أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وليد مهدي - الطريق إلى بابل















المزيد.....



الطريق إلى بابل


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 14:02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عندما تدب نملة على جسد أفعى أسطورية ضخمة..مؤكد ٌ إن النملة َ لا تعرف ما معنى تلوي الأفعى..وزحفها الذي يجعلها تضطرب..فهي لا تدرك من أبعاد ذلك الحيوان إلا حدود المكان الذي تستقر عليه وتدركه..فهي لن تفهم البتة لماذا تلطمها أمواج جسمه محركة إياها..وربما راحت تعلل ذلك بقوة عشوائية عمياء...نقلتها من مكان إلى آخر...لكن...فجأة...يأتي طائر الفينق العظيم...ويحاول رفع هذه الأفعى...لكنه لا يفلح...ويحلق عاليا خالي الوفاض..إلا من النملة التي قررت التشبث بمخالبه لتتخلص من عالمها الذي لا تفهمه..فراحت تنظر مذهولة إلى الأرض وهي ترى الأفعى تتحرك بحركتها الموجية المتناسقة...المتتابعة....التي لم تكن تفهمها من قبل....و راحت تقول في نفسها..كم كنت نملة عديمة الحظ لأني لم افهم إن الأفعى كانت تتحرك...ولو تسنى لي الوقوف على رأسها...لكنت حظيت بأجمل نزهة في حياتي..!!

هذا هو حالنا بني الإنسان...ونحن نربض على جسد أفعى التاريخ...وهي تتحرك في أرضية الزمن....ونحيا بمناخ لا نفهمه...ونمقته كثيرا....لكنني قررت وفي مطلع دراستي للـ ( باراسايكولوجي) ...بان اجعل من شارد رؤى هذا العلم ونظرياته طائر الفينق...الذي يحلق بنا بعيدا في فضاء التاريخ مستلهما الحقيقة...كي نرى بوضوح...حركة التاريخ....وما أدراك ما حركة التاريخ ..؟؟

كنت قد نشرت سابقا...رأيي في ( حقيقة هذا العالم ) ...والتي استوحيتها من النظرية النسبية لاينشتاين فقط...ولم أكن بصراحة..قد اطلعت على رأي مذهب الفيدنتا الهندي...بان العالم لم يولد...ولم ..ولن يموت..!!

ولقد نبهني الأستاذ المحرر في مجلة " معابر" مشكورا على هذا في معرض هامش المقال، فمن حقيقة إن تاريخ الحضارات لا يموت وان أبيدت شعوبها وسحقت أعرافها وتبدلت تقاليدها..فان " الحضارة " رابضة وراء الزمن تفعل فعلها في حركة التاريخ من حيث لا ندري...فتقلبات الزمن تخضع لدوافع الماضي...لتصل إلى المستقبل..كتلوي الأفعى الزاحفة..حيث نجد في آخر الموجة فقط علاقة الماضي بالحاضر....وهنا...أقوم بالغوص في أغوار ثقافة العراق القديم...من منطلق إن فكر الحضارة لا يموت..كي اثبت إن هذه الحضارة ( بابل ومن قبلها سومر وأكد) بالتحديد لم تزل تبث نفحات فكرها بصورة سحرية من وراء كواليس الغيب...مؤثرة في فكر العراق الاجتماعي المعاصر وتغاير وتطور بيئته السياسية...بنظرية قد توصف بالتطرف...وقد توصم بأنها تحاول شرعنة الاحتلال بإطلاقها رؤية الحتمية القدرية التي جاءت بأمريكا لتكمل ليس إلا حركة التاريخ...وتعيد الديمقراطية إلى ارض الرافدين بعد أن بارحتها ما يناهز الأكثر من ستة آلاف سنة.!!

الإنسان....في العراق القديم

إذا أردنا معرفة قيمة الإنسان..في أي حضارة ما..قد يفيدنا أن ننظر إلى نظام الدولة....فقد كان الملك في بابل...يـُـصفـَع ُ على خده...من قبل الكهنة...أمام الشعب....ويجر بأيدي الكهان...ليعترف بخطاياه أمام الآلهة..ويضرب إلى درجة أن تسيل دموعه وهي علامة رضا الآلهة..؟ .[1]

وهي صورة...توحي بان الأبعاد السياسية لأنظمة الحكم وان كانت عسكرية فإنها لا تخلو من اعتبار رئيس الدولة وقائد الجيش...إنسان من عامة الشعب..يجري عليه ما يجري على البشر...وهو ما لم نتمكن من لمسه لدى أباطرة العالم القديم ...فعلى الرغم من إن الاستبداد تفشى في العراق القديم بعد فترة من انبثاق الحضارة السومرية...وبقت تقاليد الاعتراف صورية..إلا إن المؤرخ جاكوبسن يعتقد بان نص ملحمة كلكامش رغم بعض الصياغات الأسطورية فيه كان يحتوي على نصوص واضحة تشير إلى أول ديمقراطية بدائية في تاريخ الجنس البشري معروفة حتى الآن...فجاكوبسن يعتقد حتى لو كانت جلجامش كلها أسطورة...فمن أين جاء أهل العراق بقصة...مجلس الشيوخ...ومجلس الشباب الذي استشاره جلجامش الملك....لاتخاذ قرار الحرب..دفاعا عن الوطن..بعد أن رفض الشيوخ وهم أقلية.....قرار الحرب...ووافق عليه مجلس الشباب الذين يذهب جاكوبسن إلى إن النساء كانت فيه أيضا....حيث قرر الملك وهؤلاء الشباب الدفاع عن المدينة مهما يكن الثمن..! .[2]

إن هذه القضية بالتحديد...تدعونا إلى أن نسال..من أين جاءتهم فكرة الديمقراطية؟

وما هي حقيقة التنادي الحالي الذي يزعم إن الديمقراطية دخيلة ولا تناسب مجتمعاتنا الشرقية...بما فيها من مضامين تدعو إلى المساواة بين المراة والرجل؟

