أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تحديات الإعلام العراقي في الداخل والخارج















المزيد.....


تحديات الإعلام العراقي في الداخل والخارج


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3444 - 2011 / 8 / 1 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


سلسلة محاضرات مؤسسة الحوار الإنساني بلندن (3)
برنامج "أغلبية صامتة" أُغلق بسبب التهديدات
والإعلام العراقي له فضل كبير في جمع الفرقاء السياسيين على طاولة الحوار

بالتعاون مع مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية نظّمت مؤسسة الحوار الانساني بلندن أمسية ثقافية إعلامية ساهم فيها الأستاذ محمد السيد محسن، المذيع في قناة الشرقيّة، والأستاذ فلاح الذهبي، مدير مكتب قناة "الحرّة" في بغداد. قدّمت الأمسية وأدارت النقاش الإعلامية جينا العمو التي استهلّت حديثها بالقول:"إن كل واحد منا يعرف تأثير الإعلام علينا جميعاً فهو حلقة مهمة من حلقات التأثير في المجتمع العراقي". ثم أضافت قائلة: " إن الأمسية تتضمن عرض فلمٍ وثائقي اسمه "حريّة مشروطة" وهو من إنتاج مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية، هذه المؤسسة التي تُعنى بتثقيف الإعلاميين والمجتمع على حد سواء من أجل ترسيخ إعلام هادف يسعى إلى بناء مجتمع صحيح على وفق أطر إعلامية صحيحة. يتناول الفلم عدة محاور وحلقات من الصراع الإعلامي في العراق، ويصوِّر معاناة الإعلاميين منذ سقوط النظام السابق في عام 2003م وحتى الوقت الراهن وما تخللته هذه الحقبة من اغتيالات ومضايقات وتقيّيد الحريات في المجال الإعلامي". ويبدو أن القائمين على هذه الأمسية قد اختاروا أنموذجين إعلاميين من داخل العراق وخارجه ليقارنوا طبيعة التحديات الإعلامية التي تواجه الإعلاميين في الوطن الأم وفي العاصمة البريطانية لندن.

حريّة مشروطة
بدأ الإعلامي محمد السيد محسن حديثه عن فلم "حرية مشروطة" الذي أثار في نفسه الشجون خصوصاً وأن بعض الشخصيات الإعلامية التي أغتليت مثل سردشت عثمان وأطوار بهجت مروراً بعدد كبير من الإعلاميين الذين زفّهم إلى موتهم الواحد تلو الآخر قد استفزوا مشاعره الإنسانية العميقة أو تلك التي الشخصيات أصيبت بطلقات نارية من قبل مجموعات مسلّحة مثل عماد العبادي أو التي حوصرت وأوشكت أن تفقد عملها الصحفي مثل أحمد عبد الحسين وآخرين لا يسع المجال لذكرهم جميعاً. وقد ذكر السيد محسن بأن ابنته قد تعرضت للاختطاف في محاولة لابتزازه وتحييد عمله الإعلامي. إن التحديات الكبيرة التي ساهمت في عملية التحوِّل الإعلامي الكبير في العراق بعد 2003م، بحسب السيد محسن، هو المثلث المتمثل برؤوسه الثلاثة الصحفي والمواطن والسلطة، حيث تعامل رجل السلطة على وفق مبدأ السلطة الانتهازية، أما الطرفان الآخران فقد تعاملا على وفق منطق العاطفة، إذ لم يُشغَّل العقل لمدة طويلة، وإنما شُغِلّت العاطفة فقط. واستشهد السيد محسن ببعض الأمثلة من حياته العملية في هذا المضمار حيث قال:"حينما كنا نذهب إلى أي انفجار بسيط كان من واجبنا أن نستطلع أولاً شهود العيان، وحينما نسأل شاهد عين: ماذا رأيت؟ أو: أعطني شهادة العيان التي رأيتها؟ تجد أن المواطن العراقي يجيبك بأسئلة جمّة وكل سؤال يحتاج إلى مراحل طويلة من التفكير حيث يقول: الله يرضى؟ ماذا فعلنا؟ لماذا لا تحمينا الحكومة؟ مجموعة أسئلة كثيرة تنطلق من عاطفته وتفضي إلى أسباب التأثر والتأثير والتبعية الإعلامية التي لم تعتنِ بالتعددية التي جاءت بعد الثورة الإعلامية الكبرى في عام 2003م حيث تحوّل الصحفي العراقي، وليس جميع الصحفيين طبعاً، إلى ناطق رسمي باسم الحزب أو صاحب الملكية لهذه القناة الإعلامية المستقلة أو تلك. نفى السيد محسن وجود قناة مستقلة تماماً وحتى قناة "الشرقية" التي يعمل ضمن طاقمها إنما هي تنتمي إلى ما يفكر به الأستاذ سعد البزّاز. عقد السيد محسن مقارنة عجلى بين الوضع في العراق وجنوب لبنان وقال بأنه غطّى مجموعة كبيرة من الحروب، وادعى بأنه كان باحثاً عن المشاكل ومستسيغاً للمتاعب التي يسبِّبها العمل الإعلامي. وفي أثناء وجوده في الحرب الأخيرة في البصرة حيث كان المراسل الوحيد لقناة "الجزيرة" التي شهدت في حينه هجمة شعبية غير طبيعية حتى كان هو نفسه أحد ضحاياها. ومع دخول القوات البريطانية إلى البصرة جاء السيد محمد باقر الحكيم من إيران وكان السيد محسن قد استقبله بوصفه مديراً لمكتب "الجزيرة" وقد حدثت له بعض المشّادات لأن المراسل سعد السيلاوي قال إن المئات من العراقيين المنفيين قد دخلوا من إيران إلى العراق وهم في حقيقة الأمر بالآلاف في إشارة إلى الوعي الحاد الذي يتمتع به المواطن العراقي ويدقق في الكثير من التفاصيل. وأشار السيد محسن أن هذا الوعي الحاد لم يلمسه في جنوب لبنان خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل، فحينما كان في منطقة الطيبة أو بنت جبيل أو حتى في المناطق غير الشيعيية التي لم يطلها القصف الإسرائيلي كان يسأل اللبنانيين ويكتشف من خلال ردودهم أنهم يتحدثون ببساطة ولا يسألون كثيراً على العكس من العراقيين الذين عطلّوا العقل وشغّلوا العاطفة الأمر الذي أفضى إلى هذه التبعية التي جعلت من دخول الإعلام دخولاً يسيراً بسبب عدم وجود القوانين. أكد السيد محسن بأنه في زمن النظام السابق كانت هناك قوانين كثيرة، فلكي تعمل في قناة "الجزيرة" مثلاً يجب عليك أن تحصل على موافقات كثيرة كأن تكون عضواً عاملاً في نقابة الصحفيين، وأن تمرّ بمرحلة اختبار وما إلى ذلك. وقد أورد مثالاً للإعلامية المرحومة أطوار بهجت التي عملت معه لمدة شهر قبل أن تظهر في "الجزيرة"، أي أنها تزوّدت بخبرته التي أخذها هو بدوره من ماجد عبد الهادي وهكذا دواليك. أما الآن فإن السيد محسن يعتقد بظاهرة الاستسهال وعدم وجود ضوابط تحكم العمل الإعلامي حتى أن الإعلاميين أنفسهم، كما ورد في الفلم، قد طالبوا بالحد من هذه الفوضى العارمة. ذكر السيد محسن أن الإعلام العراقي قبل 2003م كان يسمّى بالإعلام "الساقط" لأنه يأتي مباشرة من الطبقات العليا في السلطة إلى الإعلاميين، أما بعد 2003م فقد دخلت التجربة الأميركية التي وصفها بالإعلام "الصاعد" لأن الإعلام يأتي من القنوات المختلفة