أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :















المزيد.....

من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3819 - 2012 / 8 / 14 - 16:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :
انقلاب 8 شباط 1963: (1-4)
عقيل الناصري
يعتبر الانقلاب العسكري في 8 شباط 1963 بادرة خطيرة في تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر، حيث مورست خلاله انواع غير مألوفة من التعذيب وتفنن في إبادة الآلاف من الأشخاص بلغت في حدود 5 آلاف شخص ابيدوا بوحشية بالغة تحت التعذيب.. ناهيك عن أولئك الذين تم تصفيتهم الجسدية خارج أطر المؤسسة الرسمية المعنية بالأمن.. حتى برزت صيرورة الإبادة كظاهرة سياسية، اجتماعية تمارسها قوى العنف المنظم الرسمي وتساندها " مليشيا مسلحة يفوق عددها عن 30000 شخص يخضعون لقيادة حزب البعث وحده... " أطلق عليها أسم (الحرس القومي) الذي أسس مكاتب تحقيقية في عموم البلد.. مارست فعل الإرهاب المادي والمعنوي بكل قسوة وخساسة أخلاقية قل نظيرها في تاريخ العراق المعاصر.
هذا العنف المنفلت وبتلك السعة لم تمارسه الدولة العراقية إلا بعد الانقلاب الأمريكي التخطيط والبعثي / القومي التنفيذ.. وكأنه إيذاناً بدخول العنف في مرحلة جديدة لم تكن التكوينات الاجتماعية العراقية قد عرفته بهذا الشكل.. ويبدو انه مثل حجر الأساس للعنف المنفلت بعد سقوط الجمهورية الثانية (9 شباط 1963- 9 نيسان 2003) ، كما أن هذا العنف المنفلت مثل على حدٍ بعيد كان تعبيراً عن أنماط ثقافية .. تلك التي تستمد مقومات وجودها من البعد المستقبلي المنطلق من روح العصر .. وبين ثقافات تحاول أن تتماثل مع الماضي رغم اختلاف الظروف.. أنه المعادل الثقافي بين المتحضر والمتريف.." فغذا كان العنف هو مقابل التاريخ ومعادله ، فإن الثقافة هي المعادل الثاني، وعليه فإن العنف الذي لا يوجد بذاته، إنما يشتبك بالتاريخ والثقافة ويوجد فيهما... " . وهكذا عكس العنف المنفلت والمخطط له من قبل مخططي الانقلاب ومنفذيه، هذه القيم الثقافية ذات السمات البدوية وتلك النظرات الاجتماعية التي اقل ما يقال عنها، إنها متدنية من الناحية الأخلاقية، والمتخلفة عن البعد الحضاري. أنه الصراع بين ذلك البعد الحضاري الذي فتحت ثورة تموز أبوابه .. وبين تلك المحاولات التي حاولت إغلاقها.. صراع الحضارة مع التخلف.. الحركة مع السكون.
سنحاول هنا مناقشة لبعض من تجليات هذا الانقلاب ولنبتدء ببيانه الأول .. لنقول:
أولا: مناقشة لبيان الانقلاب الأول وتوجهاته:
أُذيع، في حدود التاسعة وأربعين دقيقة من صباح الثامن من شباط، البيان الأول للحركة الانقلابية من قبل حازم جواد عضو القيادة القطرية آنذاك، والذي ساهم في كتابة نصه بالاشتراك مع عضوي القيادة القطرية كريم شنتاف وفيصل حبيب الخيزران . وهذا هو نصه:
" البيان رقم واحد الصادر من المجلس الوطني لقيادة الثورة
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الشعب العراقي الكريم..
لقد تم بعون الله القضاء على حكم عدو الشعب عبد الكريم قاسم وزمرته المستهترة التي سخرت موارد البلاد لتطمين شهواتها وتأمين مصالحها.. فصادرت الحريات، وداست الكرامات، وخانت الأمانة، وعطلت القوانين، واضطهدت المواطنين.