من أين أتت فكرة...اعتبار المرأة مخلوقا من الدرجة الثانية...وهو ما لم نلمسه في العراق القديم..بشكله الحالي اليوم..فقد كانت الآلهة كثير ٌ منها مؤنث.. في العراق القديم ...وأكثرها فيضا هي عشتار إلهة ُ الخصب...فأي قيمة للأنثى كانت في بابل...وأي ديمقراطية في بلاد يـُـصفـَع ُ فيها رئيس الدولة ..أمام الشعب في عيد راس السنة ليعترف بخطاياه لآلهة الأرض والسماوات أمام الملا ..؟؟

هل نحن أمام دورة طبيعية للمفاهيم والقيم...والتي طرأت عليها من التغيرات ما يناسب العصر...واحتفظت بقيم الإنسان وتقديره...كقرين للتحضر والازدهار كما حصل في بابل الأمس....وما جرى في الغرب اليوم..؟؟

لقد كانت بابل...حضارة فكرية...تقدس العلم والتعلم....وتعتبر إن العلوم والثقافة إنما هي ( إلهية ) المصدر.. .[3]..فأي حضارة تلك التي كانت تقدس القلم ؟

أي إنسان ذلك الذي كان يحيا في بابل...؟

إنسان القرن الحادي والعشرين اليوم...ورث اكتشافات مهمة...أثبتت إن العالم قائم على بناء سحري يدعى الذرة....ولم تكن كيانا مصمتا بل إنها تتركب من أجزاء أخرى أكثر تعقيدا...حتى وصل إلى نظرية الخيوط الفائقة. [4].والتي تعتبر حاليا على الرغم من عدم تأكدها بشكل قاطع الجسر الواصل بين الفضاء – زمن هذا البناء السحري الفيزياوي للوجود ( الانطولوجيا ) وبين عالمنا المادي..والذي هو بمثابة النهاية المفتوحة التي خلفها فكر العالم القديم " الكلمة " فالبابلي ببساطة تأمله التي استلهمها من بيئته الجميلة الغنية ...كان قد اعتبر....إن " الكلمة" هي أساس هذا العالم...وان الأسماء هي الأولى قبل أن تكون المسميات. [5].سابقا بذلك " التوراة " ...وماضيا...في مسيرة علمية خاصة قامت على السببية...وتمكنت من إرساء أولى الحروف الكتابية والأرقام في تاريخ الجنس البشري..كامتداد...متطور لإطار الثقافة الأسطوري...الذي كان محدودا بالضوابط هو الآخر....في إبداع جماعي...لم يترك لنا اسما بارزا كحال فلاسفة اليونان وأسمائهم اللامعة..أو علماء عصر النهضة الذين أضحوا في سماء تاريخنا كالنجوم....فحتى اليونانيين الذين كانوا يستشهدون بإنجازات من قبلهم...كانوا لا يذكرون شيئا عن أسماء علماء بابليين...وإنما كانوا يكتفون بذكر الكلدانيين أو الآشوريين...بدون إشارة إلى أشخاص.. . [6]؟؟

كان العلم في بابل جماعيا....كحاله التي يوشك أن يصل إليها اليوم...فتكنولوجيا اليوم تكاد تلغي الأشخاص...وتمجد المنظومات ( الشركات ) ...؟

إنها بابل العظيمة...التي ذكرتها التوراة...صاحبة البرج الشهير....الذي كان بحق ( كعبة ) العالم القديم...!!

نعم كان برج بابل هو الكعبة في تلك العهود...التي عاصرها إبراهيم النبي المولود في أور....ومن المؤكد...انه شاهد أو زار ذلك البرج أو النماذج الأولية عنه المتمثلة بالزقورة..وكان ذلك البرج المكون من سبعة طوابق بهيئة هرم يمتد إلى تسعين مترا في فوق سطح الأرض...كانت هذه الطبقات بعدد السماوات السبعة...وكان لكل سماء اله...علما إن تعدد الآلهة وورود نقاط الضعف فيها كما تروي الأساطير البابلية إنما يدل على إنها كانت بمثابة الملائكة في الفكر الإسلامي والمسيحي واليهودي اليوم....كان برج بابل رمزا للفيدرالية المقدسة التي بموجبها يجري الكون..!!

حتى إن الأساطير تروي إن العديد من البشر كان بإمكانهم أن يصبحوا آلهة.. فالبطل كلكامش كان ثلثاه إلهي وثلثه بشري. [7]!

وهذا يكشف النقاب أيضا...عن جوهر التأثير في الفكر الديني اليهودي...الذي كان نسخة مقلدة ً..بسيطة ليس إلا...عن منظومة المفاهيم الدينية المتطورة عن الفكر السماوي الفيدرالي( وإن لم تصح التسمية ) في بابل..والذي كان يحق للشعب بلوغه وارتياد مراتب الألوهية فيه كما حصل مع زيوسترا ( نوح البابلي ) بطل الطوفان وكلكامش..الذي أدرك في النهاية إن الخلود للمعاني والقيم..في صورة تظهر الفشل المادي..والنجاح المعنوي كقيمة تعكس المستوى الرفيع لحضارة العراق القديم والمبالغ التي بلغتها..!

هاجر إبراهيم من تلك البلاد كما أخبرتنا التوراة.ليختزل تلك الفيدرالية ..إلى نظام كوني شمولي...يدار من غرفة عمليات خاصة..جديدة...تسمى الكعبة...، وشاركه موسى النبي باختزال الآلهة إلى واحد....لا يمكن بلوغ علياء قدسه...أو السؤال عما هو عليه ...كمحاولات الإنسان البابلي الحرة في صياغة المعاني الشفافة للأساطير عبر الأجيال المتعددة في تلك الحقبة من فجر التاريخ الذي قال عنه المؤرخ نوح جريمر :

إن الــتـــاريخ بدأ بسومــــر..!

تلك البقعة بالتحديد من ارض العراق التي تم استيحاء اسم ( عراق Iraq ) من عاصمتها أور أو أوروك ( Uruk)..وأريقا ..التي توحي بتطور اسم العراق من أوروك [8]..!

