أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)















المزيد.....


من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3661 - 2012 / 3 / 8 - 00:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)
في جذور الظاهرة الانقلابية:
{ في التاريخ فقط تتمكن الأمة من وعي ذاتها وعياً تاماً} شوبنهور
{ القوة تجذب دوماً الأفراد من ذوي الصفات الاخلاقية الدنيئة}
أنشتاين
{ يعرف عقل الحاكم، قبل كل شيء، من الأفراد الذين يقربهم إليه}
ميكافيلي
من المعلوم أن " العنف قديم قدم الخليقة ، وإن الا عنف، أو السلوب المدني، أحدث عهداً. ونعرف أن كل الحضارات أبتكرت أقانيم تسوغ العنف وتسمو به إلى مرتبة الفضيلة ، لكن الحضارات أبتدعت أيضاً أقانيم تحرّم العنف وتقيده بشرائط ومدونات قانونية ، بل بمؤسسات حامية أيضاً. ونعرف أن هذه التحريمات تنتهك بإستمرار حتى من جانب حماة الوضع المدني ... ". وتأسيساً على ذلك نرى منذ أحقاب طويلة، منذ زمن الحضارات الشاهقة الأولى مروراً بالكبوات الاحتلالية، كانت العديد من العوامل السببية تتفاعل فيما بينها جدلياً: العديد من العوامل السببية: التاريخية والطبيعية والاجتماعية والحضارية والسيكولوجية. وقد استمر تفاعل هذه العوامل عبر أزمنة طويلة من الاندماج والتلاقح المتبادل، لتتبلور بعض من نتائجها في بروز العديد من المظاهر السلوكية والنفسية والثقافية والأخلاقية. كان منها: العنف والعنف المضاد، ليس باعتبارهما قدراً حتمياً، قدر كونهما يمثلان حالة اجتماعية، تبرز في المنعطفات الجذرية للتغيرات الاجتصادية/السياسية وتنموان في حالات التصادم والتناقض الاجتماعيين، مما ينتج عنهما اللااستقرار المصحوب في الأغلب بالعنف المادي واللامادي، لتنضج وتبلور سلوكية اجتماعية /نفسية، وثقافة ذات نزعة عنفيه/انقلابية .
فالعنف، كصفة، تطور كعامل طبيعي في مخزون تصرفات بعض أنواع الحيوانات والإنسان، لأن ذلك (قد) يسهل عملية البقاء والتكييف مع البيئات الجديدة للمحيط ومستلزماته. بمعنى آخر، العنف هو نتاج للظروف المادية المحسوسة المحيطة بالواقع الاجتماعي، أكثر من كونه نتاجا للقدرية الغيبية أو الغريزة أو نتيجة جينات وراثية، كما تتبناه مدرسة التحليل النفسي بشكلها التقليدي - الفرويدي، رغم "... أن كثير من العلماء لا يؤمنون بالمفاهيم التقليدية والفرويدية للعنف الغريزي، إلا انه من غير الصحيح نفي أي دور للعوامل البيولوجية في العنف. هنالك دراسات أظهرت تأثير الوراثة على درجة اندفاع الفرد لممارسة الجريمة. مع ذلك فإن الافراد الذين توارثوا ميلاً قوياً نحو ممارسة الجريمة لم يكونوا دائماً في عالم الجريمة بل أظهروا ميلاً لممارسة الجريمة في ظروف اجتماعية خاصة فقط..." فالعنف في الواقع هو، "... نتاج للتداخل المستمر والتفاعل بين المؤثرات الخارجية على الكائن وتلك الاستجابات التي يؤديها ذلك الكائن... وهذا يعني أن البيئة تكون مندمجة بالحالة السيكولوجية... وعندما نتعامل مع عملية تاريخية من هذا النوع، فإن نسبة الاستجابة النفسية التي يمكن أن تعزى للوراثة تكون غير واضحة بالتأكيد..." . بمعنى آخر ليس من الدقة تفسير الظاهرة بعامل واحد، بل بجملة مركبة من العوامل التي تؤثر على العلاقة بين طرفي المعادلة: السلطة و الفرد، من جهة ، وبين السلطة والجماعة وكذلك بين الجماعة والجماعة.. في تجلياتها العامة.
