أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - (4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر















المزيد.....



(4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3745 - 2012 / 6 / 1 - 13:00
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثاني: المرحلة التموزية / القاسمية: (4-8)

(الجمهورية الأولى 14 تموز 1958- 9شباط 1963)
عقيل الناصري

6 - كما زاد من وتائر المحاولات الانقلابية هو النجاح السهل والانتصار السريع لثورة 14 تموز ذاتها، حيث أذكت في نفوس الضباط، وخاصةً المغامرين منهم، التطلع لأدوار أكبر مما كانت في حوزتهم، رغم عدم توفر القابليات القيادية لديهم ولا رتبتهم العسكرية تؤهلهم لذلك. لنا من بعض أعضاء اللجنة العليا للضباط الاحرار واللجنة البديلة والذين استولوا على الحكم بعد 8 شباط خير دليل سواءً العارفيين (عبد السلام وعبد الرحمن)، طاهر يحيى، صبحي عبد الحميد، صالح مهدي عماش، أحمد حسن البكر، عارف عبد الرزاق، عبد الكريم فرحان، عبد الستار عبد اللطيف أو غيرهم الذين ابتلي بهم عراق العهد الجمهوري، حيث لم تكن لديهم القابلية الفعالة على إدارة الدولة. إن ما حدث في العراق من مآسي، هو بذرة هؤلاء وغيرهم من القوى السياسية التي لم تفقه بصيرتها على أهمية المرحلة ومكوناتها السياسية والاجتصادية، إذ كانوا من المهووسين بالسلطة حتى لو كانت على حجر.
إن الانقسام في صفوف منفذي الانقلابات العسكرية في بلدان العالم الثالث، خاصةً، يكاد أن يكون سمة عامة سُنة من سُنن هذه الانقلابات . وهذا عائد في بعض جوانبه إلى طبيعة الدور المناط بالمؤسسة العسكرية، وقوانين الخدمة فيها وماهية أعرافها، التي من مفرداتها غرس الانوية والتراتبية، وتبجيل القائد والطاعة العمياء في المعقول واللامعقول.
كما أن الانقلابات العسكرية قد تم استخدامها من قبل القوى الكبرى كأسهل طريقة لتحقيق مصالحها.. وهذا ما حدث في البدء في امريكا اللاتينية منذ اواخر القرن 19، وانتقل إلينا خاصةً منذ نهاية الأربعينيات عندما طبقته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وبالتحديد منذ انقلابات الثلاثة في سوريا ومن ثم مصر 1952.
وهكذا أصبح الصراع بين العسكريين، رفاق الامس، منبعاً لتفريخ الانقلابات العسكرية التي حفلت بها مرحلة تموز/قاسم، والذي تزامن مع شدة الصراع بين القوى السياسية الذي رافقه القليل جداً من السجال الفكري والمزيد، فوق الضرورة الموضوعية، من العنف المادي. كذلك التوتر في السياسة الدولية لمنطقة الشرق الأوسط.
7 - ومن الاسباب التي يمكن الاشارة إليها باعتبارها كانت عامل تهيئة للمناخ الانقلابي، هو التركيبة الهجينية للسلطة السياسية (مجلس وزراء حكومة الثورة) الذي تشكل بعد نجاحها والذي ضم أُناساً شديدي التباين والتنافر في انتماءاتهم الحزبية والفكرية، في مصالحهم وأهدافهم، في تجاربهم وتطلعاتهم وطبيعة ولاءاتهم. لذا [... لم يكن من المتوقع لفريق بمثل هذا التنوع السيء والمتناقض مع نفسه، أن يعمل بانسجام حقيقي، أو أن يستمر في الوجود طويلاً. والواقع أن تحالف القوى الذي عكسه هذا الفريق والذي التقى على أرضية العداء للنظام القديم، أصبح الآن وبعد انهيار الملكية على وشك التفكك في أية لحظة.... ].
يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الوزراء مثلوا جبهة الاتحاد الوطني، باستثناء الحزب الشيوعي العراقي، لكنهم لم يكونوا ممثلين عن أحزابهم. إذ كان اختيارهم مبنياً، في الاغلب، على مواقفهم السياسية الشخصية وعلاقتهم بالزعيم قاسم وعبد السلام عارف.
كما أن الصراع الخفي على قيادة السلطة، والذي انحصر في البدء بين الثنائي الزعيم قاسم باعتباره قائداً الثورة وعبد السلام عارف الذي نفذ حلقاتها الأولى، قد ساعد على تعجيل احتدام الصراع وانعكاساته على الشارع السياسي، كما عمقته السلوكية الإدارية الفردية لعارف التي انطلقت من الهيبة والكرايزما الكبيرة التي حصل عليها من صيرورة التنفيذ، ومن أدوات السلطة الجديدة التي وضعت تحت تصرفه، مما ألب الواقع السياسي المضطرب وأشاع الفكرة الانقلابية عند بدئها في الايام الأولى للثورة. وحين أُخمدت سرعان ما تحولت القيادة الثنائية إلى أحادية، كما يحدث غالباً في التاريخ، طالما كل الثورات، قديما وحديثاً، تستوجب أن يكون لها رأس واحد ظاهر للعيان (على الأقل) وإن كان تخطيطها يتم أحيانا بعدة رؤوس.
8 - من المعلومات المتوفرة، يدرك المرء أن برامج هذه الحركات الانقلابية، كانت تتسم بضيق الافق الطبقي وبالمحدودية الاجتماعية والحلول غير الواقعية لواقع العراق الاثني وبالنظرات السلفية للمشاكل الاجتماعية وبالولاءات الدنيا للانتماءات، وبارتهان مقدرات البلد، وبخاصة النفطية منها للقوى الخارجية. كما أن الكثير منها، اتسم بالعودة القهقرى مقارنةً ببرنامجية ثورة 14 تموز.
وحتى بالنسبة إلى الانقلاب الأخير 8 شباط 1963، الذي قاده حزب سياسي ذو أيديولوجية صارخة في انشائيتها وشكليتها المدرسيتين، لكنه كان يفتقد إلى أي برنامج عملي لما بعد حكم الزعيم قاسم. وما تم إعلانه في بيان الانقلاب الأول هو أقرب إلى بيان سياسي ذو مسحة مدرسية متضمناً شعارات عامة لا تمت إلى واقع العراق ومشاكلة ، الآنية والمستقبلية بصلة. بمعنى أن هدفهم الأرأس تمحور في القضاء على الزعيم قاسم وحلفائه ومؤيديه ذوي النزعة العراقوية والديمقراطية وخاصةً الشيوعيين منهم. أما ما بعدها فالظروف هي التي تقرر. وهذا ما اعترف به أغلب قادة الانقلاب. مماحدا بأحد أعضاء القيادة القومية إلى وصفها بـ (التجربة المرة ) إذ كانوا بدون أي برنامج ثابت أومؤقت، ولم يعلنوا عن آلية تطبيقية متميزة لتوجهاتهم اللاحقة عن النظام الذي أطاحوا به.
هذه الحالة تعبر في جوهرها عن الأزمة البنيوية للانقلابات العسكرية، رغم تسترها بشعارات مُعبر عنها سياسياً ولو جزئياًً. كما هي في الوقت نفسه نتيجة لواقع مجتمع يعيش تناقضات المرحلة الانتقالية التي علاقاتها الطبقية المتعددة والمعقدة، غير متبلورة، لذا انصبت أهداف هذه الانقلابات من أجل السيطرة على سلطة الدولة حسب. إن هذه العلاقات الطبقية هي نتاج القسمات الخاصة لتعددية الانماط الاقتصادية التي وسمت الاقتصاد العراقي، وأثارت الصراع الحاد عندما كسرت ثورة 14 تموز الحلقات الضيقة لتلك الانماط غير الملائمة لروح العصر، مثل (الكمبرادوري، وشبه الاقطاع، والطبيعي) والانطلاق نحو تحديث الانماط الاقتصادية الأكثر تطوراً وتجديد بنية التشكيلة الاجتماعية، وإبراز دور الطبقات والفئات الحديثة وخاصةً الوسطى منها وتوسيع قاعدتها ومشاركتها الفعالة في رسم القرار المركزي للدولة.
