أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 3















المزيد.....

أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 3


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 3127 - 2010 / 9 / 17 - 17:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ
الجزء الثالث
بقلم: إبراهيم أزروال



لا يقوم النّسق العقديّ بمعزل عن تحديد مجالات المفكّر فيه واللامفكّر فيه، وعن حصر إبداعية الذات البشرية في أضيق النطاقات الممكنة. فالاعتقاد يستتبع ضرورة التماهي مع طوبى أو جهاز اعتقاديّ أو دلالة مخيالية معيّنة، والانزياح المفكّر فيه عن الأنساق الفكرية أو الجمالية أو الفكرانية المضادّة لتلك الطوبى. كما يفترض الاعتقادُ الاشتغالَ على الذات بما يخفّف ارتباطاتها الناسوتية أو الدهرانية أو التاريخية. فالاعتقاد استجابة سالبة للتراجيديا الساكنة في عمق الوجود، وللتعقيد المدوّخ الثّاوي خلف كلّ الفعاليات التاريخية للبشر. وبناء على هذا، فإنّ الاعتقاد يعني، فكّ الارتباط مع أخصّ خصائص الإنسان المتمثلة في ذاتيته ومع توقه الأبهى المتمثّل في الحرية .
لا يخوض المؤمن تجربة الماوراء، إلا ليتحلّل من إنسيّته الصميمة وطبيعيته الحميمة وتاريخيته المتجذّرة، وليضع للعقل سقوفا وأسيجة لاهوتية محكمة الترصيف والتنضيد في أروقة" الفقهرتاريا " أو الاكليروس الفقهيّ أو في المختبرات التدليلية أو الاستدلالية لعلم الكلام. ولمّا كان الاعتقاد، انقيادا طوعيا، للمقدّس، وسعيا حثيثا نحو توطينه في كلّ تمظهرات السلوكات البشريّة ضدّا على المبدعات الوضعية للعقل اللاشرعي، فإنّ استفحال الرقابة على فعل التعقّل والتخيّل والاشتغال على الجسد على نحو متعيّ أو معرفيّ أو جماليّ أو فنطازيّ لا يمكن إلا إن يشتدّ ويحتدّ.
وتبعا لذلك فإنّ الرقابة هي حصيلة طبيعيّة لفعل الاعتقاد لا منتجا ابتداعيا لمؤسّسات اجتماعية، ابتدعت بعد السّلف المرجعيّ كما يعتقد الكثيرون. فالنصوص التأسيسية، حافلة بوضعيات فكرية، منبنية على تحديد حركية العقل البشريّ، وفعالية المخيّلة، وقدرتهما على تأوّل نصّ العالم والتاريخ والآخر والذات على نحو مخالف للخطاب المعياريّ المراد مأسسته في ظرفية ثقافية متحوّلة وإشكالية على أكثر من صعيد.
1-النهي عن السؤال :
فخلافا للفلسفة يرفض الإيمانُ التساؤلَ النسقيّ والاستشكال المتقن، لأنّ السّؤال المقبول دينيا هو سؤال استكمال المطلوب الشرعيّ لا غير، أمّا ما يحفز العقل على التدبّر المتحرّر، فمرفوض من حيث المبدأ، بسبب انطواء السؤال على القلق والحيرة ورفض المستقرّ. ومن المعلوم، أنّ الأديان شكّلت طويلا بلسما لشفاء الجروح النرجسية لإنسانية محكومة بحتميات تراجيدية قاتلة.