لذا فـ ".. أسباب الميل إلي العنف عديدة ومتنوعة، فبالإضافة إلى العوامل البيولوجية والبيئية، فإن أصول العنف، عند الإنسان تعود بدرجة كبيرة إلي تراثه الاجتماعي والعلاقات التاريخية بين المجتمعات المختلفة وتطورها. فمعظم المجتمعات تقر بالعنف بدرجات مختلفة وتفرضه على أساس أنه ضروري ..." لحياة المجتمع واستمرار تطوره. كما أنه في كثير من المنعطفات الحادة والانتقالات النوعية للمجتمعات يتجسد دوره في كونه (مولدة التاريخ). (التوكيد منا – ع.ن).
وفي هذا الصدد يشير عالم الاجتماع د. علي الوردي إلى أن العلماء قد أختلفوا " ... حيناً من الدهر في مسألة أيهما أهم في تكوين الشخصية البشرية: الوراثة أم المحيط . أو بعبارة أخرى العوامل البيولوجية أم العوامل الاجتماعية. لقد مال العلماء أول الأمر نحو التأكيد على العوامل البيولوجية، أما اليوم فقد أصبحوا يعيرون أهتماماً للعوامل الاجتماعية ... ". ويقول في محل آخر بعد عدة سنوات :" ... ليس هناك قوالب جاهزة في الشخصية ، وهذا ما توصلت إليه أخيراً.. ففي الوراثة عوامل كثيرة لا تحصى ، كما في البيئة عوامل لا تحصى، وتنشأ الشخصية من جراء تفاعل عوامل البيئة بعوامل الوراثة .. وهذا هو الذي جعل شخصيات البشر لا تتلاشى... ".
لكن عالم الاجتماع د. فالح عبد الجبار ، لم يقتنع، كما يبدو، بهذا الرأي السيسيولوجي ذو (النتائج الهزيلة)، إذ يقول : "... كلما أوغلنا في دروب البحث عن العنف إنتهينا إلى (الغرائز) أو (المجتمع). فكثرة من علماء الاجتماع والبيولوجيا تنتهي دوماً إلى هزال النتائج التي تقول أن العنف ينتمي إلأى رد فعل (طبيعي) وإن العدوانية (انحراف غريزي). وثمة فريق آخر من علماء الاجتماع والبيولوجيا يرون أن البشر لا يملكون أية (غرائز) وأن الإنسان يولد بمجموعة انعكاسات ( reflexes ) أساسية وإن الحاجات البيولوجية: الأغتذاء، الإرتواء، الجماع، الحفاظ على درجة حرارة الجسم (برد أو قيظ) ليست غرائز، بل حاجات ، وإن طرق اشباعها متباينة_ بتعبير آخر أنه لا وجود للغريزة بوصفها نمطاً من السلوك تقرره الجينات، بل أن الإشباع محدود ثقافياً وتتباين بتباين الثقافات...".

بمعنى آخر علينا الاقرار بأن العنف لعب دوراً كبيراً في الصيرورة التاريخية ومسيرتها الارتقائية العامة، منذ أن بدأ الإنسان يعي ذاته ومنذ أن بدأت المجتمعات الإنسانية تعي كينونتها وتبلور أبعادها الطبقية.
لقد مثل العنف التعبير المادي لمقولة التناقض، وبخاصةً التناحري منه، باعتبار هذا التطور هو الدالة المنطقية لأوجهه، سواءً في أبعاده الاقتصادية أو السياسية. وقد أخذ هذا العنف، كأي ظاهرة اجتماعية، يتطور وتتنوع أساليبه وأدواته ودرجاته، المتوقفة جميعها على الظروف الحسية، التي بدورها تؤثر على مجمل العلاقات الاقتصادية في تفاعلاتها الجدلية مع البناء الفوقي الذي يناظره.