لا أنكر إنني اكتب بــ(مرارة ) مثلما أشار إلى ذلك احد الأساتذة الأفاضل .. ما يشكل مدعاة انحياز إلى هذا الانتماء.. غير إني في نفس الوقت...أحاول قدر ما استطعت أن أكون متجردا ...بعيدا عن الهوى...وأتمنى من أخوتي المحققين تنبيهي للوقوف على أهم نقاط هذا الميل أو ( الشطح ) كي أضع كتابي بصياغة اقرب للحقيقة .

لا أريد أن أقول...إن ما فعله إبراهيم أو موسى...ومن بعدهم المسيح ..ونبي العرب محمد...كان خطأ...بل انه ربما كان العلاج الناجع مع أقوام لا متحضرة سكنت في شبه الجزيرة..واتتها الفرصة على حين غرة بانهيار الحضارات..التي غفلت عن كوامن قدرة هذه الكيانات البسيطة في الجزيرة العربية لبناء كياناتها الخاصة والتي كرست الأديان التوحيدية بالشكل الذي نراه...متخذة ذات طابع الإدارة الدينية البابلية أو السومرية والاكدية التي كانت ترمز السماء بشواخص أرضية مثل المعابد والزقورات وبرج بابل الشهير...وهكذا كان هيكل سليمان....وكانت الكعبة ...ولا بد لنا أن نعترف..إن التوحيد قد ساهم بدور كبير في تأسيس نظرة ( موحدة) للعالم...ومن ثم سياق موحد وثابت ومتدرج مع الزمن للعلم...وبذلك ندين بالتوحيد بوضعه أساس تحضرنا المعاصر..لكنني في نفس الوقت...أود بيان....إن العراقيين لم يكونوا وثنيين خرافيين قدر ما كانوا أقواما يقدسون الحقيقة...ويبذلون في سبيلها كل نفيس...ويدخرون لها الكثير من الوقت والمثابرة والعمل...ويتمتعون بروحية فكرية علمية تفوقوا بها على سواهم الذين اهتموا بتقديس الفرد الحاكم كثيرا وبنوا أمجاد الحضارات تحت ظلال سطوته....عكس ما نراه في بابل....الدولة العالمية العظيمة كما وصفتها التوراة...حيث كان هناك إنسان...ولم تكن مفاهيم الاستعباد الفكري (والذي يفوق بخطورته الاستبداد) مفاهيما تستحق التكفير والرجم...بل إن إبراهيم النبي كان ( يذكر ) تلك الآلهة بسوء...ولم يوجب رميه بالنار إلا بعد أن تطاول عليها بفأسه..متجاوزا حـــدود حريـــــة الاعتقاد إلى تجاوز ٍ على ما لدى الغير ..كما اخبرنا بذلك القران .!!

... فقد كانت هناك آلهة متعددة....وعلوم متنوعة مختلفة...مع إن تلك العهود لم تكن تخلو من أجواء ونظم " العسكرتاريا "..ومفاهيم الرق التي كانت تشكل عصب الحياة لأي حضارة في العالم القديم..لابل بدونها لن تكون هناك حضارة فيها خصوصا في عهود الحكام الكبار كحمورابي صاحب أول نظام دستوري وقانوني في تاريخ الجنس البشري...ونبوخذ نصر...فالطابع العام..الذي ترشح من كل ذلك التغاير والتنوع الظرف - معرفي..كان يشير إلى إن بابل...كانت حضارة روحية تهتم بالثقافة والمعرفة وتعتبر منها شيئا مقدسا !

المدارس في بابل ( حدود 3000 سنة قبل المسيح )

كان الطفل وفي سن صغيرة جدا...ينهض عند الفجر...وعليه أن يتناول الفطور الذي تعده له أمه...ويأخذ معه خبز الشعير للغداء..وإذا وصل متأخرا لصفه وجب عليه أن يندس بهدوء بين التلاميذ دون ألفات نظر المعلم..الذي كان من الممكن أن يوبخه أو يعاقبه بالعصا..في بعض الأحيان..كان لكل تلميذ وعاء لعجن الطين الذي يحوله إلى ألواح يكتب عليها بأقلام تنقش عليه حروفا مسمارية..يعاود التلميذ عجن لوحه إذا كتب عليه كتابة خاطئة ويفرشه من جديد..إن الفئة الاجتماعية التي كانت تتولى مسؤولية إلقاء الدروس في المدارس التي كان ينفق عليها ذوي التلاميذ هم " الكتبة " وهي شريحة اجتماعية ذات مكانة مرموقة في المجتمع البابلي ..خصوصا المتحدرين من سلالات ملوكية ، الصفوف كانت مقسمة حسب المواد الدراسية وغالبا لاتطرا التغيرات على مناهجها فهي متوارثة من أسلاف الكتبة ...ويبقى التلميذ في دراسته لسنوات عديدة.

يمتاز طابع التعليم في هذه المدارس ببعض الخصوصية النادرة...حيث يعهد بالتلميذ المبتدئ إلى تلميذ آخر متقدم عليه في الدراسة بمثابة الـ(المعيد ) في تلك المدرس يسمى ( الأخ الأكبر لذلك التلميذ ) ، وفي حالة ارتكاب التلميذ لأي مخالفات دراسية أو دخوله في شجار مع معلميه...فان المدرسة لن تسمح له بمعاودتها إلا في حالة...دعوة ولي أمر التلميذ للمعلم الذي حصلت معه المشكلة...إلى بيت التلميذ لحضور وليمة العشاء...وبعد أن يتم الصلح يرفع الجميع اكفهم إلى السماء ويرددوا :

المجد لنيسابا ..!

