أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)















المزيد.....


من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3662 - 2012 / 3 / 9 - 07:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)
سنحاول دراسة جذور الظاهرة الانقلابية في العراق الحديث، ضمن الرؤيا التاريخية الملموسة في سياق ارتقائها، ومعرفة ماهية دورها الفعلي وتأثيراتها عبر حركة التكوين. لقد آلت، كما نتصور، جملة الظروف الموضوعية والذاتية، ببعديهما السسيولوجي والتاريخي، ومورثاتهما الثقافية منذ الحضارات الأولى، مرورا بكبوات الفترات المظلمة وصولاً إلى مطلع القرن المنصرم وما نجم عنها، من شيوع لثقافة انقلابية، فكرا وممارسةً، تعمقت أبعادها على الأخص في فترات الاحتلال العثماني الطويلة ومن ثم البريطاني. حتى اتخذت طابعا نسقياً منذ تأسيس الدولة العراقية في العشرينات من القرن الماضي، عززتها المنطلقات الفكرية والسياسية لمثلث الحكم: (بريطانيا، متمثلة بسلطة الانتداب أو السفارة، العرش ورئاسة الوزارة) .
آلت كل هذه الظروف وغيرها إلى شيوع ثقافة انقلابية عنفية. فكرا متبنى وممارسة عملية، لدى قوى الحكم. تعمقت أبعادها في سياقات بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها، عندما فرضت سيطرتها المركزية وأمنت تطبيق مسارات قراراتها، عبر العنف المادي واللامادي . والتي عززت أسسها جملة الظروف والشروط الاجتماعية للوجود المادي، التي سادت آنذاك وما قبلها، ويمكن إجمالها بصورة مكثفة بالعوامل التالية:
أولاً:
طبيعة الواقع المادي للتركيبة الاقتصادية وما يناظرها وما يستنبط منها من منظومة قيم ثقافية وموروثات سيسيولوجية ودينية بأبعادهما التاريخية التي سادت المجتمع العراقي بخاصةً منذ الاحتلال العثماني على وجه الخصوص؛ كذلك طبيعة التكوين الاجتماعي وتشظي مكوناته وتنافر مصالح تعدديته الأثنيه/ الدينية/المذهبية، في ظل سيادة العلاقات الانتاجية ما قبل الرأسمالية والمستندة إلى الاستغلال المشترك لوسيلة الإنتاج الرئيسية (الأرض). هذا الواقع المادي أفرز بناءً فوقياً يتناظر وإياه، سواءً في العلاقات والقيم أو في المؤسسات الاجتماعية. كانت ترجمتها العملية بروز دور متميز لمؤسسة القبيلة وتفرعاتها وقيمها، حتى أصبحت وحدة شبه مكتفية اقتصاديا ذات نفوذ سياسي محدود بجغرافية تواجدها وحجم قوتها وسعة تحالفاتها، لها قدرتها وقوتها العسكرية الخاصة بها. هذا الوضع اقترن بالتدفق المستمر للمؤثرات الاجتماعية للبداوة (بالمفهوم الواسع لابن خلدون)، ومنظومة قيمها من رجولة وثأر؛ عصبية وتطرف؛ الغزو والغلبة؛ التراتبية الاجتماعية والسلطة الأبوية والزعامة الفردية.... الخ، وما ينتابها من سمات الاحتراب الدائم.
تنظر جملة هذه الظروف والقيم، إلى القوة باعتبارها أداة رئيسية: إما لحل إشكاليات الحياة وديمومة البقاء فيها، سواء للذات الفردية أو الجمعية؛ وإما لرد عنف السلطة ودرء مظالمها، بغض النظر عن ماهيات شكلها. لقد أثرت هذه القيم البيئية والاجتماعية والحضارية في نفسية وسلوكية الفرد الاجتماعية والذاتية ووسمتها بخصائصها وأمست ميلا واضحا في مكوناته السلوكية.