فالعنف ليس سوى الوسيلة وأن الغاية هي المنفعة، وبخاصةً الاقتصادية منها. وما دامت الغاية أكثر أساسية من الوسيلة المستخدمة للحصول عليها، فإن الجانب الاقتصادي من العلاقة أكثر أساسية في التاريخ من الجانب السياسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب علينا التركيز على أن العنف ليس مجرد فعل ارادة، بل يتطلب، وجود شروط مسبقة، حسية جدا قبل أن يتمكن من ممارسة فعاليته، أعني يتطلب أدوات أكثر اتقاناً منها، تتغلب على الأقل اتقاناً.. من هذه الزاوية يجب الاقرار بأن الدور الذي يلعبه العنف في التاريخ نتيجة التطور الاقتصادي الواضح، هو دور ثوري وأنه مولدة كل مجتمع قديم حامل بمجتمع جديد. سواء أكان هذا العنف مادي بحت أم معنوي، وأن استخدام أي منهما يتوقف على البعد الحضاري للمجتمع.
ويؤكد، في الوقت نفسه، عالم الاجتماع د. علي الوردي عند تناوله ظاهرة العنف. فيركز بالأساس على الجوانب الاجتماعية وطبيعة التركيبة الاجتماعية.. وقدم نظرة متكاملة استندت على ثلاثة فرضيات هي:
1 - ازدواجية الشخصية الإنسانية؛
2 - الصراع بين البداوة والحضارة؛
3 - التناشز الاجتماعي .
في الوقت نفسه يشير عالم الاجتماع د. فالح عبد الجبار إلى حالة الترابط الجدلي للعوامل المؤثرة في العنف ، فيقول: " ... لا وجود للبياض (العنف) بمعزل عن الأشياء البيضاء . وينبغي الانتقال من المحمول (البياض) إلى الحامل ، إلى البنية الاجتماعية – الثقافية في مجرى تحولاتها وتواتراتها، وإن الأديان والمذاهب ، والقوميات والأثنيات ، والطبقات والجماعات، والقيم والأيديولوجية، هي سداة ولحمة هذه البنية، وهي في حالة من النشوء والتنوع والانشطار والتعدد والاصطدام. وإن هذا الإنشطار والتعدد والتحول والاختلاف ، إنما يؤول مآلاً عنفياً في شروط شتى ، لعل بالوسع الحديث عن وضع ثلاثي :
- علاقة الفرد بالجماعة؛
- علاقة الجماعة بالدولة؛
- علاقة الدولة بالدولة.
وإن منابع الاختلاف ( وهي منابع عنف) تخترق كل هذه المستويات الثلاثة ، اختلاف اللغة أو الدين أو المذهب أو الجنس أو الثروة أو نظام القيم أو طرز العيش أو اللون ( العرق) أو المهنة أو الجنس... ليست المشكلة في الاختلاف ، بل في طريقة النظر إليه، وفي تأويله وفي حامله الاجتماعي بقيمه وعقله... ".
ومن جانب آخر تشير كثير من مدارس علم الاجتماع إلى أن ثنائية التنازع/التعاون هما من الصفات الطبيعية الملازمة للجنس البشري مقارنةً بالحيواني. ويتوقف التأثير الجدلي فيما بينهما على الوسطين الاجتماعي والطبيعي ببعديهما التاريخي ودرجة التطور الحضاري.. بمعنى آخر إن [... صفة الاختلاف/التنازع، وصفة التعاون/التآلف، قائمتان لدى كل فرد... وتجد أن منطقهما في ثلاثة أمور أولها: الحاجات البشرية، المادية والمعنوية، اللانهائية؛ أما ثانيهما: الموارد البشرية، المادية والمعنوية، المحدودة؛ وثالثهما: اختلاف العوامل الوراثية والبيئية المكونة لشخصية الفرد.