أبناء الشعب الكرام
قامت ثورة 14 تموز لتحرير وطننا من الأوضاع الاستعمارية المتمثلة بالحكم الملكي وسيطرة الإقطاع وسياسة التبعية، ولتحقيق أوضاع ديمقراطية ينعم فيها الشعب بحياة كريمة، ولكن عدو الله وعدوكم المجرم الخداع استغل منصبه واندفع بكل الوسائل الدنيئة والأساليب الإجرامية لإقامة حكمه الأسود الذي أفقر البلاد وصدع الوحدة الوطنية وعزل العراق عن ركب العروبة المتحررة وطعن أماني شعبنا القومية.
أيها المواطنون:
إن حرصنا على سلامة ووحدة شعبنا ومستقبل أجيالنا وإيماننا بأهداف ثورة تموز العظيمة قد حمّلنا مسؤلية القضاء على الطغمة الفاسدة التي تسلطت على ثورة الشعب والجيش فأوقفت مسيرتها، وعطلت أنطلاقتها، وقد تم ذلك بمؤازرة كافة القوات المسلحة الوطنية وتأييد جماهير الشعب.
أبناء الشعب الكرام:
إن هذه الانتفاضة التي قام بها الشعب والجيش من أجل مواصلة المسيرة الظافرة لثورة 14 تموز المجيدة لابد لها من إنجاز هدفين:
الأول: تحقيق الوحدة الوطنية.
الثاني: تحقيق المشاركة الجماهيرية في توجيه الحكم وإرادته. ولابد لإنجاز هذين الهدفين الاثنين من إطلاق الحريات وتعزيز مبدأ سيادة القانون، إن قيادة الثورة المتمثلة بالمجلس الوطني لقيادة الثورة إذ تؤمن بهذا وتعمل على تحقيقه، تؤمن كذلك بما يزخر فيه هذا الشعب من روح وطنية وثابة وما يتحلى به من عزم ثوري، وما يتصف به من وعي عميق، لذا فنحن نأمل أن يترفع المواطنون في هذا اليوم المبارك عن الضغانة والأحقاد، وأن يعملوا جميعاً على ترسيخ وحدتهم الوطنية وتقوية التضامن والتفاتهم حول أهداف ثورة 14 تموز المجيدة وأن لا يدعوا منفذاً لعميل أو مفسد أو مأجور يسعى إلى التفرقة.
أيها المواطنون:
إن المجلس الوطني لقيادة الثورة يعمل على إقامة حكومة وطنية من المخلصين من أبناء الشعب، ومن المخلصين من أبناء هذا الوطن.
وستكون سياسة حكومة الثورة وفقاً لأهداف ثورة تموز المجيدة، لذا فإن الحكومة ستعمل على إطلاق الحريات الديمقراطية وتعزيز مبدأ سيادة القانون وتحقيق وحدة الشعب الوطنية بما يتطلب لها من تعزيز الأخوة العربية الكردية، وبما يضمن مصالحها القومية ويقوي نضالها المشترك ضد الاستعمار واحترام حقوق الأقليات وتمكنها من المساهمة في الحياة الوطنية.
كما أنها تتمسك بمبدأ الأمم المتحدة والالتزام بالعهود والمواثيق الدولية والمساهمة في تدعيم السلام العالمي ومكافحة الاستعمار بانتهاج سياسة عدم الانحياز والالتزام بمقررات مؤتمر باندونغ وتشجيع الحركات الوطنية المعادية للاستعمار وتأييدها. كما أن قيادة الثورة تعاهد الشعب على العمل نحو استكمال الوحدة العربية وتحقيق وحدة الكفاح العربي ضد الاستعمار والأوضاع الاستعمارية في الوطن العربي، والعمل على استرجاع فلسطين المحتلة، وسنحافظ على المكتسبات التقدمية للجماهير وفي مقدمتها قانون الإصلاح الزراعي وتطويره لمصلحة الشعب وإقامة اقتصاد وطني يهدف إلى تصنيع البلد وزيادة إمكانياته المادية والثقافية. كما سيؤمن تدفق البترول إلى الخارج.