والنهي عن السؤال إجراء وقائيّ تتّخذه الأمّة الناشئة المتأهّبة لفتح العالم بقوّة المقدّس منعا للاستشكال الجذريّ للعقيدة الجديدة، خصوصا في فضاء ثقافيّ لم ينقطع بعد عن تمظهرات ثقافته السابقة للإسلام. فالسّؤال في الدين يمكن أن يتحوّل إلى سؤال عن الدين؛ فالسّؤال الساعي إلى تفهّم جزئيات العقيدة أو الشريعة أو تدبّر النوازل أو المستجدّات، يمكن أن يتحوّل، في غياب بيداغوجية ردعية، إلى تساؤل عن كلّيات الدّين وعن مبرّرات هذا التجلّي الدّينيّ أو ذاك. إنّ للسؤال فتنة لا تدانيها فتنة، وغواية لا تضاهيها غواية؛ وعليه، فلا بدّ للمشرّع أن يضع حدودا جليّة للمفكّر فيه وللامفكّر فيه وأن يعيّن الأولويات الفكرية لأمّة الدعوة تعيينا لا يسمح بالتأويل البعيد أو بالتوظيف الفكرانيّ للاجتهادات الذاتية.
فالسؤال فتنة وغواية طالما أنّه ينفتح على الغيب وعلى الأسرار؛ والعقيدة إذ تدبّر المقدّس تعيّن للإنسان ما هو قابل للمعرفة وما هو خارج المعرفة البشرية إطلاقا، وتفرض عليه قبول وضعية معرفية محدّدة ومحدودة السّعة الإبستمولوجية. فالمعرفة ليست معرفة من المنظور الإسلاميّ، إلا إذا قلّصت فعليتها التدليلية أو التعليلية متوجّهة إلى الغيب لتمتح من منابعه بدءا، وتأملَ في استيطان جغرافيته الفردوسية، مآلا.
لا يمكن للسؤال عن الكليات الدينية أو عن معاني الخيارات المتعالية أو عن مجاهل التاريخ أو النفس أو أسرار الكونيات عموما، إلا أن يخلخل الجماعة المؤمنة المنبثقة من فضاءٍ عرف تراتُبَ الطبقات الاعتقادية منذ ألفيات كثيرة. فالسؤال الصادر عمن الخصم العقديّ، يستهدف خلخلة تماسك الجماعة الناهضة، وزعزعة جهازها الميثولوجي – العقديّ، الناهض على قاعدة الاجتياف الانتقائي لمنظومة المعتقدات والميثولوجيات في العالم السامي – الإغريقي.
فصاحب السؤال الاستشكاليّ لا يروم استكمال معلوماته الدينية أو تعميق فهمه لدلالات الاعتقادات أو العبادات أو المعاملات، بل يروم نقل الخطاب من مجال إبداعيته واستثنائيته إلى مجال مشتركٍ هو مجال المعرفة المشتركة في الفضاء الثقافيّ السامي آنذاك. يكمن مكرُ السؤال عن الدين، في سعيه إلى نقل الخطاب من مجال تميزه البلاغيّ والأدبيّ إلى مجال المشترك المخياليّ أو المعرفيّ، أي إلى مجال الذاكرة النصّية المشتركة.
فالسؤال استراتيجية ذكيّة لدفع الخصم العقديّ إلى الانتقال إلى مواقع خطابية أو تعبيرية أو معرفية أو حجاجية، غير مطابقة أو غير متجاوبة كلّ التجاوب مع إطاره العقديّ أو الفكريّ الأصليّ. وعليه، فالسؤال سعي إلى نزع المبادرة الخطابية من الخطاب العقيديّ الجديد، وإحلال الإرباك الفكريّ في الساحة العقدية طالما أنّ الحسم في الأمور الميثو- تاريخية لا يتمّ بالحسم المطلوب.
فلئن سعى النصّ الجديد إلى تكريس تفرّده المطلق بالقياس إلى المنظومة النصية القديمة فإنّ السؤال الغيريّ يسعى إلى تذكيره بأصوله والى انتظامه الحقيقيّ في مخيال متوارث.
( …وروي أنّ السيد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقال السيد وكان يعقوبيا: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم. وقال العاقب وكان نسطوريا: كانوا خمسة سادسهم كلبهم. وقال المسلمون: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، فحقق الله قوله المسلمين. وإنما عرفوا ذلك بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لسان جبريل عليه السلام .)
(-الزمخشري – تفسيرالكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل- رتبه وضبطه وصححه : محمد عبد السلام شاهين – منشورات : محمد علي بيضون – بيروت – صيدا – بيروت – الطبعة الأولى – 1995- المجلد الثاني – ص. 685) .