ومن هنا يواجه الإنسان باستمرار الخلاف مع غيره في الحياة اليومية. وهو أمام خيارين لحسم هذا النزاع: إما باستخدام العنف من منطلق إلغاء حق الآخر أو وجوده، أوالتعاون في محاولة لإيجاد نقطة وسطية مشتركة تلتقي عندها المصالح المتنافرة للأطراف المعينة. ومما يجدر ذكره، ان الحيوان يمارس العنف بطبيعته، ولكن من أجل حفظ وجوده فقط، أي في سياق القانون الطبيعي القائم على التنازع من أجل البقاء... ". وهذه سمة [ النظام الطبيعي في كل الحيوانات... أن النوع الواحد لا يأكل بعضه بعضاً، والإنسان يأكل الإنسان حرفياً ومجازاً ] كما قال الكواكبي .
وإذا كانت هذه الخصائص العامة، تساهم بصورة مكثفة في بلورة الوعي الاجتماعي العام في تجلياته الأرأسية كالوعي: السياسي، الحقوقي، الجمالي، الديني، والفلسفي، والعلمي، فإن الخصائص الذاتية، الفردية و الجمعية، هي أيضاً تساهم بدورها في التأثير على السلوكية والوعي الاجتماعيين، في تجليات تحققهما العام، وفي حراكية صيرورتهما المتوائمة مع التغيرات الجذرية في الواقع المادي للمجتمع، طالما أن الوعي الاجتماعي للناس هو نتاج وجودهم الاجتماعي. [بمعنى آخر إن إنتاج الأفكار والتمثلات والوعي، ترتبط قبل كل شيء وبصورة صحيحة بنشاط البشر المادي وتعاملهم المادي، إنه لغة الحياة الواقعية. لذلك يجب أن نبحث عن تفسير لجميع أنواع المنتجات النظرية وأشكال الوعي من دين وفلسفة وأخلاق، في المجتمع، أي أن نفسر الفكر من زاوية الممارسة المادية لا العكس... ] .
وغالباً ما ينجم عن العنف الإستبداد، الذي هو "... ليس فكرة يمكن عزلها من مجمل نواحي الحياة الأخرى، كما أنه ليس مؤسسة منفصلة عما حوله من هيئات اجتماعية ، وإنما هو نظام شامل يمتد إلى أنحاء الدولة كلها بحيث لا يستطيع ميدان من ميادين الحياة أن يكون بمنأى عن تأثيره ، أنه فعل مؤثر. وبما أن الفكر مبدأ الفعل وراسم وسائله ومحدد غاياته، لذا كان طبيعياً أن يحاول الكواكبي معرفة نوع العلاقة التي تقوم بين الفكر وفعل الاستبداد... إنها ليست علاقة عارضة ، بل هي علاقة صميمية بحيث لا يوجد إستبداد بدونها. إن الفكر ليس متأثراً بوضع سياسي معين، بل هو مؤثر أيضاً... " .
