أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قاسم السيد - قراءة هادئة في المشروع السياسي للقوى الاسلامية















المزيد.....



قراءة هادئة في المشروع السياسي للقوى الاسلامية


قاسم السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3140 - 2010 / 9 / 30 - 20:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما سقط النظام السابق على يد الاحتلال الأمريكي قفز الإسلام السياسي إلى واجهة الأحداث بسرعة غير متوقعه أسهمت فيها عوامل كثيرة منها ما له علاقة بالبناء الاجتماعي العراقي بأعتبار أن غالبية سكان العراق هم مسلمون كذلك كان للوضع السياسي المتوتر الذي يشهده الإقليم نتيجة كثير من الأحداث أهمها الصراع العربي الاسرائيلي والمواجهة الأمريكية الأيرانية كل هذا كان له صداه على الواقع المحلي إلا أن هذه العوامل لم تشكل وحدها عاملا حاسما في ظفر القوى الاسلامية وهيمنتها بقدر ما يشكله غياب القوى السياسية الأخرى سواء كانت يساريه أو ليبراليه رغم أن الفتك الشديد الذي تعرضت له على أيدي النظام السابق وهو ما يتذرع به عادة في تبرير تغييبها لم يكن مسلطا عليها وحدها بل شمل كل الفئات والتنظيمات السياسية الأخرى بل كان تقاعسها في استيلاد أشكال عمل سياسي تناسب مرحلة الاضطهاد تلك وايثار قياداتها السلامة على المواجهة هو السبب في تغييبها عن الشارع السياسي مما ضيع عليها فرصة اللحاق بركب الأحداث التي رتبها سقوط نظام صدام والذي أدى الى تشكيل خارطة سياسيه لاتلبي الحاجات الواقعية للشعب العراقي والتي كانت سببا في تمكين قوى الاسلام السياسي من استغلال الفرصة والعمل على اصطياد المشهد السياسي برمته وأخذه بعيدا عن الواقع العراقي المتسم بالتنوع والانسجام والتعايش السلمي الخالي من الصراع والتصادم رغم محاولة نظام صدام استثمار هذا التنوع من خلال استخدام فريق من هذا التشكيل الاجتماعي وتقريبه للسلطة واستخدامه كأداة في تدعيم قبضتها التي اهتزت بعد هزيمة حرب الكويت والبطش بالفرقاء الأخرين خصوصا الشيعة والأكراد ورغم ماتركه هذا التقريب من ندوب في نسيج المجتمع العراقي إلا إنه لم يصل لدرجة الإحتراب .
كان لأحجام العديد من القوى السياسية خصوصا قسم مهم من السنة العرب في الدخول الى العملية الديمقراطية لكي لا يعتبر دخولهم دعما للاحتلال الامريكي بأعتباره الراعي لهذه الديمقراطية اثره الواضح في إرباك المشهد السياسي كما ان فريق من هولاء الرافضين يعتبرون جزءا من النظام السابق الذي اسقطه الامريكان وقام الكثير منهم برفع السلاح بوجه النظام السياسي الجديد تحت واجهة مقاومة المحتل الأمريكي سواء كان رفع السلاح هذا قد تم تحت خيمة حزب البعث او تنظيم القاعدة او بقية التنظيمات ذات الصبغة الاسلامية السلفيه وقد ازداد موقفهم السياسي سوءا عندما تورط فريق منهم بعمليات ارهابية كان ضرر المواطن العراقي منها أشد من ضرر النظام السياسي او المحتل الامريكي بل حدث العكس مما اريد لهذا الارهاب ان يحدثه حيث تعكزت عليه قوى الاسلام السياسي خصوصا الشيعية منها في تبرير كثير من اخفاقاتها بل عمدت على عدم مواجهة هذا الارهاب بشكل جاد حرصا منها على المكاسب التي دفعها هذا الأرهاب الى جُرفها مما جعل الساحة السياسية ملائمة لها في استثمار الظرف الذي نشأ عقب سقوط النظام السابق والملابسات التي اعقبت