أيها الشعب الكريم:
إننا نعاهد الله ونعاهدكم أن نكون مخلصين لجمهوريتنا، أمينين على مبادئها، مضحين في سبيلها، وكلنا أمل وثقة بأن أبناء شعبنا الكرام سيكونون وحدة متراصة للمحافظة على هذه المبادئ والسير قدماً في طريق التقدم والرقي. والله ولي التوفيق.
كتب ببغداد في 14 رمضان 1382 هجرية الموافق 8 شباط 1963 ميلادية "

إذا أمعنا النظر في البيان وحللنا مضامينه السياسية والفكرية، على ضوء الواقع الموضوعي الذي ساد العراق بعد نجاح ثورة 14 تموز وتحقق الكثير من المنجزات التي نقلت البلد إلى مرحلة نوعية جديدة، فيمكننا القول:
1 - ابتدأ البيان بالبسملة وأكَثَرَ من العبارات ذات الطابع الديني، كمحاولة منهم في كسب واستنهاض أكبر عدد ممكن من الناس البسطاء لتأييد الانقلاب، من خلال مخاطبة الوازع الديني المناقض - كما هو مفترض - للغة الخطاب السياسي لحزب البعث العراقي، الذي كانت لغته، حسب تعبير العضو القيادي للحزب آنذاك هاني الفكيكي: [ذا لثغة علمانية ورنين قومي ولم تلجأ أدبيات الحزب وبياناته في حملتها التعبوية والدعاوية ضد قاسم والشيوعيين إلى إستخدام مثل هذه التعابير - فضلاً عن حرص الحزب وهو في أوج صراعه معهم على تجنب الاستعانة بالدين والإيمان لإبراز هويته القومية وبشيء من الاستحياء هويته العلمانية... ]. ومن نافلة القول، أن السلوكية العامة للانقلاب وعناصره مناهضة في جوهرها للمضمون الديني. وعلى سبيل المثال يذكر عبد الغني الراوي أحد ضباط التيار الإسلامي المساند للانقلاب، في مذكراته أن [عبد الكريم مصطفى نصرت، بعد الانتصار على الشيوعيين في 14 رمضان، خرج سكراناً يتطوح قرب الانضباط العسكري بوزارة الدفاع، ويضرب بالمسدس ويقول: الله كان في إجازة يوم 14 رمضان... ].
2 - إن الانقلاب من خلال بيانه الأول، رسخ أكثر فأكثر، تطبيق الشرعة الانقلابية العسكرية، ضمن، ما كانت تستهدفه، مواصلة احتكار السلطة بيد الأقلية التي ناهضت رغبة الحكم في إرساء الشرعة الانتخابية التي كان من المؤمل نشر قوانينها في آذار 1963 والشروع في تطبيقها في تموز ذلك العام، حسب وعد الزعيم قاسم، وما تم إنجازه من مشاريع القوانين الخاصة بها التي نشرتها صحف تلك الفترة.