وبالإضافة إلى ما ذكر ولأجل [... فهم حالة الفكر (الدماغ) في كل عصر فحسب، ومن أجل تفسير أسباب سيادة هذه التعاليم وليس غيرها في عصر ما، يجب على المرء أن يتعرف على حالة الأدمغة في العصر السابق، وان يعرف التعاليم والاتجاهات التي سادت آنذاك. بغير ذلك لن نفهم الحالة الفكرية لعصر ما، حتى لو تعرفنا على خير وجه على اقتصاده...]. أي من الضروري مراعاة القوانين العامة للتأثير المتبادل بين الوجود والوعي الاجتماعيين، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستقلالية النسبية للأخير، وتجليات استمرارية ارتقائها باعتبارها نتاجاً لجملة الظروف المؤثرة في صيرورة نشوئها وسيرورة تطورها. فإلى جانب الوسط الاجتماعي، بإنتاجه المادي والفكري الخاص به والمتطابق مع بنية تركيبته الاجتماعية، يؤثر الوسطان، الطبيعي والتاريخي.. يؤدي كل ذلك إلى إمكانية تفسير معتقدات وأوضاع وعي الناس والكتلة الأوسع منها. بخاصةً إذا علمنا بأن [... فوق الأشكال المختلفة وفوق شروط الوجود الاجتماعي، تنتصب بنية فوقية كاملة من المشاعر والأوهام وطرز التفكير والتطلعات الحياتية المختلفة. إن الطبقة بأسرها تخلق وتصوغ هذه المشاعر والأوهام وطرز التفكير والتطلعات الحياتية من أساسها المادي والعلاقات الاجتماعية المطابقة لها... ] .
في الوقت ذاته يجب التوكيد، بصورة خاصة، على ماهية وطبيعة المرحلة التاريخية، لأن الوعي الاجتماعي يختلف باختلاف مرحلة التطور التاريخي، ويتطور بالتناظر معها مكتسباً سماته من سماتها العامة. ففي مجتمع العبيد، مثلاً، كان الوعي ذا طبيعة ميثولوجية، في حين كان في مجتمع الإقطاع، في علاقته بالعالم، دينياً، وأما الوعي السائد في المجتمعات الرأسمالية فهو ذو طبيعة صنميه.. هذه الأنماط الثلاثة تؤكد العام أكثر من الخاص، فهي تصنع وعياً وهمياً زائفاً لا يختلف في بنيته إلا بالمظهر الخارجي فحسب وسيكون أكثر تشوهاً في المجتمعات المُتخَلفة ذات الأنماط الاقتصادية المتعددة ذات الطبيعة الانتقالية، حيث يقترن الديني بالميثولوجي وكلاهما بالصنمي، مما يكبح من جانب آخر، أهمية الوعي الاجتماعي كقوة دافعة نتيجة هذا التداخل المتعدد الأبعاد.
لذا لابد من لزوميات حتى يتحول الوعي إلى قوة دافعة للتغير، منها: [... إن تكون الجماهير مهتمة وواعية ونشطة وفعالة ومصممة ومستقلة...]، وإلا، لا في هذا المجال ولا في سواه، يتم صنع أي شيء، خاصةً في المجتمعات التي تسودها علاقات ما قبل الرأسمالية ذات الطابع الانتقالي، المقترنة، كصفة مستنبطة وملازمة، بعدم وجود الطبقات في هكذا مجتمعات. وفي أحسن الاحوال انعدام تبلورها وتداخل علاقاتها في الوقت نفسه.
إذ [... إن الاقتصاد في المجتمعات ما قبل الرأسمالية لم يكن قد وصل بعد إلى مستوى ((الكائن لذاته)) ومن أجل ذلك فإن الوعي الطبقي لم يكن قادراً بسبب من طبيعته ذاتها، لا على الظهور بمظهر واضح، ولا على التأثير بوعي في الحوادث التاريخية. إن الشيء الواضح في هذه المجتمعات ليس انقسامها إلى طبقات بل إلى ((عصبات)) بالمعنى الواسع للكلمة (قبيلة، جماعات حرفية ومهنية... الخ) ومن ثم فإن الوعي بالانتماء إلى إحدى هذه العصبات كان وحده السائد، إن الوعي العصبي باعتباره عاملاً تاريخياً ملموساً يخفي ويقنع الوعي الطبقي ويمنعه حتى من اظهار نفسه... ] .
تندرج موضوعات كهذه، في صلب اهتمام أكثر من علم. فهي تندرج في علم الاجتماع مثل ماتندرج مع العلوم الفلسفية والسياسية والاقتصادية والنفسية وغيرها من العلوم التي تدرس الإنسان ككائن اجتماعي.
