أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - نحن نخلق آلهتنا ( 7 ) - الله مُجيبا ً للدعاء .















المزيد.....

نحن نخلق آلهتنا ( 7 ) - الله مُجيبا ً للدعاء .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3031 - 2010 / 6 / 11 - 16:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإنسان لم يفكر فى ألهته نتيجة حاجة معرفية ولكن لتجاوز ألم يجتاحه ويطيح بسلامه وأمانه الداخلى ..فهو لم يجلس على ربوة عالية يتأمل الوجود ويفكر كيف جاء؟..أعتقد أنه لم يكن يعنيه هذا ولم يكن من الترف الفكرى أن يخوض فى مثل هكذا أمور بل حتى إنساننا الحديث لا يفكر فى فكرة إلا تحت وطأة الألم والحاجة ..لذا لم يفكر إنساننا القديم بمنطق الأثر والمسير والبعرة والبعير ..فهو لم يجلس على الربوة إلا تحت ضغط ألم وحاجة ماسة للخروج من أزمته وتلمس سلامه المفقود .

ومن هنا تجئ سلسلة مقالاتى " أننا نخلق ألهتنا "...فنحن نخلق صفات وسمات نريدها فى الإله لتُعبر عن حاجاتنا ورغباتنا النفسية العميقة وتَعبر بنا دروب الألم .

*** الله مجيب الدعاء .

من صفات الله الكثيرة صفة مجيب الدعاء ولعلها الصفة الوحيدة من ضمن الصفات الإلهية التى يمكن إختبارها وتلمسها بل يمكن الإتكاء عليها فى إثبات وجودالله .!!
فكل الصفات الإلهية غير ملموسة ولا مُدركة ..فصفة الخالق والعادل والرحيم والمنتقم وكل القائمة الطويلة من الصفات غير محققة ولا يمكن إدراكها وتلمسها ..فنحن لم نرى الخلق ولا العدل ولا الرحمة ألخ ..ولكن وفقا ً لأن الله هو مجيب الدعاء فهو الوحيد المخول بتنفيذه فيمكن أن نتلمس تأثير الله متى تضرعنا إليه بخشوع وطالبناه بتحقيق أمانينا وأحلامنا .

ولكن هل الله ينفذ دعائنا له ؟

أثار إنتابهى وأنا صغير هذا الدعاء الذى يردده شيخ الجامع فى ختام خطبة الجمعة ليردده من وراءه المصلون بصوت جهورى موحد : آمين
اللهم عليك باليهود و الأمريكان ومن والاهم .. آمين
اللهم شتت شملهم.. آمين
و فرق جمعهم... آمين
اللهم يتم اطفالهم و رمل نساءهم ... آمين
اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم.... آمين
اللهم أهلكهم كما أهلكت عادا و ثمود... آمين

بالرغم أننى تربيت فى مجتمع صدر لىّ الكثير من مشاعرالكراهية والعداء للكيان الصهيونى ..وبالرغم من ميولى اليسارية المبكرة بعد ذلك والتى أعانتنى على معرفة كينونة إسرائيل وأمريكا والصراع ..وبالرغم من إدراكى للتراث العبرانى المشبع حتى الثمالة بالعنصرية والعنف ورفض الأخر ..إلا اننى لم أكن أستسيغ هذا الدعاء وأعتبره غارق فى الكراهية بصورة بشعة .
ولكن ما أثار إندهاشى فى مراحلى الطفولية الأولى أن الله لم يستجيب لهذا الدعاء ولو لمرة واحدة ...فبالرغم من ترديد عشرات الملايين من البشر فى مساجد مصر المحروسة وفى العالم العربى من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر إلا ان الله لم يستجب لدعائهم بتيتم أطفال اليهود والامريكان وترميل نساءهم بل على العكس نحن من تيتم أطفالنا وترملت نسائنا .!! ..وكأن الدعاء يذهب فى الإتجاه المعاكس .!!!

فهل الله يستجيب للدعاء ؟!!
بالطبع الأمور لا تكون هكذا .. فمهما ملئنا الدنيا تضرعا ً ودعاءا ً فليس معنى ذلك أن مطالبنا وأمانينا ستتحقق ..إذن تصبح مقولة الله مجيب الدعاء غير محققة وتنضم إلى باقى الصفات الإلهية المفترضة والتى لا تجد لها حضورا ً أو تأثيرا ً فلا تكون أكثر من إدعاء لا يوجد ما يثبته .