لكي ينبعث إلى السلطة وربما يحدثها بأخطائها وينتقد مساراتها العملية في التعاطي مع الناس. أشار السيد محسن إلى أن الناس الذين تسنموا سدة الحكم لم تكن لديهم خبرة السلطة وأنهم لا يتحملون الانتقادات ولا يقبلون إلا بالحديث الحسن عنهم. كما عرّج السيد محسن على تجربته في المنفى وقال إن برنامج "أغلبية صامتة" كان برنامجاً مباشراً مع المواطنين الذين يتصلون عبر الهاتف. وأشار إلى استقلالية هذا البرنامج، إذ اتفق مع مدير القناة على عدم التدخل بهذا البرنامج وحدث له ما أراد بحيث لم يعد أحد يعرف حتى عنوان الحلقة قبل دقائق من بثّ البرنامج الذي توقف لاحقاً بسبب التهديدات الكثيرة التي تصل إليه شخصياً وإلى القناة أيضاً. وذكر السيد محسن بأن أحد المُهددين قال بالحرف الواحد: "أنا أحكي وياك من مكتب سيدك المالكي". فرّد عليه السيد محسن:"أنت كذّاب". وحينما اتصل السيد محسن بأحد الأصدقاء المقرّبين من مكتب السيد المالكي أجابه:" لا ماكو هيج حجي"، أي ليس هناك شيء من هذا القبيل. ومن بين التهديدات التي ذكرها السيد محسن أنهم كانوا يبعثون له صور أبناء أخوانه وهم يذهبون إلى المدرسة في إشارة إلى إمكانية اختطافهم أو قتلهم لا سمح الله، لذلك اضطر السيد محسن لإيقاف البرنامج حيث كتب على الفيسبُك:"أيها المشاهدون أنني خذلتكم ولكن التهديدات تعدّت مستوى أن أتحملّها أو تتحملها القناة". وبالنتيجة فقد خسر السيد محسن حتى علاقته مع مدير القناة الذي كان مُصراً على استمرار البرنامج. ختم السيد محسن حديثه بالقول:"إن الذين يسيطرون على سلطة القرار هم الذين يعترفون دائماً بأنه ليس لديهم خبرة في السياسة، ولكنهم لم يستعينوا بالصحفي، ولا بمراكز الدراسات والأبحاث، ولا بأي شيء آخر يمكِّنهم من أن يكونوا في موقع ايجابي في السلطة، لذلك بقوا في هذه المواقع السلبية لافتقارهم للخبرة العملية في السياسة".

قراءة موضوعية
أما الأستاذ فلاح الذهبي، مدير مكتب قناة الحرّة عراق في بغداد فقد استهل حديثه بالقول "إنه يتمنى أن لا يكون ضيفاً ثقيلاً على الحاضرين وأن ما يقوله يمثله شخصياً ولا علاقة للقناة التي يعمل فيها بأطاريحه الحالية". أشار الذهبي إلى أن ما يحدث في العراق هو جزء من ثقافة مرحلة سابقة وأن المشكلة في العراق أننا لا نمتلك خطاً رمادياً يتدرّج بين اللونين الأسود والأبيض، ولكنه متفائل في التأسيس لهذه المنطقة الرمادية التي تسمح لمختلف أطراف النزاع أن تتحاور بلغة علمية عقلانية هادئة. ذكر الذهبي بأنه تعرّض أيضاً لمحاولتي اختطاف ومحاولة اغتيال وقد نجا بحمد الله ورعايته من ثلاثتهما. رأى الذهبي أن الوضع في العراق يعتمد على طبيعة المتحدث الذي يستطيع أن يقدّم صورة وردية مبهجة أو سوداء معتمة في الوقت ذاته، ولكن القراءة الموضوعية هي التي يعوِّل عليها القارئ الحيادي الذي لا يريد للإعلامي أن يُسقِط ما يريده على الواقع، وشبّه علاقة العراق بالأحداث الجارية فيه بمثل علاقة الكرة الأرضية بالشمس، فحيثما هناك شمس هناك نهار، وحيثما هناك عتمة فهناك ليل، إذاً القراءة الموضوعية المحايدة هي التي تمتلك القول الفصل في تبيان