من هي نيسابا..؟؟

إنها إلآهة العدد ( مؤنث اله ) لدى البابليين ...وهي تختص بالعلم ...خصوصا العدد كما كان معتقدا في بابل القديمة...فأي أنثى كانت تربي الأطفال في بابل؟ ...بينما نابو بن( مردوخ أو ما يشتهر ببعل)..هو اله الكتابة ...حيث إن نابو هو الذي يكتب ألواح القدر التي يرسمها مردوخ لكل إنسان مطلع كل سنة ..إن اللغة السومرية سابقة للبابلية...وقد اعتبر البابليون من السومرية لغة مقدسة...وكان على كل " كاتب" أن يكون متقنا لهذه اللغة بالإضافة إلى اللغة البابلية..حتى انه وجد في الرقم الطينية في بابل العبارة آلاتية :

هل يكون كاتبا جيدا من لم يتقن السومرية ؟

لقد كانت الثقافة...والتعلم مقدسة لدى البابليين بشكل يلفت الانتباه ...حيث كانت هناك حكمة يتعلمها التلاميذ كثيرة الاستخدام كحال ( النظافة من الإيمان ) المتداولة اليوم....تلك الحكمة...في بابل القديمة كانت :

لا تهمل ثقافتك

مما يوحي بخصوصية الثقافة والتعليم في ذلك المجتمع إذ أن العلم إنما يأتي عن طريق الآلهة....والآلهة...كانت بوزن ( الملائكة ) التي يعرفها مجتمعنا الإسلامي اليوم...فلكل إنسان اله شخصي..حتى إنهم يعتقدون إن الإنسان ربما يصيبه المرض أو الموت إذا ما تركه ( إلهه ) كما ورد في النصوص المترجمة:

لقد غادر جسدك إلهك [9].



أسس الاعتقاد في بابل



والعبارة (لقد غادر جسدك إلهك ) ربما كانت تشير إلى قرين قريب لما هو متعارف عليه اليوم بــ( الروح ) ...حيث قد يكون المقصود...إذا ما غادر الروح جسمك ... لكنه لا يشير إلى انتقال إلى حياة أخرى وإنما زوال طاقة كامنة مقدسة في داخل الإنسان وهذا قد يتأكد من خلال تعدد النصوص التي توحي بان الآلهة أنصاف بشر تخطئ وتصيب في بعض الأحيان.

ويمكن أن نقرا ذلك أيضا في سطور ملحمة كلكامش إذ لا وجود للثنائية أو ما يعرف بالثنوية في إنسان كلكامش .. بل ثمة توازن وجودي عظيم.. فلا النفس مترفعة عن الجسد، ولا أدلة على وجود أي انتقاص من قيم الإنسان الرفيعة.

وهذا إنما يجيب على تساؤل العلماء الآثاريين والمحققين :

من أين جاءت للبابليين الملكة التجريدية في دراسة الرياضيات والفلك..؟؟

والجواب هو....اعتبار الحياة محل تحقيق ذات الإنسان....وليست مجرد محطة للعالم الآخر...كما تلا من مفاهيم أرستها الفسلفة الإبراهيمية في قلب الجزيرة العربية ...مما يعطي الحياة المكانة الأعلى...التي تستحق الجهد والمثابرة والعمل فقامت تلك الحضارة بأسس أولية ممهدة لقيام منطلقات الفكر في اليونان التي تأثرت بمصر أيضا...وكانت الحضارة الإسلامية...( سفير ) كل هذه الحضارات...لتنقلها إلى حضارة عصر النهضة الأوربية....حضارة الإنسان بأكثر نماذجها تكاملا في عصرنا الراهن...فتعدد الآلهة تحول إلى تعدد ثقافات...واعتراف الناس بالخطايا في بابل...أمام الآلهة...عم العالم اليوم بالاعتراف بقصور الإنسان...وهو ماثل أيضا في الديانة المسيحية بوضوح...وخلع الملك واعترافه بالقصور ..أمام الشعب..بات أكثر تطبيقا من مدة زمنية تتجاوز الدقائق المعدودة في بابل إلى ضلوع الشعب بتقرير مصيره نهائيا في هذا الزمن... خلاصة القول..إن الاعتقاد البابلي كان أكثر ارتباطا بالطبيعة من معتقدات التوحيد...وكان مؤطرا بالسببية التي ألهمت البابليين كما ذكرنا كل هذه النظرة التجريدية ... والرؤية العلمية وان كانت أولية لبناء الحضارة .



الديـــن في بابـــــل

يعتقد البابليون من خلال ما نقرأ من النصوص المنقوشة على الطين بان ( ابسو الأول ) هو الذي أنجب كل الكائنات..ومنها...مردوخ...أو بعل...والإلهة تيامات …التي أنجبت وحوشا مخيفة عددها احد عشر وحشا…بالإضافة إلى زعيمها…ومن الملفت للنظر إن أشكالها تتصف بأنصاف الوحش والبشر…بصورة تقارب الأبراج الفلكية التي نعرفها اليوم ومنها على سبيل المثال…الوحش نصف المعزة( الجدي) والوحش نصف السمكة ( الحوت) والوحش نصف الأسد..ونصف العقرب.

تقول الأساطير البابلية…إن معركة حدثت بين تيامات ووحوشها من جهة …وبعل أو مردوخ العظيم من جهة أخرى…وكان النصر حليفا لمردوخ…حيث قتل مردوخ (كنجو) زوج تيامات….وقطع رأسه…ومن دمه الذي سال على الأرض….خلق بعل…جنس بني الإنسان..!!

إنها نفس العجلة…الخلق من الخطيئة.. وبعدها ثبت مردوخ أو بعل السماوات والكواكب وأمر اله القمر أن يحدد الشهور.

إن أسماء الآلهة وقصصها كانت تتطور بمرور الأجيال في بابل…وأضحت الإلهة ( عشتار ) ابنة السماء أو الإله الأول معروفة بإلهة الخصب في بابل.



قصة الطوفان في التراث الــبــابــلي الدينـــــي مشهورة أيضا …وبطلها يدعى

( زيوسترا) وهو نـــوح البابلي …ولا يختلف عن المروي في التوراة والقران سوى بأنه في بابل أصبح من الخالدين بعد نهاية الطوفان هو وزوجته والربان . [10] .





قيمة " الكلمة " في الثقافة البابلية



تورد لنا آثار الكتابة المسمارية :



عندما لم يكن للسماء اسم بعد

عندما لم يكن للأرض تحت السماء اسم بعد..