وقد تعززت هذه القيم العنفية بالتناظر المستنبط من قيم المورثات الدينية الإسلامية ونظمها الفلسفية وابعادها الإيمانية، التي انطلقت بدورها من تبجيل القوة كأداة تحقيق وبلوغ المرامي الدنيوية للاسلام السياسي، جسدها بصورة مُثلى نظرتها إلى تقديس الجهاد/ المجاهد، والذي احتل مرتبة إيمانية متقدمة في منظومة قيمها .
إن جوهر الجهاد ومضمونه العملي يتمحور في العنف المادي واللامادي. خاصة إذا علمنا أن الإسلام السياسي لا يفصل بين الوظيفتين الدينية والدنيوية وبالنتيجة المدنية والعسكرية، بمعنى آخر إن موقف الإسلام من السلطة السياسية والعسكرية ليس موقفاً سلبياً، بل هو موقف صريح وحازم. فمنظومة القيم الدينية غالباً ما تقترن بالقوة والنصر والفوز.
كما يضفي الدين الإسلامي، من الناحية السياسية، على مؤسسات العنف المنظم (الجيش) الهيبة والسلطان، بل وحتى القداسة. وهذا ما تدلل عليه تاريخية الإسلام السياسي. بالرغم من أن النظرية السياسية للاسلام، في العصر الحديث على الأقل، لم تعتمد على مبدأ الارغام والفرض والقهر فحسب ، في نشر سلطته وتعاليمه، بل بالقوة (السيف) والإيمان( المصحف). وقد جسدت ذلك الآية القرآنية{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}. لكن التطبيقات الدنيوية للدولة الاسلامية بعد مرحلة الرسول، جسدت عملياً استخدام القوة ضد خصومها وحتى إن كانوا مسلمين ، حتى أصبحت "... الممارسة الدينية لا تفرض على الشعوب مناهج ومواقف فحسب، بل كذلك وإلى حدٍ ما / مأكلها وملبسها ومسكنها. إنها تضبط الجماهير وتعودها على نظام معين ، بما لها من تأثير دائم لا محسوس . وقد أدركت الحكومات في جميع الأزمنة والعصور قيمة هذا الشرطي...2 ".
في الوقت ذاته لعب موقع العراق وحساسيته ككيان جيو - سياسي/اجتماعي، وسط مناطق حضارية، كان يمثل أحد مراكزها في بعض المراحل، ذات اثنيات متعددة ومختلفة، متصارعة ومتناقضة الأهداف، جعل منه بوتقة انصهار وتفاعل تاريخي كبير جداً لها. هذا التلاقح ببعده الإيجابي، قد أثر في مكونات الشخصية العراقية وعوامل تنوعها. لكنه في الوقت نفسه ابتلاها [بتوترات واضطرابات نفسية واجتماعية ناتجة عن كثرة التبدلات السياسية والاجتياحات العسكرية والتفاعلات القومية والمذهبية شبه الدائمة. طبعا أن هذا العامل الجغرافي فيه الكثير من التفاصيل وعلى علاقة مباشرة بالعامل البيئي الداخلي من نهرين وتضاريس ومناخ، وهي أمور أثرت كثيراً وحددت طبيعة المجتمع العراقي وشخصيته ونفسيته وعقليته... 3] .
