أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - كنتُ وما زلتُ يتيماً














المزيد.....

كنتُ وما زلتُ يتيماً


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3616 - 2012 / 1 / 23 - 11:17
المحور: سيرة ذاتية
    


كثيرون هم الذين كتبوا عن أمهاتهم وأولهم أنا,وبعض القراء المتابعين لي لا تُمحى من ذاكرتهم ما كتبته عن أمي خلال السنوات الماضية هذا إن لم يك في نظرهم بأنَّ أجمل ما كتبته طوال حياتي كان عن أمي على الإطلاق, وحين كنت طفلا لم أكُ أفتقرُ إلى حنان الأم بل كنت أفتقر إلى قسوة الأب وإلى حماية الأب الذي يحميني كما يحمي كل آباء أولاد حارتنا أبناءهم من قسوة أبناء الحارة أو من الأطفال الهائمين أو شبه المشردين الذين يمخرون حارتنا وهم يحملون بيدهم العِصي أو الحجارة أو المطاط الذي ينقفون به الحجارة على أجساد الأطفال المسالمين, وكنتُ أعرف بأنني طفلٌ يتيم ليس لي أبٌ يحميني,وكان بعض الناس أحيانا يذكروني بأنني طفل يتيم من غير أن يمسحوا بأيديهم على رأسي وكنت أقول في أعماق نفسي :لقد نسيت لفترة أنني يتيم فلماذا تذكرونني !!!؟ ولم أكن في يوم من الأيام محتاجا إلى درس ديني عن الأيتام لأنني كنت أعيش المرحلة تلك واقعيا وليس نظريا وكنت أحس بأن كل العالم يجب عليه أن يشعر بي ومعي ولكن كان صوت الصدى يتردد في داخلي فقط ثم يموت الصوت من غير أن يخرج من داخل صدري حتى حين كانت أمي تغضب مني كنت أتمنى لو أعود إلى البيت لألقى أبي ممددا على سريره الحديدي وأنا أعلم بأنه ميت لكي أشعر بالحماية ولو كانت حماية وهمية مصنوعة من خيالاتي ووسواسي,وكنت أحيانا أرسم لأبي صورة زيتية ملونة بكل ألوان الطيف,وأحيانا كنت أرسم شكل وجهه وشعره الأصفر اللون الذي خالطه البياض, وهذا بالضبط ما تسبب لي برفع درجة حساسيتي من الشعور بالألم ومن الإحساس بالخوف فكنت أخاف من كل شيء وكنت وما زلت أتألم من أي شيء وكنت أتعرض للأذى وللخدش من أي شيء ,وكنت مثل ست البيت المستحية أي شيء يخدش حياءها مهما كان ذلك الشيء كبيرا أم صغيرا,وكان وما زال قلبي مثل رقائق الزجاج البلورية الشكل فكان من السهل على قلبي أن ينكسر كما ينكسر الضوء في الماء أو كما تنكسر أشعة الشمس في آخر النهار,وكنت أذوب أمام الأطفال خجلا مثل شمعة عيد الميلاد حين يأت بعض الآباء للبحث في المدرسة عن كل من يتسبب بالأذى لأولادهم ,وكان أي مشهد محزن يجعلني أبكي حزنا على نفسي وليس حزنا عليه وكنتُ أعتصرُ ألماً بحجة الإحساس مع الآخرين غير أني في حقيقة الأمر كنتُ أعتصرُ ألما على نفسي وكنت وما زلت أبحث عن مواقع الحزن والألم بين البيوت وبين الممرات الضيقة لأروي خدودي بمزيد من الدموع والاكتئاب والآلام, وكان من السهل على مشاعري أن يجرحها أي جارح وكان باستطاعة أي دبوس ضعيف ورقيق ومدبب الشكل أن يجعلَ دمائي تسيل من قلبي حتى تبلغ الركبتين.. وكنت أبكي تحت الغطاء وأنا نائم لساعة أو لساعتين,وكنت أنام من التعب مثل القتيل على جنبه دون أن أشعر بأي شيء حولي حتى لو قامت حربا نووية كنتُ لا أستيقظ على صوتها وحتى لو عبرت ومَخَرتْ الدبابات من فوق جسدي كنت لا أستيقظ عليها لا هي ولا الصواريخ التي تمخرُ عِبابَ جسدي