ملامح من فيزياء العالم المنطوي Implicate World

وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 12:28
المحور: الطب , والعلوم
    

(1)


كل اشكال الطاقة التي تستخدمها التقنيات المعاصرة بشكل اجهزة ومعدات لها وجود في الطبيعة يسبق الاختراعات البشرية ..

على سبيل المثال ، الطاقة النووية موجودة في قلب كل نجمة ومنها شمسنا ، الكهرباء تلقح بها الغيوم الارض بظاهرة التفريغ الكهربائي الجوي ( البرق ) منذ مئات ملايين السنين ، الطاقة الكهرومغناطيسية تشع بها النجوم بصورة ضوء او حتى بهيئة شعاع راديوي ( مثل اللاسلكي ) ..

كذلك الطائرات العملاقة وثابتة الجناح ، تكاد ان تكون مطابقة بمبدأ عملها للطيور وطريقة دفعها للهواء للخلف والاسفل ..

أما المروحيات او الطائرات العمودية فهي تماماً مثل الحشرات الطائرة بتركيز انطلاقتها من الاسفل للأعلى بشكل عمودي اعتمادا على اهتزاز سريع للأجنحة و بزاويا ميل كتلك التي لريشات المروحية ..!

و يعرف جيداً المهندسون المشتغلون في عالم المكائن والآلات المتنقلة ، كالسيارات والمركبات الكبيرة والصغيرة والحفارات والناقلات ، بأن آلاتهم هذه تحاكي مبادئ تصميم وعمل الحشرات الصغيرة والمفصليات سواء بتصميمها الاستاتيكي مثل المفصليات أو تشكلها الحركي الديناميكي مثل الحشرات ..

ويمكننا ان نقول ، لحد اللحظة ، لم يتجاوز الإنسان المبادئ البيولوجية في تصميم الاجهزة والآلات بعد ..

وفي حصوله على الطاقة ايضاً ، لم تتعدى استعمالاته لها الإطار المدرك " حسياً " في اشكالها الطبيعية من نووية وكهربائية و كاربونية ...


(2)


المفارقة التي طرأت على واقع حياتنا التقنية هي نظرية الكوانتم ( الكم ) في الفيزياء ، فما يسمى عملياً بالفراغ ممثلاً في الفراغ الخالي من القسيمات Particles تحت النووية مثل البروتونات والإلكترونات و قسيمات النيوترينو ما هو في حقيقته إلا امتلاء بطاقة ..!

هذه الطاقة ، تكاد ان تكون لا نهائية ..

فهي ممثلة في قسيمات افتراضية حسب فيزياء الكم الحديثة لها عمر افتراضي بالغ الضآلة يقدر ببلايين الاجزاء من الثانية ، وهي المدة التي يظهر فيها هذا القسيم قبل ان يتلاشى من جديد في بحر " الفراغ الكمي " ..

ومن خلال مسار التطور التاريخي للفيزياء ، يبدو بأن الإنسان مقبلٌ بالفعل على استثمار طاقة الفراغ الكمي ( الكوانتي ) هذه كشكل " غير طبيعي " وغير مألوف في الإدراك الحسي البشري التقليدي ..!

فتوليد اشعة الليزر مثلاً ، هو اهم الخطوات التي خطاها العقل البشري لاستثمار طاقة الفراغ الكمي ..

بدليل إن اشعة الليزر لا يوجد لها نظير طبيعي مدرك حسياً ..

فحين تكون الطاقة النووية موجودة في الشمس ، والكهربائية موجودةٌ في الغيوم ..

فأي بقعة من هذا الفضاء الفسيح يمكننا ان نجد فيها اشعة الليزر ...؟؟

عدم تواجد الليزر بصورة طبيعية ، واقتصار وجوده على النماذج الصناعية من قبل البشر في عالم اليوم إنما يؤشر على إن الإنسان تجاوز للتو مدركاته الحسية والاطر الطبيعية لاستخدام الطاقة ..

الليزر طاقة مصدرها الضوء الطبيعي الاعتيادي المتشكل بطريقة " غير اعتيادية " في الفراغ الكمي ..

الليزر .. هو اولى خطوات الإنسانية " التقنية " نحو العالم الخفي المنطوي وراء عالمنا المادي ، لهذا السبب ، ستكون دراستنا لأشعة الليزر وتطبيقاتها المتنوعة في الموضوع القادم هي دليلنا " العملي " لاهم ملامح ذلك العالم الذي سبق خلق عالمنا المرئي المحسوس بعد الانفجار أو الدوي العظيم Big Bang ..