الحقيقة أو غمطها. ذكر الذهبي، بوصفه شاهداً على الأحداث ومشاركاً فيها، أن الإعلام في العراق له أفضال كبيرة على السياسيين تحديداً وعلى المواطنين العراقيين بشكل عام، فهو الذي خلق لغة الحوار بين الفرقاء السياسيين حيث كان يدعوهم على الدوام إلى موائده الحوارية المستديرة ويتركهم يتحاورون ويتنازعون ويفنِّدون بعضهم بعضاً بالحجج والأدلة المتوفرة لديهم، وحينما يخرجون من القنوات الإعلامية تراهم "يدردشون" وكأنَّ شيئاً لم يكن! يرى الذهبي بأن العديد من القرارات والمعضلات العراقية أصبحث جزءاً من ثقافة القوى السياسية التي أدمنت عليها بواسطة اللغة الحوارية سواء أفضت إلى نتائج ايجابية أم سلبية، ولا أحد يتحاور في المناطق المظلمة، بل أن الجميع تقريباً يقصدون المنابر الإعلامية لمناقشة الموضوعات الحساسة أو تقديم وجهات نظرهم فيها. الملاحظة الثالثة المهمة التي رصدها الذهبي هي أن غالبية القوى السياسية بدأت تلجأ إلى القضاء لحل مشكلاتها المستعصية وتخلّت عن مفهوم أخذ الحق باليد اعتماداً على قواها وجماعاتها المسلّحة وهذا تحوّل كبير في عقلية السياسيين الذين جاؤا إلى السلطة بعد التغيير. وذكر بأن المحاكم القضائية مليئة بالدعاوى المرفوعة من قبل الصحفيين على السياسيين وبالعكس وذكر بأنه شخصياً قد كسب إحدى القضايا المرفوعة ضده وأنه سعيد جداً بالبراءة التي حصل عليها من المحكمة القضائية. كما أشار إلى تشكيل محكمة خاصة للفصل في القضايا التي تخص الصحفيين. أشار الذهبي إلى أن فضل الإعلام واضح جداً على الانتخابات ولولا ضغوطه المتواترة لما تحوّلت القوائم المغلقة إلى قوائم شبه مفتوحة، ولايزال الإعلام مُصِّراً على أن تكون القوائم مفتوحة في الدورات الانتخابية القادمة. لفت الذهبي انتباه الحاضرين إلى أن بعض القوى السياسية باتت تتحدث عبر الإعلام عن حكومة أغلبية أو انتخابات مبكرة، بينما كانت القوى نفسها منغمسة في الحديث عن حكومة محاصصة أو توافق. نوّه الذهبي إلى أن الشارع العراقي بما ينطوي عليه من أصحاب المهن المختلفة باتوا يناقشون مختلف المشكلات السياسية التي يمر بها البلد فلا غرابة أن يتحدث المواطن البسيط عن هذه المادة الدستورية أو تلك، وهذا كله حصل بفعل الدور الإعلامي المتميز للإعلاميين العراقيين الذين قدموا تضحيات كبيرة لا مجال لحصرها في هذا المجال. توقف الذهبي عند قضية الشاعر والصحفي أحمد عبد الحسين الذي كان على وشك الاعتقال وربما الطرد من صحيفة "الصباح" ولكن موقف الإعلاميين بعامة كان مشرِّفاً، إذ تظاهروا ووقفوا موقفاً موحّداً مؤازراً لحرية التعبير الأمر الذي أجبر الجهات الرسمية على عدم مصادرة هذا الحق الذي كفلة الدستور العراقي. ختم الذهبي حديثه عن دور الإعلام العراقي في فتح ملفات الفساد وأشار إلى أن معظم القنوات الفضائية وأغلب وسائل الإعلام الأخرى باتت تقْدم على فتح هذه الملفات على الرغم من حساسيتها وخطورتها، وقد وصف هذه الخطوة بأنها محاولة في الاتجاه الصحيح على الرغم من أننا لا نحصد نتائجها في الوقت الراهن، لكننا من المؤكد أننا سوف نقطف ثمارها في المستقبل القريب.