وتأسيسا على ما ذكر، نستطيع القول إن هذه الظروف مثلت تربة خصبة لانتشار المضامين الجوهرية لمفهوم عامل القوة ومظاهر تحققه وثقافته وما يستنبط منها، وعززتها أيضاً:
ثانياً:
ماهية قوى الاحتلال، على كل مسارات تاريخية وادي الرافدين وخاصة تلك التي غزته منذ بداية القرن الثالث عشر (المرحلة المظلمة)، ولغاية الاستقلال 1932 وما رافقها من حروب الجميع ضد الجميع ، وما نجم عنها من استبداد شمولي متكرر طال كل المكونات المادية واللامادية للمجتمع، وبخاصة تدمير القوى المنتجة وانحلال المؤسسات الاجتصادية وبالتالي تحطيم مقومات التحضر والارتقاء. كما كان من نتائجه إفساح المجال للقبلية بالعودة في ثنائية صراعها مع الحضارة المدينية (نسبةً للمدينة)، والعود القهقرى إلى المجتمعات العشائرية المتشظية، بعد ما زادها عمقا توقف الزمن الحضاري للمدن، وازدياد العنف والعنف المضاد المتبادل بين القوى المحلية والقوات الغازية، خاصة منذ بدء الاحتلال العثماني بقيمه الفكرية والاجتماعية، حيث كان الاستبداد الشامل قرينها، مما عزز فكرة وثقافة القوة والانقلاب. وتصاعدت وتائرها أثناء ممارسته للحكم وإدارة المجتمع والتي اتسمت بالخشونة والاستعلاء، بالبطش والتدمير. وقد تجلى على الأخص أثناء حل النزاعات المتكررة بين السلطتين المركزية (اسطنبول) والمحلية وولاتها في بغداد. إذ غالباً ما كان يتم تبديل الولاة بالقوة العسكرية والعنف، بالخديعة والحصار بعد أن وهنت مركزية الدولة منذ مطلع القرن التاسع عشر.
ضمن هذا المنطق ومضمونه، لابد أيضاً من الإشارة إلى الصراع التركي/الإيراني وحروبهما المستمرة للسيطرة على العراق وخيراته، وما نجم عنها من تدمير لمقومات التحضر المادي والتراكم المعرفي وتطور الذات الجمعية والفردية وتفشي الفوضى والتشظي الاجتماعي وما ترتب عنها من ردود أفعال وتأثيرات سيكولوجية/اجتماعية انعكست هي الأخرى في المفاهيم الثقافية وتركيبة قيم ممارسة الإنتاج الاجتماعي . كل ما ذكر أعلاه، كنتائج ومسببات، عززت مكانة استخدام مبدأ القوة، كوسيلة سهلة لإدارة الحياة الاجتصادية/ السياسية، وأفرزت ثقافة انقلابية، عمقها أكثر فأكثر:
ثالثاً:
واقع وممارسات الاحتلال البريطاني العنفية، وما لعبته من دور عند تثبيت احتلالها وانتدابها لكيان الدولة الجديدة، وما رافقها من قمع ووحشية، مقترنة بروح الغطرسة الاستعمارية ونظرتها الاوربية الاستعلائية، لواقع المجتمع و لجملة الانتفاضات الشعبية منذ انتفاضة النجف الأولى 1918 والحركات الكردية التي قادها الشيخ محمود الحفيد، مروراً بثورة العشرين وانتهاءً بجملة الحركات الفلاحية التي سادت عراق عشرينات القرن الماضي ولحين الاستقلال (1932)، وقد بلغت في حدود 130 حالة تم إخمادها بالأساس بواسطة طيران قوى الاحتلال والجيش العراقي الوليد وقوات الليفي .
كما ساهمت بريطانيا في تعزيز الثقافة الانقلابية عندما انتقت وساندت فئة الضباط العراقيين (أخصائيون محترفون للعنف) في الجيش العثماني وسلمتهم مقدرات إدارة الدولة الوليدة ومفاصلها الرئيسية، ليشكلوا أحد العناصر الارأسية لقاعدة الحكم الجديد . واعتمدت هذه الفئة، مع بقية أضلاع مثلث الحكم، على استخدام العنف، المادي وغير المادي، بصورة تعسفية ومبالغ به، باعتبارها الأسلوب الأسهل والأمثل لحل معضلات الحياة العملية التي كانت تنتصب أمامهم منذ انبثاق الدولة المركزية. وقد اتخذوا من تسلطية الدولة الاتاتوركية التركية الحديثة نموذجا أعلى يحتذى به ومن الانقلابية العسكرية (التركية والإيرانية) مثالاً لكيفية بسط سيطرتهم ونفوذهم على المنافذ المركزية للحكم ومسارات قراراته.