من هذا المنطلق يتحتم علينا دراسة الظاهرة الانقلابية / العنفية ببعديها التاريخي والعياني في الوقت نفسه، بغية تفسير أسباب استمراريتها وقوة حضورها في الوعي السياسي العراقي، وكذلك اكتشاف طرق التغلب عليها واجتثاثها، ومعرفة دور الماضي (القديم) في التأثير على الحاضر (الجديد)، انطلاقا من مضمون الفكرة الشائعة: [الأموات يمسكون بتلابيب الأحياء]، سواء أكان هؤلاء الأموات، بشراً أو منظومة قيم، أفكارا أو معتقدات، تُكون جزءاً من بنية البناء الفوقي .
[... إن تقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء، وعندما يبدو هؤلاء منشغلين فقط في تحويل أنفسهم والاشياء المحيطة بهم، في خلق شيء لم يكن له وجود من قبل، عند ذلك بالضبط في فترة الازمات الثورية كهذه على وجه التحديد، نراهم يلجؤون في وجل وسحر إلى استحضار أرواح الماضي لتخدم مقاصدهم، ويستعيرون منها الاسماء والشعارات القتالية والازياء لكي يمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ العالمي في هذا الرداء التنكري الذي اكتسى بجلال القدم وفي هذه اللغة المستعارة... ]

الهوامش
يحدد المؤلف العراق المعاصر، ببدء تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ، أما العراق الحديث فيبدء كما حددها العالم الاقتصادي الراحل د. محمد سلمان حسن ببداية تشكل السوق الاقتصادية العراقية في عام 1830. للمزيد راجع كتابه، التطور الاقتصادي في العراق، التجارة الخارجية والتطور الاقتصادي 1864-1958، المكتبة العصرية بيروت 1965.
2- د. فالح عبد الجبار، في الأحوال والأهوال، المنابع الاجتماعية –الثقافية للعنف، ص. 15، الفرات للنشر والتوزيع بيروت 2008.
3 - لقد رصدت مسألة العنف والعنف المضاد في تاريخية المجتمع العراقي، وتعتبر بالغة الحساسية والاثارة، وخاصةً في الظرف العنفي الذي تقوم به السلطة، وبعض الأطراف السياسية الضيقة الأفق والمصلحة، في الوقت الراهن، ولكونها تمس الذات الفردية والجمعية. وفي هذا السياق يناقش فاخر جاسم في كتابه: العقوبات الدولية وآفاق التطور الديمقراطي في العراق، موضوعة سبق أن طرحتها بصدد الحالة المرصودة وضرورة دراستها ببعديها التاريخي والمنطقي. وقلت أن لهذه الموضوعة ظروف مادية تنحصر في الابعاد الطبيعية والتاريخية والحضارية وكذلك، كنتيجة وسبب، ظرف نفسي يتكون في سياق العملية الاجتماعية للحياة. خرج زميلنا فاخر جاسم، وقبله د. عدنان عاكف ومحسن السراج، بقراءتهم غير الجدلية لفكرتي الموضحة أعلاه، بالقول: يعتقد الناصري بأن [العدوانية تأصلت عند العراقيين منذ عصور التاريخ الأولى للمجتمعات التي أقيمت على أرض الرافدين]، ص 76. إن رصد حالة العنف والعنف المضاد لا يكذبه التاريخ ولا المؤرخون، بل أرادويتنا الذاتوية. للمزيد راجع مقالتنا: العنف والهاجس العراقي، جريدة المؤتمر، العددان125و 126 تشرين الثاني/نوفمبر 1995. كذلك مقالةد. عدنان عاكف، العراقيون والعنف، جريدة طريق الشعب العدد1 أواسط ايلول 1994.

4- د. محمد الربيعي، العنف والعدوان بين التأثيرات الاجتماعية والوراثية. جريدة الوفاق، الأعداد 262 - 264 في أبريل 1997.
