندما أوضح بصريح العبارة مخاطباً الوفدين العراقي والسوري، أثناء مباحثات الوحدة الثلاثية عام 1963، بالقول:
[إن حزب البعث يتحالف اليوم مع الاستعمار ومع أعوان الاستعمار. اسمعوا جميع محطات الاستعمار، اقرأوا جميع صحف الاستعمار والصحف العميلة وشوفوا بيقولو إيه على حزب البعث: يصفقوا لحزب البعث، وسعداء جداً لحزب البعث.. دي الريحة اللي إحنا شفناها النهارده والتي تدعو إلى الشبهة. راديو لندن يدافع عن حزب البعث، الجرايد الناطقة باللغة العربية وباللغات الأجنبية بتدافع عن حزب البعث. إذن هل يستطيع حزب البعث أن يسأل نفسه بعد هذا هل هو ماشي في الطريق الصحيح؟ لقد أصبح حزب البعث يعتمد على العناصر التي تعاونت مع الاستعمار ليضع البلاد داخل مناطق النفوذ الاستعمارية... ].
ويصب في هذا التوجه المسار المادي لتاريخ الحزب حيث يمكننا القول أن ثورة 14 تموز : "... جاءت بإنجازات جديدة، وسرعان ما انتهت بعد خمسة سنوات بانقلاب البعث على الثورة عام 1963، ومنذ ذلك الحين، والولايات المتحدة تدير الثوريين العراقيين، الذين ساعدتهم في الوصول إلى السلطة ثم القاء فيها.
وكانت لواشنطن مصالح في استخدام البعث ضد الشيوعية فأيدت الحقبة البعثية الأولى (آل عارف والبكر) وكانت لها مصالح في استخدام البعث ضد الثورة الإسلامية في إيران فأيدت الحقبة البعثية الثانية ( عصر صدام حسين الثاني في الثمانينيات)، ثم كانت لها مصالح في التواجد بالمنطقة والقرب من النفط ، فأدخلت صدام إلى الكويت ثم أخرجته منها ( عصر صدام حسين الثاني في التسعينيات) ثم انتهت مصالحها تجاه البعث العراقي واطروحاته الثورية التي أدت إلى المهام الثلاث:
- ضد الشيوعية؛
- ضد الثورة الإيرانية؛
- وضد السيادة العربية على النفط.
وبإنتهاء الملفات الثلاثة.. انتهى دور البعث وكيلاً علنياً للقومية العربية، وللثورة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ووكيلاً حقيقياً للولايات المتحدة ومصالحها... ".
لكن لماذا لم يتساءل الرئيس ناصر عن مبررات تعاونه مع حزب البعث العراقي لإسقاط حكم الزعيم قاسم؟ ولماذا أخذ على عاتقه محاربة قوى اليسار وخاصة الشيوعي منها في المشرق العربي؟ هل هذا كان من ضرورات الوحدة العربية؟ أم من مقتضيات الزعامة للأمة العربية؟ ولماذا لم ينتقد مسيرة الانبعاث الحضاري في مصر بالترابط مع مصالح الأمة في الأمد البعيد ضمن تحالف القوى التقدمية؟ أم أن هذا الكلام جاء بعد اختلاف مصالحه ورؤاه مع موقف البعث المتطلع، هو الآخر لزعامة الأمة؟
وهكذا استطاع أعداء قاسم أن يخلقوا - عبر الإعلام المباشر والعملاء في الداخل - هيجاناً في الشارع العراقي أصبحت الأحاديث السياسية كما لو أنها ضرورة حياتية، يتكلم فيها الجميع دون استثناء، في ساحات العمل والمقاهي، في الوحدات العسكرية والجوامع، في الحانات الشعبية والنوادي الأرستقراطية ، في المعاهد التعليمية والبيوت. كما كانت شاملة لكل مناحي الحياة وانخرطت بها كل التكوينات الاجتماعية والاثنية.
وأدى ذلك إلى انقسام المجتمع وانشطاره عمودياً بين مؤيد لهذا الاتجاه أو ذاك، وأصبح الاحتراب القرينة الدائمة للحالة العامة، وسرى حتى داخل أصغر وحدة اجتماعية وهي العائلة، لقد عمق ورسخ هذه الأمور كثرة المحاولات الانقلابية. وهذا ما أغرق الزعيم قاسم في لجة هذا الوضع غير المنطقي وغير العادل، وبالتالي شل قدرته على مواصلة البناء أو يكادها. مما سهل لقوى الانقلاب التاسع والثلاثين، التحرك بحرية وعلنية نسبيتين للمضي في تنفيذ مخططهم.