مداخلات وأسئلة
عندما انتهى الأستاذ فلاح الذهبي من حديثه فتحت الإعلامية جينا العمو باب الأسئلة والمداخلات التي جاءت على وفق التسلسل التالي:
الضرب على أوتار حسّاسة
الدكتور نوري لطيّف: أنا أشكر الأخ محمد لأنه قال بعدم وجود قنوات مستقلة، وهذا ما شعرت به لأنني أرى بأنّ القنوات الفضائية العراقية قد أصبحت أداة صراع، وليس أداة لتوجيه المجتمع ودفعه بالاتجاه السليم. وأضاف لطيّف بأنه يستطيع أن يشخّص الشعارات التي يطلقها بعض السياسيين الذين يضربون على أوتار حساسة مثل وتر الطائفية وغيره وهذا فشل ذريع في الإعلام العراقي الجديد. أشاد لطيّف بقناة الحرّة وقال إنها موضوعية في طرح ومناقشة القضايا التي تتناولها حيث يأتي القائمون على القناة بكل الجهات، ويقدِّمون كل المعلومات المتاحة لهم خدمة للمتلقي. وشدّد بوصفه رجلاً أكاديمياً على ضرورة معرفة المتلّقين العراقيين لتاريخهم السابق الذي خضع لأكثر من ثلاثين عاماً لحكم دكتاتوري مطلق كان فيه الإعلام مُوَّجَهاً ومُراقَباً ولذلك يجب أن لا ننسى تلك الحقبة الاستبدادية، وذكرَ في نهاية مداخلته بأنه متفائل بانطلاق إعلام عراقي جديد.
د. حميد الهاشمي: كيف يستطيع الإعلامي أن يؤثر على المموِّل للقناة أو الوسيلة الإعلامية، وما هي الآليات التي يؤثر بها على إدارة القناة الإعلامية؟
محمد السيد محسن: يجب على الإعلامي أولاً أن يستند إلى جهة إعلامية قوية يستطيع بواسطتها أن يبعث رسائله حتى إلى القناة أو مالك الوسيلة الإعلامية، وهذه الجهة هي مثلاً نقابة الصحفيين وأن يستند إلى قانون إعلامي يعضِّد من سلطة الصحفي ويقوّيها، فالإعلام الذي لا يؤمن بأنه سلطة فوق كل السلطات عليه أن يبحث عن عمل غير العمل الإعلامي. لقد أُقرَّ قانون الصحافة اليوم من قبل أناس لم يعملوا في الصحافة، وقد استلموها مجموعة من البرلمانيين الذين لم يعملوا في الصحافة، وليس لديهم أية خلفية ربما لا قانونية ولا صحفية. يُفترَض بالسياسيين أن يتنازلوا قليلاً ويرسلوا بعض القوانين إلى متخصصين ويوافقوا على ما يأتي به المتخصصون عبر مبدأ الثقة والثقة المتبادلة إذا كانت هذه القوانين موجودة ويستند إليها الصحفي وربما أقف بوجه مالك القناة وأقول له أنت مخطئ وأنا يُفترض أن أمرّر وجهة نظري وإلا فسوف أقاضيك. فعندما ندّعي في بعض اللحظات حينما نصطدم مع بعض الإداريين السيئين في القنوات ونهدِّدهم بـالاتحاد الوطني للصحفيين الـ "NUJ" الذي يأتي لي بمحامي يأخذ حقي، ولكن هذا غير موجود في العراق الآن بسبب ضياع السلطة والفراغ الدستوري والقانوني، لذلك أصبح الصحفي ناطقاً وتابعاً ومُسيّراً بدلاً من أن يكون هو صاحب السلطة حتى على رئيس قناته الفضائية.