وتسترسل الأسطورة البابلية التي تحدد الأشياء بظهور " الأسماء " فالاسم هو الذي يعطي الدلالة والقيمة للشيء..وكون السماء لم يكن لها اسم بعد…وكذلك الأرض فان ذلك إنما يشير إلى انهما غير موجودتان …والكون كان في مرحلة تعرف بــ ( العماء ) . [11]

ولعل افتتاحية التوراة في سفر التكوين " في البدء كانت الكلمة " ...إنما يشير إلى أي مدى تأثر الفكر الإسرائيلي بالفكر البابلي...إن لم يكن نسخة محورة عنه أصلا...فهناك من الآثار ما تدل على إن الإنسان البابلي الذي لا ينظر للعالم النظرة الثنائية ..كان يعتقد...إن الكلمات...والأرقام...مقدسة...وهي من خصائص ونعم الآلهة..التي تتداخل في صراعات " ما ورائية " لتنجب الأحداث الكونية..وكان الإنسان هناك يعتقد..بان ذكر الكلمة وحده...يعني تجسيد ما تشير إليه وكأنه حقيقة...وهذا يثبته أيضا نظرته للأحلام على إنها حقيقة كما سنعرض ذلك لاحقا..بل إن الرقم الطينية كانت تشير إلى إن العرافين كانوا يحدثون كل الأشياء ويتعاملون معها على إنها ذوات تحمل خصائص معينة من خصائص الحياة...كقفل الباب...والشباك على سبيل المثال....وكانوا حريصين جدا على استعمال الكلمات..في المحل المناسب...والا كان لذكر الكلمة عواقب لا تحمد..بمعنى أكثر وضوحا....كان هناك تداخل ٌ بين العالمين المعنوي والمادي...ولو تعمقنا في الدراسة أكثر ...نفهم ما كان يقصده أفلاطون بقوله :



هذا الكون..ليس بمادة…ولا روح…انه " هيولي " محايد



وهذه بالضبط…كانت الأسس المعرفية…لإنسان مابين النهرين..الواثق من ذاته والذي واجه الغيب بالتفكير السببي …ولم يعط المجال للفصل بين العالمين..أو وضع خطوط حمراء لايمكن اجتيازها .. مما أدى إلى نشوء طابع خاص بتلك الحضارة... امتاز بالإبداع الجماعي..وتقديس المعرفة والحياة .. والشعور بقيم الإنسان العليا لان الآلهة نفسها كانت شبيهة به وتحمل الكثير من صفات الإنسان..لهذا السبب...فالكلمات كانت لا تختلف عن قيم المادة في بابل..وهو مستوى ( تصوفي ) غير مسبوق في كل ثقافات الجنس الإنساني...لايمكن قياسه حتى في عصرنا الراهن..إلا بدراسة حياة المتصوفة والرهبان...التي كانت تؤمن بالكلمات والإيحاء إيمانها بالمادة...!!

السحر البابلي

لقد كان السحر في بابل…الإطار العلمي الذي ترتكز عليه تلك الثقافة…فهناك كانت أيضا " شعوذة" يحاسب عليها قانون حمورابي..وهي كانت مفصولة عن السحر…الذي كان يعتبر علما ولو بإطار ضيق محدود يعتمد على ممارسات السحرة وأقوالهم وتنبؤاتهم …فالفكر البابلي…كان مبنيا على (مبدأ السببية )..حتى إن الملوك كانوا يعترفون بأخطائهم أمام الناس في عيد راس السنة...ومبادئ الاعتراف هذه إنما توحي بما لا يقبل الشك إن الإطار العام للفكر البابلي كان يؤمن بالسببية إيمانا مطلقا كونه تمكن من الوصول إلى أفكار السلطة الحاكمة في البلاد.

كذلك العوام...كانت تعترف بالأخطاء...كما في المسيحية... وكانت هناك قوائم للكهان يسالون بها العامة...مثل " هل ارتكبت جريمة أو سرقت أو فعلت ما يغضب الآلهة؟" ....ولهذا...فان السحر والعــِرافة البابلية مبنيتان على مبدأ السببية أيضا...فقد كانت الآثار تشير إلى تنوع أساليب العرافة...وتطورها...انطلاقا من هذا المبدأ...بشكل يوحي...بوجود إطار ٍ شبه علمي للسحر.

كانت مهنة العرافة في بابل...كمهنة المستشارين الحكوميين الآن ..وكان العرافون مهتمون بالقضايا الفلسفية وخصوصا الكلدان الأقدم بين البابليين ...لقد كانوا يشكلون طبقة شبيهة بطبقة كهان مصر وكانوا بارعين في الفلك والتنجيم والتنبؤ بالمستقبل..ولم يكن يجوز اتخاذ أي قرار يخص البلاد ما لم يكن في الإمكان اتخاذ فعل مناسب أو استشارة مسبقة للعرافين تنير المسيرة التي ينبغي سلوكها.

كان العرافون...يتبعون طرق متعددة في العرافة....ومنها الفأل [12] ( العلاقة بين الأحداث) أو ما يعرف بلغة عصرنا الحالي في الباراسايكولوجي باسم :التزامنية .

التزامنية ±

كان العرافون يتابعون أحشاء الحيوانات...وخصوصا الكبد..ولا زلنا لليوم نردد " أصاب فلان كبد الحقيقة "..كذلك طيران العصافير...وتحليق الطيور...ومرور الكلاب أمام مواكب الملوك...وتحليق النسور في منطقة....كلها حوادث كانت تسجل....وتقارن مع حصول حوادث معينة في المدينة كحلول وباء...أو ذهاب العسكر للقتال...وبتكرار اقتران هذه الحوادث المتزامن كان الكهان يدونون ذلك على أساس انه علم بالقضاء والقدر الذي يكتبه مردوخ وابنه نابو..الذين كانا بمثابة..ملائكة اللوح المحفوظ في الفكر الإسلامي الشائع اليوم ..ونظرا لكون الإطار الفكري للبابليين كان معتمدا على السببية....فان لكل كاهن كانت قوائمه وتفسيراته الخاصة المبنية على ملاحظاته ومعارفه المكتسبة. [13]

الأحلام±

اعتبر البابليون..الأحلام..حقيقة...!

