أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - البحث عن ملكوت الله (1)















المزيد.....

البحث عن ملكوت الله (1)


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3569 - 2011 / 12 / 7 - 09:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



إهداء للاخوين وليد يوسف عطو ، وغالب عوالا ....
مع تقديري العميق


(1)


الإلحاد لا يعدو أن يكون مجرد " نظرية " ..

كذلك الإيمان بوجود إلهٍ واحدٍ أو عدة آلهة ، هو الآخر مجرد " نظرية " ..

وليس من الحكمة او العقلانية الانحياز إلى واحدة من هذه النظريات ابداً ...

لا يمكن لأحد ان يثبت وجود خالقٍ للكون ، في نفس الوقت الذي لا يمكن ان ينفي ذلك ، والسبب ببساطة يعود إلى ان العقل والوعي لدى البشر إنما ينبثقان ضمن إطار ما هو مخلوق .. ليس في ملكات العقل الإنساني ما يدل على إنها مجردة عن وقائع الخليقة وسيرورتها حتى تكون حكماً نزيهاً يمكنه البت في امر وجود الله من عدمه ..

رغم أن القرآن احتج بالعقل كدليل على"الإيمان" ، لكنه مجرد " إيمان " ، حالة من الإطمئنان الباطني العميق " اللايقيني " ..

كذلك العلم الحديث ، هو الآخر احتج بالعقل وأدواته التجردية في الاستدلال مثل التجربة المخبرية و المعادلات الرياضية كدليل على نفي " حجج " الاديان في خلق العالم بستة ايام او خلق الإنسان من الصلصال ، لكنه يبقى فاعلاً فقط ضمن إطار ما هو مخلوق وآليات خلقه ..

لا يستطيع العلم اجتياز ما وراء الخليقة كي يقر بواقعية " التحول " الذاتي الاعمى غير الواعي ( غير الحي ) للطاقة الازلية قبل ظهور الكون ، أو حتى يرسم الكيفية التي يمكن ان ينشأ منها الكون من العدم ، مع إن العدم بمعناه الفلسفي القديم غير موجود فيزيائياً ، لكن حل " الزمن " محله ، فاصبح الفيزيائيون على قناعة بأن الكون يبدأ بالزمن .. وكل قياس علمي لابد ان ينطلق من " زمن بلانك " وهو اقصر مدة زمنية ابتدأ بها الكون ممثلة في جزء من مليارات الاجزاء من الثانية !

( ومن غير المقبول مجرد افتراض وجود شكل للطاقة " خارج الزمن " لدى اغلب اهل الفيزياء مع انه معقول جداً كفرضية ناقشناها في موضوع ( فيزياء العالم الآخر ) باعتبار ان متصل الفضاء زمن يمثل الكيان الكلي للخليقة الذي يحتمل ان يكون جاء من " مصدر " آخر وليس بالضرورة ان تكون الطاقة بشكلها الكهرومغناطيسي ازلية سرمدية وضربنا الامثلة عن وجود شكل " مخفي " لطاقة ما وراء الزمان – المكان او الفضاء – زمن ( الزمكان ) )

فالخالق إذا ما وجد .. فهو يقع للخارج من هذه المنظومة ، لا احد يستطيع ان يقدر بصفة يقينية قاطعة ما اذا كان هناك من خالقٍ ما وراء الخليقة ام لا .. وموضوعة " البعرة تدل على البعير ، اي الكون يدل على وجود من خلقه " لدى اهل الايمان ، وكذلك " أزلية الكون وعدم حاجته لخالق ، لانه ما دام لا وجود لخالقٍ آخر للخالق .. فهذا إنما يدل على عدم وجود خالق للكون الخالق ! " كما يراها اهل الإلحاد ..

هذه انما تعبر عن صراع فكري وتخندق ايديولوجي اكثر منها مقاربات معرفية ..

الإشكالية التي طالما حاولت التعاطي معها طيلة سنواتٍ مضت هي اقتصار العلم في بحث نظرية الإلحاد ومحاولته تأكيدها ..

و كأن العلم يرى بعينٍ واحدةٍ فقط ، هي عين الإلحاد ..!

أما الدين ورجال الدين ومنطقهم الارسطي المدرسي الهزيل فهم يحاولون ايجاد " ثغرات " في العلم تكون بمثابة الدليل على بطلان فكرة الإلحاد وواقعية ان تكون نظرية التطور نظرية باطلة ... حتى إن الصراع بين اهل الإيمان واهل الإلحاد يكاد ان يدور فقط حول من يستطيع نفي او اثبات نظرية التطور ، وكأن من خلق الكون او دبر شوؤنه لا يمكن الاهتداء إليه إلا عبر القرآن والتوراة والإنجيل أو عبر أية رسالة سماوية تخبرنا بأن آدم مخلوقٌ من الطين مثل آنية الفخار !

وهم بذلك لا يختلفون عن أهل الإلحاد في شيء ، هم يبصرون الحقيقة بعينٍ واحدةٍ فقط ، العين التي تؤمن بحصر العقل والمعرفة بكتاب سماوي مقدس هو وحده يكون دليل " العقل " للخالق !

في هذه السلسلة ، ساناقش وبمنطق علمي " بحت " نظرية وجود الخالق وملكوته ماوراء العالم المادي المحسوس الذي نعرفه ( وليس ما وراء الخليقة بشكلها التام ) دون ان تكون النصوص السماوية المقدسة رائداً ودليلاً ..

سنعتمد على المعطيات العلمية فقط ، اي إكمال مشوار المعرفة لكن نحو الطريق " المهمل " الذي اهملته الفيزياء منذ اربعة قرون والذي لا تحاول علوم الاجتماع والسيكولوجيا الخوض في اعماقه اليوم ..

علماً ان هذه الدرب مهملةٌ ايضاً ومحرمٌ الخوض فيه حتى من قبل رجال الدين بمختلف انتماءاتهم عبر العالم ، لان النصوص المقدسة وحدها عندهم من تشكل الدليل إلى الله ..!

لذا ، ما اود أن اؤكده في مطلع هذه السلسلة إنني لا ادعي بطلان النظرية الثانية .. نظرية الإلحاد ..

لكنني فقط اطرق " الاحتمال " الآخر للمعرفة .. فيما لو كان الخالقُ موجوداً .. فهل يمكن الحديث عن " ملكوت " او عالم مصدري اصيل صدر منه هذا الكون قبل ان يبدا الزمان ؟

خصوصاً وان الاديان جميعاً تتفق وبتعدد مذاهبها الروحية وتجربتها العرفانية الباطنية بأن هناك عالمٌ آخر ، لا يتحدد بالزمان او المكان ..

فقد لا يكون الله موجوداً ، لكن ، ماذا لو كان ...؟؟

كيف هو شكل العالم ما وراء المادي ، اللازماني واللامكاني ، الذي ادعت كل الاديان وجوده بل وقامت على اساسه .. ؟

كيف يمكننا وصفه اعتماداً على آخر ما يمكننا تحصيله من معرفة ..؟

هذه السلسلة ببساطة ستكون مهمة لذوي الميول الموضوعية في المعرفة ، من يقصدون الحقيقة بتجرد عن اي خلفية عقائدية او ايديولوجية مسبقة ، ممن يقبلون دراسة المسارين سوية ... طريق الإيمان وطريق الإلحاد معاً ..

هي دعوى للرؤية بعيني العقلانية المجردة النقية .. وليس بعينٍ واحدة ..


(2)


أحد النصوص المقدسة تحكي قصة ملكوتية بالغة الاهمية عن " العقل " ..

اذ تقول بأن الله حينما خلق " العقل " قال له اقبل ( اي تعال ) فاقبل .. ثم قال له ادبر ( اي اذهب ) .. فادبر .