جعفر الأحمر: كيف نستطيع أن نبني عراقاً من جميع أبنائه بمساواة وعدالة اجتماعية من دون محاصصة طائفية وحزبية؟
محمد السيد محسن: كانت عندنا نكتة نرددها أيام عملنا في المعارضة العراقية في الشام فحينما يؤسس أحدهم حزباً أو صحيفة كنا جميعاً نقول: مَنْ وراءها؟ وهذا الأمر يتكرر اليوم فحينما تنطلق فضائية جديدة نتساءل مباشرة قائلين: منْ وراءها؟ لأنه فعلاً ليست هناك استقلالية، فلقد أصبحت القنوات والخريطة الإعلامية مثلما أكدّ الجميع وبينهم الأستاذ فلاح الذهبي هي انعكاس للخريطة السياسية، ربما ألتقي أنا مع الرؤية المشرقة التي يحاول الأخ فلاح الذهبي أن يرسمها، لكنني أعتقد أن هذه الرؤية هي مكانة السيء من الأسوأ، يعني أن أرضى بالسيء لكي لا يأتي الأسوأ. في الحقيقة الوضع سيء وربما سيأتي الأسوأ إن لم تكن هناك قرارات فاعلة.
شبّاك للبوح
أميل كوهين: أنت كنت مراسلاً "للجزيرة" ونعلم أن "الجزيرة" كانت تعمل ضد العراق وضد الحرب على العراق. أنت بالنسبة لك كمراسل ما هو شعورك و"الجزيرة" تقصف طوال الوقت على العراق؟
محمد السيد محسن: عندما كنا نتعرّض إلى بعض السياسات التي كنّا نعتبرها خاطئة بالنسبة لقناة "الجزيرة" كانت الإجابة نحن لا نغلف عقل أي واحد، وهذا يعني أنّ كلاً منّا يعمل بما يراه مناسباً، ولكن بالتأكيد هناك خطوط حمراء، وهناك خطاب إعلامي، وهناك سياسات. أنا لا أخفيك أنا لم يكن يعنيني كثيراً الخطاب السياسي للجزيرة بقدر ما كان يعنيني أن أجد شباكاً للبوح أمارس من خلاله عملي الصحفي وكذلك الأمر الآن في "الشرقية" فربما لا أتفق في كثير من المسائل مع القائم على القناة وسياستها ولكن كان شرطي الوحيد في برنامج "أغلبية صامتة" أن لا يتدخل أي أحد في البرنامج وفي أي عنوان وأية مناقشة وهذا ما حصلت عليه منذ بداية البرنامج إلى نهايته، إذ لم يتدخل أحد.
أحد الحاضرين: هل سبق لكم أن نشرتم خبراً غير صحيح وأعتذرتم عنه؟
فلاح: أنا أذكر لكم مثالاً بسيطاً عن الخطوط الحمر. لقد بدأت العمل في قناة "الحرّة" مراسلاً إلى أن وصلت إلى منصب مدير مكتب، وقبل هذا الوقت بدأت العمل بإذاعة العراق الحر التي هي أيضاً تُموّل من قبل الكونغرس الأميركي، وكان مديرنا كامران قره داغي وهو صاحب فضل كبير عليّ في العمل الصحافي. جئت إلى العمل متحاملاً على النظام السابق، وكانت بيدي الوثائق التي تخص جهاز المخابرات وبدأت أقرأها حتى أحولها إلى تقارير فقلت كان المجرم صدام حسين... لكن كامران قره داغي سرعان ما أوقفني وقال لي: "قف، قف لماذا تحكم على الرجل، يجب أن تترك الحكم للناس، الناس هي التي تحكم، وما عليك إلا أن تنقل الحقائق لكي يصدر الناس حكمهم فيه". مذ كنت مراسلاً لم يأتِني توجيهاً واحداً من أحد على أن أعمل هذه القضية أو تلك، أو أن هناك خطاً أحمراً لا ينبغي تجاوزه، ولا توجد خطوط حمراء على أية شخصية سياسية أو اجتماعية في كل برامجنا. أما قضية الاعتذار فقد حصلت معي أكثر من مرة فحينما يأتينا خبر نتأكد من أكثر من جهة ثم نذيعه وتأتي الجهة وتتصل بنا وتقول إن هذا الخبر خطأ ولدينا الوثيقة التي تؤكد ذلك، عندها نرسل لها كاميرا لتقول إن قناة الحرة قد أخطأت بهذا الأمر، ونحن نعتذر لهذا الخطأ وقد حصلت معنا أكثر من مرة.