هذا السقوط مما دفع خطابها السياسي الى التصدر على بقية الأطراف المشاركة في العملية السياسية رغم ان فريقا من قوى الاسلام السياسي الشيعية هو الأخر قد رفع السلاح بعض الوقت لكن لم يعنون ذلك تحت يافطة اسقاط النظام بل جعل تبريره هو مقاومة الاحتلال الا انه في الواقع كان متمردا على ماآل اليه وضعه على الساحة السياسية بسبب شحة المكاسب التي حصل عليها قياسا لحجم الحضور الذي يمثله في الوسط الشيعي حيث سرعان ماترك السلاح بعدما حصل على مايريد من المكاسب كما ان الثقل السكاني الذي يشكله الشيعة قياسا لبقية الملل والنحل لسكان العراق اعطى ترجيحا لهم في العملية السياسية كل هذه الظروف جعلت الابواب مشرعة للأسلاميين خصوصا الشيعة للأستحواذ على اكبر مساحة من الساحة السياسية وهيمن الفكر السياسي المؤدلج مرة اخرى على المناخ السياسي العراقي الذي ظن الكثير من المراقبين انه سقط بسقوط النظام السابق بينما اثبتت قوى الاسلام السياسي انها كبقية القوى السياسية الشمولية لاتؤمن بحق الاخر في العمل السياسي وأن شكل العمل الديمقراطي الذي يجري ممارسته الان يتم تحت الحراب الامريكية ولولاها لما كان للديمقراطية وجود في الساحة العراقية تحت سيطرة هذه القوى والتي اثبتت بالملموس انها لن تسمح لاي قوة سياسية اخرى بمزاحمتها على سدة الحكم خصوصا منصب رئاسة الوزراء بإعتبار هذا المنصب هو قطب الرحى في صناعة القرارالسياسي حتى لو كانت هذه المزاحمة تتم ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية .
لقد خلف الأستحواذ شبه الكامل للأسلاميين الشيعة على صناعة القرار في قمة السلطة وتنافسهم فيما بينهم الذي وصل لدرجة التناحربل الاحتراب في بعض الأحيان خلف هذه الفوضى في المشهد السياسي العراقي رغم وجود فرقاء اخرين كالأكراد وقسم من السنة العرب والذين لم يكونوا اقل طائفية وفئوية من الاسلاميين الشيعة لكن هولاء وجدوا ضالتهم في هذه الفوضى التي تسببت بها قوى الاسلام السياسي الشيعية حيث خلقت لهم فرصة في انتزاع بعض المطالب التي لم يكن بالأمكان الحصول عليها لو انتظم امر هذه القوى وأهمها تشريع الدستور الذي حفل بكثير من الهفوات والثغرات جعلت بعض القوى التي تحمست لإقراره في حينه من اشد المطالبين الان بإجراء بعض التعديلات عليه .
كما شكل سكوت هولاء الشركاء تشجيعا للاسلاميين الشيعة حملهم على التمادي وسحب العملية الديمقراطية الى مناخات اكثر طائفية وفئوية أدت الى دخول البلاد برمتها وليس العملية السياسية وحدها في متاهات مفتوحة والتي ربما ستكون من نتائجها تقسيم العراق الى دويلات عدة فهذه القوى لم تكن حازمة بالدرجة الكافية لحمل الخصوم والشركاء على التسليم لها كما يفعل الان حزب العدالة التركي بقيادة رجب اوردغان ولا هي بالمتسامحة لدرجة تجاوز أثار الماضي وفتح الأبواب أمام الكل على قاعدة عفى الله عما سلف كما فعل السود في جنوب افريقيا .
كل هذا الأرتباك في الرؤيا أدى الى تعثر مسيرة العملية الديمقراطية نتيجة عدم نضج الحركات السياسية الاسلامية عموما والشيعية خصوصا التي كانت صاحبة القول الفصل في المشهد السياسي نتيجة التخندق الطائفي الذي كان من شأنه ان دفعت القوى اليسارية والليبرالية الثمن بسبب انحياز الشارع الى الصف الطائفي والذي تسبب بتعرض هذه المسيرة الديمقراطية لنكسات كثيرة انتجت هذا التشنج السياسي .
كان من اثار تغييب القوى الوطنيه والليبرالية وقوى اليسار اثره الواضح على العملية الديمقراطية حيث كانت خسارة التجربة الديمقراطية لهذه القوى فادحة نتيجة حرمانها من خبرات انضج الحركات السياسية حيث كان بإمكان هذه القوى رفد العملية السياسية بخبرات اكثر ثراء مما تملكه قيادات قوى الاسلام السياسي لطول باع هذه الحركات في ساحات العمل السياسي وتاريخها النضالي الطويل والتي كانت قياداتها احد اسباب تغييبها عن المشهد السياسي نتيحة القراءة الخاطئة لهذا المشهد مما سمح للاسلامين بأن تشتد قبضتهم على مراكز صنع القرار نتيجة هذا التغييب والذي انعكس سلبا على النواحي الاقتصادية فضلا عن السياسية كما ادى هذا الاستحواذ وغياب القوى الوطنيه الديمقراطية الى توقف النمو الاجتماعي بل الى تراجع مريع في كثير من مجالات التنمية الاجتماعيه سواء على الصعيد الحضاري والثقافي أو على صعيد الحقوق والحريات وكل هذا المشهد المرتبك انعكس بدوره سلبا على الواقع الأمني والمقصود بالغياب هنا لامجرد التسميات للأحزاب أو الحركات السياسية بل الحضور الفاعل في الساحة اذ ان هناك عشرات المسميات من الحركات السياسيه المحسوبة على اليسار والليبراليه ان لم نبالغ ونقل المئات موجودة كعناوين سياسية لكن لاقيمة حقيقية لها على الواقع .
كان أكبر و اهم اخفاق واجهته قوى الاسلام السياسي الشيعية وشكل علامة فارقة في تاريخها السياسي هي اخفاقها في تجنب الأحتراب الداخلي والحيلولة دون وقوعه والذي من اسبابه الخطاب السياسي لهذه القوى الذي اتسم بالطائفية والمبالغة في تضخيم ممارسة الشعائر والطقوس الدينية الشيعية والتي اخذت بعدا غير معهود سابقا كان الغرض منه واضحا وهو ارسال رسالة للأخرين من أن الشيعة هم الأغلبية وعلى الطرف الأخر ان يتقبل هذه الحقيقة مما شكل استفزازا لهذا الاخر واسهم في تحفيزه في محاولة منه اسقاط هذه التجربة متخذا من مقاومة المحتل شعارا لتضليل جماهيره لجرها لهذا الأحتراب ليتحول لأوسع نزاع طائفي في تاريخ العراق الحديث حيث وجد بعض الاسلاميين السنة وخصوصا السلفيين منهم وبعض انصار النظام السابق فرصتهم في محاولة اعادة عقارب الساعة الى الوراء حيث لعبت دول الجوار دورا محوريا في تغذية هذا الصراع وامداده بكل وسائل الديمومة في محاولة من انظمة هذه الدول الأجهاز على هذه الديمقراطية الوليدة ووأدها قبل ان تشب على الطوق كما ان المحتل الأمريكي ساهم بقسط وافر في تأجيج هذا الأحتراب لكي لايسمح بنمو مقاومة وطنية ممكن ان تنشأ وقمعها في مهدها وإغراقها في وحل الأحتراب الطائفي ورغم اخماد بؤر التمرد لكن اسباب اندلاعه ثانية لاتزال قائمة .
ومع هذا لم يمنع هذا الأخفاق الذي واجه الاسلاميين الشيعة في ادارتهم لهذا الملف من ان يجنوا كثيرا من المكاسب منه حيث اصطبغت العملية الديمقراطية باللون الطائفي وبالتالي ادى ذلك الى دفع الناخب الشيعي الذي لم يكن امامه خيارات كثيرة بحكم هذا الوضع المأزوم الا ان يصوت لهذه القوى حيث كانت نقطة سوداء في صفحة هذه الديمقراطية حينما نجح المشروع الطائفي بأمتياز .
ولم يكن نجاح هذه القوى في مشروعها ليمكن ان يتحقق دون موافقة ومباركة أمريكية يمكن قرائتها من خلال هذا السكوت الأمريكي على كثير من الخروقات التي لم يسبق للإدارة الأمريكية السكوت عليها على صعيد تعاملها مع مختلف الأنظمة السياسية على مستوى العالم وهذا يكشف بوضوح أن الولايات المتحدة غير جادة ببناء نظام ديمقراطي في العراق يملك فعالية الاستمرار والتجدد وبالتالي سقوط هذه التجربة مما يعطي الذريعة للأدارة الأمريكية لتبرير تقاعسها في تسويق الديمقراطية في المنطقة العربية بأن وضع المنطقة لايسمح بذلك ولتتخذ من فشل التجربة الديمقراطية العراقية دليلا على ذلك .