فقال الله حينها كما تروى هذه الحكمة ( أو الحديث القدسي كما يسمى في ادبيات العقيدة الإسلامية ) :

وعزتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً احبُ إلي منك ، بك اثيب .. وبك اُعاقب !

فبالرغم من ان العقل وفي حالة محددة من " الوعي " وواقع مجرد من " العاطفة " يمكنه ان يحيط بما هو مخلوق جيئةً وذهابا ، لكنه يبقى في النهاية " مخلوقاً " ضمن المنظومة الخلقية للخالق ، وحسب هذا النص ، يبقى مؤتمراً بامر الخالق وليس حراً !


إلا إنه وبالرغم من ذلك ، يبقى اعلى مراتب " الخليقة " واكثرها قرباً من ماهية ذلك الخالق .. لماذا ؟

لانه " قد " يتمكن يوماً من " الاختيار " بين المجيء والإياب دون انتظار امر الخالق ، وهذه نناقشها فيما بعد ..

قد لا تكون هذه القصة حقيقية ، قد لا يكون الله ( اذا كان موجودا ) هو الذي قال ذلك ، لكنها تعبير موضوعي لتأريخ تامل العقل البشري في هذه القضية المؤرقة التي حار بها الاولون والآخرون من بني الإنسان ..

فالوعي الباطن العميق غالباً ما يتدخل للإجابة عن الاسئلة الخالدة التي تحير عقل الإنسان ، مثل :

من اين جئنا .. وجاء الكون .. وإلى اين نحنُ سائرون ؟

تدخل اللاوعي هذا يكون بنسب متفاوتة من " التجرد " عن الواقع ..

اذ نادراً ما يكون مجرداً بالمطلق ( او يبدو كذلك ) كما في النص القدسي الذي ذكرناه قبل قليل ( اي بلا رواسب ثقافية مكتسبة من البيئة الشعبية ) ، فيبدو هكذا معبراً عن بيئة معرفية جدلية " نخبوية " مثل المدارس الفلسفية اليونانية ، فيكون النص اقرب للحكمة منه للــ " الاسطورة "..

لكن في الغالب ، يكون جواب الوعي الباطن مشوباً بصور واصوات وتجليات ، كثيراً ما تستوحى من الثقافة الشعبية والبيئة المحيطة ، لتصبح الصياغة اسطورية بطابع الملاحم القديمة ، فتعيد تصوير عالم الملكوت ( الخارج عن الزمكان لو وجد ) وكانه عالم شبيه بعالم البشر .. آلهة كالملوك يتصارعون ويتقاتلون على النفوذ والسلطة في " العالم الآخر " ..

فيمر على هذه الاساطير الزمن ، فتعاني هي الاخرى من تحولات وتطورات بسبب تطور المعرفة والعقل الإنساني ليظهر الملكوت الإلهي في الديانات الاخيرة خصوصاً اليهودية والمسيحية والإسلام بصورة " إلهٍ عظيم " يحيطه ملائكة ياتمرون بامره يسبحونه في الليل والنهار وهم لا يسئمون ..!!

بمعنى ، فهم الإنسان للعالم الآخر ( لو كان موجوداً ) هو الذي يتطور بفعل تطور ادواته المعرفية وتطور ثقافته ومستوى حضارته ، اما الراي الذي يذهب بأن العالم الآخر مجرد انعكاس باطني للعالم المحيط كمتنفس تعويضي عن متاعب ومشاكل الإنسان في عالمه الحقيقي ليعيد تصوير عالم آخر وهمي كحالة من الاتزان الثقافي على مستوى الجماعات والامم كما يحدث في بعض الاحلام على مستوى الافراد ..

