جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 28 - 21:03
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
البطالة والكسل إلى حد النخاع الشوكي ليس هما ما يميز فصل الشتاء عن فصل الصيف وإنما زيادة نسبة الموتى هو ما يميز فصل الشتاء عن فصل الصيف ونستطيع أن نقول للسيدة الحامل بأنها ستنجب في الفترة الواقعة من كذا إلى كذا ولكننا لا نستطيع اخبارها بمتى سيموت وليدها,ولا نستطيع أن نتنبأ بالموت ونحدد موعده ولا يمكن أن نحدد للناس أعمارهم ومتى سيموتون ,ولكننا نعلم بأن أعداد الوفيات في فصل الشتاء هي أكثر منها في فصل الصيف.
والحضارة أول ما نشأت كانت في المواقع الدافئة والحارة نسبيا بينما المواقع الباردة كانت تنتظر من يثير فيها الحمية والعزم والغيرة من المواقع الدافئة لتنهض مع أطلالة أول فجرٍ يمر على المواقع الباردة, وكانت أولى المخترعات في المواقع الحارة نسبيا ولم تكن في المواقع الباردة وكانت المواقع الباردة فعلا عبارة عن مقبرة جماعية للذين يريدون أن يموتوا بالملايين وكل الناس تستمتع بجمال فصل الربيع ولا يشكون منه إلا من أشياء بسيطة لا تتعدى فكرة الموت التي ترعبنا جميعاً,وكل الناس تستطيع أن تتحدى الصيف والحرارة والرمال والأتربة الملتهبة من حر الصيف ولكن ليس بمقدور كل الناس أن يتحدوا فصل الشتاء والبرد القارص, فقليلون هم الذين وقفوا في وجه الريح العاتية وقليلون هم الذين صمدوا أمام موجات الصقيع ,وعلى كل سكان الكرة الأرضية أن يتحدوا فصل الشتاء,وكانت الرجولة في البلدان الباردة لا تقاس بالكرم ولا بالشجاعة وإنما في القدرة على تحمل البرد القارص,وكانت تقاس الفحولة في أغلب المجتمعات الباردة بمدى تحمل كل رجل للبرد كما يظهر ذلك في مسرحبة يوليوس قيصر لشكسبير عندما قال (كاسيوس اللعين عن القيصر):كلانا يحتمل من برد الشتاء ما يحتمل , ويشترك الشتاء مع الأمراض السارية التي كانت تفتك بالناس لذلك من الممكن أن نعتبر فصل الشتاء فيروس يموت بسببه الملايين,هذا عدى عن أمراض المعدة التي يسببها البرد اللعين, لقد كان البرد بحق يستحق لقب ملك الموت بعد مرض الكوليرا.
وكانت قصة النهضة في كل بقاع الأرض تختلف في أسلوب التحديات من منطقة إلى منطقة أخرى, وكانت أخطرها تلك المتعلقة بالشتاء وبالصقيع, حتى أن أسعار الخضروات في فصل الشتاء ترتفع جدا بسبب موجات الصقيع التي تقضي على المزروعات ولا يستطيع المزارع المسكين أن يتحملها هي وخسائرها المادية ,والتحديات تختلف من مكانٍ إلى مكانٍ آخر,ولكن الشتاء كان وما زال هو الأقوى بين الجميع وما زال الشتاء محافظا على الصدارة في عدد الوفيات حيث تموت الناس والكائنات الحية في فصل الشتاء أكثر منها في فصل الصيف,رغم أن هنالك تحديات أخرى غير أن الشتاء من الممكن أن نعتبره عدوا طبيعيا يجمع بين الفيروسات وتحدي الصقيع,وإبان عصر النهضة في (هولندا) كان على الهولنديين أن ينتصروا على البحر وهذه ظاهرة معروفة ولكن الشتاء أيضا عدوا مشتركا بين الجميع وأعداد الوفيات في فصل الشتاء أكثر منها في فصل الصيف, وكان على أمراء المقاطعات الألمانية الجرمانية أن يتغلبوا وأن ينتصروا على الغابات الكثيفة ولكن لغز الموت يبقى واقفا في فصل الشتاء ويبقى طرف الخيط معلقٌ في فصل الشتاء, أما بالنسبة لل (نمسا) فقد كان من الأولى أن ينتصر النمساويون أولا بأنفسهم على الجبال العالية ومع ذلك يبقى فصل الشتاء محتفظا بأكبر نسبة وفيات وفي النهاية يجب أن يتحدى الجميع فصل الشتاء, ونحن اليوم على من ينبغي أن ننتصر أولا إذا اعتبرنا أنفسنا بأننا نقود عربة التقدم وندفع بها بكلنا يدينا إلى الأمام؟هل ننتصر على أنفسنا أم ننتصر على الشتاء؟.