تصدّى القرشيون للخطاب العقيديّ الجديد وسعوا إلى تحويل مجال النظر من إطار البلاغة والمجاز والفصاحة إلى إطار المتاح المعرفيّ المشترك آنذاك، وطالبوا بتدبّر بعض قسمات الفكر الميثولوجيّ المشترك في الشرق الأدنى آنذاك .فإنسان الاستجابة يتحوّل بمنطق معكوس، إلى إنسان الدعوة، وإنسان الدعوة يتحوّل إلى إنسان الاستجابة للخطاب الاستشكاليّ المضادّ للروحية الجديدة. فالقرشيّ المدعوم من قبل اليهوديّ، يختار مجال المعرفة" التاريخية " باعتبارها تقع ضمن المدرك والمتاح للبشرية السامية – الإغريقية، ليرجّ الخطاب الجديد، ويدفعه إلى مواقع جدالية دفاعية. فالسؤال الغيريّ، ينقل المعركة الفكرية من البلاغة إلى التاريخ والميثولوجيا أي من الفرادة الأسلوبية إلى المعلومة الميثو-تاريخية المشتركة بين ثقافات كثيرة.
والسؤال الاستشكاليّ متنقّل بين الجماعات؛ فقريش تستعير ثلاثة أسئلة ( سؤال عن أهل الكهف وسؤال عن ذي القرنين وسؤال عن الروح ) من اليهود؛ واليهود يستعيرون سؤال أهل الكهف من الأدبيات المسيحية اللاارثوذكسية، وسؤال ذي القرنين من تاريخ هيليني زاخر بالتداخلات الثقافية. فالقرشيّ ( النضر بن الحارث )، المتأثّر بالأدبيات الفارسية (أخبار رستم واسفنديار)، يستعين بخبرة يهود يثرب المكتفين بسؤال عن حكاية مسيحية وحكاية إمبراطور كونيّ معروفتين في الفضاء الثقافيّ العربيّ بشهادة حضور الإسكندر المقدوني في شعر أمية بن أبي الصلت وورود حكاية نيام افسس في المنتديات النصرانية والمسيحية بالجزيرة العربية وبلاد الهلال الخصيب. فالسؤال الإشكاليّ يقبل الاستعارة مادام يتقصّد إظهار التوحد حتى بين الفرقاء العقديين القابلين بالوضعية العقدية القائمة وبالتعددية الثقافية المتأصلة ضدّ الخطاب الجديد الساعي إلى إلغاء الخريطة العقدية السائدة، وفرض تأويله للمخزون الدلالي الميثو- تاريخي على كلّ الأغيار بلا استثناء.
(…بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهما سَلاَهم عن محمّد وصفا لهم صفته وأخبِراهم بقوله فإنّهم أهل الكتاب الأوّل وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى أتيا المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وبعض قوله وقالا إنّكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال فقالوا لهما سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ فإن أخبركم بهنّ فهو نبيّ مرسل وإلا فرجل متقوّل ترون فيه رأيكم : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ما كان من أمرهم فإنّهم قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبيّ فاتبعوه وان لم يخبركم فإنه رجل متقوّل فاصنعوا في أمره ما بدا لكم، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا يا معشر قريش جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبروهم بها فجاءوا بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخبركم غدا عما سألتم عنه، ولم يستثن " فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عمّا سألناه عنه وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشقّ عليه ما يتكلّم به أهل مكة ثم جاءه جبرائيل عليه السلام من الله عزّ وجلّ بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول عز وجل " ويسألونك عن الروح ؟ قل الروح ) الآية .)
(- ابن كثير –تفسير القرآن العظيم – دار الجيل – بيروت – لبنان – الجزء الثالث – ص. 70-71) .