ولقد ظهرنجاح قوى الاسلام السياسي واضحا في المكاسب التي جنتها خلال الأنتخابات الأخيرة حيث كان العامل الطائفي هو المحرك الأساسي لكل النتائج التي حصدتها والتي أسهم فيها تشريع قانون انتخابي فيه الكثير من الخرق الدستوري تم بموجبه الإلتفاف على أية فرصة تسمح بوصول أية قوة سياسية جديدة إلى مجلس النواب لكون قوى الاسلام السياسي هي المسيطرة على هذا المجلس مما ادى الى اعادة انتاج ذات القوى في الأنتخابات الأخيرة نقصت مقاعد هذا الطرف او زادت مقاعد ذاك لكن بقي الحال كما هو عليه المهم تم الحيلولة دون وصول اية قوة وطنية اوليبراليه او قوى اليسار لأن في حصول هذه القوى على اعداد مهمة من المقاعد يعني هزيمة المشروع الطائفي وبالتالي غلق سوق الاسلام السياسي في الساحة العراقية وهو ما لاتسمح به هذه القوى حتى المقاعد التي لاتزيد على اصابع اليد الواحدة التي سبق لبعض القوى الوطنية والمستقلة ان نجحت في اشغالها في انتخابات 2005 جرى تجريدها من ايدي هذه القوى واضافتها الى رصيد قوى الاسلام السياسي .
ولكي تظهر هذه القوى نفسها بحلة جديدة وتنفي عنها تهمة الطائفية خصوصا بعد أن أحكمت قبضتها على المشهد السياسي فقد عملت على التدثر بمسميات جديدة بعيدة عن المصطلحات الدينية وعلى شكل تكتلات كبيرة كالائتلاف الوطني او ائتلاف دولة القانون وحتى ائتلاف العراقية جاء على انقاض تكتلات اسلامية سنية كالوفاق والحزب الاسلامي رغم كونه يضم فئات غير اسلاميه ورغم بعض الاصوات المغردة فيه بأسم العروبة أو الوطنية كما أن وجود بعض الاسماء لدى هذا الفريق او ذاك من خارج توجهه الطائفي لاينفي طائفيتها وانما هو لسببين الاول لغرض اخراج توصيف هذه الائتلافات من الطائفية ولو شكليا على الأقل بناء على النصيحة الأمريكية والسبب الثاني هو لأنتهازية هذه الأسماء المشاركة من الأطراف الأخرى في تشكيلات طائفية مغايرة لانتمائها الطائفي لأنها وعدت بمكاسب لاتستطيع أن تحصل عليها لدى طوائفها مقابل إستخدامها كواجهات تزييف لواقع هذه الائتلافات الطائفية.
وطيلة الفترة الماضية التي هيمنت فيها هذه القوى على صناعة القرار السياسي لم نشهد اي برامج ذات بعد تنموي ستراتيجي على مختلف الاصعدة لأفتقار قيادات وكوادر هذه القوى للفكر السياسي الرصين المبني على رؤية ناضجة ذات خبرة تجاه فن ادارة دفة الحكم .
ولم تتعب هذه القوى نفسها اثناء فترة بنائها التنظيمي او فترة اضطهادها أو سنيين التشرد واللجوء في الخارج في صراعها مع النظام السابق على بناء نظرية سياسية وأقتصادية محكمة تستطيع من خلالها أن تقدم نفسها على أنها حركة سياسية ناضجة تتخذ من الاسلام منطلقا فكريا في معالاجاتها لكل نواحي الحياة عبر رؤياها الخاصة في مسألة الحكم بل كان جل همها هو الحكم نفسه ووصل الأمر بها للوصول الى هدفها أن تنكرت لعقائدها المتمثلة بفلسفة الانتظار للمهدي الغائب وهذه الفلسفة توجب على اتباع هذا المذهب عدم التقدم للحكم بصفتهم الدينية لكون الدولة الدينية لايشيدها إلا المعصوم كذلك تنكرهم لذلك الأرث النظالي المقاوم للطائفة الشيعية والذي جسدته مساهمة هذه الطائفة الواسعة في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني بل جرى العكس من ذلك تماما حيث وصلت هذه القوى الى سدة الحكم مستقلة القطار الأمريكي والذي لطالما عيرت خصومها به وعابت عليهم مثل هذه الفعلة وخصوصا البعثيين في انقلاب 1963 .