لكل إنسان خصمه الذي يفكر دائما بالانتصار عليه ويبقى يتوعده بأن يهزمه مهما طال الزمان ومهما بعد المكان, ولكن يبقى الشتاء عدوا مشتركا للجميع إنه من التحديات البيئية ,ولكل بقعة جغرافية تحدياتها التي تقف في وجهها أما الشتاء فهو مشترك بين الجميع مثله مثل انبعاث ثاني أكسيد الكربون ومثله مثل الاحتباس الحراري,ولكل دولة ولكل مكان ولكل أرض تحديات تتحداها وتقفُ في وجهها وعلى كل دولة أن تنتصر على خصمها تماما كما ينبغي على كل إنسان أن ينتصر على خصمه,ولكن كلنا علينا أن ننتصر على فصل الشتاء, وقد كان أهم انتصار يجب أن تنتصر عليه (اسكندنافيا) إبان عصر النهضة هو البرد القارص أي الشتاء الذي يضاهي الكوليرا في عدد ضحاياه وهنا علينا أن نعرفَ بأن عدد الوفيات في فصل الشتاء أكثر بكثير من نسبتها في فصل الصيف لذلك تحدي الشتاء والبرد القارص في أكثر البلدان برودة واجب على كل مواطن يريد أن ينتصر لنفسه, وقد كانت الكوليرا تحصد الناس بالألوف وكان البرد أيضا يحصد الناس بالألوف وبالملايين وكانت الكوليرا لا تعرف التمييز بين المسيحي واليهودي والمسلم ولكن اليهود المساكين كانوا هم المتهمون بتحضير المرض مخبريا, وكان البرد أيضا لا يحسن التمييز بين المسلم واليهودي والمسيحي والبوذي ولكن كانت الناس تُحمل اليهود مسئولية زيادة نسبة الموتى في فصل الشتاء ولم يكن أحد يعلم بأن نسبة الموت في الشتاء هي أكثر من نسبة الموت في فصل الصيف لذلك كانت المسئولية تلقى على عاتق اليهود,وظل هذا الاعتقادُ سائداً إلى أن انتصر العلم على البرد غير أن النسبة ما زالت بجد إلى اليوم ظاهرة للعيان.
والإنسان في الآونة الأخيرة لم يكن من السهولة بمكان ٍأن يقبل البردُ بالهزيمة على يديه إلا بعد أن وضع له الواضعون حدا ونهاية ودواءً وعلاجا,و هذا الأمر لم يكن من الصعوبات التي تواجه كل المواقع الجغرافية فقد كان لكل موقع جغرافي مهمة أخرى وصعوبات أخرى وعقبات أخرى كما قلنا مثل البشر المتعددون في الأمراض والتحديات, وحين كان الإنسان بسيطا كانت الطبيعة تقوم بتحديد النسل وكان البرد أهم أداة يقتل الناس بها وحتى اليوم ورغم الظروف الجيدة التي تضع البرد تحت السيطرة غير أن البرد ما زال يحتفظ بأكبر نسبة للوفيات في جميع أنحاء العالم وبإمكان أي إنسان أن يلاحظ هذه الملاحظة في الحي أو المدينة التي يقطن بها ليكتشف في منطقته بأن أعداد الوفيات في فصل الشتاء تزيد كثيرا عن نسبتها في فصل الصيف,ولكن من يدري لماذا؟؟؟؟؟
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