جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 16:29
المحور:
حقوق الانسان
فعلا نحن أمام ظاهرة غريبة وهي أين يذهب أصحاب المواهب وأين يختفي الذين تظهر موهبتهم في سن مبكرة؟ في الوقت الذي تقدم فيه أجهزة الإعلام برامج تلفزيونية عن الأطفال الموهوبين ,في ذلك الوقت لو قام أي باحث في مجال الثقافة والمواهب وزار تقريبا غالبية المدارس أو نصفها أو ربعها أو 10% منهم لوجد في كل مدرسة طفلا موهوبا أو طفلة في كافة المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية, ولو قام نفس الباحث بتسجيل أسماء هؤلاء الموهوبين وعاد بعد 20 سنة ليسأل عنهم فأين يا ترى سيجد البنات والأولاد الذين كانوا موهوبين, وبصراحة وبكلمة أكثر جرأة :أين يذهب أصحاب المواهب؟
ولو قام هذا الباحث بدراسة طفولة أغلبية العظماء والمشاهير وقارنها مع كثير من الأطفال الموهوبين لوجد أن أجهزة المخابرات في كافة الدول العربية قد سبقته إلى هذه الخطوة ,وحددت بالضبط ما الذي ستفعله مع هؤلاء الموهوبين الأطفال الذين يسجلون خطرا على الأنظمة العربية وتتم متابعتهم وخصوصا عندما يدخلون الجامعات أو حين يبلغون سن الرشد فتتسلط عليهم وهذا هو الجواب أو السبب الثاني لقصة اختفاء المثقفين الموهوبين.
معظم الدول العربية لا تعترف بالمثقفين الموهوبين وهذا أول جواب على السؤال المطروح وتعتبرهم مشكلة وحملا ثقيلا جملة وتفصيلا وهذا النوع من السياسة غالبا ما يكون فاسدا جدا من ناحيتين أولهما أن المثقفين أنفسهم عالة وحملا ثقيلا على أنفسهم وهم على الغالب لا يؤمنون بما يكتبونه أو بما يقولونه فتجد سلوك المثقف في وادي وكلامه في وادٍ آخر وخصوصا فيما يتعلق بحقوق الإنسان وبالذات في المساواة مع قضايا المرأة,وهذا بسبب رفض الدولة لهم ومحاربتهم وإجبارهم على الإحساس بالقيمة الدونية لهم وإقناعهم بكل الوسائل أنهم تافهون ولا ينفعون وما يقومون به من أعمال هي مجرد تخبيص ومجرد علم لا فائدة منه على رأي الرسول وأبي هريرة(اللهم إنّا نعوذ بك من كل علم لا ينفع) فهذا الدعاء لوحده جريمة مسئولة عن ضياع المثقفين والمبدعين وليس للمثقفين أي أثر على الحراك الثقافي والسياسي والاجتماعي فلا نجد فيلسوفا أثر بسلوكه وبفلسفته على النظم الاجتماعية وطريقة تفكير الأفراد والجماعات كما حدث ذلك في فرنسا لعد وقبل الحرب العالمية الثانية,حتى وإن هتف المثقف بأعلى صوته:-(يعيش جلالة الملك)-, من أجل أن يعيش جلاده إلى الأبد ,وحتى وإن قدّم المثقف كل يوم الطاعة والولاء للنظام الفاسد الذي يحكمه يبقى المثقف غير مرحب به وخصوصا المرأة المثقفة مكروهة من قِبل زوجها ذلك أن الثقافة معرفة تقتحم المحرمات وكل أشكال(التابو-الطابو) ووظيفة الدولة أو وظيفة المخابرات في كل الدول العربية هي الحفاظ على النُسق الثقافي وحمايته من أدوات التغيير التي تعبث به,ودائما ما تركل الأنظمة العربية المثقفين بأرجلها في الوقت الذي تتعمد فيه الأنظمة جلب أصحاب الشهادات العلمية من غير