إعلام نظيف
بشرى برتو: قالت السيدة بشرى أنها تفرّق بين الإعلام والدعاية، وأن معظم الشبكات الإعلامية هي دعائية أكثر مما هي إعلامية، ولكنها وصفت الإعلام الذي تقدّمه قناة "الحرة" بأنه إعلام نظيف، وهذا ناجم، من وجهة نظرها، عن جهود المحررين العراقيين الموجودين فيها. وأضافت في متن مداخلتها بأنها تحب أن تسأل الأستاذ فلاح الذهبي إن كانت لديهم موضوعات محرّم عليهم تناولها لأنها تشعر أن هناك احجاماً أو صمتاً عن تناول بعض القضايا؟ وفيما يتعلّق بالأستاذ السيد محسن فقد قالت إنها متابعة لبرنامج "أغلبية صامتة" ولكنها تجد أن هذا البرنامج فيه الكثير من القساوة، بينما هي تتفق الآن مع حديث السيد محسن الذي يبدو موضوعياً. وختمت السيدة بشرى حديثها بالقول إنها تعتقد بوجود تأثيرات على السيد محسن إما من القناة نفسها أو من جهة سياسية وفكرية معيّنة؟
رداً على السيدة بشرى تدخّل أحد الحاضرين وقال إن برنامج "أغلبية صامتة" له شعبية كبيرة في العراق وقد لمس هذا الأمر في أثناء زيارته الأخيرة لبغداد. وأنتقد السيدة بشرى واصفاً إياها بأنها مسترخية في لندن وعندها ماء وكهرباء إضافة كل الخدمات والمتطلبات الأخرى، ولا تعاني مثلما يعاني العراقيون في الداخل. أما الشعب العراقي فهو مجروح ويفتقر إلى الخدمات ولا يجامل في هذا الأمر. وأضاف المتدخِّل بأنه لا علاقة له بالأستاذ سعد البزّاز أو بقناة "الشرقية"، ولكنه يريد القول بأن العراقيين متألمون جداً لإيقاف البرنامج.
جبرا الطائي: توجهت السيدة جبرا بمداخلتها إلى السيد محسن وشكرته لصراحته لأنه قال بعدم وجود قناة مستقلة، ولكنها تشعر أن طروحاته لا تتناسب مع طروحات قناة "الجزيرة سابقاً" ولا مع الطروحات السابقة لقناة "الشرقية" التي أصبحت الآن أكثر واقعية لأن هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين التطرّق للمسائل السلبية وبين تسليط الأضواء على الكثير من الخدمات بغية تحسينها.

الأسماء الإعلامية الرخيصة
سناء البصام: أشارت السيدة البصّام بطريقة تشخيصية ذكية إلى أن المواطن العراقي حينما يفتح قناة "الفرات" يشعر أنه في أفغانستان، وحينما يفتح "الشرقية" يشعر أنه في زمن البعث، وحينما يفتح "العراقية" يشعر أنه جالس في البرلمان العراقي. كما تحدثت عن تساقط بعض الأسماء الإعلامية التي كانت مرموقة، لكنها انجرفت مع التبدلات السياسية التي تطرأ بين أوان وآخر، وطالبت بميثاق شرف لا يكتفي بالدفاع عن حقوق الصحفيين وحمايتهم، وإنما يعرّي هذه الأسماء الإعلامية الرخيصة التي تحمل أسعارها على ظهورها، ثم ختمت حديثها بسؤال مهم مفاده: ما هي السبل للحد من ظاهرة شراء الذمم من قبل السياسيين العراقيين؟
محمد السيد محسن: من طبيعة صحافة السلطة بشكل عام أن تستميل الصوت الصحفي. هذه هي الصحافة مدّاحون وهجّائون، الحمد لله نحن لسنا من المدّاحين ولم نمدح شخصاً، والحمد لله نحن هجّاؤون وأنا أفتخر لأن أكون هجاء لأني تربيت تربية يسارية ويبدو أنها أثرت في كثيراً وأصبحت معارضاً. أنا دائماً معارض ماذا أفعل؟ لذلك ليس بوسعي أن أسلّط الضوء على النقاط المشرقة لأنها من واجب السلطة أن تأتي بنقاط مشرقة وليس فضلاً على المواطن أن تبلِّط شارعاً، وأنا لا أريد أن آخذ من وقت البرنامج بضعة دقائق وأقول شكراً للسلطة لأنها بلّطت شارعاً، أنا من واجبي ومن حقي أن أبحث عن النقاط السيئة لكي أظهرها للآخرين وذلك ليس عيباً أن يلقي البرنامج دائماً الضوء على نقاط سلبية لأن مشروعي هو أن ألقي الضوء على النقاط السلبية بغية معالجتها.