وذات تماس بعالم الآلهة..فكان الملك يطلب من الرائين..أن يضعوا أنفسهم في حالة استلام الايعازات عن طريق الأحلام وكثيرا ما كان يجري ذلك في المعبد لذا كانوا يلجأون أحيانا إلى استعمال...بعض المواد المخدرة والعقاقير...لتحقيق أوضح وأعمق قدر من الرؤيا أو الحلم في حالة اليقضة.. [14]..وهذه من الممارسات التي تمارس اليوم ضمن إطار الباراسايكولوجي...وهو علم لم يكتشف إنسان القرن الحادي والعشرين أسراره بعد..؟؟

فهل كان البابليون...قد وصلوا إلى فك العديد من أسرار ذلك العلم قديما...خصوصا وان التاريخ وآثاره يقول إن السحرة والعرافين كانوا بمكانة متميزة...وكانت اغلب تنبؤاتهم صحيحة...وإلا ما كانوا ليحافظوا على قيمة الساحر في الكيان السياسي للدولة كل تلك القرون العديدة.



الرياضيات والزمن ±

يقسم اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة فقط...كل ساعة تعادل ساعتين من زمننا نحن...والى دقائق أيضا تعادل كل دقيقة دقيقتين من التي نعرفها اليوم....والبابليون أول من استخدم بذلك الثانية...كستين جزء من الدقيقة..تعادل ثانيتين.....والغريب إننا لم نزل نستخدم....اثنتي عشرة ساعة في ساعاتنا...؟

انـــــه ميراث بابـــل.....تلك العظيمة التي لم تزل بانتظار من يكشف باقي أسرارها.

وكانت السنة البابلية 360 يوما...وكانوا يستخدمون شهرا إضافيا....بعد مدة من السنين لموازنة السنة مع فصول الحصاد واعتدال الربيع الذي يكون في نيسان.

النظام الستيني المستخدم في بابل....كان سومريا بالأصل..وهو نظام خليط بين العشري والستيني...وكانوا يسمون بالأرقام على عدد أصابع يد واحدة....أي خمسة...أما الرقم ستة...فهو خمسة زائدا الواحد....حتى العشرة التي لها اسم...والعشرون هي " عشرتان "...وهكذا للمئة....لها اسم....والألف كان له اسم أيضا..كما وتوصلوا إلى حساب الوتر القائم بما يعرف بنظرية فيثاغورس اليوم..وكان المهندسون البابليون بارعون في هندسة البناء خصوصا الأبراج والقصور والمعابد...حيث كانت تستخدم رياضيات هندسية بسيطة...نقلت عبر الحضارات...كأسس أولى لأبجدية المعرفة الإنسانية الحالية [15] .



منظومة الفكر البابلي...وتأثيرها في فكر العراق الحديث

هناك نظرية قد تبدو غريبة...تخالج فكري راشحة من كل هذا الغوص في أعماق التاريخ الثقافي للعراق القديم..وهي إن المنظومة الثقافية الفكرية المتكاملة...لا تخترق...أو ...لا تفنى بقوة خارجية...كما حصل مع بابل..التي باتت من وراء العالم غير المنظور تحاول فرض وجودها في العراق من جديد..!!

سبق وان كانت لي محاولة سابقة...كنت قد استوحيتها من نماذج الكون المزكرش التي جاءت بها النظرية النسبية لاينشتاين والذين طوروها من بعده وتوصلت من خلال " الدخول إلى فضاء العقل الكوني " ...إن الوجود يدخل ضمن إطار ما يعرف بوهم العالم المشتمل على وهم يدعى الولادة...وآخر يدعى الموت...

تؤكد أحداث التاريخ إن بابل بعد سقوطها بيد كورش الفارسي تحولت ثقافتها وتجريديتها إلى فارس...التي على ما يبدو كان شانها ( تحوير ) الصيغ الحضارية المجاورة ضامة ً إياها إلى حضارة جديدة..كوليد بين حضارتين ، كما فعلت مع بابل قبل أكثر من ألفي سنة..والإسلام الذي طورت عنه الصيغة الفارسية الجديدة...المتمثل بــولاية الفقيه الخمينية..التي رشحت من خلال اللاشعور الجمعي الفارسي الرامي لتأسيس فارس الجديدة...بقوة باطنية دفينة...من اللاوعي الاجتماعي العام ...الذي نجح على ما يبدو...بإحياء التحرر في الطقوس والعبادات...وإعادة إنشاء ( المعابد ) في بلاد الرافدين وفارس على نسق جديد...هجين...من كل التداخلات والتطورات التي مرت بدءا من بابل...مرورا...بالمجوسية وزرادشت....فالإسلام.....فالصورة الحالية للمذهب الجعفري...في العراق خصوصا...مزارات الشيعة التي هجنت بين المسجد والزقورة...لتخرج أضرحة الأولياء فيها....ألاثني عشر..تقضى عندهم الحوائج ..وتحصل على أيديهم المعجزات الخوارق كما في حي ( رد الشمس ) في(الحلة) وهي التسمية الحالية لمدينة ( بابل) التاريخية حيث يعتقد إن علي بن أبي طالب تمكن في تلك البقعة من إيقاف الشمس ..والزمن...وكأنه جعل الأرض تكف عن الدوران لدقائق..كأنه مردوخ أو بعل الإله في صياغة..أسطورية تذكرنا بكلكامش أكثر من كونها تصف لنا رابع الخلفاء الذي مات بضربة سيف على رأسه في مسجد الكوفة ...!

إن هجرة إبراهيم النبي من تلك البلاد إنما يشير إلى قوة هذه المنظومة...فلم تنجح الفلسفة الإبراهيمية التوحيدية....إلا في مناطق " قابلة " للتوحد لما تتسم به طبيعتها الاجتماعية البسيطة القبلية التي تقدس التسلسل....هذا التوحد...الذي أنجب ديانة التوحيد في نطاق العائلة " بني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم السومري " ...التي تمخضت عن بناء شجرة تدعى " بني إسرائيل " في ارض الكنعانيين ( العرب ) ...وقبيلة عربية أخرى في أغوار الجزيرة العربية تدعى " قريش " ...في سابقة تاريخية خاصة ... وغريبة على تطور الثقافة الإنسانية..." ثقافة السلف "...أو " الثقافة العائلية المنهجية " ...أو " ثقافة المنهج العائلي " إذا صحت التسمية ...كمنظومة جديدة....تمكنت من الانبثاق في قلب الجزيرة العربية...كحامض نووي ثقافي (DNA ) كامن في رحم الصحراء وجبال الزيتون...بانتظار اللحظة التي يتكاثر فيها هذا النسيج المنهجي البسيط إلى ثقافة .تمكنت بعد دخول( كورش) إلى بابل .. وإسقاطها...وإحراقها...إلى فتح عهد جديد...لم يكن ليطل برأسه حتى... أيام بابل العظيمة ..!!

هذا المنهج..التوحيدي المبني على ثقافة السلف لم يكن ليعم إلا بنطاق محدود تمثل بثقافة المنهج العائلي ( إسرائيل ) التي دخلت بمشاكل مع حضارات بابل ومصر المزامنة لها والمنهج القبلي ( قريش ) ..التي تمكنت في عهد بني العباس عم الرسول محمد من أن تحكم نصف الكرة الأرضية ...بفكرة التوحيد..وجعل الآلهة إلها واحدا...ربما كانت..ضرورة لبناء عصب الفكر الإنساني...لكن بابل كانت بحق منظومة الفكر التي لا تقهر...إلا بالسيف..وربما بالابادة الشاملة...حيث سنلاحظ من خلال العرض المقبل...أن لا توجد أي آثار للثقافة البابلية ونمطية التفكير البابلي من نمطية شبيهه...إلا لدى " اليهود" والرهبان....ومتصوفة الإسلام ..فقد كان مستوى ثقافة الفرد البابلي البسيط يفوق مستوى ثقافة الفقيه الإسلامي أو الكاهن اليهودي ...ويستشف ذلك من خلال الإطار الفكري العام للثقافة البابلية ألا وهو :

شخصية ثقافية عالية الثقة بالذات في رؤية العالم ومعرفة الحقيقة..هذه الشخصية الثقافية..التي تتصل بالآلهة كل لحظة...عن طريق الشخص نفسه أو عن طريق كاهن معين يختاره الإنسان لا على التعيين ولا وفق ضوابط خاصة كما في الإسلام..وغياب الاعتمادية الفكرية التي تفرضها الوصاية الإسلامية من قبل " اُولي العلم والأمر " في الإسلام..أو اليهودية التي كانت اقرب لتلك الشخصية الثقافية بفعل كثرة الكهان والرائين وتعدد الأنبياء..بمعنى أكثر وضوحا..كانت النبوة..سمة ثقافية في بابل يحوزها الكثير من الناس..واقصد النبوة بمعناها الخارق في الديانات التوحيدية التي دعت للإله الواحد ...ولهذا..فانا أضم رأيي إلى رأي عالم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي في كتابه المشهور عن دراسة المجتمع العراقي إذ يصف غالبية الشيعة...وكأنهم سكان العراق الأصليين ( الجذور البابلية ) وان غالبية أهل السنة هم من المهاجرين من صحراء الجزيرة ( الجذور الابراهمية..الإسماعيلية..البدوية ) ..حيث تقترب مفاهيم الشيعة كثيرا من المفاهيم الأسطورية البابلية...لكنها في نفس الوقت تفتقر..إلى الشخصية الثقافية البابلية...غير الاعتمادية...فالشيعة اعتماديون بثقافتهم أيضا...كونهم مسلمين...ومتأثرين بالاحتكاك مع المواريث القبلية الصحراوية ...مع ذلك...ففي الفكر الشيعي...بقي الوحي مستمرا ولم ينقطع بوفاة الرسول...لابل انه باق ٍ حتى اللحظة...عن طريق شخصية جديدة...تفوقت حتى على كلكامش بادراك الخلود......انه....( محمد بن الحسن المهدي ) الحامل للرقم 12 من أئمة أهل البيت..هذا الرقم البابلي المقدس ...حيث كان اليوم مكونا من اثني عشرة ساعة فقط....لم نزل لليوم نستخدمها في ساعاتنا..في كل الكرة الأرضية؟؟



الرقيم البابلي الطيني....المقدس...وتربة كربلاء..؟؟



ما قصة الألواح الصغيرة الطينية المقدسة لدى الشيعة...التي تسمى بتربة الحسين...وهي قطع مصقولة من الطين مأخوذ من منطقة قريبة جدا من بابل..تدعى ...كربلاء..؟؟

كان البابليون يحتفلون بأعيادهم بطرق غريبة وسنورد المثال آلاتي :

كان هناك رقيم طيني يشير إلى تعالي أصوات البكاء والنحيب عند الأهالي، ونشوب فوضى تبلغ أشدها، وينشب عراك في أماكن عديدة، وتندفع عربة بعل مردوخ بدون سائق بسرعة إلى بيت اكيتو، وان احد المجرمين يتخفى بلباس الملك وتطلق يده حرة للعبث في المدينة. وهذه هي بالتأكيد تجليات للهستريا والفوضى الجماعية التي ربما كان مبعثها محاولة خلق صورة فوضى التي تعم الكون بسبب اختفاء الإله. وبعد مغيب الشمس بثلاث ساعات يستدعي رئيس الكهنة حدادا وثلاثة صناع مهرة وحائكا ويعطيهم عددا من الجواهر وذهبا من خزينة مردوخ، فيصنعون تمثالين لاحتفالات اليوم السادس من أيام العيد ويعطى الكاهن الأكبر الإله بيل ابتداءا من اليوم الثالث وحتى السادس قطعا من لحم الغنم المذبوح قرابين للصناع الذين كانوا يطعمون خيار لحوم الأضاحي، أما الكتف فهو من نصيب الحفار[16] .







نظرية هذا البحث في هذه السطور تقول :

إن هذا كله...ناتج عن اللاوعي الجمعي الإنساني...الذي لم تزل بابل في مسلسل أوراق سفره منقوشة ٍ بحروف الخلود ....لا تاريخ أقلامنا التي تصورت إن بابل ماتت ... عندما أطلقت التوراة صرختها المدوية :

سقطت...سقطت..بابل ..!!