هذا الرؤيا المشوشة والمبنية على الأرتجالية وترك الموروث العقائدي خلف الظهر انتج قوى سياسية انتهازية جل همها كرسي السلطة حيث أخذت تدير مؤسسات الدولة بفكر عشوائي متخبط أربك عمل مؤسسات الدولة وسمح للفساد الأداري والمالي أن يستشري فيها وأنجرفت اكثر قياداتها في عمليات الفساد هذه وبقي التنظير السياسي مقتصرا على كتابات محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام في عام 1980 حيث يشكل كتابه اقتصادنا محورها ولم يتم رفد كتاباته بأية إضافة مهمة كل هذا الفقرالتنظيري للفكر السياسي ادى الى نشوء حركات وتنظيمات تخلو من اي عقيدة سياسية واضحة بل حلَ العطب حتى بعقائدها الدينية حيث كان ينتظر منها الركون الى الأخلاق الأسلامية والتي من ثيمياتها عفة اليد والأمانة والحرص على المال العام والنزاهة الدينية بينما الذي جرى هو عكس هذا تماما مما ادى افلاسها جماهيريا رغم فوزها الطائفي .
بل الأنكى والأمرمن هذا كله انه برغم نكهة الخطاب الطائفي الواضح لهذه القوى والذي ترمي من خلاله جذب الشارع الشيعي لم تستطع ترجمة طائفيتها التي بأسمها تستأثر بالسيطرة على المناطق ذات الغالبية الشيعية وأن تحول هذا الخطاب الى مشاريع بناء وتنمية وتطوير لمناطق تواجد جماهيرها كتعبير عن انحيازها لهذه الجماهير وبدلا من ذلك جرى الالتفاف على كل برامج البناء والتنمية من خلال احالتها الى جهات ليست ذات اختصاص او جهات شبه وهمية حيث تبددت كل التخصيصات المالية المخصصة لهذه المشاريع وظهرت بسرعة صاروخية حيتان مالية تملك المليارات وليس الملايين وتم تجيير هذا كله بأسم البعثييين الأنجاس الذين يحولون دون تقدم المسيرة حيث اصبحت هذه الشماعة اضافة الى شماعة الارهاب اكبر شماعتين تعلق عليهما الأخفاقات في كل مجالات الحياة وتصويرهما على أنهما السببين الرئيسيين اللذان يحولان دون ظهور الأنجازات على الواقع ووصم كل من يقول عكس ذلك بأنه من الاصوات المعادية للمسيرة الديمقراطية الظافرة.
وقد تم تصوير الحرية التي ادت اليها الاوضاع السياسية الجديدة في أقامة الشعائر الدينية وخاصة للطائفة الشيعية كمسب حققته قوى الاسلام السياسي لهذه الطائفة ولعل في هذا مايكفي لكي تسكت جماهير هذه الطائفة على الأقل عن التردي الذي اصاب مفاصل الحياة برمتها وتكف عن المطالبة بأية مكاسب بأعتبار حرية ممارسة الشعائر الدينية هي أكبر المكاسب وأهمها ومن اجلها فقط يمكن تحمل كل هذا الوضع المزري الذي يمر به الوطن وتخويف الجماهير التي خرجت محتجة مطالبة بتحسين بعض الخدمات بأن مثل هذه المطالبات ستفتح الباب على مصراعية لعودة نظام البعث وبالتالي الذهاب بهذه الحرية التي سمحت بممارسة الشعائر الدينيه.