5- راجع د. علي الوردي، شخصية الفرد العراقي ، محاضرة منشورة في كتيب ، ص. 14 تاريخ ومكان ودار النشر بلا..
6- راجع، حميد المطبعي ن علي الوردي يدافع عن نفسه، الممكتبة العالمية، بغداد 1987.
7 - د. فالح عبد الجبار، في الأحوال والأهوال.ص.14،مصدر سابق.
8- إن هذه النظرة هي إحدى المحاولات العلمية لتفسير ما هو كائن وفق منهج علمي حدد أبعاده هو، والذي أنطلق فيه من وجود خصوصية للمجتمعات الشرقية ومنها (العراق)، مما أدى به إلى نفي وجود تشابه في ماهيات حراك المجتمعات الإنسانية.. لذا نراه ينطلق من نظرية ابن خلدون لتكوين علم اجتماع عربي ذات خصوصية واضحة. وبموقفه المنهجي هذا وقف الوردي ضد الاتجاه الآخر الذي يرى وجود سنن عامة وقانونيات لمسارات تطور المجتمعات من مراحل دنيا إلى مراحل عليا. وأعتقد أن هذا المنهج، الذي اعتمده العالم الوردي، فيه كثير من الاجحاف عندما يركز على ضرورة إنتاج منهج بحث وتحليل خاص بكل مجتمع ويمكن أن يوجه ذات النقد إلى الاتجاه الآخر.

9- د. فالح عبد الجبار، في الحوال والأهوال،ص.15، مصدر سابق.
10 - د. عبد الوهاب رشيد، العراق المعاصر، دار المدى، دمشق 2002.
11 - مقتبس من بطاطو: ج. الثاني، ص 18. مصدر سابق.
12- مصطفى التواتي، التعبير الديني عن الصراع الاجتماعي في الاسلام، ص 15، دار الفارابي، بيروت 1986

13- د, محمد جمال طحان، علاقة الإستبداد- دراسة في فكر الكواكبي، مجلة النهج، العدد 67، صيف 2002، دمشق.
14 - كارل ماركس، الثامن عشر من برومير لويس بونبارت. دار التقدم، موسكو، المختارات في 4 أجزاء،
15- مصطفى لتواتي، مصدر سابق، ص 47.

16 - يُقصد بالبناء الفوقي، بصورة مختصرة، كل العلاقات، ما عدا العلاقات الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية والفكرية وقيمها ومؤسساتها، والافكار التي تتضمن الاراءا لسياسية والقانونية والاخلاقية والجمالية والدينية والفلسفية والتي تمثل تجليات الوعي الاجتماعي، ومن حيث طبيعتها الزمنية فهي تشمل ثلاثة منظومات: ما يعكسه جدليا واقع البناء التحتي؛ و ما تبقى من قيم المرحلة السابقة؛ و ما تتضمنه من أفكار استشفافية للمرحلة المستقبلية، وتتجلى هذه الاشكال بصورة مباشرة أوغير مباشرة.
17- كارل ماركس، 18 برومير، مصدر سابق138.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (2-2)*
- من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (1-2)*
- الحزب الشيوعي العراق من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز1958
- هو والزعيم (4-4):
- هو والزعيم ( 3- 4):
- هو.. والزعيم (2-4)
- هو.. والزعيم (1-4)
- الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز
- الجواهري وتموز
- ثورة 14 تموز ومسألة العنف
- حوار مع الباحث الأكاديمي عقيل الناصري حول ثورة 14 تموز (2-2)
- حوار مع الباحث الأكاديمي عقيل الناصري حول ثورة 14 تموز
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (6-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (5-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (4-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (3-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963´- سباق المسافات الطويلة : ( ...
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (1-6)
- في جذور الظاهرة الانقلابية في الجمهورية الأولى (تموز1958- شب ...
- تهنئة الى الحوار المتمدّن


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)