وهذا ما لا ينسجم مع تطلعات ومصالح القوى التقليدية والمحافظة في المدينة والريف، التي سبق أن ملكت الماضي وترى ببصيرتها فقدانها للحاضر ناهيك عن المستقبل. مما أدى بها إلى المساهمة النشطة في شتى أنواع المقاومة، بما فيها العنف المادي والمعنوي الذي تستر بالادلجة الدينية . مما صعد من حالات التوتر الاجتماعي والسياسي في الريف، وأثر بعمق على علاقات الملكية الجديدة التي اختطها الاصلاح الزراعي.
9 - ويستنبط مما ذكر أعلاه، أن هذه المحاولات الانقلابية قد أوضحت مدى تدني الوعي الاجتماعي بكل تجلياته وخاصةً السياسي منها، لكل القوى والاحزاب المتعددة المشارب والافكار التي ساهمت في الانقلابات أو وقفت خلفها وأيدتها. كما أنها لم تع: المرحلة ومتطلباتها؛ المطلبية الاجتماعية ومداها؛ الممارسة السياسية وتحضرها؛ الخطاب السياسي ومفرداته؛ الشعار ومدى واقعيته.
كما أوضحت مدى تغلغل الولاءات الدنيا المنظمة لآلية علاقاتها الداخلية ومع محيطها الاجتماعي على السواء. مما أدى إلى تصادمها، الذي لامحيد عنه، مع الأرحب الأوسع الذي كانت تنادي به سلطة تموز/قاسم من جهة، ومن جهة أخرى [... فتح المجال الواسع أمام الانتهازيين والمتخلفين الذين عبثوا بمقدرات الشعب ومهدوا السبيل أمام الشوفينين للإستيلاء على الحكم وسلب حريات الشعب. إن ما نراه اليوم في العراق من دكتاتورية وإرهاب وتعسف هو ليد ذلك الصراع... على المكاسب الحزبية الضيقة... ] .
10 - في المقابل رافق هذا الخواء المنهجي وما أقترن به من عدم التقدير لأبعاد وإنعكاس ممارساتها العملية والنظرية لكل المحاولات الانقلابية، حملة هستيرية من التشهيراللا أخلاقي ليس ضد عبد الكريم قاسم حسب، بل طالت العديد من مكونات المجتمع العراقي وتاريخية نشوئه والحركات السياسية ونضالها. وشوهت الكثير من الوقائع. وأُختلقت حوادث مفبركة أُقترنت بالشتيمة بأسوأ صورها، والمتسربلة بالثأرية والعدائية والافكار الظلامية، وبالممارسة العنفية التي يفتخر بتبنيها، كمثال، الضابط المتقاعد والمحامي القومي فارس ناصر الحسن عندما يقول: [... إن الاغتيالات شيء رائع جدا ًوستزداد في المستقبل وستكون على نطاق العشائر. وقد ألقت الرعب في قلوب الشيوعيين وأخرجتهم عن إتزانهم المعهود. إن ذلك سيكون أرهب للحكومة ونفهمهم أن هناك قوى كثيرة... ].
لقد انصب أغلب هذا التشهير على الزعيم قاسم الذي طاله كذات، وسرى حتى على عائلته وانتمائه القومي . ومن الملفت للنظر أن هذا التحريض الذي يكاد أن يكون علنياً.. شاركت فيه كثير من الفعاليات: فمن ناحية الموضوع إمتدت من القصيدة إلى الخطاب السياسي التحريضي، من النكتة اللاذعة إلى الاغنية المحوّرة، ومكانياً من الجوامع إلى المعاهد والمدارس، ومن الثكنة العسكرية إلى أماكن العمل، ومن الوكر الحزبي إلى التظاهرة في الشارع ،. بل حتى مجلة ((الايكونومست)) البريطانية، خرجت عن الوقار الانكليزي التقليدي عندما أشارت إلى أن الزعيم قاسم[... وقع ضحية نوبة من نوبات الجنون المفاجئة والدورية، وما عاد يدري كيف يخرج منها... ] .