ولم يكن موقف قوى الاسلام السياسي تجاه هذه الشعائر ذو رؤيا ثوريه حسب ماكانت هذه القوى تدعيه لنفسها ايام معارضتها لنظام صدام بل وصل الحال ببعضها ان اسقط تسمية الثورة من عنوانه التنظيمي بعد أن وجد نفسه في قمة السلطة لهذا كان تصرف هذه القوى امام هذه التحشدات المليونيه ذو نزعة طائفية الغرض منه حصر هذه الجماهير في ممارسة ذات بعد طائفي والحيلولة دون تطوير هذا الحشد ليكون ذا طابعا شعبيا ومنع تطور فعاليته لتكون قوة داعمة للنظام الديمقراطي لكون الجماهير هي مادته بل جرى العكس من ذلك وتحت حجة عدم استثمار الشعائر الدينية للأغراض السياسية منع رفع أي مطالب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو خدمية بل وحتى الشعارات الداعمة للعملية الديمقراطية خلال هذه التجمعات المليونية وبالتالي الحيلولة دون تطوير هذه الممارسة وجعلها استفتاء تستقرئ من خلاله القوى الحاكمة نبض الجماهير وتقيس مدى مقبوليتها في الشارع وكذلك مدى كفاءة اجهزتها الخدمية في تلبية المطالب الشعبية .
كما جرى العمل على شلل العمل النقابي في صفوف العمال وبقية الفئات الأخرى ولم يسمح له ان ينتظم على شكل نقابات تخصصية الا اذا كانت قيادات العمل النقابي تابعة لقوى الاسلام السياسي كذلك اصيبت التنظيمات الاجتماعية الأخرى كالتنظيمات النسوية ومنظمات المجتمع المدني بالأحباط نتيجة سياسة اجهاظ العمل الجماهيري التي تتبعها القيادات الأسلامية .
وبنفس هذا السلوك الطائفي والنزعة الأنتهازية جرى بناء المنظومة الأمنية سواء على صعيد الشرطة أو الجيش مما إدى إلى إنتاج منظومة أمنية عاجزة عن أداء المهمات التي من أجلها أنشئت ونتيجة شيوع الفساد المالي في كل أطراف الدولة ومفاصلها دخلت الى قوات الأمن هذه عناصر مشكوك أصلا في ولائها للعملية الديمقراطية إضافة الى عدم كفائتها المهنية وحصل العديد من عناصرها على رتب ومراكز لايستحقونها أما بحكم إنتسابهم لقوى الاسلام السياسي وهذا ما ينافي البناء الديمقراطي الذي يلزم الأفراد المنتسبين لهذه المنظومة أن يكون ولائهم للوطن وحده ولايمكن مشاركة هذا الولاء بأي ميل سياسي سواء على صعيد الموالاة أو الأنتماء لأي حركة سياسية كما أن بعض هذه الرتب تم الحصول عليها نتيجة التزوير الذي قامت به هذه العناصر مما اتاح لها ان تشغل مراكز قيادية في المنظومة الأمنيه أدى الى جعل المنظومة الأمنية برمتها في حالة شلل شبه تام .
كما انعكس هذا الفساد المستشري على تسليح واعداد المنظومة الأمنية التي حفلت بالكثير من الفضائح كان لمنظومة كشف المتفجرات التي اثبتت عدم فعاليتها نموذجا واحدا من بين العشرات بل المئات من النماذج لكيفية ادارة الملف الأمني بطريقة بعيدة كل البعد عن المهنية والأخلاص للوطن وكل الخروقات الأمنية التي يجري الأعلان عنها هي أما نتيجة بساطة وسذاجة عناصر القوى الأمنية او ضعف وفشل التقنيات التي تستخدمها ورغم مرور سبع سنوات لم تفلح هذه القيادات من تشكيل منظومة استخباراتية ومخابراتية تناسب حجم التحدي المحيط بالعراق .

لم يقتصر التدهور على النواحي الاقتصادية والسياسية بل أن التدهور الذي أصاب الثقافة والحضارة في العراق كان فادحا بسبب افتقار قوى الاسلام السياسي لأية رؤيا معاصرة للثقافة والفكر والفن فبعدما كان العراق مرتعا حضاريا للفكر والفنون بمختلف اشكالهما نرى القوى صاحبة القرار السياسي والتي في جلها إسلامية تهمل هذا الجانب وتدير ظهرها له بل كان موقفها في كثير من المواقف عدائيا وتعسفيا بأعتباره اسهل الطرق لتوفير عناء التبرير وتجلى موقفها هذا من مهرجان الأغنية الريفية في البصرة الذي عمدت فيه الحكومة المحلية والتي هي محسوبة على الاسلام السياسي الى الغاءه بحجة تعارضه مع قناعات الشعب العراقي الدينيه في حين أضحى تراث حضيري أبو عزيز أو داخل حسن وهما من أساطين الطرب الريفي في القرن الماضي جزءا من تراث الشعب العرقي كما أن هذه القوى ساهمت في إكمال مابدء به صدام من إضرار بالثقافة والفكر وواصلوا نفس مسيرته في التضييق على المؤسسات الثقافية من خلال حجب الأعانات عنها أو تسليط قيادات متخلفة لإدارتها وتحديد ساحة عملها .