حريّة الوصول إلى المعلومة
أحد الحاضرين: ماذا عن قانون حماية الصحفيين وما هي سبل الفصل بين السلطة الرابعة والسلطة الأخرى؟
فلاح الذهبي: باشرت نقابة الصحفيين بالعمل على سَن قانون لحماية الصحفيين، وكان لدي اعتراض على كلمة حماية لأنه الحماية هي من مسؤولية الحكومة وبالتالي إذا أنا أبحث عن شرطة تحميني وأنتقد المسؤولين في الوقت نفسه لأن لديهم حمايات كثيرة فمن الذي سيحمي البائع على الأرصفة؟ ومن الذي سيحمي الطبيب؟ أنا كنت مُصِّراً وأنا أتحدث مع زملائي الصحفيين أن يكون أهم مطلب عندنا هو حرية الوصول إلى المعلومة والحماية هي مسؤولية الدولة. طالبت الصحفيين بتفعيل الدستور لأن فيه حرية التعبير وهامش كبير من الحريات، وإذا اكتملت القوانين الناقصة في الدستور فسوف نمتلك ثقافة دستورية تحمينا جميعاً، وتنفّذ مطاليبنا المشروعة.
محمد السيد محسن: أنا أعتقد أن قانون الصحفيين لن يُقر ما لم يُقر قانون الأحزاب. أنا أجزم بأن أكثر الشهداء الذين رأيتموهم أو سمعتم بهم لم يُقتلوا على أيدي المليشيات وإنما قُتلوا على أيدي أبناء السلطة.
اختتمت جينا العمو الأمسية بالقول إن ثقافة الإعلام الحر دخلت علينا حديثاً وعلينا أن نروّضها، لا أن نؤججها ونستعملها كسلاح لقتل الناس. علينا أن نصل إلى الحقيقة بوسائل غير انفعالية لكي لا تذهب أرواح بريئة نتيجة خبر غير مدروس تسارعوا إلى كتابته ونشره الأمر الذي يفضي إلى خرق وانتهاك السلطة الممنوحة لهم.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصدمات و الكراهية في السياق العراقي
- قاسم حول: -المغني- فيلم متميز في مضمونه وشكله وقيمه الجمالية
- خالد القشطيني يقرأ بعض حكاياته ويوقّع كتابه الجديد -أيام عرا ...
- الواقعية الجديدة في -زهرة- بارني بلاتس
- -حديث الكمأة- لصبري هاشم أنموذج للرواية الشعرية
- أسرار فرقة الدونمه ودورها في المجتمع التركي الحديث (3-3)
- الدونمه بين اليهودية والإسلام . . . مسوّغات العقيدة المُزدوج ...
- الدونمه بين اليهوديّة والإسلام (1-3)
- (اسأل قلبك) للمخرج التركي يوسف كيرجنلي
- مهرجان بغداد السينمائي الدولي مُلتقى لشاشات العالم
- قبل رحيل الذكريات إلى الأبد (3-3)
- السينما الطلابية في العراق. . محاولة لصياغة مشهد سينمائي مخت ...
- (قبل رحيل الذكريات إلى الأبد) لفلاح حسن ومناف شاكر (1-3)
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني ...
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)
- فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسان ...
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تحديات الإعلام العراقي في الداخل والخارج