كما [... ساهمت في الهجوم عليه مؤسسات صحفية وإذاعية عربية وأجنبية. فقد اشتركت اثنتان وخمسون جريدة يومية، وعشر مجلات عربية في نشر وتبني حملة دعائية موجهة ضد حكومة 14 تموز وخصصت ساعات بث إذاعي يومياً ضد ثورة تموز وسياسة عبد الكريم قاسم في إذاعات القاهرة، صوت العرب، الكويت، دمشق، بيروت، صوت أنقرة، صوت أمريكا، لندن، باريس، كراجي، طهران، عمان، الرياض، اسرائيل.... ] .
11 - لعبت لأول مرة، مراتب قاعدة المؤسسة العسكرية، من ضباط صف وجنود، دوراً كبيراً في الكشف عن العديد من المحاولات الانقلابية وإجهاض بعضها قبيل الشروع في تنفيذها أو بعد وقوعها كما هو الحال في محاولة الشواف، كما سنرى، ومحاولة عملية الاغتيال في رأس القرية، حيث أقدمت [... جماهير الجنود بمبادرة تلقائية صرفة على طرد ضباطهم الرجعيين المشتبه بمواقفهم وسيطروا على معسكرات الجيش، فإن كان هذا صحيحاً، فلعله العامل الحاسم في فشل المؤامرة السريع... ] . وهذه الظاهرة تمثل حالة فريدة من نوعها في تاريخ الحركات الانقلابية ليس في العراق فحسب إنما في عموم العالم الثالث. إذ كانت هذه الفئات العسكرية، بسليقتها الانتفاضية وغرائزها الاجتماعية ومصالحها الاقتصادية، التي عبرت الثورة عن بعضها، عوامل تقف وراء إندفاعها بالدفاع عن سلطة تموز/قاسم. وقد عزز هذا الموقف ما امتلكه اليسار عامة والحزب الشيوعي خاصةً، من قاعدة حزبية واسعة مؤيدة أو منتمية في صفوف هذه الفئات والتي تمتد إلى منتصف الثلاثينيات .
إن هذا التعاطف المادي والمعنوي، من قبل المراتب الدنيا في المؤسسة العسكرية للزعيم قاسم ونظام حكمه، إحدى تفسيراته تكمن في إحساسهم بأن الثورة، وما قامت به وتخطط له، يصب في مصالح هذه الفئات الاجتماعية الفقيرة والمقهورة، التي كانت أحد غائيات الثورة الأرأسية ومادتها التاريخية . وما انتفاضتها في 3 تموز عام 1963 (حركة حسن السريع) ضد سلطة الانقلاب إلا دليل على ما استقرأناه.
أوضحت مساهمات مراتب قواعد المؤسسة العسكرية، في الوقت نفسه، عن خصلتين هما:
1 - كونها حالة فريدة، وفرادتها مشتقة من عدم تكرارها؛
2 - توضح عمق ذلك الارتباط الاختياري والواعي بين منتسبي هذه الفئة وسلطة تموز/قاسم، وهي الأخرى لم تتكرر في عراق القرن العشرين.
هذه الصورة تنطبق أيضاً على فقراء الريف (المصدر الأساسي لقاعدة المؤسسة العسكرية) الذين لم يستجيب القسم الاعظم منهم للدعوات الانقلابية ضد السلطة، التي دعى إليها وشارك فيها رؤساء عشائرهم والكثير من رموز المؤسسة الدينية، مما يمثل دليلا قاطعاً على أن وجها من أوجه المجتمع العراقي قد غيرته ثورة 14 تموز بصورة جذرية. إذ فقد الاقطاعيون والملاك الكبار ورؤساء العشائر والقوى التقليدية قوتهم في إحداث تغيّر كما كان قبل الثورة. وهذا يعبر من جهة عن دور الفلاحين الحاسم في اختيارهم لدعم هذه القوة أو تلك من القوى السياسية الفعالة وخاصة تلك المدافعة عن فقراء الفلاحين ومتوسطيهم. كما أنه، من جهة أخرى، سيفسح المجال أكثر فأكثر لقوى العنف المنظم من التأثير على واقع الاحداث ومجريات الامور.