تزامن هذا الوضع الداخلي مع اشتداد الضغوطات التآمرية الخارجية لإسقاط النظام مع وصول مسؤولين من المخابرات الأمريكية للإشراف على الانقلاب، حسب ما ذكره سكرتير الحزب الشيوعي العراقي آنذاك، في سياق تحليله لطبيعة الحركة الاضرابية، عندما قال: [... إن طبيعة الحركة الإضرابية القائمة رجعية لأنها منطلقة من شعارات معادية للشيوعيين والحركة الديمقراطية، ومنطلقها انقسامي استفزازي. وينبغي أن يلاحظ أن توقيتها في الظروف الراهنة حيث المعلومات المتوفرة لدينا تؤكد وجود نشاط تآمري رجعي، وأن مستر ديفز مدير المخابرات المركزية في الشرق الأوسط الذي هو الآن في العراق، من خططه كما فهمنا إثارة اصطدامات ونزاعات ضد الحكومة... ].
آنذاك بدأت السفارات الغربية، وبخاصة البريطانية والأمريكية، تعد الخطط لجلاء رعاياها، إذ كتبت السفارة البريطانية في بغداد، في تقرير لها يوم 7 شباط/ فبراير 1963، تقول فيه: [...إن استبدال السلطة ربما لن يكون هادئاً وحتى عدة أيام أو عدة ساعات من الاضطرابات سوف تكون خطراً على المواطنين البريطانيين وعلى بناية وموظفي السفارة، وربما يثير تدخلاً من قبل واحد أو أكثر من جيران العراق. إن خطط الإخلاء المعدة موجودة لـ1600 مواطن بريطاني في العراق، والسفارة أعادت النظر مؤخرا، وقوت خططها لحماية الموظفين وتدمير الأوراق وإبقاء الاتصالات الطارئة مع لندن... ].
لقد اختارت الولايات المتحدة الأمريكية حزب البعث ، كمجموعة، من خلال ضباطه العسكريين بديلاً من اختيار شخصية عسكرية قائدة . لقد جاء هذا الاختيار بعد تجاربهم الفاشلة في انقلابات سوريا أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن المنصرم، وخاصةً تجربتهم مع انقلاب حسني الزعيم في آذار 1949 حيث أفادوا من الانقلاب ، على اعتبار إن الحزب الذي يقود الانقلاب يمثلون حسب تعبيرهم ( الصفوة المختارة) ويمتلك قاعدة اجتماعية لها جذورها في الواقع السياسي وحتى يحيطون أنفسهم بهالة من الشعبية والقداسة . ولكن ومن دراسة واقع حزب البعث في العراق زمن الجمهورية الأولى _ 14 تموز1958-9 شباط 1963) يُلاحظ إن الحزب لم يكن أكثر من مجرد تابع ، من حيث المضمون، للعسكريين ، وما القيادة المدنية سوى زعامة واجهة، وهذا ما اكتشفته القوى المدنية بعد اغتصابهم السلطة. ومن بين هؤلاء العسكريين، على الأغلب، نسجت العلاقات مع القوى الخارجية حسب اعترافات قادة الخط المدني من أمثال حازم جواد وعلي صالح السعدي وطالب شبيب.. وأكد ذلك السعدي منقولاً عنه : "... انه وبعد دقائق من ثورة رمضان أكتشف أنه وجماعته يسيرون دون إرادتهم بقطار ماكنته أمريكية ... ".
كان الأمريكان يؤكدون دوماً: " ... إن الشروط اللازمة لبقاء أي حاكم أو مجموعة حكام مثل حكومة الأقلية... أن يظهر بمظهر يستحيل القول معه أنه صنيعة لنا وأن يتصرف بطريقة لا تظهر أي انسجام مع أذواقنا وميولنا. وباختصار فإن مساندتنا لأي زعيم للوصول إلى سدة الحكم والبقاء هناك حتى يحقق لنا بعض المصالح التي نريدها ، لابد ان ترتطم بالحقيقة القاسية ، وهي لابد من توجيه بعض الإساءات لنا حتى يتمكن من المحافظة على السلطة ويضمن استمرارها . كما أن هيكل النظام السياسي الذي يتبع الحاكم لابد أن يكون طبيعياً وفطرياً وغير مصطنع وبالتالي يجب أن يتضمن بعض العناصر التي تضمر العداء لمصالحنا... ". وهذا ما كان مع انقىب شباط 1963، وما لعبته المجموعة العسكرية التي نفذت ما تريده الولايات المتحدة من وأد الزعامة الوطنية وتحطيم الحزب الشيوعي العراقي، وقد كانوا بمثابة (الإرادة الخفية) المشبوه وهذا ما يثبته التاريخ السياسي لسلطة الانقلاب