لقد لعب هؤلاء الضباط دوراً أرأسياً في ترسيخ هذه المفاهيم منذ أن ركزوا وثبتوا سيطرتهم على الحكم عند تكوين الدولة الحديثة في مطلع العشرينيات، ومن ثم مركزوها في أيديهم في الثلاثينيات عندما أصبحوا يمثلون نواة النخبة السياسية وذلك منذ:
- خروجهم المباشر من ثكناتهم، التي لم يعودوا اليها لحد الاحتلال الثالث (2003- 2011)، لقمع الانتفاضات المحلية وبخاصة العشائرية في البدء، ومن ثم الاستحواذ على السلطة وسيطرتهم التامة عليها، وكان الانقلاب الأول (بكرصدقي 1936) وما تلاه من انقلابات، الترجمة العملية لها.
- تحكمهم بالسلطة التنفيذية، والى حد كبير بالتشريعية. حتى بات مكوث الوزارات في الحكم مرهوناً بموافقتهم ورضى قياداتهم المباشرة ، وخاصة إلى نهاية الأربعينيات أو غير المباشرة في الخمسينيات.
لقد عمل هؤلاء الضباط - وبخاصة الشريفيين منهم، على عسكرة الحياة الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية، منذ بداية تكوين الدولة وتجلت بصورة أكثر وضوحاً منذ أواسط الثلاثينيات. استمروا في أداء هذا الدور من خلال نخبتهم العسكرية الحاكمة لغاية ثورة 14 تموز.
في الوقت ذاته لعبت نخبة الحكم السياسية من المدنيين. دورها في غرس الثقافة الانقلابية والعنفية، عندما خلت ممارساتها السياسية/الاجتصادية من فعل الإدارة الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وكبحت حتى ذلك الهامش الصغير الذي تضمنه القانون الأساسي (الدستور) من حريات وممارسات اجتماعية ضمن القوانين التي سنتها، وبالتالي لم تراكم الخبرات المشتقة من هذه الممارسة الفعلية ولم تطور الآلية البرلمانية، مما أغلق منطقياً، منافذ التغيير السلمي وتداول السلطة بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية.
إن صغر الحجم الكمي لهذه النخبة الحاكمة، العسكرية منها والمدنية، وضيق قاعدتها السياسية، وعدم تمثيلها لكل المكونات الاجتماعية/الدينية/الإثنية، جعلها تعتمد في بقائها في الحكم وتداوله فيما بينها، على العنف المادي بالاساس ومؤسساته المنظمة، طالما لا تستطيع فرض ذاتها بالطرق البرلمانية الديمقراطية. علماً بأن نخبة الحكم ( وأقصد بها هنا تحديدا الوزراء) كانت ضيقة العدد بحيث لم تزيد عن 166 وزيراً ، طيلة المرحلة الملكية، عززوا مواقفهم بجملة من الوسائل كانت القوة أهمها.
هذه الحالة الموضوعية والذاتية وفرت أرضية خصبة لنمو ثقافة العنف وممارساته، دللت عليها حالات الصراع التي يوضحها تاريخ الاستخدام المكثف للعنف لحل النزاع والصراع ومعادلاتهما وما استنبط منهما، سواءً بين كتل نخب الحكم السياسية أو/و بينها (كأقلية) وبين القوى الاجتماعية الأخرى (الأكثرية الشعبية).
ومما ساعد أيضاً على بلورة الثقافة الانقلابية والعنفية وإنتشارهما، هو كون مثلث الحكم أنطلق، منذ تكوين الدولة، من فكرة رئيسية شكلها منطقي/تبريري، ومضمونها الجوهري يعبد الطريق نحو الاستبداد وثقافة الانقلاب والقوة. وماهية الفكرة تكمن في أن المجتمع العراقي يتكون من مكونات اجتماعية/مذهبية/اثنيه متعددة ذات مستويات حضارية تطورية متباينة، لذا توجب استخدام العنف لضرورات الحكم وفرض مسار قراراته المركزية لتعزيز هيبة ودور السلطة التنفيذية التحكمى على حساب السلطتين التشريعية الرقابية والقضائية إلى حد ما.
هذه الفكرة مهدت الطريق إلى هيمنة الوزارة (السلطة التنفيذية) على مجمل النظام السياسي وآلية الحكم ومركزته بيدها دون رقيب أو حسيب. ومبرر ذلك، كما ادعوا، أن وجود سلطة تنفيذية قوية أقدر على تنفيذ برامجها التنموية، عندما تكون بعيدة عن الرقابة الفعالة للسلطة التشريعية والمنظمات السياسية، وتحصر في يدها القرار المركزي وتحقق تنفيذ مساراته بالقوة. هذه القرينة ملازمة لإدارة الدولة ذات القاعدة الاجتماعية الضيقة، على تعدد أشكالها، وقد عبر عن جوهر هذه الفكرة عضو النخبة السياسية المخضرم توفيق السويدي عندما قيم عمل وزارته الأولى (24 - 04 - 1929/ 18 - 09 - 1929) بالقول:
[... لكن القول بالإصلاح لا يكفي إذا لم تدعمه القوة، وقد توفرت هذه القوة لمصطفى اتاتورك، (المثال المحتذى به لأغلب أعضاء نخبة الحكم الملكية - الناصري) ولم تتوفر لي في حينها، فبقيت أُمني النفس بالآمال وأعللها بالأقوال المزوقة دون جدوى... ]. كان هذا المضمون يمثل جوهر طبيعة الحكم وتطلعات نخبته السياسية. وعندما كانت تعوزهم القوة يلجأون إلى التآمر والدسائس والفتن والتحريض الفئوي. إن التذرع بالقوة والطغيان لآجل تحقيق تقدم، هو ذريعة مرفوضة ،لأن الإستبداد –يقتل اية فكرة جمالية مهما كانت، من جهة كما أنه من جهة أخرى "... يعلم أول ما يعلم، التبعية التي لا يمكنها أبداً أن تحقق أي تقدم على أي صعيد، إن من يرضى بالتبعية يبقى عليها ولا يستطيع بالتالي إحراز أي إبداع الذي من غير وجوده لا يمكن التشدق بأي تطور ممكن... ".
بمعنى أخر كانت نخبة الحكم الملكي ، وخاصة المحوريون منهم، ونظرا لإفتقاد نظام حكمهم [ ... للضوابط المؤسساتية أي لانتقال السلطة بشكل اعتيادي متفق عليه من حاكم إلى حاكم ومن جماعة إلى جماعة، أومن فئة حاكمة إلى فئة حاكمة. ولذلك يلجأ أطراف النزاع على الدوام إلى حله لمصلحتها بالعنف أو ما تيسر من وسائل: التآمر، وبالاغتيال، وبالتمرد، وبالغزو، وبالحرب الأهلية...15 ] .
الهوامش

1 - اختلف الباحثون العراقيون حول طبيعة القوى التي سيطرت إبان المرحلة الملكية. فمنهم من رأى أنها متمركزة في يد واحدة بينما يحددها البعض بوحدانية بريطانيا؛ والبعض الآخر بشخص نوري السعيد، خاصة بعد الاحتلال الثاني (1941)، في حين يرى فريق ثالث أنها كانت متمركزة بيد عبد الإله، وفريق رابع ينسبها إلي الثنائي الوصي/ السعيد؛ وهناك من يعتقد بوجود أربعة قوى هي العرش والوزارة وبريطانيا ومجلس الآمة (مجلسي النواب والأعيان). في حين نعتقد أنها كانت متمركزة من الناحية الآرأسية في مثلث الحكم وبريطانيا - عبر سلطة الانتداب لغاية الاستقلال 1932، وعبر سفارتها بعد ذلك، ثم مؤسسة العرش وأخيرا السلطة التنفيذية - رئاسة الوزارة. مع وجود قوى أخرى تلعب دورا غير قليل في التأثير على قرار الدولة المركزي منها: المؤسسة الإقطاعية، مجلس الأمة، قوى المعارضة والشارع السياسي وأخيراً المؤسسة الدينية.
2-[تبرز الدولة الحديثة بادئ الأمر وسط مجتمع تقليدي متشظي Segmented أي يفتقد إلى الركنين الأساسيين لمقومات المجتمع المدني: السوق الرأسمالي الحديث، والمنظمات الاجتماعية المعبرة عن شتى القوى والعناصر المؤلفة له. إن الدولة، هنا، أقوى من أي جزء منفرد في المجتمع / إلا أنها ضعيفة إزاءه ككل. وإن تشظي المجتمع القديم نفسه يجعله عصياً على الحكم، أي يجعل قيام دولة - مركزية (قومية) متعذرا دون دمج integration العناصر المتنافرة للمجتمع في القوام الجديد. هذا هو حال العراق في العشرينات والخمسينات] د. فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع المدني والتحول الديمقراطي في العراق، ص 185 مركز ابن خلدون، القاهرة1995. وقد قامت الدولة العراقية على خلفية مجمتمع متشظي، مما جعلها (مضطرة) إلى احتكار وسائل العنف (المادي وغير المادي) التي تنظم وظائفها.

3- تنطلق فكرتنا من جملة الاحاديث والسيرة النبوية التي يترجمها عمليا الحديث النبوي الشهير}من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان{. وغيرها من الأحاديث والآيات القرآنية المحفزة على ذلك. ويشير هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن إلى أن :" ... المسألة ليست دعوه فقط، لأن هناك 220 آية في القرآن الكريم تحض على القتال والجهاد، وإذا كانت المسألة دعوة فقط، فإن هذا يعني دع اقيصر ما لقيصر وما لله لله، وأضاف إن الإسلام جاء بسيف ومصحف وهو من عقيدة الإسلام ومن الأدبيات الأولى للجماعات الجهادية..." . خاصةً بعد إتخاذ الدين لأغراض سياسية . بمعنى تحول الدين عن حقيقته بضغط من مشيئة أناس أرادوا الإستئثار بالسلطة السياسية لأنفسهم. راجع جريدة الشرق الأوسط ، لندن في 5/12/2003.
4- للمزيد راجع: باقر ياسين، الاسباب التاريخية للنزعة الفردية والعنف الدموي في سلوك الفرد العراقي المعاصر، الحلقة الآولى، جريدة الزمان في 23 آذار 2001. كذلك مصطفى التواتي، مصدر سابق، أحمد عباس صالح، اليمين واليسار في الاسلام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1972، كذلك الباحث هادي العلوي، في السياسة الاسلامية، دار الطليعة بيروت 1974، ادونيس، الثابت والمتحول ج. 1و2، دار العودة بيروت 1983، بيلايف، العرب والاسلام والخلافة العربية، ترجمة أنيس فريحة، الدار المتحدة، بيروت وغيرها من الكتب التاريخية.

5 - د. محمد جمال طحان، علاقة الإستبداد، ص.29، مصدر سابق.
6- سليم مطر، النزعة الاستشراقية العنصرية في فكر الحداثة: علي الوردي وبداوة المجتمع العراقي، دراسة نشرت على حلقات في جريدة الزمان، في الاعداد610 إلى 615، لندن 2000.