الهوامش والملاحظات
35 - بطاطو، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص 127.
36 - حول هذا الموضوع راجع: منيف الرزاز، التجربة المرة بيروت 1967، وهاني الفكيكي في أوكار الهزيمة، ، وطالب شبيب في مذكراته (مراجعات) وكذلك مهندس الانقلاب حازم جواد في مذكراته المنشورة في القدس العربي والدولة في شباط 2006. كذلك علي صالح السعدي في تصريحاته المتكررة حول القدوم بالقطار الأمريكي.
37 - لم يوظف اليمين المتطرف العنف وحده في محاربة سلطة الجمهورية الأولى ومؤيديها [... بل استخدم سلاحا آخر هوالإفتاء الديني، وهكذا فقد أصدر الشيخ مرتضى الياسين في النجف، يوم3 نيسان/ ابريل 1960 فتوى نشرت في جريدة الفيحاء الناطقة بلسان الحزب الاسلامي وأعلن الشيخ فيها إن الانتماء إلى الحزب الشيوعي أو تقديم الدعم له من أكبر الآثام التي يستنكرها الدين... ] مستل من بطاطو، الجزء 3، ص 265. ومن نافلة القول أنه في عام 1959، تشكلت في النجف لجنة باسم (جماعة العلماء) بإشراف المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم. وقد اختير الشيخ مرتضى آل ياسين معتمداً لها، وألفت لها لجنة توجيهية برئاسة الشيخ نفسه وعضوية مجموعة من العلماء منهم: محمد تقي بحر العلوم والشيخ حسين الهمداني والسيد علي بحر العلوم والسيد مرتضى الخلخالي والشيخ محمد رضا المظفر وغيرهم. وقد سبق وأن أصدر المرجع الديني السيد محسن الحكيم فتواه الشهيرة في 12 شباط / فبراير 1960 ونصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد لايجوز الانتماء إلى الحزب الشيوعي فإن ذلك كفر وإلحاد أو ترويج للكفر والإلحاد، أعاذكم الله وجميع المسلمين من ذلك، وزادكم إيمانا ًوتسليماً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محسن الطباطبائي الحكيم 17 شعبان 1379
راجع، مجلة الموسم، العدد (9 - 10)في 1991م - 1411 ه، ص 186 وما بعدها. كذلك أطروحة طالب الدكتوراه حيدر نزار عطية، المرجعية الدينية في النجف الأشرف ومواقفها السياسية من عام 1958- 1968، حيث يستعرض علاقة المرجعية الدينية بثورة 14تموزحيث "... في هذه الفترة بدأت ( المرجعية- ع.ن) تتلمس طريقها نحو إستعادة قوتها ونفوذها الشعبي ، كما ازدادت الحركة الفكرية الإسلامية نشاطاً، وكل ذلك يأتي في ضمن حركة مراجع الدين للخروج من العزلة والضعف الذي كانت عليه هذه المؤسسة الدينية. وكانت الظروف التي توفرت بعد ثورة 14 تموز 1958 مناسبة لتحقيق ذلك وربما كان هذا الشعور الذي ساد الوسط الديني في النجف والذي دفع إلى هذا التأييد الواسع لحركة التغيير في النظام السياسي... لم يدم التوافق والارتياح الذي أظهرته المرجعية الدينية في النجف لحكومة ثورة 14 تموز، طويى. وكان كل طرف ينظر إلى الأمور معتمداً ايديولوجية مختلفة ، إضافة عن الآخر ( هكذا ورد في النص-ع.ن) إذا لم تكن متعارضة إلى حد بعيد، فرجل الدين يعتمد في رؤيته على قاعدة فكرية دينية بينما السياسيون خاصةً الثوريون الذين جاءوا إلى السلطة بنهاية عصر الاستعمار وبداية نشوء الحكومات الوطنية ينظرون برؤية تميل في أكثر الآحيان إلى التحرر والتجديد وتدمير القديم والبناء العلماني للدولة متأثرين بالأنظمة السياسية الغربية الحجيثة...