ولكن يوجد هناك تناقض هائل فى مكنون هذه الصفة ذاتها لتقوض من أركانها ولا تضعها إلا فى نطاق الإدعاء وليس الدعاء .!!
فإذا كان الله قد قدر الأقدار والأحداث وخططها ورسمها منذ البدء وقبل الوجود لتصل بعض الميثولوجيات بأن الأقدار تم تسجيلها على ألواح محفوظة قبل بدايات التكوين بحكم أن الله عليم وقدير وذو إرادة ومشيئة .

فهنا نسأل ..هل فعل التضرع والإنسحاق والدعوات اللحوحة لها معنى ومكان من الإعراب .؟!!
بمعنى ..هل عندما ندعو الله أن يستجيب لطلب وحاجة لنا, فهل هو يستجيب أم يتخلى عن مطلبنا ويصرف نظر عنه .
فإذا كان يستجيب فهو يحقق صفة أنه الإله مجيب الدعوات ولكن هذا يوقعه فى إشكالية ضخمة حيث ستتناقض بشدة أمام صفات أنه عليم ومقدر ومخطط ومدبر وذو إرادة ومشيئة لا ينازعه فيها أحد .
فلو إستجاب الله لدعوتنا له فهو هنا يخالف علمه المسبق والأقدار المدونة لديه فى ألواحه المحفوظة ..سيخالف كل الترتيبات التى رتبها سابقا ًوسيعدل منها ويتجاوزها ..أى أن حدث الدعاء وإستجابته له قد نفى عنه صفة العلم والمعرفة والتقدير والتدبير منذ البدء .!!
فهل لو قدر الله لنا شيئا ً محددا ً بإرادته ومشيئته منذ بدء الوجود وسجله فى ألواحه ومدوناته المحفوظة ..ثم جاء دعائنا له بعدها فى مرحلة لاحقة فهل هو على إستعداد لتغيير الأحداث والأقدار وشطب ما تم تدوينه أم أن الأمور ستسير كما خطط لها من قبل .
إذا كانت الأمور ستتم كما قدر لها من قبل فهنا ستصبح صفة مجيب الدعاء غير محققة ولا معنى لها !!..أما إذا إستجاب لنا فهنا ستصبح المعرفة والإرادة والمشيئة الإلهية فى مهب الريح ... سيضيع كل الترتيب المسبق ..ستجعل الله غير مدرك للحظة القادمة .. ستجعل فعله مرهون بفعلى وإرادتى ودعائى .

طرحت هذه الأسئلة الحائرة على والدى الذى عانى الكثير من أسئلتى الشاكة ..فيصمت حيناً فيبدو أننى صدرت له حيرتى ولكنه يعاود فى اليوم التالى ليطرح إجابته بأن الله يعلم كل شئ ..فهو يعلم أننى سأدعى له فى اليوم الفلانى وأنه لن يستجيب لىّ .
يعتقد أبى أنه وجد حلا ً لإشكالية المعرفة والترتيب المسبق والدعاء ..لأبادره بنفس السؤال : إذن يا أبى لا داعى للدعاء طالما الله سينفذ اللى فى دماغه واللى على مزاجه سواء دعوته أو لم أدعوه ..وهل أصبحنا مثل الماكينات ( الروبوتات بتعبير هذا العصر ).؟
يتشعلق أبى بمقولتى دماغ الله ومزاجه ليؤنبنى على هذا اللفظ الغير لائق وينهى بذلك الحوار , وتصبح أسئلتى مازلت حائرة تبحث عن إجابة فى عالم يردد دعواته بلا كلل ولا ملل .

إذن سواء تضرعت لله ودعوته لتلبية مطلب وحاجة معينة أو لم تدعوه فلن يحدث شيئا ً ولن تتغير وتتبدل الأمور بل ستسير فى مسارها المرسوم لها منذ البدء كما يزعمون .

إذن ما فائدة الدعاء ..طالما كل شئ مقدر ويسير بشكل محتوم وقدرى .

الفكرة هشة بما فيه الكفاية ولكن عندما نحاول أن نفهمها سنتلمس الحاجات النفسية التى أبدعها الإنسان لخلق الفكرة بحيث يتجاوز المنطق الذى ذكرناه أمام حاجة وجود فكرة الله كمجيب الدعاء .

الإنسان يواجه الألم و يجهل فى الوقت ذاته سبب الألم نتيجة قلة معارفه الإدراكية ..ولكنه لا يقف عند محاولة إستقباله بل يخلق أملا ً فى تجاوزه .
تكون قصة الدعاء هو الأمل الذى يتشعلق به الإنسان لخلق حالة من الطمأنينة الوهمية ..حالة أن هناك من سيترفق به ويقف إلى جانبه لعبور الأزمة ويحقق أمانيه ..هو رسم وهم سرابى لا يملك غيره ليجرى وراءه حتى يبث الأمان فى نفسه الملتاعة الجاهلة ويخلق أمل يعينه على تحمل اللحظة .