كما ان الاضرار الذي اصابت الأرث الثقافي والحضاري العراقي الذي اعقب السقوط والاحتلال كان فادحا كان نهب المتحف الوطني العراقي نموذجا صارخا لما جرى وكل المحاولات التي تجري لأرجاع هذا الأرث او قسم منه تأتي من أطراف دولية او جهود فردية او بمبادرات جماهيرية ولم يكن للجهات الحكومية ذلك الجهد المرموق في هذاالجانب مما عكس فهما متخلفا لقيمة هذا الأرث الثقافي والحضاري لدى قوى الاسلام السياسي وقد عكست قضية ارجاع الاثار من الولايات المتحدة نظرة هذه القوى الدونية لهذا الأرث حيث خزنت في مخازن رئاسة الوزراء مع الادوات والمواد الانشائية مما يدلل على عدم تمييز هذا القوى بين التبر والتراب و لاتزال المواقع الاثارية ساحات مفتوحة لعصابات الاثار يسرح ويمرح بها السراق ينقبون ويستخرجون مايشاؤون ولطالما حملت لنا الأخبار اليومية عن مسك هذه الاثار في هذا البلد او ذاك من بلدان العالم مهربة بواسطة مافيات تهريب الاثار .
ومن القطاعات المتضررة على الصعيد الثقافي والفني كان الفن التشكيلي أيضا الذي بلغ في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أوجه حيث أصبح بعض الفنانين التشكيلين العراقيين بمصاف العالميه أمثال عطا صبري وفائق حسن وجواد سليم صاحب نصب الحرية الشهير الذي يتوسط ساحة التحرير ببغداد بل وصل الأمر بالبعض منهم للتدريس في أهم وأكبر الأكاديميات الفنية العالمية كأكاديمية روما للفنون ومثلما كان الفنانون التشكيلين غصة في حلق نظام صدام ولم يكن أغلبهم من المرحب بهم الا القلة الذين سخروا ابداعهم لخدمة نظامه ومع هذا لم يحمل التغيير السياسي اي جديد فلم يكن مصيرالتشكيليين أفضل حالا مع الواقع الجديد الذي يسيطر عليه الاسلاميون .
ولم يكن الشعر أحسن حالا من بقية القطاعات الثقافية والفنية التي اصابها التدهور حيث استمرالتردي الذي اصاب الشعر بسبب نظام صدام البائد الذي الحق بهذا الحقل الأبداعي ضرارا بالغا من خلال استغلاله البشع له وتوظيفه لخدمة نظامه السياسي وإضطهاده المبدعين الذين لايسخرون ابداعهم لتمجيد هذا النظام واضطرارمن فلت منهم من اعواد مشانقه او سجونه للهجرة والتغرب في دول العالم المختلفة كالجواهري والبياتي ونازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وغيرهم كثيرون إلا إن هذا الميدان الإبداعي بقي مهملا في العهد الديمقراطي الجديد سواء على صعيد العناية بكبار الشعراء من خلال اقامة النصب التذكارية لهم او اعادة اصدار بعض الدواوين لعمالقة الشعر او تكريمهم او رعايتهم ماديا أو النظر بعين الأحترام للشعر من خلال العناية بالدراسات والثقافة الشعرية وتوسيع اقامة المهرجانات الشعرية غير المسيسة التي تضم كبار الشعراء رغم أن النظام السابق قد أولى بعض العناية بهذا الجانب في عهده الأول وخصوصا أيام الجبهة الوطنية وذلك لمجاراة الأطراف السياسية المشاركة فيها والتي كانت صاحبة الكعب الأعلى على الصعيد الثقافي إلا أن ذلك أهمل تماما في عهد صدام وكان المثقفون وخصوصا الشعراء منهم يظنون خيرا بالعهد الجديد على أساس أن التغيير الذي حصل يحمل لواء الديمقراطية والتي لم يصبهم منها إلا الأهمال والقتل والتشريد .