لكنهم تناكبوا مع حركة القوميين العرب وقوى الماضي باستخدام مؤسسات العنف المنظم لقطع الطريق على هذه الشرعة، وسارعوا في انقلابهم، لأنهم يدركون ضيق قاعدتهم الاجتماعية المؤيدة، وفي أحسن الأحوال عدم إمكانية انفرادهم بالسلطة واحتكارهم إياها لو جاؤوا من خلال صناديق الاقتراع. هذا الموقف مستنبط من نظرة البعث الفلسفية، حيث يقول ميشيل عفلق بهذا الصدد في كتابه (في سبيل البعث):
[... عقيدة البعث لا يمكن الوصول إليها بالعقل ولكن بالإيمان وحده. أن القدر الذي حملنا رسالة البعث وأعطانا الحق في أن نأمر بقوة ونتصرف بقسوة، أن البعث هو الطليعة وعلى الجماهير أن تمشي وراءه. الانقلابيون صورة سباقة لمجموع الأمة: إننا نعرف بأن هذه الفئة القليلة من الانقلابيين الذين تضمهم حركة البعث العربي، هم قلة في البدء، ولكن صفتهم القومية الصادقة تجعلهم صورة مصغرة وسباقة لمجموع الأمة؛ نحن نمثل مجموع الأمة الذي لا يزال غافياً، منكرا لحقيقته، ناسياً لهويته، غير مطلع على حاجاته، نحن سبقناه، فنحن نمثله... فالانقلاب إذن طريق، طريق إلى الغاية المنشودة، إلى المجتمع السليم الذي ننشده، ولكنه ليس طريقاً من الطرق، إنما هو الطريق الوحيد... ].
3 - لم يخرج البيان في مساره الفكري عن كتابات التيار القومي عامةً والبعثي خاصةً، والتي اتسمت بالجفاف والخواء الروحي والفراغ الفكري، والمتخم بالعموميات ذات الطابع الرومانسي. لقد ابتعد البيان عن كونه حصيلة التفكير المنظم والواعي لإشكاليات الحياة الاقتصادية والسياسية. لذا جاء هزيلاً من الناحية الفكرية ومتسربلاً بالألفاظ القمعية القاسية.
كما كان البيان [يحمل سمة الاهتمام غير الكافي به وبإنشاء تكراري وفضفاض... إذ كان يقطر بتعابير المتعصبين للعراق وليس بتعابير واضعيه من العروبيين وهذا ما كان يهدف بوضوح ليس فقط لاسترضاء الأكراد، الذين كان زعماؤهم قد استميلوا مسبقاً إلى جانب الانقلاب، بل أيضاً إلى تحييد عناصر الجيش التي، وإن لم تكن قاسمية، كانت تشكل جزءً من الاتجاه القطري المحلي... ].
4 - لم يطلق البيان على الانقلاب اسم ثورة، بل انتفاضة، كما أنه لم يكشف الهوية الحزبية الضيقة للانقلاب، لأنهم مدركين أن هنالك قطاعاً عريضاً من الفئات الاجتماعية سيناهضهم، لذلك أخذ البيان يكرر اسم 14 تموز أكثر من خمس مرات. وحتى المذيعين كانوا يذيعون في بعض الأحيان عبارة (هنا إذاعة 14 تموز). هذا التكرار أُريد له أن يكون مفتاح الدخول إلى أكثر الطبقات والفئات الاجتماعية سعةً والتي كانت ثورة تموز أمل تحقيق حلمها اليومي في الحياة الكريمة. وكان الانقلابيون يطمحون، إذا لم يكن كسبها، فعلى الأقل تحييدها وعدم مشاركتها في مقاومة الانقلاب.
5 - أعلن البيان كذباً، عن مقتل الزعيم قاسم، واصفاً إياه بلغة غير سياسية ولا أخلاقية ومتسربلة بالعدائية والثأرية ذات منحى سوقي كالقول: عدو الشعب، عدو الله، عدوكم المجرم، الخداع، الحكم الأسود، الزمرة المستهترة، العميل، المفسد والمأجور... الخ من مفردات قاموس الشتائم. كما كررها المذيعون أثناء قراءتهم للأخبار والأوامر العسكرية. هذه المفردات كانت امتداداً للخطاب السياسي الذي وسم البيانات الحزبية على مختلف اتجاهاتها ونسبية استخدامها.. وهذه الشتائم تعبر في الوقت نفسه عن معرفة الانقلابيين بموقع الزعيم قاسم لدى الجمهرة الشعبية الواسعة والتي ظلت [منذ رحيل قاسم ولحد اللحظة الراهنة حذرة من تأييد كل الحكومات التالية. وظلت ذاكرة عهد عبد الكريم قاسم مثيرة للاهتمام أكثر من غيرها وطيبة في أذهان الكثيرين. بل إن قاسم ظل يضيق على كل الحكام اللاحقين بسبب إدمان الشعب على مقارنتهم به... ] كما شخص هذه الحالة العديد من الباحثين. ولهذا السبب بدأ البيان الأول بالنيل من مكانة الزعيم قاسم، وحرض عليه عله ينال منه. إن لغة البيان وأسلوبه فيها تشابه كبير جداً مع البيان الأول لمؤامرة الشواف فيما يخص مفردات الشتائم والخواء الفكري والإنشاء المدرسي وهذه سمة الانقلابات اليمينية في العالم الثالث.