بابل لم تزل تتحدى التوراة..وتتحدى منهج التوحيد.. عن طريق نسج الخيال الأسطوري لإنسان العراق الذي طرأت عليه التغيرات وتطور بمرور الزمن بتغير المسميات لكن ميول ألتاليه...والتقديس...برسم الفدرالية السماوية المقدسة باقية في رمزية جديدة مستعارة عن ابسو...وتيامات ألام...ومردوخ الابن...وعشتار...إلى منظومة ...محمد...وابنته فاطمة..وابن عمه علي..بذات التسلسل العائلي لآلهة العراق القديم..حيث تمتد سلسلة ألاثني عشر إماما الذين لم تنقطع عنهم الملائكة...والروح...وجبريل...لابل...هناك كلكامش الشيعة الذي حاز على الخلود...ولا زال في الخفاء...ينتظر ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا..كذلك الكرنفالات السنوية بالاحتفالات المصحوبة بالبكاء والنحيب حزنا على فقد الإله البابلي ( أو الحسين ) ..في مشاهد احتفالية تعكس العمل الجماعي ونحر الأضاحي بصورة غريبة...وغير معقولة حيث تسقط الرأسمالية يوم العاشر من المحرم ولا يبقى جائع في العراق في مراسيم (طبخ الأكل ) في عزاء قتل الحسين...والتي قد تصيب ماركس بالذهول وهو يرى العراقيين يطبقون الاشتراكية المطلقة في يوم واحد من السنة ....في مفهوم تلتقي فيه كل ديانات التاريخ التي تعلقت بها آمال الشعوب...بإطار ميثولوجي...يتأتى من رواسب قديمة كنا نضن إنها اندثرت بظهور الفكر الإسلامي في العراق...لكنها لم تزل تخفق بأجنحتها على آمال إنسان ما بين النهرين...الذي يلطم الخدود ...ويشق الجلود....حزنا...مشوبا بالآم كربلاء...كرمزية لا واعية على فقد ( بابل العظيمة ) ..التي سماها اسما آخر ..وهو " كربلاء " التي يقدس طينتها...وبطلها الأسطوري العظيم ( الحسين ) الذي يعتقد الشيعة أن تحت قبته يستجاب الدعاء....نعم....إن من مثل بابل...تستحق كل هذا العويل...والألم.!

إن أي متابع لتلك الطقوس...وكذلك الطبيعة السيكولوجية للفرد العراقي...وسكان الجنوب بالتحديد ( حيث العراق القديم ) ...وعندما يحلق عاليا في سماء الزمن متشبثا بمخالب طائر الفينق العظيم ...مراقبا لأفعى التاريخ..وهي تتحرك...لابد أن يجد...إن سمات العراقي القديم واضحة في العراقي الحديث...وبالتحديد سكان الجنوب...الذين لا يزالون يعتزون بالطين...وقد استبدلوا الحروف العربية بدل المسمارية...وكتبوا عليها أسماء جديدة تقترب كثيرا من نسق منظومة الآلهة القديمة...وهذا إنما يشير إلى الطابع الحضاري الكامن ...المتأصل في هذا الإنسان إلى درجة نادرة التكرار في أمم أخرى..!


********

المصادر:

1. حضارة العراق- نخبة من الأساتذة. ص24

2. د.عامر سليمان،احمد مالك الفتيان / محاضرات في التاريخ القديم ، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر / جامعة الموصل/العراق

ص64-84


3. مارجريت لوثن -( علوم البابليين ) ، بترجمة الدكتور يوسف حبي / سلسة الكتب المترجمة الرقم 91، ص 5-132 . (بغداد 1980 )


4. انظر تفاصيل هذه النظرية فيhttp://www.superstringtheory.com/index.html


5. مارجريت لوثن / علوم البابليين


6. نفس المصدر السابق


7. مجلة أثرى الالكترونية الثقافية/ العدد الثامن/ المنظمة الآشورية الديمقراطية


http://www.ado-world.org/pub/athra-08.htm


8. د.عامر سليمان/محاضرات في التاريخ القديم .


9. مارجريت لوثن / علوم البابليين

10. نفس المصدر السابق .

11. نفس المصدر السابق.

12. نفس المصدر السابق.
13. نفس المصدر السابق.

14. نفس المصدر السابق

15. نفس المصدر السابق

16.حنا عبد الأحد روفو ،الأعياد الدينية في العراق القديم وكيفية الاحتفال بها/ مجلة (المثقف الكلداني) التي تصدر عن الجمعية الثقافية الكلدانية –عينكاوة، 2001.

******************

البحث منشور في مجلة علوم انسانية http://www.uluminsania.net
تحت عنوان :

من عصور الكلمة في بابل إلى عصر القرية العالمية

السنة الثالثة: العدد 25: نوفمبر (نوفمبر) 2005 / - 3rd Year: Issue 25



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيناريو الروسي لحرب الشرق الاوسط
- سوريا قاعدة للجهاد الاميركي الجديد !
- بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ
- البحث عن ملكوت الله (3)
- الإلحاد المزيف و المعرفة
- البحث عن ملكوت الله (2)
- البحث عن ملكوت الله (1)
- من يقود الحرب الامبريالية ؟ آل الصباح وشل الانجلوسكسونية اُن ...
- الوعي الثقافي الإنساني من ديكارت إلى ما بعد الماركسية
- الروحانية و العقل Spirituality and Mind
- الانوثة والروحانية Femininity and spirituality
- النبوة و العقلانية Prophecies and Rationality
- ثوار النيتو .. غرهم في - اميركا - الغرور
- وحيٌ من جهة موسكو ! تجربتي مع الزمن
- التاسع من اكتوبر
- متى ستنتهي الرأسمالية ؟
- العلم ورؤية في مستقبل الحضارة ..
- القومية والنجم الثقافي الإسلامي الجامع
- اغتيلَ المهدي .. وصح النوم يا وطن !
- فيزياء العالم الآخر - ج 2


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وليد مهدي - الطريق إلى بابل