المثقفين وهذه النقطة بالذات كانت على فترة من الفترات إحدى أهم الدعاية السياسية الأمريكية لمواجهة خرافة اليسار أو أسطورة اليسار, فإن نجا المثقف من تهمة الفساد الأخلاقي فسيقع حتما في تهمة الجنون وإن نجا من تهمة الجنون فسيقع حتما في مصيدة جديدة من مصائد النساء المجندات خصيصا من أجل تجميع ملف حول نشاط المثقف غير الأخلاقي علما أن كل ذلك وهمي وغير ثابت على أرض الواقع وغالبا ما يصبح الوهم حقيقة من خلال توجيه تهمة كيدية بحق المثقف الموهوب وفي هذه الحالة يصبح الوضع أكثر خطورة ,وأحيانا يقع المثقف في تهمة العقل غير السوي على اعتبار أن المثقف يغرد خارج السرب وشاذ عن القاعدة التي تقف عليها كل الناس وهذه لوحدها تكفي للإطاحة بالمثقف ولتلفيق التهمة عليه وأنت يا عزيزي القارئ ماذا تقول عن الإنسان الذي لديه سلوك مغاير لسلوك المجتمع الذي يعيش بداخله المثقف؟ من المؤكد فعلا أنك ستقول عنه بأنه مجنون وهذه كلها قصة جنون المثقف العربي من الألف إلى الياء,وهذه أول بذرة لنبذ المثقف كونه فرد سلوكه غير مطابق لسلوك الجماعة وهذا لا يختلف عن سياسة بعض الإسلاميين التكفيريين الذين يكفرون كل من يخرج على الجماعة وهنا الدولة أو الدول العربية وخصوصا النظام الأردني الفاسد أخلاقيا وسياسيا يعمل على محاصرة الفرد الذي لديه بعضا من أحلام التغيير والتنوير وعندي ألف شاهد عيان على ما أقوله وكل المثقفين يشعرون بهذا النمط من السياسة, ويبقى المثقف يعيش في جزيرة شبه معزولة عن العالم لا يزوره أحد ولا هو يزور أي أحد وعادة ما تبدأ الأجهزة الأمنية بسحب كل الأقارب والأصدقاء من حوله من خلال تخويفهم منه على اعتبار أن المثقف خطرا على النظام الاجتماعي وهذه تكون الخطوة الأولى من أجل محاصرة المثقف ليبقى تحت السيطرة, وللتخلص من المثقفين تلجأ كافة الأنظمة العربية إلى طريقتين مهمتين للتخلص من المثقفين فتتهم المثقفين بالجنون والتخبيص أو بالفساد الأخلاقي والمهم أنها تلصق بالمثقفين إحدى تلك التهم وأحيانا ما تلصق بالمثقف التهمتين معاُ على مبدأ(عصفورين بحجر واحد)ودوائر المخابرات في الوطن العربي وخصوصا الأردن هم من يقوم بجمع التقارير المزورة عن المثقفين من مصادرهم وأحيانا تكون كلمة(مجنون) مجرد مزحة يمازحها الناس مع المثقف بسبب غرابة تفكيره للتعليق عليه وللتندر وللفكاهة ولكن الدولة والنظام الخبيث يأخذ تلك المزحة على محمل الجد من أجل إثبات أن هذا المثقف سلوكه غير سوي ولا يتعامل مع الناس بالاحترام المطلوب وهم بنفس الوقت لا يقدمون له ولا أي جملة من جمل الاحترام ويشعر المثقف بهذه المؤامرة الحقيرة ولكنه لا يستطيع إثبات ذلك على المخابرات ويبقى المثقف هكذا غير محسوب لا على اليمين ولا على اليسار ولا حتى يستطيع أن يلتقي مع غيره لا في بداية الطريق ولا في نهاية الطرق المظلمة التي تنتهي بنفق عميق,حتى جماعة منتصف الطريق لا يستطيع المثقف العربي أن يتلاقي معهم.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