أقول بان هذا الراي واقعي ، ولا اسعى إلى نقضه ، لكن قد يحتمل بأن هذا " التعويض " ينعكس على خلفية باطنية لدى الامم والجماعات والافراد لها بالفعل وجود حقيقي تمثل عالم الملكوت الماوراء زمكاني ، وهو ما يلتقي مع فرضية الإيمان بوجود المصدر الذي جاءت منه الخليقة ، خصوصاً وإن ظواهر الباراسايكولوجي التي تعمقنا في تفسيرها الفيزيائي طيلة السنوات الماضية هنا في الحوار المتمدن تؤكد بما لايقبل الشك بأن هناك طاقة " تفوق الضوء سرعة " وتسافر عبر الزمكان تؤكد وجود " خلفية " سابقة للحظات خلق العالم المادي المحسوس كما عرفناها بنظرية الدوي او الانفجار العظيم في الفيزياء ..

والسؤال الآن هو :

لماذا يا ترى تكون هناك " مشتركات " بين كل الديانات في تصوير العالم الآخر رغم تنوع الثقافات في الحضارات البشرية ؟

مؤكدٌ بان الاصل الموحد للجنس البشري يستدعي منا تحليل وتشريح المكون " الاعماقي " المشترك للنفس البشرية والذي يتبع مساراً ثابتاً تتلبسه الثقافة ..

على سبيل المثال ، تسمى القوى الكونية الماورائية تارة بالآلهة وتارة بالملائكة ، او الجان و الملوك السبعة وعلاقة كل هذا بالارواح السبعة وما غير ذلك من ألوان ثقافية على " الرقم سبعة " تكاد ان تجمع عليها الديانات الوثنية والتوحيدية ..

لهذا السبب ، ومن ناحية انثرو – سايكو – فيزيولوجية صرفة يمكننا ان نُعرِّف الدين بانه :

إطار ثقافي جمعي يتمحور حول قضايا يعجز " العقل " البسيط المجرد للفرد العادي من التعاطي معها ، فتكون الإجابة عنها من اللاوعي بشكل " دراما " قصصية تتخذ صبغة الاسطورة وتتطور بمرور الزمن يأتي بها " انبياء " او " كهان " في الغالب بوساطة رؤى في اليقظة ، اي احلام اليقظة ، او الاحلام الرؤيوية اثناء النوم ، لكنها جميعاً تدور ضمن " إطار " خاضع للاصل البشري المشترك او الوحدة البيولوجية للجنس البشري .. ليكون نتاجها مشتركاً بين الإنعكاس عن المحيط الاجتماعي ومتطلباته في نفس الوقت ، قد تحتوي " فيضاً " او تلميحات عن عالم آخر .. يشكل خلفية أشمل لعالمنا المادي المحسوس ..!!


(3)


ليس من المفارقة ان نجد في تراث " الابورجينز " العقائدي ما يمثل اكثر " الفرضيات " قرباً من المنطق العلمي لدراسة ظاهرة الاعتقاد بالعالم الآخر لتجردها الظاهري عن واقع التطور الحضاري ..

الابورجينز هؤلاء هم سكان استراليا البدائيين الاصليين ، وهم اقوام شبه عارية ، سود البشرة قصار القامة ..

تقول معتقداتهم بأن " الآلهة " خلقت الكون ابتداءاً في مرحلة " الاحلام " .. قبل ان يتحول إلى عالم الحقيقة الذي نعيشه ..!!

فرغم غنى التجربة الحضارية في الشرق الاوسط ، لكن كل دياناتها تبدأ بــ " الكلمة " ( نطقاً لا كتابة ) ..

وهذا تعبير واضح عن تاثير ولادة اللغة على الثقافة ، فالكلمة المنطوقة سبق ظهورها الكلمات الصورية الاولى المكتوبة قبل سبعة آلاف سنة ..

ويمكننا ان نتصور على الاقل مليون عام قبل التاريخ المكتوب في مصر القديمة والعراق القديم والصين حين تحول " النطق " إلى لغة واسعة ذات قواعد واصول في التداول " الشفهي " ، ومنذ ذلك الحين اعاد الإنسان تصوير العالم الآخر بانه ابتدأ بالكلمة ..!

فالملحمة السومرية الاولى ( حينوما عليش ) تجد بان هناك حقبة مرت على الوجود لم تكن الارض والسماوات قد اصبحتا " كلمة " بعد ، ووصفتها بانها مرحلة " المياه " الاولى ..