وكان بعضهم لا يخفي توجهاته اليسارية الاشتراكية ، وكان هذا الاختلاف الفكري كافياً لتصعيد الخلاف والصراع بين المؤسسة الدينية والحكومة الجديدة... وكان موضوع إنصاف المرأة من المواضيع الرئيسية عند القادة الجددوهذا ما تمثل بإصدار ققانون الأحوال الشخصية الجديد... حيث بدأت المؤسسة الدينية في معارضة علنية لحكومة عبد الكريم قاسم..." ،صص41-63
كذلك عادل رؤوف، محمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين، المركز العراقي للاعلام والدراسات، دمشق 2001. حيث يميل المؤلف في سياق تحليله إلى كون الفتوى كانت بتأثيرات خارجية حيث يقول: [... إذن ومن خلال انقطاع الفتوى عن أية جذور أو مقدمات نظرية في إطار المواجهة مع الشيوعيين ربطت بعض لأراء اصدار الفتوى بالخارج وبالتحديد بمعطيات سياسية إقليمية جديدة أريد لها أن تنعكس داخل الساحة العراقية وفي مواجهة حكم عبد الكريم قاسم، الذي أتفق الجميع آنذاك على محاربته، عبد الناصر من جهة وشاه إيران من جهة ثانية وبريطانيا من جهة ثالثة.. وقوى دولية وإقليمية أخرى اصطفت معهم من جهة رابعة. ولأن علاقة الحكيم مع شاه إيران كانت جيدة، وجد هذا الربط مبرره في تفسير فجائية الفتوى وانقطاعها عن أية جذور أو مقدمات] ص 264. ويستمر بالقول: [... وأن صراع الحكيم عبر (الفتوى) خاضه ضد الشيوعية في العراق استثمره البعثيون والقوميون - كمايعترف بذلك السيد محمد بحر العلوم - وصراعه مع عبد الكريم قاسم لم يكن بسبب علاقته مع الشيوعيين فقط، لأنه لم يتوقف عندما ضرب قاسم الشيوعيين، إنما توصل إلى حد المساهمة بإسقاطه - كما يعترف السيد محمد باقر الحكيم... وعليه فإن المحصلة السياسية الأخرى هو أن هذا الاستمرار ربط بأسباب إقليمية وخارجية لا سيما العلاقة مع شاه إيران، وقاسم رغم كل ما قيل وكُتب عنه يعتبره البعض من العراقيين الحاكم الوحيد في حياة الدولة العراقية الذي آنذاك مع شريحة الفقراء وقدم لهم خدمات كبرى. وينبغي الاشارة مرة أخرى إلى أن علاقة الحكيم مع العهد الملكي كانت أقل توتراً مما هي مع قاسم...]. ص 309.
وقد أمتد تأثيرات هذه الفتاوى إلى بعض دول الجوار الاقليمي ومنها مصر الناصرية حيث تناسقت التوجهات .. إذ " منذ نهاية عام 1958 بدأ الرئيس المصري جمال عبد الناصر بمهاجمة كل الأحزاب الشيوعية العربية خصوصاً تلك التي في سوريا والعراق وأصبحت المهمة الرئيسية لإذاعة صوت العرب من القاهرة الحرب الاعلامية والقوية ضد عبد الكريم قاسم والشيوعيين ، ولهذا فإن الفتاوى التي أصدرها المراجع والمجتهدون في النجف وعلى راسهم السيد محسن الحكيم كان لها انعكاس إيجابي ووقع طيب على القاهرة والرئيس عبد الناصر بشكل خاص..." وعلى ضوءها اعترف شيخ الأزهر محمود شلتوت بالمذهب الجعفري، كمذهب يصح الأخذ به وهو مبرئ الذمة. راجع حيدر نزار عطية، ص. 60، مصدر سابق.