نلاحظ استنادا إلى هذا النص التراثيّ، قدرة السؤال على إرباك الخطاب النقيض من جهة، وعلى بنائه من جهة أخرى. فقد كان السؤال / الامتحان القرشي / اليهوديّ مناسبة للتأكّد من رؤية الإسلام الناشئ للتاريخ العقديّ المشترك بين المسيحية وبين الإسلام ( نيام افسس أو أهل الكهف ) أولا، وللتشديد على الاتكال الكلّيّ على الله في كلّ الأشياء بدون استثناء، بدلالة التنصيص على الاستثناء.
ولما كان السؤال الاستشكالي أو الشكّي مهدّدا للأمن الروحيّ للمجموعة الناشئة ولتلاحمها البنيويّ، فإنّ النهي عن التساؤل يصبح أمرا ضروريا من الناحية الشرعية. فالأمّة المتأهبة لتغيير المشهد العقديّ الكونيّ، والتوّاقة إلى طرح كل ألوان الفكر التعديدي أو التشريكيّ، لا يمكن أن تفتح ركحا أبديا للتناظر والتساؤل المنهجيّ المفتوح على الدوام. إنّ السؤال المقبول في هذا الإطار، هو السؤال المتعلّق باستشكال موجبات التعبّد الشرعيّ، لا السؤال المرتبط بالممكن الأنطولوجي أو بالكينونة الغيبية أو بالوضعيات السلوكية المشبوهة أو الملتبسة للأشخاص الرمزيين أو التأسيسيين. أمّا السؤال القلق أو الاستشكاليّ أو الشكّيّ، فهو مرفوض ومحرّم إطلاقا، ومصير أصحابه لن يكون أفضل من مصير النضر بن الحارث المقتول صبرا بعد أسره في بدر ومصير بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.
والجماعة الإيمانية لا ترفض السؤال الغيريّ فحسب، بل يمتدّ رفضها ليشمل السؤال النابع من صميمها. يسعى السؤال الغيريّ، إلى تغيير المواقع الخطابية والى نقل سلطة الخطاب من خطاب الدعوة الجديدة إلى الخطاب النقيض. وعليه، فالسؤال إستراتيجية لتغيير المواقع الخطابية على رقعة الخارطة التأويلية، وعلى التفرد بإدارة الخطاب. أمّا السؤال الصادر عن الجماعة نفسها، فيرنو إلى التحقّق من المغيب في التاريخ الجينيالوجيّ والى الكشف عن المحظور. ولمّا كانت التواريخ الجينيالوجية حسّاسة في سياق جماعة غير منسجمة كليا، فإنّ الكشف عنها يعني استعادة ضمنية للمكبوت الأكبر: أي التاريخ الجاهليّ. كما أنّ السؤال الذاتيّ، ينطوي على مطالبة ضمنية للنبوّة بأداء مهمّتها الكشفيّة في كلّ وقت وأوان.
(… أخبرني أنس بن مالك؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس. فصلّى بهم صلاة الظهر، فلمّا سلّم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أنّ قبلها أمورا عظاما. ثم قال: " من أحبّ أن يسألني عن شيء فليسألني عنه، فوالله !لا تسألونني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا ". قال أنس ابن مالك: فأكثر الناسُ البكاءَ حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: "سلوني " فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله ! قال : "أبوك حذافة " فلمّا أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول:" سلوني " برك عمر فقال : رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أولى والذي نفس محمّد بيده !لقد عُرضت عليّ الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشرّ ".
قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أمّ عبد الله بن حذافة لعبد الله ابن حذافة: ما سمعت بابن قطّ أعقّ منك. أأمنت أن تكون أمّك قد فارقت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.)
(-مسلم بن الحجاج – صحيح مسلم – اعتنى به : محمد بن عيادي بن عبد الحليم – مكتبة الصفا –الطبعة الأولى – 2004- الجزء الثاني –كتاب الشعر – ص. 530-531)
فكثيرا ما يميل السؤال الذاتيّ إلى تغليب التاريخ الذاتيّ للشخص على التاريخ الفكريّ للروحية أو" التاريخ" الاسكاتولوجي المرتقب. فالسؤال المطلوب، هو السؤال المستكمل للمعرفة بالتاريخ الانبيائيّ أو" بالتاريخ" الاسكاتولوجيّ، أما التاريخ الفرديّ فسؤال غير ناهض فكريا ومضرّ بسلامة العلائق في وسط حديث العهد بالروحية الجديدة، وموجود في صراع مع مقاومة مخاتلة سمّيت بالنفاق.