كما تعبر البواخر والغواصات من الخلجان والمضايق الضيقة جدا,وكنت أضع يدي تحت رأسي على وسادتي الزهرية أللون التي لا يمر عليها يوم أو يومين حتى تظهر عليها بقعة صفراء من دموعي وذلك حين أسمع أمي تتألم من ألم المفاصل أو وهي تندبُ بختها الضائع ,وكنت أشعر بالغيرة إذا رأيتُ رجلا في الشارع يمشي ومعه زوجته على يمينه أو على يساره لأنَ أمي كانت تمشي بنا في الشارع لوحدها ,وكانت تتشكل عندي قناعات من أن الله غير موجود في بيتنا ولو كان موجودا لَما سمح بالآلام أن تقتلنا جميعنا كما قتل مرض الجدري 90% من سكان جبال الأنديز أثناء الغزو الاسباني لهم في القرن الخامس عشر, وكان حين يهدي أي أب أبناءه أي هدية كنت أموت من الغيرة ومن القهر من غير أن ينطق لساني ولا بأي كلمة لا ولا حتى بأي حرف,وكنت أشعر بالغيرة إذا ضرب أي رجل أولاده وأتمنى لو أن أبي على قيد الحياة ليضربني أسوة بأولاد الحارة الذين كانوا يتعرضون من الآباء للضرب بهدف تربيتهم رغم أن أبي كان مثلي اليوم لا يمد لا يده ولا لسانه على أي أحدٍ من أفراد عائلتنا المتكونة من أمنا الشمس ومن أربعة نجوم وكوكبين,ورغم أن أمي كانت تعطيني كل شيء غير أنني كنت سأقبل من أبي بأي شيء مهما كان غاليا جدا أو رخيصا جدا جدا والمهم والأهم عندي أن يقدم لي أبي تلك الهدية,وكنت على استعداد أن أقوم بنبش قبره بيدي لأسأله لماذا تركتني وحدي؟ ولماذا تركتني للآلام؟ وكنتُ أزور قبره بين الحين والآخر وأسقي العشب الأخضر(العوصلان) الذي ينبتُ عليه إبريقا من الماء وكنت مثل أي باحث في مختبر كيميائي أضيفُ بعض القطرات على قبره من عيوني ليزداد الوضع سوءً أكثر من أي وقتٍ مضى وكان لا يشعر أي أحد بعمق الجرح الذي كان في كل ليلة يشق صدري إلى قلبي, وكانت جروحي من السهل على أي سكين أو أي قشة يابسة أن تفتحها وتتركها معرضة للهواء الفاسد أو النقي بأن يزيد من اتساعها كمان وكمان,وكنت وما زلت حتى هذه الساعة أبكي إذا تذكرت تلك المرحلة أو إذا شاهدت طفلا يتيما تعرض للضرب من أحد الأطفال فأعود من جديد إلى اليوم الذي مات فيه أبي وكأن هذا الحدث قد حدث اليوم وليس قبل ربع قرنٍ من الزمان.

ولم يكن لي إلا أب واحد وأم واحدة ورب واحد ولم يكن لي أي صديق يشاركني أفكاري ومخططاتي التنموية ولم أكن أتمتع بالطفولة العادية وحتى اليوم أحن إلى الحركات الصبيانية لكي أقوم بتعويض كل ما فاتني من حب وحنان وكنت حتى هذه اللحظة أشتاق إلى أن أعمل ما يعمله المراهقون وحتى اليوم ما زلت مراهقا وما زلت طائشا وهائما على وجهي.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنواع الإسلام
- ذهبوا كفارا وعادوا كفارا
- الضلع الأعوج والحب
- رسالة إلى صديقتي جانيت الحايك
- صعوبات في البلع
- العيشه تصعب على الكافر وابن الحرام
- على حساب الفقراء
- ماتوا اختصارا للشر
- آفاق
- أصل الانسان من حيوانات مختلفة
- أفكار غريبة عن المسيح
- مثلك مثل كل الناس
- الرب عام 2012
- أصعب شيء عندي
- أين ذهب حزب الوفد؟
- الموت في فصل الشتاء
- أبو يوسف السوري
- فكرة القومية
- 2011 سنة العجائب
- صناعة اللحوم


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - كنتُ وما زلتُ يتيماً