6 - اختفى من البيان شعار الوحدة الفورية الذي سبق أن رفعه الانقلابيين طيلة المرحلة القاسمية النيرة، ليحل محله عبارات لم تكن في موضع الصدارة، لا في البيان ولا في السياسة العملية للحكم، ووردت العبارة في سياق شعارات عمومية جاءت بالشكل التالي: [كما أن قيادة الثورة تعاهد الشعب على العمل نحو استكمال الوحدة العربية وتحقيق وحدة الكفاح العربي...]. إن هذا التعبير قد قزم الشعارات الكبرى التي رُفعتْ سابقاً، باعتبارها من أساسياتها المستهدفة، مما يوضح عدم الجدية في تحقيق شعارهم الأساسي، وهم الذين حاربوا بها، ولا يزالون المرحلة التموزية/القاسمية من خلال كتاباتهم التاريخية.
لقد توسدوا سدة الحكم ما يقارب من أربعين عاماً، وبالضد المتناقض من هذه الشعارات الوحدوية، عمل التيار القومي، الحاكم في العراق بفصائله المختلفة، منذ إسقاطهم لنظام تموز ولحد الآن، على ذبح هذا الهدف النبيل أكثر من أي تيار سياسي آخر. حتى أصبحوا أكثر إقليمية وقطرية، وانتموا عملياً حتى إلى الولاءات الدنيا، من عشائرية وأسرية ورابطة الدم، رغم رنين شعارهم القومي المؤدلج بكثافة.
لقد ادعى حزب البعث العراقي لفترة طويلة، أنه حزب وحدوي عربي، لكن هذا الادعاء لم يخرج إلى الواقع العملي، حتى قبل انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة في أيلول 1961. وكانت القيادة القومية مسؤولة نظرياً عن رسم السياسات لكل القيادات القطرية. لكن كما دللت عليه التجربة التاريخية للحزب، أن سيطرة قيادته القومية على القيادات القطرية كانت ضعيفة وفي بعض الأحيان معدومة تماماً. مما هيأ الظرف الموضوعي للقيادات القطرية على الدوام لانتهاج سياسات قطرية تراعي المصالح المحلية، لدرجة أنها غرقت في هذه المحلية وتناست المصالح القومية الاستراتيجية. ولنا من سياسات البعث العراقي خير دليل..
إن هذا الموقف العملي لمضمون البيان، يدلل في الوقت نفسه، بالنسبة للساحة العراقية، على عمق قناعتهم الضمنية بأن أغلبية مكونات المجتمع العراقي غير طامحة إلى الوحدة الفورية، لذا لم يريدوا استفزاز مشاعرها الوطنية. وما يؤيد استنتاجنا هذا ما صرح به طالب شبيب وزير خارجية الانقلاب، عندما أشار إلى محادثاتهم مع الرئيس عبد الناصر بالقول: [... أوضحنا لمضيفنا أن ظروف العراق تتطلب التعددية السياسية الحزبية وأشياء وترتيبات وجهود كثيرة ووقتاً طويلاً... وحينذاك أدركنا بسرعة قياسية الفرق الكبير بين الشعارات التي كنا نرفعها وبين تنفيذها عملياً على أرض الواقع... ]. بمعنى أنهم كانوا متخلفين عن الواقع العملي ومتطلباته وعن مدى واقعية موقف الزعيم قاسم من هذا الموضوع. من هنا نصل إلى أن الوحدة لدى التيار القومي [قد استخدمت كأداة في خدمة الاستحواذ على المناصب وكراسي لا تعادلها أهمية وقدسية... أثقلوا كاهل الوحدة بشروط إضافية إمعاناً في الشيزوفرينيا السياسية التي سادت تلك المرحلة. ووصل بعضهم إلى تقسيم العراق الواحد إلى جهات، والجهات إلى قبائل، والقبائل إلى بيوت، وبيت واحد من تلك البيوت، يسيطر على البلاد بكاملها ويلونها بلونه... ].


الهوامش
- الموضوع مبحث مستل من الكتاب الثالث، من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم: عبد الكريم قاسم في يومه الأخير – الانقلاب التاسع والثلاثون، والمعد للطبع في طبعته الثانية المنقحة .
-تشارلز تريت، صفحات من تاريخ العراق المعاصر، منذ نشوء الدولة الحديثة حتى اواسط 2002، ترجمة زينة جابر ادريس، ص. 235، الدار العربية للعلوم، بيروت 2006.
- فالح عبد الجبار، في الاحوال والأهوال، المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف، ص.8،الفرات، 2008
- يقول طالب شبيب: [أن نص البيان الأول الذي كتب في البداية على صورة معينة، ثم عُدل من قبل فيصل حبيب الخيزران عندما كان عضواً في القيادة القطرية] لكن لم يوضح شبيب من هو الذي دوّن البيان بالتحديد. في حين ادعى فيصل حبيب الخيزران أنه هو الذي كتب البيان الأول، حيث يقول في حثيثات ذلك: [والشيء الثاني أن نعد البيان رقم واحد وبالنسبة للبيان قلت لهم أنه لابد أن نضع الخطوط العامة ونكلف شخصاً بصياغته أي التوجه العام، بمعنى ماذا نريد أن نقول فيه وبعدها صياغة يكلف شخص أوأثنان بوضعها ثم تقر القيادة البيان وتحدثنا حول مضمون البيان ضمن
هاني الفكيكي، أوكار الهزيمة، مصدر سابق، ص 267.
- ) راجع جريدة الزمان في العدد المؤرخ بتاريخ 09/ 04/ 1999، لندن. ويمكن أن نضع هذا التصور في الاختلاف الجذري الذي كمن في علاقات الاسلاميين مع البعثيين بعد 8 شباط، إذ أن الذي كان يوحدهم هو العداء للزعيم قاسم وللقوى اليسارية وبالأخص الحزب الشيوعي.
- مستل من مطيع نونو، دولة البعث، مصدر سابق، ص 114
- حنا بطاطو، مصدر سابق، ص 290، الجزء الثالث.
- د. علي كريم سعيد، مراجعات، مصدر سابق، هامش ص 103
- المصدر السابق، ص 207، لكن لا شبيب ولا كل التيار القومي نظروا ذات النظرة نحو موقف نظام تموز/ قاسم من الموضوع.
- المصدر سابق، هامش ص 208.
المصدر السابق، ص 207، لكن لا شبيب ولا كل التيار القومي نظروا ذات النظرة نحو موقف نظام تموز/ قاسم من الموضوع.
- المصدر سابق، هامش ص 208.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14 تموز والتيار الديمقراطي
- حوار عن قاسم وتموز
- (8-8) من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
- (7-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
- (6-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم ...
- (5-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (الجمه ...
- (4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (3-8)
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثان ...
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثا ...
- رحيل آخر عمالقة رواد الفكر الديمقراطي في العراق المعاصر
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(5-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(4-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(3-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (2-2)*
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (1-2)*
- الحزب الشيوعي العراق من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز1958
- هو والزعيم (4-4):


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية العنف المنفلت في العراق المعاصر :