لقد أدركت الجماعة المؤسّسة جسامة الوجود في وضعية السائل، ممّا يفسّر غليان حالتها الوجدانية، وارتكان البعض إلى وضعية التسليم كما في قول عمر تلافيا لحالة الاحتقان الوجدانيّ والتوتّر النفسيّ. فكثيرا ما تنفتح المطالبة بالسؤال على وضعية توتّر ضمنيّ أو صريح، لأنّ للسائل اعتبارات معرفية أو نفسية أو سياسية هي غير اعتبارات مدير وضعية السؤال. فطرح السؤال، غالبا ما يشي بتمسّك الفرد بتاريخه الخاصّ وبتقديره الشخصيّ للحوادث والمعتقدات فيما يصرّ مدير وضعية السؤال على نزع التفرد عن الشخص، ووصله كلّيا بتاريخ رمزيّ.
السّؤال هو تشبّث بتاريخ شخصيّ ضدّ فكرية تروم تحويل الأشخاص إلى علامات على هامش المتن الإبراهيميّ.
( حدّثنا عبد الله بن براد الأشعري ومحمد بن العلاء الهمداني قالا: حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها. فلما أكثر عليه غضب. ثم قال للناس: "سلوني عمّ شئتم " فقال رجل: من أبي؟ قال : " أبوك حذافة " فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال : "أبوك سالم مولى شيبة " فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب قال: يا رسول الله !إنا نتوب إلى الله.)
(-مسلم بن الحجاج – صحيح مسلم – اعتنى به : محمد بن عيادي بن عبد الحليم – مكتبة الصفا –الطبعة الأولى – 2004- الجزء الثاني –كتاب الشعر – ص. 531)
ولهذه الاعتبارات وغيرها، صار من الضروريّ التنصيص نصّيا على حدود المسموح به شرعيا، ضمانا لانسجام الجماعة ولسريان أحكام الشريعة فيها. فالسماح بالسؤال لا يعني من المنظور العقديّ إلا استمرار التشريع، واستمرار التشريع يقتضي استمرار النبوّة إلى ما لا نهاية. فالنّهي عن السّؤال داخل المجموعة المؤسّسة يعني تمكين الشخص المؤسّس من استكمال الشريعة وختم النبوّة.
( قوله : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) أي :لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسّؤال عنها، ولا هي ممّا يعنيكم في أمر دينكم، فقوله: (إن تبد لكم تسؤكم ) في محلّ جرّ صفة لأشياء أي: لا تسألوا عن أشياء متّصفة بهذه الصفة من كونها إذا بدت لكم: أي ظهرت وكلفتم بها ساءتكم، نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّ السؤال عمّا لا يعني ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سببا لإيجابه على السائل وعلى غيره. قوله : ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) هذه الجملة من جملة صفة أشياء، والمعنى: لا تسألوا عن أشياء إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن، وذلك مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، ونزول الوحي عليه ( تبد لكم ) أي : تظهر لكم بما يجيب عليكم به النبي صلى الله عليه وسلم، أو ينزل به الوحي، فيكون ذلك سببا للتكاليف الشاقّة وإيجاب ما لم يكن واجبا وتحريم ما لم يكن محرّما، بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي، بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّه لا إيجاب ولا تحريم يتسبّب عن السؤال.)
( - محمد بن علي الشوكاني – فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير – اعتنى به وراجع أصوله – يوسف الغوش – دار المعرفة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2002-ص.397)



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصول المراقبة في الفضاء الثقافي الإسلامي 2
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 1
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 4
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 3
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 2
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 1
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 2
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 1
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 2
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 1
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 2
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 1
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 6
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 5
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 4
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 3
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 2
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 3