وفي مقابلة مع القيادي الشيوعي السابق عادل حبه (ابو سلام) في 3/3/2002 في بيته في لندن بحضور الأخ غانم جواد وسلام عادل حبه، أفاد بأنه : " أعتقل في إيران عام 1963، ولما علمت والدته توسطت لدى السيد محسن الحكيم لتدخله بغية إطلاق سراحه، بواسطة الطبيب الخاص للسيد الدكتور جعفر حبه وكذلك شاكر الأعسم. وقد وافق السيد محسن على كتابة رسالة موجهة إلى مدير السافاك الجنرال نصيري/ وسافرت والدة عادل حبه وقابلت الجنرال وقدمت الرسالة له شخصياً.. وبعد قرأتها إنفعل هذا الأخير ومزق الرسالة وبعد أن شتم السيد الحكيم ، قال : ما يكفي نحن نقدم له الأموال ومع هذا يتدخل في شؤوننا الداخلية.. وخرجت السيدة خالية الوفاض ...".
علماً أن السياسة الاجتماعية للزعيم قاسم وموقفه من الفقراء كانت وراء موقف بعض آيات الله مثل العلامة آية الله محمد الحسيني البغدادي وآية الله حسين الحمامي وآية الله عبد الكريم الزنجاني وأية الله الشيخ محمد فاضل القائيني الذين رفضوا رفضاً باتاً إصدار فتاوى ضد الشيوعية. في الوقت ذاته بقى آية الله الحكيم يمارس بعد إصدار الفتوى سياسة القطيعة ضد قاسم. في الوقت الذي كان قاسم يلح على زيارة الحكيم وقد سافر إلى النجف لكنه لم يفلح بلقاء المرجعية التي أصرت على إفشالها. خاصةً إذا علمنا أن الفتوى صدرت بعد 8 أشهر على صدور قانون الأحوال الشخصية، الذي كان حجة الفتوى كما أشيع. حيث صدر القانون رقم 188 في تموز 1959 بينما الفتوى صدرت في شباط 1960 حيث قامت السلطة آنذاك من قوة نفوذ الحزب الشيوعي مقارنةً بعام 1959. وبالتالي إن هدف الفتوى كان حكم الزعيم قاسم وحلفائه من قوى اليسار عامةً بما فيهم الشيوعين. علماً بأن نشاطاً مكثفاً قامت به المرجعية الدينية لمحاربة النظام بحجة الشيوعية، وكانت المنابر الحسينية منطلقها، حيث يهاجم النظام علنيةً دون تدخل قوى الأمن. والأكثر من ذلك كان الزعيم قاسم قد دعى بعض هؤلاء السادة ليناقشهم حول خطبهم ويحاورهم في ذات القانون، ولم تتخذ إية اجراءات امنية ضدهم. أما تأثير هذه الفتاوى على ذات الحزب وقاعدته فقد اشار إليها باقر إبراهيم الموسوي مسؤول منطقة الفرات الأوسط للحزب الشيوعي آنذاك، بالقول: [... فشلت الحملة، رغم تغاضي، أو تشجيع الأجهزة الحكومية، ودعم القوى القومية لها. فلم ينسحب من أعضاء الحزب بتأثير هذه الفتوى، سوى بضعة منتسبين، من بين نحو سبعة الاف عضو في الحزب في منطقة الفرات الأوسط وعشرات الالوف من الأصدقاء المتعاطفين مع الحزب، ورغم التقاليد المعروفة لسكان المنطقة...]. جريدة القدس العربي الدولي، في 31 /07/1995.