أما بقية القطاعات الثقافية الأخرى كالمسرح والسينما فهي ليست احسن حالا من بقية القطاعات الثقافية الأخرى إن لم تكن أسوأ حالا من أخواتها فدور السينما بسبب عين الأرتياب التي تنظر بها القوى الاسلاميه لهذا الفن قد أغلقت ابوابها تماما وأصبحت مرتعا تعيش فيه القوارض وان كان البعض منها أحسن حالا غدت مخازن بضائع أما بالنسبة لصناعة السينما رغم شحة المحاولات في الماضي الا إن هذه القلة قد توقفت تقريبا الان أما المسرح فقد تراجع القهقري ولم نعد نحضى حتى بالعروض التي كنا نطلق عليها المسرح التجاري عدا بعض المحاولات اليتيمة والخجولة لبعض الفنانيين الذين يكابرون لكي يبقى المسرح العراقي على قيد الحياة .
هذا هو الذي وصلنا اليه بفضل المشروع السياسي للقوى الأسلامية والتي فشلت حتى في كيفية ترتيب أوضاعها على قمة الهرم رغم مرور أكثر من ستة اشهرعلى انتهاء الانتخابات وهذا وحده يعد اكبر فضيحة سياسية تلحقها هذه القوى بالمشروع الديمقراطي ورغم هذا فهي تواصل بكل صلف وعناد التشبث بذات موقفها حيث يريد كل فريق نزول الفريق الأخر عند مطالبه رغم التبعات المهولة التي تدفع من رصيد مصير الوطن ووحدته وامن شعبه وتوافقه الاجتماعي السلمي .
وبدلا من ان يحظى العراقي بديمقراطية متجددة وفعالة مستندة الى تشريع دستوري محترم من قبل الجميع اصبح المثل العراقي الشعبي { تريد ارنب هذا ارنب ـ تريد غزال هذا ارنب } خير مثال على ماوصل اليه الحال فبعد كل هذه التضحيات الجسام ومسيرات الألام الطويلة لأكثر من أربعين عاما هي خمسة وثلاثون عمر النظام السابق وسنين النظام الجديد السبعة اصبحت ديمقراطيتنا عبارة عن تنافس بين قطبين من اقطاب قوى الاسلام السياسي و لم يوعد العراقي بعد كل هذا العناء الا بأرنب وحتى هذا الأرنب الموعود لم يتفق عليه بعد .



#قاسم_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امة لاتستطيع قول لا لاتستحق الحياة
- الفرق بين موت وموت
- سيد درويش فنان الشعب ظاهرة لم تتكرر
- ماهي اهداف الحملة الأعلامية لتغطية عملية حرق القرآن
- حق التظاهر والأحتجاج هو لب الديمقراطية وجوهرها
- ليتها عيرت بما هو عارُ
- ياليل الصب متى غده
- الأنتحار السياسي
- الرفاق يفجرون ونحن نفاوض
- عندما تتصرف بعض النساء كملكات النحل
- هل نحتاج لأنقلاب عسكري
- لماذا هذا الموقف من ايران وحزب الله
- المسيرات المليونية وموقف قوى اليسار منها
- يوم ميلاد الملايين
- لقاء الفرصة الاخيرة
- لماذا كتبت سيد اوردغان انت مزعج جدا
- سيد اوردغان كنت مزعجا جدا
- ياسرد ..... ياحسين عصرك
- لالا...تقوليها
- احلام يقظه


المزيد.....




- بالتزامن مع ذكرى النكبة: مجموعات متطرفة تهدد برفع علم الاحتل ...
- المسجد الأقصى على موعد مع استفزاز إسرائيلي جديد من نوعه في ذ ...
- رئيس وزراء اليونان إلى تركيا.. ويفتح ملف -الكنيسة التي تحولت ...
- متى يكون المسلمون أغلبية في أوروبا؟
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
- فيديو خاص: نداء عاجل من طلاب موريتانيا إلى الأمة الإسلامية؟ ...
- خطة مدغشقر.. يوم قررت ألمانيا النازية ترحيل اليهود إلى مستعم ...
- بالفيديو.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تسهدف قاعدة -رام ...
- “ابسطي طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سات وعرب س ...
- اجعل أطفالك يمرحون… اضبطها الآن || تردد قناة طيور الجنة الجد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قاسم السيد - قراءة هادئة في المشروع السياسي للقوى الاسلامية