الهوامش والتعليقات:

-) بطاطو، الجزء الثالث، مصدر سابق، ص 301.

2- إسماعيل العارف، مصدر سابق، ص 285.

3- د. علي كريم سعيد، مراجعات، مصدر سابق، ص 34.
4- مستل من مطيع نونو، مصدر سابق، ص 211.
5- أحمد المسلماني، خريف الثورة، صعود وهبوط العالم العربي، ص. 170، ميريت القاهرة 2005. وتعود هذه العلاقة بين البعث والولايات المتحدة إلى دوافع تأسيس الحزب بحد ذاته والكامنة في محاربة الفكر الماركسي في الوطن العربي ، وهذا ما وثقه د. محمد الزعبي ، عضو القيادتين القومية والقطرية السورية السابق، عندما أشار إلى وثيقة حزبية داخلية صادرة عام 1948، يحدد فيها ميشيل عفلق الهدف ( الأراس من تكوين الحزب وهو الوقوف بحزم ضد إنتشار أفكار الاشتراكية العلمية تحديداً ومناهضتها في العالم العربي عامةً والمشرق منه خاصةً...) راجع ناصر الناصر، لنحدد المسؤولية في البدء ، جريدة الغد الديمقراطي ، العدد 113، تشرين الثني 1993، لندن.
"... وتأكيداً على ما تقدم ذكر المؤرخ البريطاني بيتر سلوغلت، أن موظفاً رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية ، أيدَّ له بأن بعض البعثيين من ضمنهم رئيس العراق الأسبق ، صدام حسين، وبعثيين آخرين قد أجروا اتصالات مع السلطات الأمريكية في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات ، إذ كان المعتقد في ذلك الوقت بأن البعثيين هم القوة السياسية للمستقبل ويستحقون الدعم الأمريكي ضد قاسم والشيوعيين. ومن نافلة القول ، أن معرب كتاب المؤرخ البريطاني المشار إليه أعلاه ( مالك النبراسي- الناصري) أنه سأل علي صالح السعدي في صيف 1976 عن صحة ما نقل عنه بأنه قال خلال جلسات المؤتمر القومي السابع للبعث المنعقد في سوريا بعد سقوط حكم حزب البعث في العراق عام 1963، بأنهم جاءوا إلى الحكم بقطار أمريكي ، وقد أيد السعدي ذلك. وما يتعلق بهذا الشأن فإن هناك العديد من الأدلة والبراهين تؤكد صحة ما نقل من روايات عن ارتباطات بعض قادة البعث بالمخابرات الاجنبية ، ولا سيما ما نقل عن زوجة السعدي ، هناء العمري ...". مستل من د. طارقمجيد تقي العقيلي، بريطانيا ولعبة السلطة، ص.90، مصدر سابق.

6لعبت هذه النوادي دوراً في التقاء القوى المناهضة للسلطة والتنسيق بينها وبين العناصر الاجنبية وتلك العاملة في الحقل الدبلوماسي، التي نشطت بصورة ملفتة للنظر آنذاك، مما حدى بسلطة الزعيم قاسم في الايام الأخيرة من أغلاق بعضها كنادي المنصور. كان النادي ملتقى عوائل الحكم والارستقراطية العراقية وشركة النفط والسلك الدبلوماسي. وقد تذمرت السفارة البريطانية من ذلك في تقرير لها عن الحالة في العراق قبل الانقلاب وذلك بالقول: [ومرة أخرى في كانون الثاني، أغلق بدون إنذار نادي المنصور مع خمسة نوادي صغيرة أخرى. هذا النادي كان ملتقى النخبة من العراقيين في بغداد: الاعضاء يشملون كل الارستقراطية من الملكية والاعضاء الكبار والعالة من (hengers on) نظام قاسم. ادعى أن التأمر كان يحدث في النادي. ومع ذلك التصرف خلق قانوناً جديداً في عقول البغداديين المتنفذين وإستاءوا بشدة] مستل من د. حامد البياتي، أسرار انقلاب، مصدر سابق، ص 141.

7 -) مستل من صالح دكلة، من الذاكرة، مصدر سابق، ص 206. وكان المقصود منها حتى ما له علاقة بالحركة الكردية آنذاك. لكن المستغرب إزاء هذه التحذيرات المنطقية، لماذا، خاصةً بعد الاجتماع الموسع للجنة المركزية في أيلول 1962، [انبرى الشيوعيون لقيادة المعارضة سلمياً عن طريق تشجيع الاضرابات العمالية والتحريض على التظاهرات في الارياف والمدن وكانت توجيهات قيادة الحزب إلى المناطق والفروع تنص على تشديد النضال ضد الدكتاتورية العسكرية، في وقت ازدادت فيه حدة الأزمة الاقتصادية التي سببتها ضغوط شركات النفط وحرب الشمال التي استنزفت ميزانية الدولة. وبذلك أصبح الجو مهيئا لحزب البعث والقوى القومية لإنزال ضربتهم التي أعدوا لها بالنظام...]. صلاح الخرسان، صفحات من تاريخ...، مصدر سابق، ص 102. ولماذا ركز الحزب على شعار السلم في كردستان، لدرجة أنه أصبح يمثل الهم المركزي، ومتناسياً شدة حدة التآمر التي أشار إليها تكراراً؟ بل حتى ألغى الانذار الحزبي من الدرجة القصوى لمجابهة عملية الانقلاب الوشيك!
إن المقارنة [بين حكومة وطنية معادية للاستعمار] كمسألة رئيسية، كما يوصفها الحزب آنذاك، وبين الحرب في كردستان، كمسألة ثانوية، التي حسب قول سلام عادل، حيث [يحمل القوميين الاكراد مسؤولية خاصة من بين الحركة الوطنية في تهيئة الظروف المناسبة للانقلاب الرجعي الفاشي...]. لم تكن في صالح الموقف الموضوعي السليم للحزب في ذلك الوقت. إن التأكيد على الثانوي ونسيان الرئيسي، هو خطأ تكتيكي مدمر ساهم، مع خطة التشدد إزاء الحكم التي انتهجتها قيادة سلام عادل، بصورة غير مباشرة في تعبيد طريق الانقلاب، خاصةً أن هذه السياسية لم تقترن بخطة بعيدة المدى تحدد الموقف من السلطة وطبيعتها من جهة وفي ظرف التشتت والصراع داخل اللجنة المركزية وبالتالي في قرارها من درجة التحالف مع حكومة عبد الكريم قاسم
علماً بأن الحزب الشيوعي ولقناعته بضرورة بقاء قاسم في سدة الحكم رغم التناقض الوقتي الموجود بينه وبين الحزب، كما نعتقد، رفض في مذكرة له بتاريخ 05/06/1962 إلى اللجنة المركزية للبارتي العمل على إسقاط الحكم، ومما جاء فيها:
[نحن نعمل بإتجاه منع عملاء الاستعمار والقوى اليمينية من الوصول إلى الحكم، فيما لو نجحت بتوجيه ضربة إلى الحكم القائم، إن استخدام السلاح ضد حكومة وطنية معادية للاستعمار وفي مثل هذه الظروف من قبل جهة ديمقراطية لا يؤدي في أحسن الأحوال إلا إلى أمرين: إما أن ترتمي السلطة القائمة في أحضان الاستعمار وتتحالف مع جميع القوى الرجعية لمحاربة مثل هذه الحركة، أو أن يستغل المستعمرون وعملاؤهم مثل هذه الفرصة لإسقاط الحكم القائم، وإقامة حكومة رجعية لا تبقي على شيء من مكاسب الشعب] مستل من المصدر السابق، ص 99. عبرت هذه السياسة على مدى دقتها واستيعابها للأولويات المطروحة مقارنةً بتلك التي أختطها الحزب لنفسه بعد اجتماع أيلول الموسع عام 1962. يبدو لي أن العوامل الذاتية من الزعيم قاسم هي التي أملت هذا الموقف الجديد أكثر من كونها استجابة للظرف الموضوعي المستنبط من طبيعة ثورة 14 تموز وآفاق تطورها أنها ثورة الفئات الوسطى ذات المنحى اليساري ليس إلا.
8 - مستل من د. حامد البياتي، أسرار، مصدر سابق، ص 232.
9 - راجع د. علي كيم سعيد، مراجعات، هامش ص. 291، مصدر سابق.
10 - مايلز كوبلاند، لعبة الأمم، ص. 79، مصدر سابق.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطار الأمريكي 1963 وسباق المسافات الطويلة (7)
- القطار الأمريكي وسباق المسافات الطويلة (6)
- الانقلاب التاسع والثلاثون- 1963 القطار الأمريكي وسباق المساف ...
- الانقلاب التاسع والثلاثون- 1963،القطار الأمريكي وسباق المساف ...
- الانقلاب التاسع والثلاثون- 1963،القطار الأمريكي وسباق المساف ...
- الانقلاب التاسع والثلاثون- 1963 القطار الأمريكي وسباق المساف ...
- القطار الأمريكي وسباق المسافات الطويلة (1-10)
- من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :4-4)
- من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر : (3-4)
- من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر انقلاب 8 شباط 196 ...
- من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :
- 14 تموز والتيار الديمقراطي
- حوار عن قاسم وتموز
- (8-8) من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
- (7-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
- (6-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم ...
- (5-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (الجمه ...
- (4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (3-8)
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثان ...


المزيد.....




- مفاجأة غير متوقعة.. شاهد ما فعله ضباط شرطة أمام منزل رجل في ...
- بعد فشل العلاقة.. شاهد كيف انتقم رجل من صديقته السابقة بعد ت ...
- هيئة المعابر بغزة ومصدر مصري ينفيان صحة إغلاق معبر رفح: يعمل ...
- لماذا يتسارع الوقت مع التقدم في السن؟
- بلجيكا تبدأ مناقشة فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد إسرائيل
- رداً على -تهديدات استفزازية- لمسؤولين غربيين .. روسيا تعلن إ ...
- تغطية مستمرة| الجيش الإسرائيلي يستعد لاجتياح رفح ويدعو السكا ...
- غارات إسرائيلية ليلية تتسبب بمقل 22 فلسطينيا نصفهم نساء وأطف ...
- أول جولة أوروبية له منذ خمس سنوات.. بعد فرنسا، سيتوجه الرئيس ...
- قاض بولندي يستقيل من منصبه ويطلب اللجوء إلى بيلاروس


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - القطار الأمريكي 1963 وسباق المسافات الطويلة (الأخيرة)