فكرة الله مجيب الدعاء جاءت من رحم فكرة الأب الراعى المجيب لمتطلباتنا ..ومنها إتكأ عليها الإنسان ليخلق فكرة وجود رعاية وعناية خاصة به تعينه على التحمل والتصدى لقوى الطبيعة ..أن تخلق له سند ودعم قوى من قوى فوقية قادرة على حسم الصراع إلى جانبه متى تضرع وإستنجد بها .

عندما تتحقق أمنية من الأمانى المرجوة فتكون الصلوات والتضرعات والأدعية قد أتت فعلها ومفعولها .!! وتأكدت مقولة الإله مجيب الدعاء لترتفع الميديا المسوقة للفكرة بشكل عالى ..أما إذا فشلت الصلاة والدعاء فى تحقيق أمانينا فهناك خلل ما فى صلاتنا أو أن الخطايا والذنوب تغمرنا وتحول من أن يستجيب الله لنا .

الإنسان الجاهل بسبب الالم لن يتخلى عن فكرة الله المجيب لأنه بالفعل لا يملك غيرها ولن يترك نفسه فى العراء بدون أى بارقة أمل يدعم بها نفسه المضطربة .

نحن نتعلق بقشة لعل وعسى أن نتجاوز الألم وتتحقق حاجتنا وليس لنا فى حالة جهلنا الشديد بسبب الألم سوى خلق هذه القشة التى نتعلق بها لتعبر بنا لحظات الإخفاق والفشل وتصل بنا إلى أعتاب الأمل والرجاء .

عندما نعرف ونعتاد على التعامل مع الظواهر المادية وفقا لقانونها المادى فلن نتضرع للسماء لننتظر عطايا ومنح الإله ... لن نقيم الصلوات حتى تتعطف السماء بالمطر لأننا أدركنا سبب سقوط المطر ونستطيع أن نتنبأ به بل يمكن أن نسقطه بوسائلنا .

لن نرفع أيدينا بالدعاء عندما نصاب ببعض الصداع أو المغص ولكن سنرفع أكفنا بالتضرع عندما نصاب بالسرطان .!! ... ولن ندعو الله أن يجيب لنا على حدث مر بنا فلم يعد الماضى يعنينا بتوديعنا إياه ولكن سنتوسل إلى الإله ليحفظنا من لحظة قادمة حاملة معها كل توجسنا وخوفنا وقلقنا .

إذن مع الجهل والحيرة والألم نحاول أن نخلق لأنفسنا وهما ً ونجعل هذا الوهم قادر على بث الأمان النفسى فى داخلنا .
وعندما يصادف أن يتحقق على أرض الواقع فهنا نحن لا نعزيها إلى سببها المادى الذى نعلمه أو نجهله ولكن نعزيه إلى الإله فى السماء وتنال هذه الحادثة أكبر ميديا ممكنة من أصحاب الخرافة .
أما إذا لم تتحقق أمانينا مع دعواتنا ..فهنا يطل علينا أيضا أصحاب الخرافة ببجاحة يحسدوا عليها بإدعائهم أن الله ليس سوبر ماركت أو أنها إرادة وترتيب إلهي علينا الإمتثال إليه والإذعان له .

إذن ما جدوى الدعاء ؟

دمتم بخير .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 4 )- حد الردة رغبة سياسى أم ر ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 9 ) - الخلوة الغيرالشرعية بين ...
- لماذا يؤمنون .. وكيف يعتقدون ( 3 ) _ الدنيا ريشة فى هوا .
- من داخل دهاليز الموت إشتقت لحضن أمى .
- إشكاليات التراث ومتطلبات العصر وأين يكون حرثنا فى الأرض أم ف ...
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 2 ) - لا تسأل ولا تعرف .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 8 ) _ أشياء مطلوب الإعتذار عنه ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 3 ) - الجنه تحت أقدام المقاتل ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 5 ) .
- تديين السياسة أم تسييس الدين (2) - الناسخ والمنسوخ تردد إلهى ...
- إلى هذا الحد وصلنا لحالة من الشلل والتسطيح والتهميش .
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 1 )- اليهودية نموذجا ً .
- ثقافة المراجعة والإعتذار المفقودة .
- نحن نخلق ألهتنا ( 6 ) - الله رازقا ً .
- تأملات فى الإنسان والحيوان والبرغوث .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 4 )
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 3 )
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 2 ) .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 1 ) .
- الأديان كتعبير عن مجتمعات عبودية الهوى والهوية .


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - نحن نخلق آلهتنا ( 7 ) - الله مُجيبا ً للدعاء .