وهذه كلها تؤشر على التاثر الثقافي البيئي للمجتمع الزراعي لبلاد بين النهرين ، لكن ، ما لدى الابورجينز هو اكثر " الاطر " العقائدية موضوعية وتجرد عن البيئة الثقافية في عموم ديانات البشر على الإطلاق ..!!

الوجود يبدأ بعالم " الاحلام " !

وهذا إطار ثقافي يؤرخ لماقبل " اللغة " ، وحتى ما قبل " الإشارة " والايماءات باليد او الوجه ..

وحسب الباراسايكولوجي ، هناك من الاقوام البدائية المعزولة في جزر الهادئ ولدى الابورجينز انفسهم يسود استعمال " توارد الخواطر telepathy " في التواصل الاجتماعي ، لكن لندرة اعداد من لا يزالون يستخدمون هذا النوع من التواصل لا يستطيع علم النفس ولا الانثروبولوجيا اعتبار التخاطر الاعماقي مرحلة سابقة للتخاطر بالايماء واللغة في مراحل تطور الوعي والفكر الإنساني ..

لكنني اجد بان الخيال الخلاق يمثل نقطة تحرر الإنسان من المملكة الحيوانية ، ومن الاحرى البحث عن الصور الاعماقية في نفس الفرد الواحد التي سبقت تسجيلها على جدران الكهوف ..!

فالإنطباعات الصورية الموجودة في كهوف الإنسان القديم بهيئة اشبه ما تكون بلوحات لرسوم الحيوانات ، والتي كانت سابقة للغته الصورية في سومر ومصر ، إنما تؤشر على وجود " مرحلة اقدم " سابقة لتدوين هذه الإنطباعات على الجدران ، المرحلة التي كانت تتفاعل بها الصور في اعماق الافراد .. دون ان يستطيعوا التعبير عنها ..

علماً إننا نستطيع تحديد المرحلة الاقدم من هذه ايضاً ، ما قبل الابورجينزية لو صح التعبير ، حين كانت هناك انطباعات ومشاعر لا تنعكس بصورة يمكن تخيلها مثل الخوف والكره والحب .. او طلب استدعاء لقريب او حبيب .. ولم تكن هناك لغة او إشارة ولا سبيل إلا " توارد الخواطر telepathy " .. لكن الإشكالية التي ندخل بها هنا هو " التداخل " بين الإنسان والحيوان ، فهذه الحالة موجودة بشكل قاطع لدى الحيوانات البحرية والبرية ربما بشكل اكثر تطوراً منا نحن البشر ، وهو موضوع خارج عن نطاق البحث الآن .

(4)


الاحلام تمثل " اعمق " بداية للشعور الفردي المتميز ، هي الغمر اللاشعوري للنفس البشرية ، بموازاة ان تكون مياه الغمر هي الاساس الذي ولدت منه الحياة " الجسدية " حسب نظرية التطور والتي تتوافق مع ديانة الكواكب السومرية ونسختها الصابئية المعاصرة في العراق ..

فقناعة الابورجينز بأن الكون يبدأ اولاً بالأحلام إلا تعبير يوازي اهمية " الكلمة " في ديانات الشرق الاوسط سواء الوثنية القديمة او التوحيدية الحديثة " نسبياً " ..

فاللغة هي بداية " الحضارة " ، لكن الحلم و الخيال هو بداية " الإنسان " بما هو إنسان سوف يصنع الحضارة فيما بعد ببناءه الاواصر الاجتماعية وما تتطلبه من تواصل لغوي ، بالتالي ، يمكننا ان نعيد كتابة تاريخ المعرفة والدين اعتماداً على " الخيال " و " اللغة " ..

الخيال هو بداية ولادة " الفرد " البشري من رحم الحياة البهيمية التي كان يتشارك بها مع الحيوانات ، مع إن علم النفس الفلسفي وعلم النفس الحيواني لم يجزم ما إن كانت الحيوانات تتخيل ام لا ، خصوصاً وهناك ادلة قوية على إنها " تحلم " ..