(3)


قمنا في بحثنا السابق { الوجود قبل خلق العالم رؤية لفيزياء جديدة } بتحليل ودراسة صور الطاقة الفيزيائية المعروفة للوقوف على امكانية وجود خلفية سابقة للزمكان ، وتوصلنا إلى إن " من المحتمل " ان يكون المجال الكهربائي كيان سابق للزمن ، خصوصاً وتجارب العالم ياكير اهارنوف افترضت ان المجال الكهربائي للإلكترون يتلقى " ذبذبات " قادمة من ازمان اخرى ، وهو يعني إن العالم المنطوي وراء العالم المادي يتجاوز ابعاد الزمن ويتنقل بتأثيراته فوقها بكل حرية ، وهذا ما يجعلنا نتساءل :

هل العالم المنطوي سابق لولادة الزمن ، اي عندما كان الزمن " صفراً " أكان هناك العالم المنطوي ..؟

هذا ما يجيب عليه اغلب الفيزيائيين عبر العالم بنعم ، ومنهم باول ديفز الذي يرى بان تقلبات كوانتية هي التي ادت في النهاية للانفجار العظيم وخلق العالم كما ورد في مقاله المعروف :

مالذي حدث قبل الدوي العظيم ؟

السؤال الآخر الذي يفرض نفسه بعد ذلك هو :

اذا كان يمكن للزمان ان يكون صفراً في البداية ، هل يمكنه " التراجع " والعودة للصفر ..؟

بمعنى ، هل يمكن للزمن ان يكون بمسارٍ دائري ما دام بعداً مثل كل الابعاد " المنحنية " حسب النظرية النسبية .. ومثلما هناك بداية ، فإن مسار التقدم للأمام يتصل بالنهاية من الخلف ؟؟

هذه التساؤلات مبنية في حقيقتها على افتراض ان التأثير العابر للزمن الذي يتلقاه الكترون اهارنوف الموضوع في مسار مجال كهربائي من زمن آخر يتطلب وجود طاقة تأثير خارج زمنية لا يمكن للهيكل الزمكاني حينها إلا ان يكون معلوم البداية والنهاية الزمنية ..

وهذا ربما يفسر لنا اهم سمات العالم المنطوي ، عالم الفراغ الكوانتي الزاخر بالطاقة التي لا يمكنها الظهور في عالمنا الحسي المرئي إلا لفترات زمنية " تقترب " من الصفر ..!

فالطاقة و القسيمات Particles التي يمكن ان تمثلها مخفية عن عالمنا لأنها ببساطة خارج هيكل الزمكان ..

(4)


الاسئلة طبعاً كثيرة في الموضوع ، لكنها جميعاً تصب في السؤال الاهم الذي علينا اجابته الآن :

هل إن بيانات الذاكرة البشرية Human Memory Data إنما يقوم دماغنا بتخزينها في العالم المنطوي ..للخارج من هيكل الزمكان ..؟؟

بمعنىً آخر ، هل لأدمغتنا بنية أو " تمثل " خارج هيكل الزمكان المادي المحسوس ..؟؟

حين يكون الجواب بنعم ..

فهذا يعني إن بنية دماغية ما بعدية كهذه ستكون موجودة حتى بعد موت الجسد وتحوله إلى تراب في مقاييسنا الحسية العادية ، لأن الموت انما يعني تفسخ البنية المرئية المحسوسة للدماغ والجسد ..

لكن ، البنية الكوانتية قد تكون هي " العقل Mind " ، وربما الوعي Consciousness هو الآخر بنية عابرة للزمكان كما يذهب العديد من الباحثين كما تناولناه في الموضوع السابق :

عالم ما بعد الموت وعلم الفيزياء

بالنتيجة ، بحثنا لابد ان يستمر لتأكيد هذا او نفيه عبر دراسة اهم القوانين التي تخص العالم المنطوي ومقارنتها بالذاكرة البشرية والوعي في الدماغ ..

في حالة وجود توافق كبير بين خصائص العالم المنطوي وذاكرة الدماغ ، فهذا يؤشر بان عالم ما بعد الموت الذي اعتقد به الاولون هو عالم حقيقي ..

عالم الاعصاب " كارل بريبرام " اختصر علينا المشوار واقترب من الاثبات بأن الذاكرة البشرية تتمتع بخصائص العالم أو النظام المنطو implicate order الذي اشار له عالم الفيزياء ديفيد بوهم ..

وهو ما سندرسه تفصيلاً في الموضوع القادم ..

#وليد_مهدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل