أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - قراءة في طبائع الاستبداد ج 10















المزيد.....

قراءة في طبائع الاستبداد ج 10


محمد الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 3373 - 2011 / 5 / 22 - 19:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



نكمل في هذا الجزء ما قاله الكواكبي في فصل الاستبداد والمجد، حيث يقول :

المستبدُّ يجرِّب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً اغتراراً منه بأنّه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشّكل الذي يريد، فيكونوا له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثمَّ هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر إبعادهم أو ينكّل بهم. ولهذا لا يستقرّ عنه المستبدّ إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله.
وهنا أنبِّه فكر المطالعين إلى أنَّ هذه الفئة من العقلاء الأمناء بالجملة، الذين يذوقون عسيلة مجد الحكومة وينشطون لخدمة ونيل مجد النّبالة، ثمَّ يضرب على يدهم لمجرَّد أنَّ بين أضلعهم قبسة من الإيمان وفي أعينهم بارقة من الإنسانية، هي الفئة التي تتكهرب بعداوة الاستبداد وينادي أفرادها بالإصلاح. وهذا الانقلاب قد أعيا المستبدين؛ لأنهم لا يستغنون عن التجربة ولا يأمنون هذه المغبّة. ومن هنا نشأ اعتمادهم غالباً على العريقين في خدمة الاستبداد، الوارثين من آبائهم وأجدادهم الأخلاق المرضية للمستبدّين، ومن هنا ابتدأت في الأمم نغمة التمجّد بالأصالة والأنساب، والمستبدّون المحنّكون يطيلون أمد التجربة بالمناصب الصغيرة فيستعملون قاعدة الترقّي مع التراخي، ويسمّون ذلك برعاية قاعدة القدم، ثمّ يختمون التجريب بإعطاء المتمرّن خدمة يكون فيها رئيساً مطلقاً ولو في قرية، فإن أظهر مهارة في الاستبداد، وذلك ما يسمونه حكمة الحكومة فبها نعمت، وإلا قالوا عنه: هذا حيوان، يا ضيعة الأمل فيه. انتهى النقل.
وهذه حقيقة واقعة، فالمستبد يجرب مساعديه بميدان تجاربه الخاصة، حيث يعطي أحدهم بعض الصلاحيات الكبرى حتى يرى ما يفعله بالناس، فإن جار عليهم كما يرغب المستبد، هذا يعني بقاء هذا المساعد بمنصبه، بل واحياناً كثيرة يعلوا في المناصب، ويقربه المستبد لنفسه، وإن قدم مصالح الناس على مصالح المستبد، فهنا يكون الطرد والابعاد في اقل تقدير، أو ربما يلقى بغيابات السجن بتلفيقة هنا أو هناك .

ثم يقول:
إنَّ للأصالة مشاكلة قوية للمجد والتمجّد فلا بدَّ أن نبحث فيها قليلاً، ثمَّ نعود لموضوع المستبدّ وأعوانه المتمجّدين فأقول:
الأصالة صفة قد يكون لها بعض المزايا من حيث الأميال التي يرثها الأبناء من الآباء، ومن حيث التربية التي تكون مستحكمة في البيت ولو رياءً، ومن حيث إنَّ الأصالة تكون مقرونة غالباً بشيء من الثروة المعينة على مظاهر الشّهامة والرحمة، ومن حيث تقويتها العلاقة بالأمة والوطن خوف مذلّة الاغتراب، ومن حيث إنَّ أهلها يكونون منظورين دائماً فيتحاشون المعائب والنقائص بعض التحاشي. انتهى النقل.

هنا أختلف مع الكواكبي في أن الصفات تورث، ولكني أعتقد كثيراً بالبيئة التي يتربى فيها الطفل، والظروف التي يتعرض لها في خلال نشأته، والصفات والعادات التي يكتسبها من أسرته ومجتمعه الصغير المحيط به، أما أن تورث عن طريق الجينات، فهذا معناه لو كان لرجل ولدين، أحدهما تربى في بيته وتحت ناظريه، والآخر تربى بعيداً عنه في بيئة مختلفة جداً، سيكبر الولدان ولهما نفس الصفات والطباع، وإن اختلفت فيكون بالتفاصيل الصغيرة، بينما لا أجد من بعض الأمثلة التي عايشتها ورأيتها في حياتي أن هذا هو الحاصل، بل نجد اختلاف قوي وكبير بين الأثنين، في الميول والعادات والتصرفات، إلا ما ندر.

ثم يقول:
وبيوت الأصالة تنقسم إلى ثلاثة أنواع: بيوت علم وفضيلة، وبيوت مال وكرم، وبيوت ظلم وإمارة. وهذا الأخير هو القسم الأكثر عدداً والأهمّ موقعاً، وهم –كما سبقت الإشارة إليه- مطمح نظر المستبدّ في الاستعانة وموضع ثقته، وهم الجند الذي تجتمع تحت لوائه بسهولة، وربما يكفيه أنْ يضحك في وجههم ضحكة. انتهى النقل.

وهنا أختلف أيضاً مع الكواكبي، حيث يتراءى من كلامه أن بيوت الأصالة لا تشمل الفقراء والمعوزين، و عندي أن الأصالة قيمة وصفة للموروث تثبت انتماءه لبيته، أياً كان هذا البيت أو الأصل، فقيراً أو غنياً، عفيفاً أو فاجراً، ذو علم أو دناءة، فالأصالة كما تعرف عند الناس هي أن يتبع الفرع أصله في كل شيء حسن، بينما هي في الحقيقة أن يتبع الفرع أصله بالحسن والسيء، أي ان يكون امتداداً لآبائه في خلقه الجيد او السيء، فمن كان امتداداً لآبائه فهو الأصيل حتى لو كان حرامياً.

ثم يقول:
فلننظر ما هو نصيب أهل هذا القسم من تلك المزايا الموروثة:
هل يرث الابن عن جده المؤسس لمجده أميالَه في العدالة ولم توجد؟ أم يدبُّ ويشبُّ على غير التّرف المصغِّر للعقول، المميت للهمم؟ أم يتربّى على غير الوقار المضحك للباطل، السّائد فيما بين العائلة في بيتهم؟ أم يستخدم الثروة في غير الملاذ الجسمية الدنيئة البهيمية وتلك الأبّهة الطاووسية الباطلة؟ أم يتمثَّل بغير أقران السوء المتملقين المنافقين؟ أم لا يستحقر قومه لجهلهم قدر النُّطفة الملعونة التي خُلق منها جنابه؟ أم لا يبغض العلماء الذين لا يقدِّرونه قدره حسبما هو قائم في مخيلة خيلائه؟ أم يرى لجنابه مقرّاً يليق به غير مقعد التحكُّم ومستراح التآمر؟ أم يستحي من النّاس؟ ومن هم النّاس؟ وما النّاس عند حضرته غير أشباح عندها أرواح خُلقت لخدمته! انتهى النقل .

النص أعلاه بالضبط يوضح أن الكواكبي يشمل بيوت الأصالة تلك البيوت الثرية التي تربي أبنائها على الاستعلاء على باقي الناس، كأن تكون تربية مقصودة، كما في كثير من البيوت العثمانية التي تتبع أسر حاكمة في المناطق العربية في فترة حياة الكواكبي، حيث كانوا يتعالون على كل عربي، او كل ما هو ليس عثماني، أو بعض البيوت الأخرى التي ترى باستحواذها على المال والذي يفتح امام ابنائها ابواب النهل من العلوم والفنون، طريقاً لترى في نفسها الأفضلية على باقي الناس.
وكما نعلم فأن الكواكبي ينتمي لبيت من هكذا بيوت، فهم من أسرة لم ينقصها المال يوماً، وتفتخر بأنها من نسل الرسول، أي لم تفقد الجاه أيضاً، وهذا المال والجاه فتح أمام أبنائها مناهل العلم الديني والدنيوي، وأنه التقى بالصيادي، ذلك المنافق الأفاق الفقير المعدم في بداية حياته، والمستغل والمشتغل بكل ما يقلل من شأن الانسان من مهن منحطة، هذا كله وغيره كثير مما عاشه وعايشه الكواكبي جعله يربط الأصالة بالعزة والشرف والمال والكرم، وينفيها عن غيرهم من الناس.

ثم يقول:
وهذه حالة الأكثرين من الأصلاء، على أننا لا نبخس حقَّ من نال منهم حظاً من العلم وأوتي الحكمة وأراد الله به خيراً فأصابه بنصيب من القهر انخفض به شاموخ أنفه، فإنَّ هؤلاء – وقليل ما هم- ينجبون نجابة عظيمة، فيصدق عليهم أنَّهم قد ورثوه قوّة القلب يستعملونها في الخير لا في الشّر، واستفادوا من أنفة الكبرياء كالجسارة على العظماء، وهكذا تتحول فيهم ميزة الشرِّ على فائض خير وحَسَبٍ شامخ من نحو الحنين إلى الوطن وأهله، والأنين لمصابه، والإقدام على العظائم في سبيل القوم، وأمثال هؤلاء النوابغ النُجَباء إذا كثروا في أمة يوشك أن يترقّى منهم آحاد إلى درجة الخوارق فيقودوا أممهم إلى درجة النجاح والفلاح، ولا غرو فإنَّ اجتماع نفوذ النسب وقوة الحسب يفعلان ولا عجب شَبَهَ فعل المستبدِّ العادل الذي ينشده الشرقيون، وخصوصاً المسلمون؛ وإن كان العقل لا يجوز أن يتَّصف بالاستبداد مع العدل غير الله وحده، ألا قاتل الله الهمّة السّاقطة التي قد تتسفّل بالإنسان إلى عدم إتعاب الفكر فيما يطلب هل هو ممكن أم هو محال؟! انتهى النقل.

هنا أخالف الكواكبي جل الخلاف، فعدا الذي ذكرته سابقاً حول الأصالة التي ما زال يؤكد ما توصلت اليه بطريقته بالتفكير، والتي أعذره عليها للظروف التي كانت وقت حياته، ولكنه بجملته الأخيرة ينفي قبول العقل للاستبداد مع العدل عند البشر، وهذا ما تحدثت عنه في مقال سابق، ولكنه يقول بإمكانيته عند الله، أي أنه يقول بالله المستبد العادل؟!
وكنت قد ذكرت في مقالات سابقة بنفي وجود الاستبداد مع العدل لانهما نقيضان، وللقارئ أن يرى أي الرأيين أصح وأدق، عدا لو أنه عنى بالاستبداد معنى الحزم كما قال به الأولون، راجع مقالنا المعنون ما هو الاستبداد، وهو الذي لم يعنيه مطلقاً الكواكبي في كتابه، أو يعرج على الحزم كأحد معاني الاستبداد عند الأقدمين.

ثم يقول:
الأصلاء، باعتبار أكثريتهم، هم جرثومة البلاء في كلِّ قبيلة ومن كلِّ قبيل. لأنَّ بني آدم داموا إخواناً متساوين إلى أنْ ميَّزت الصُّدفة بعض أفرادهم بكثرة النّسل، فنشأت منها القوات العصبية، ونشأ من تنازعها تميُّز أفراد على أفراد، وحِفْظُ هذه الميزة أوجد الأصلاء. فالأصلاء في عشيرة أو أمة إذا كانوا متقاربي القوات استبدوا على باقي الناس وأسسوا حكومة أشراف، ومتى وُجد بيت من الأصلاء يتميز كثيراً في القوة على باقي البيوت يستبدُّ وحده ويؤسس الحكومة الفردية المقيدة إذا لباقي البيوت بقية بأس، أو المطلقة إذا لم يبقَ أمامه من يتَّقيه. انتهى النقل.

أعود وأقول بمدى تأثير الثقافة البيئية المناطقية في فكر الكواكبي، فهو حتى بتحليله لكيفية نشوء الاصلاء حسب تعريفه لهم يتبع نشوء القبائل في جزيرة العرب، وكيف نشأة عصبيتهم القبلية، ولا يأتي على ذكر شعوب سبقت العرب في الحضارة، مصر والعراق والشام مثلا، كان لهم أصلاء حسب تعرفيه لهم أو حتى مغاير لتعريفه، نشأوا بطريقة مغايرة لنشوء القبائل العربية، وليست لهم نفس عصبيتها القبلية .
ثم كيف يكون الحال في باقي دول العالم، كفرنسا وبريطانيا والصين والهند وحضارة المايا مثلا، فهل أصالة عائلة لويس تعود لنفس السبب الذي ذكره؟!
ثم أن الاصالة ليست جرثومة بحد ذاتها، فهي مجرد صفة لموصوف، ولكن طريقة استعمالها للعلو و السيطرة على الناس هي الجرثومة.

ثم يقول:
بناءً عليه، إذا لم يوجد في أمّة أصلاء بالكلية، أو وجد، ولكن؛ كان لسواد الناس صوتٌ غالب، أقامت تلك لنفسها حكومة انتخابية لا وراثة فيها ابتداءً؛ ولكن، لا يتوالى بعض متولين إلا ويصير أنسالهم أصلاء يتناظرون، كلُّ فريق منهم يسعى لاجتذاب طرف من الأمة استعداداً للمغالبة وإعادة التاريخ الأول. انتهى النقل.

وهنا أتساءل هل كل الأمم التي تمارس الحياة النيابية والانتخابية ليس فيها أصلاء؟


محمد الحداد
22 . 05 . 2011



#محمد_الحداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 9
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 8
- دعوة لخروج العراق من جامعة الدول العربية
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 7
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 6
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 5
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 4
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 3
- ماذا قال مبارك لوزرائه في أعقاب يوم الغضب؟
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 2
- قراءة في طبائع الاستبداد ج 1
- بحث مقارن ج 14
- قصيدة مجهولة النسب
- بحث مقارن ج 13
- بحث مقارن ج 12
- بحث مقارن ج 11
- بحث مقارن ج 10
- بحث مقارن ج 9
- بحث مقارن ج 8
- بحث مقارن ج 7


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - قراءة في طبائع الاستبداد ج 10