7 - ويرسم الكاتب والروائي فاضل العزاوي رؤيته بالقول "... في الحقيقة إن جذر العنف تمتد عميقاً داخل التاريخ العراقي. فرغم إن أولى الشرائع والقوانين في تاريخ البشرية ، قد ظهرت في بلاد ما بين النهرين ، فإن هذه البلاد تعرضت مرات كثيرة إلى الغزو الخارجي والنهب والسلب والقتل الجماعي، حيث كان السادة الجدد يقضون على السادة القدامى بأكثر الطرق بشاعة . أما عامة الناس فكانت تعبر عن ولائها للسادة الجدد بالتطرف في الإنتقام من سادتها القدامى حتى لا تعرض نفسها للضرر ... وفي ظل الهيمنة العثمانية تحول العراق إلى رماد ومسخت روح الناس الذين تعلموا الاحتيال على زمانهم للبقاء على قيد الحياة ، وأصبح العنف الوحشي شريكهم في حياتهم اليومية...". الروح الحية، جيل الستينيات في العراق، ص. 39، المدى، دمشق 1997.
8 - للمزيد راجع: - باقر ياسين، تاريخ العنف الدموي في العراق دار الكنوزالادبة، بيروت 1999؛ - د. علي الوردي لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الطبعة الثانية لندن؛ - عباس العزاوي، العراق بين احتلالين؛ - لونكريك، اربعة قرون من تاريخ العراق، - لونكريك، العراق الحديث 1900 - 1950.
9- راجع د. وليد الاعظمي، انتفاضة رشيد عالي الكيلاني والحرب العراقية البريطانية، ص 21، دار واسط بغداد 1986.
10 -) لقد [استندت الدولة العراقية عند نشؤها على المكونات الارأسية لكل من: 1 - قوى الاحتلال الاحنبي والكادر الاداري المرافق له، 2 - القوى الاجتماعية المحلية المتكونة من أ _ المدينية وتشمل الاشراف والعوائل الارستقراطية القديمة والتجار والملاكين، ب - الريفية وتتمثل بمجموعة القبائل والعشائر ومنظومة قيمها وأعرافها، ج - الدينية وخاصة الاسلامية (السنية) واليهودية؛ 3 - الارث المعنوي للملك المستورد ومجموعة الضباط العراقيين في الجيش العثماني]. للمزيد راجع للمؤلف، الجيش والسلطة في العراق الملكي، الفصل الثاني، دار الحصاد دمشق 2000.

11- الضباط الشريفيون، مقولة تطلق على الضباط العراقيين الذين خدموا في الجيش العثماني ومن ثم العربي الذي كونه البريطانيون بالتعاون مع الشريف حسين ضد الدولة العثمانية بقيادة الملك فيصل الاول، وكانوا عماد مملكته في سوريا قبل طرد الفرنسيين له منها، وعادوا للوطن بعد تعيينه ملكاً على العراق من قبل البريطانيين، وبلغ عددهم في حدود 522 ضابطا من مختلف الرتب. للمزيد راجع المصدر السابق، للمؤلف، حيث يمكن التعرف على أدوارهم في الدولة العراقية وأسمائهم ورتبهم بصورة أكثر تفصيلا.

12- حول هذه الظاهرة، راجع كتابنا، الجيش والسلطة، مصدرسابق.
13 - توفيق السويدي، مذكراتي، نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، ص 15. ط، الثانية، دار الحكمة، لندن 1999.
14- د. محمد جمال طحان، الاستبداد، ص. 19، مصدر سابق.
15 - د. خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، ص 118، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت1991



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (2-2)*
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (1-2)*
- الحزب الشيوعي العراق من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز1958
- هو والزعيم (4-4):
- هو والزعيم ( 3- 4):
- هو.. والزعيم (2-4)
- هو.. والزعيم (1-4)
- الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز
- الجواهري وتموز
- ثورة 14 تموز ومسألة العنف
- حوار مع الباحث الأكاديمي عقيل الناصري حول ثورة 14 تموز (2-2)
- حوار مع الباحث الأكاديمي عقيل الناصري حول ثورة 14 تموز
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (6-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (5-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (4-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (3-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963´- سباق المسافات الطويلة : ( ...
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (1-6)
- في جذور الظاهرة الانقلابية في الجمهورية الأولى (تموز1958- شب ...


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)