لكن الفرق بين " الخيال " و " الحلم " هو ان الاخير خيال قسري ، لكن الخيال الحر المطلق هو اول ملكات الإبداع الإنساني ، اولى المحركات الدافعة لتطور العقل البشري وتميزه عن المملكة الحيوانية ..

لهذا السبب ، اصول وجذور ديانة الابورجينز تبدأ بتفسير " الملكوت " تفسيراً اعماقياً صرفاً ولا تعتمد كثيراً على الواقع الحسي مثل ديانات الشرق الاوسط التي خلطت بين العالم العميق للنفس البشرية والعالم الحسي المحيط الذي يمثل واقع تطورها الحضاري ...

لا اريد ان اقول بان مسار التطور الروحاني في الشرق الاوسط هو مسار مموه برمته ، وفي نفس الوقت لا اقول بان روحانية الابورجينز التي وصلتنا هي الفهم الصحيح للملكوت الماورائي الخارج عن الزمان والمكان ( إن وجد ) ..

ما اود قوله هو اننا ربما نجد في الإطار الفكري للابورجينز ما يوضح لنا الصورة عن " الخليقة " والخلق اكثر من اطار " الكلمة " التي اختصرت الخلق في :

إنما امره ان اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون ..!

هناك إطار آخر يقول :

الآلهة حين قررت خلق العالم ، ما كان عليها سوى ان تتخيله !

ففي الحالة الاولى هناك " اختصار " عبر استخدام الإسم ، اما الثانية فهي عملية تخليق حقيقية مجردة !

في الاولى .. الكلمة او " إسم الشيء " تسبق خلق هذا " الشيء " ، في الثانية .. صورة هذا الشيء الذهنية تسبق تكوينه المادي المجسد !

في ثقافتنا البابلية ونسختها الإسلامية الاحدث ، يمكن تجميع العالم كله عبر كلمات تكتب في كتاب ..

( ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتابٍ مبين )

لكن .. لدى الابورجينز يمكن للعالم ان يكون مختزناً مثل حلم ، او " Movie" في آي باد i-pad ..!!

وهو ما يعني إن القرن الحادي والعشرين يدفع الذهن البشري نحو " نمط " الاستدلال العقلي القديم المرتكز على الصورة ( وليس العقل كله ) ليستدير بزاوية مقدارها 180 درجة إلى نقطة بداية " الإنسان " .. وهو مؤشر خفي بالغ الخطورة لسنا في محل نقاشه عبر مواضيع هذه السلسلة .



*****

يتبـــع



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يقود الحرب الامبريالية ؟ آل الصباح وشل الانجلوسكسونية اُن ...
- الوعي الثقافي الإنساني من ديكارت إلى ما بعد الماركسية
- الروحانية و العقل Spirituality and Mind
- الانوثة والروحانية Femininity and spirituality
- النبوة و العقلانية Prophecies and Rationality
- ثوار النيتو .. غرهم في - اميركا - الغرور
- وحيٌ من جهة موسكو ! تجربتي مع الزمن
- التاسع من اكتوبر
- متى ستنتهي الرأسمالية ؟
- العلم ورؤية في مستقبل الحضارة ..
- القومية والنجم الثقافي الإسلامي الجامع
- اغتيلَ المهدي .. وصح النوم يا وطن !
- فيزياء العالم الآخر - ج 2
- فيزياء العالم الآخر - ج 1
- ملامح من فيزياء العالم المنطوي Implicate World
- عالم ما بعد الموت و علم الفيزياء
- الوجود قبل خلق العالم رؤية لفيزياء جديدة
- روحانية الهرم وروحانية الكعبة
- بالماركسيةِ العلميةِ يُعرفُ الرجال !
- لا تُعرَفُ الماركسيةُ بالرجال !


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - البحث عن ملكوت الله (1)