لكن حسب إعتقادنا أن هذه الفتاوى أثرت على شعبية الحزب في أواسط العوام المتدين وقللت من تأثيره المعنوي من جهة، و الأهم حفز مناوئيه على الصدام العلني ضد الحزب ورفاقه وضد المنظمات الاجتماعية التي كان له الغلبة فيها، وخاصةً الجمعيات الفلاحية. وبالرغم من موقف الزعيم قاسم الايجابي من الحوزة العلمية خاصةً والشيعةً عامة، لما لحقهم من تعسف وإضطهاد، ضمن نظرته الموضوعية لواقع العراق من جهة ومنظومة أفكاره الإنسانية من جهة أخرى، ومع ذلك [... لم تمثل هذه التغيرات الايجابية في ظل حكم قاسم أهمية كبيرة لدى محسن الحكيم وكذلك لدى ممثلي الاسلاميين الشيعة. فقد كانوا من منطلق موقفهم الاسلامي يرون أن للصراع مع الشيوعيين أهمية جوهرية. ولذلك كوٌن (علماء الشيعة) والاسلاميون الشيعة جبهة متحدة مع القوميين العرب ضد قاسم والشيوعيين، وذلك دفع علماء الشيعة حزب البعث دفعة قوية نحو تولي السلطة عام 1963... ]. د. فرهاد إبراهيم، الطائفية السياسية في العلم العربي، رؤية في موضوع الدين والسياسة، ص 257، ط. الأولى، القاهرة مكتبة مدبولي 1996.
38 - مسعود البرزاني، البارزاني مصطفى والحركة التحررية الكردية، ص 59 الجزء الثاني، دار كاوا للنشر والتوزيع، ط. الثانية، بيروت 1997
39 - مقتبس من، خليل إبراهيم حسين، الموسوعة، الجزء الخامس، ص 58.
40-ذكر حسن العلوي في، رؤية بعد العشرين، العديد من المواضيع التي تعرضت فيها عائلة الزعيم قاسم للقذف المشين والنكات السوداء الساخرة، و [... كانت المعارضة القومية ضد عبد الكريم قاسم (واثقة) من سقوطه بحالتين لا تفتأ تكررهما في المنشورات والبيانات والاحاديث الخاصة، هما الشعوبية والجنون. وحولهما كانت تحوم النكات وتكتب المقالات...]، ص 90، مصدر سابق.
41 - مستل من أوريل دان، ص. 440، مصدر سابق.
42 - حسن العلوي، الشيعة والدولة،ص. 209، مصدر سابق.
43 - راجع النشرة الداخلية للحزب الشيوعي العراقي (محاولة لتقويم سياسة الحزب خلال الفترة الواقعة بين شهر تموز 1958 ونيسان 1965) مستل من جرجيس فتح الله، العراق في عهد قاسم، الجزء الثاني، ص 778، مصدر سابق.
44 - للمزيد راجع، دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، للمؤلفان زكي خيري وسعاد خيري. مصدر سابق، كذلك حنا بطاطو الجزء الثالث، كذلك الموسوعة التي أصدرتها مديرية التحقيقات الجنائية عن الحزب الشيوعي عام 1948 وما بعدها.
45- كما أن ما قامت به الثورة " ... من تعديل لقانون العقوبات العسكرية الذي سبق وإن شُرع أثناء مرحلة الإنتداب البريطاني وما كان يحتوي عليه من مواد لو (طبقت على الحمار لمات) ، كما عبر عن ذلك مدري القوانين العسكرية الرئيس الأول (الرائد) حسن مصطفى. إذ منع القانون المعدل من إستخدام الجنود في بيوت الضباط وضربهم واهانتهم ، كما حرم ضرب الفلقة والجلد...الخ ، مما أشعر هؤلاء المراتب والجنود بإنسانيتهم وكرامتهم...". راجع حامد مصطفى مقصود، ثورة 14 تموز، مدارات الأخوة الأعداء، ص. 36، مؤسسة موكرياني للطبعة، اربيل 2000.
46 - مهدي عامل، مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (3-8)
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثان ...
- من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثا ...
- رحيل آخر عمالقة رواد الفكر الديمقراطي في العراق المعاصر
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(5-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(4-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(3-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (2-2)*
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (1-2)*
- الحزب الشيوعي العراق من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز1958
- هو والزعيم (4-4):
- هو والزعيم ( 3- 4):
- هو.. والزعيم (2-4)
- هو.. والزعيم (1-4)
- الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز
- الجواهري وتموز
- ثورة 14 تموز ومسألة العنف
- حوار مع الباحث الأكاديمي عقيل الناصري حول ثورة 14 تموز (2-2)


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - (4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر