أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 10















المزيد.....

الأولى والآخرة : مَرقى 10


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2968 - 2010 / 4 / 7 - 09:47
المحور: الادب والفن
    


في هذه الآونة ، كنتً ألحظ ضيقاً خفياً يعتري ملامح صديقي ، العريان ، كلما تلاقتْ ، عَرَضاً ، نظرتينا . إنه مستاءٌ ، على الأرجح ، من خصلة النأي عن الجَدَل ، الغالبَة على مسلكي منذ بداية الجلسة . على أنّ الأمرَ هنا ، ما كان متعلقاً حسب بشيمَة خلقي ، المطبوع على التكتم والتحرّز والحذر : إنّ إصراري على الصمت ، إذاً ، كان مَرجوحاً لديّ ، ما دمتُ أجدني عضواً غريباً ، بشكل ما ، في جسَد هذا المجلس ، المُوَقر ، بما أنّ أعضاءه الآخرين كانوا جميعاً من وجوه البلد ؛ من نخبة الأعيان والأشراف والجند . بكلمة أخرى ، فقد كنتُ كأعزلَ ، لا حولَ له ، في موقعة حَميَ وَطيسُ سلاحها . بيْدَ أنّ داخلي ، كانَ مشغولاً ، بالمقابل ، بالنكد المُتنامي في جلستنا ، والمُتسبّب فيه إصرارٌ على الخلاف ، متأت من المصدر ذاك ، الراطنُ بمفردات ، عسكريّة ، فادحَة التجديف .
" إنّ هذا المارق ، المُشابه في غيّه هَلاكو وتمرلنك ، كان في نيّته إبادة وجاقات الشام الشريف ، مثلما سبقَ له أن فعله بمحروسة الآستانة ، حينما كان يدَ السلطان ، الضاربَة : لقد أحلّ وقتذاك ، كما نعلم كلنا ، الدمَ الإنكشاريّ ؛ الدم العزيز ، الذي طالما سُفحَ ، شهيداً ، على مذبح مجد الإسلام ، العظيم ، في البلقان والقفقاس والمُسْقوف . ولم يتورّع الرجلُ ، المأفونُ ، عن العبَث بالحُرْمات ، حينما أطلقَ اليدَ ، أيضاً ، في نساء أولئك الجند بالسَبي والهتك والإغراق في مياه البسفور . حصلَ ذلك ، لأنّ رؤساء الوجاقات في الآستانة كانوا قد تحدّوا بدْعَة التشبّه بالفرنجة ، التي بشر بها الباب العالي ، مؤخراً ، بحجّة التحديث والتطوير " ، تابعَ آمرُ اليرلية الكلام وقد أمّحى ملمحُ المرَح من قسماته ، الدقيقة . من جهتي ، وإذ كنتُ ما أفتأ مُنحاشاً عن لجة الجدل ، إلا أنني أنصّتُ عندئذ بغبطة لسرّي وهوَ يُخاطب ذلك الإنكشاريّ ، الثائر : " لقد سُقيتم ، أخيراً ، من نفس الكأس المريرة ، التي دأبتم على تجريع الخلق منها " . ولكنّ كبيرَ الأعيان ، كانَ في تلك اللحظات ، ولا غرو ، أقلّ ميلاً لبهجة الباطن ، المُفترَضة . إذ بادرَ إلى التعبير عن سخطه على الملأ ، قائلاً : " كلنا عبيدٌ ، ولا ريب ، لخليفة الرسول ؛ مولانا السلطان ، أعزه الله . وعلى ذلك ، فإنّ أمره بنا مطاعٌ وواجبٌ . ما كان قد جرى في تخت السلطنة من أحداث طارئة ، مؤسفة ، آلمَ المسلمين جميعاً بكل تأكيد . إلا أنه أمرٌ أنقضى والحمد لله . ما يَبْرَحُ من ألم اليوم ، يجلّ بنا عن ألم البارحة . إنّ همّنا الآن هوَ الخروج بولاية الشام من ربقة العَسْف إلى طلاقة الحرية . وهذا فرمانُ الأمان ، الهمايونيّ ، يضعنا على الطريق المُرْتجى، المَأمول ، طالما أننا سَنلزمُ حكمة القول والفعل سواءً بسواء " .

على الأثر ، سَرَى في جوّ المجلس نسيمُ الفرَج ، الربيعيّ ، والمُتماهي بهمهمة بعض الأعيان ، المُستحسنين خطبة كبيرهم . هذا النسيمُ ، في آخر الأمر ، عجّل في تفتح تلكَ الكلمة ، اليانعة ، التي كنتُ لا أني أنمّيها في تربة داخلي : " لتأذنوا لي ، أيها المبجلون ، في أبداء مداخلة ، مقتضبَة ، حولَ موضوع المرسوم السلطاني ، الذي تشرفتُ بحمله إلى المجلس " ، بدأتُ كلمتي شاملاً الجمعَ بنظرة خاطفة " وبهذا الشأن ، أرى أولاً أنّ مخاوفَ الزعيم ، الشاملي ، مشروعة بلا شكّ ولها ما يُبررها . من ناحية أخرى ، فلا موضع للريب لديّ ، أيضاً ، من أنّ الأخوة جميعاً يُشاركونني في مباركة زعيمنا ، لحرصه على تأكيد الخضوع للإرادة السلطانية ، السامية ، المُتجلية بمرسوم فرمان الأمان . أقولُ هذا ، وصولاً لجَدلنا حولَ مصير الوزير . فأستميحُ العذرَ لنفسي ، المتواضعة ، لو شاءتْ تعضيد الآراء القيّمة ، السديدة ، التي تفضلتم بعرضها هنا ، والمُستمدَّة ولا ريب مما تراكمَ لديكم من حكمة وعلم وخبرة . وأقولُ على ذلك ، بأنّ مصيرَ الوزير سيتقرر ثمة ، في حاضرَة السلطنة . وهوَ مصيرٌ وَخيمٌ ، على بساطة رأيي ، بما أنّ الباب العالي ، وفي أحوال سالفة ، مشابهة ، لم يكن قد غفر قط لأحد من الولاة ضعفه وفشله في أدارة الأمور ؛ بله تسبّبه بثورة دامية ، كان من شأنها أضعاف هيبة الدولة وسمعتها " . أنهيتُ قولي ، باسطاً يديّ نحوَ الحضور بحركة مُجاملة ـ كعلامة أمتنان . خلالَ مداخلتي ، لم يَفتني ملاحظة ما شاعَ في وجوه المجتمعين من توتر ، خفيّ ، متأثر بدمدمة خفيفة ، مثابرَة ، كانت لا تفتأ تهز الأرضَ تحت أقدامنا . فكرتُ عندئذ بقلق ، أنّ ذلكَ يمكن أن يكون نذير زلزلة ، داهمَة ؛ خاصةّ بما تناهى لعلمي قبلاً عن كوارث من هذا القبيل ، سبقَ أن سبّبتْ دماراً كبيراً للبلاد الشامية . لحظات أخرى ، ودعَة البال ، المُطمئنة ، ما أسرَع أن شاعتْ في الجوّ ، مع جلاء سبب الكدر ، ودونما حاجة من أحد للتساؤل عن المُسبّب المُحتمل . ولكنّ القابيقول باشي ، المُلتزم بصمته مذ وقت فتحه باب المجادلة ، شاءَ الآن توتير جوّ المجلس مجدداً .

" إذا كان مصيرُ الوزير ، المارق ، قد سبقً وتقررَ ثمة ، في الآستانة ، فلن يَضيرَ بحال أن تكونَ ، هنا ، اليدُ المُنفذة " ، قال آغا أميني ُمفخماً مخارجَ حروف مفرداته وملوّحاً بعصا الطاعة ، التي يحملها ـ كما لو أنها سيفُ الجلاد ، الماضي . دبّ التململُ على أطراف أربعة ؛ فإنّ الخامسَ ، شهبندر التجار ، كان لا يفتأ مهوّماً منذ المذبحة التي أقترفها ، في مبتدأ سهرتنا ، بحقّ الفطائر والحلوى والفاكهة . تمتمة الشيخ القبّان ، المُعتادة ، قطعها نبسُ العريان القويّ ، الحاسم ، المُجيب ذلك الكلام المتهوّر : " إنّ أهالي الشام ، بعدما ثاروا على البغي والطغيان ، حمّلوا مجلسنا أمانة صيانة أرزاقهم وأعراضهم . هذا هوَ مَعْقد إزار المسألة ، وكلّ ما عداهُ زبَدٌ جَفاءُ "
" وراء أكمَة قولكَ ، زعيم ، له معنىً وحيدٌ ، لا يخفى علينا : إشاعة الريبَة بمسلك الوجاقات ؛ تماماً ، كما دأبَ الوزير على أقترافه منذ أن وطأت أقدامه أرضَ الحاضرَة " ، هتفَ آغا أميني بمجادله .هذا الأخير ، كان يتهيأ للردّ ، عندما أشارَ له كبيرُ الأعيان بيده أن يتريّث . وإذاً ، نهضَ الشاملي بتثاقل من على الأريكة ، فتمطى بهمّة وهوَ منتصب الجذع ، ثمّ مدّ يده نحوَ قدح الماء ورفعه إلى فمه . قال أخيراً متوجّهاً بنظرة جانبية ، مواربَة ، إلى ناحية آغا القابيقول : " على رسلكَ ، أيها الموقر . ليسَ شاغلنا ، الآن ، الثأر من الوزير ؛ بل التعجيل بتدبير يجعله خارج البلد مع زبانيته . وبعد ذلك ، ليذهبَ إلى جهنم و بئس المصير "
" لمَ تصرّون على الأمر ، أيها الزعيم ، وكأنما هوَ ثأرنا ، الشخصيّ ؟ "
" إنّ الوزيرَ متحصنٌ حالياً في القلعة ، بلا أيّ أمل أطلاقاً . فلمَ علينا أن نرتكبَ حماقة ، طائشة ، تجعل البابَ العالي متغيّراً علينا ؟ "
" أيها المحترم ، أنتَ تتجاهل حقيقة ، أنّ الباب العالي ، بنفسه ، من وجّه هذا المارق إلى الولاية الشامية ، لكي يقضي على الوجاقات . فما من داع ، إذاً ، للكلام عن الطيش والحماقة " . كانت الجملة هذه ، الأخيرة ، ما تفتأ تحلق فوق رؤوسنا ، مثل بوم الشؤم ، حينما أنهى الشاملي المجادلة بحَسم مُبرَم . حدَجَ مجادله بنظرة صارمة ، ثمّ قال له بهدوء : " أيها القابيقول باشي ، لقد غُلط بكَ في هذا المجلس " . رفعَ الأنكشاريّ رأسَهُ بحركة من تلقى ضربَة مفاجئة ، غير متوقعة . وكانت سحنته ، الصَلفة ، قد صارت عندئذ على منقلب آخر ، ملغز ، عصيّ على التفسير .

مضى نحو الساعة على مغادرة آغا أميني دارَ كبير الأعيان ، بعدما أعلنَ بنبرَة مسمومة ، حاقدة ، أنّ علاقته بالمجلس يعتبرَها منتهية . كنا ما نزال هنا ، إذاً ، نناقشُ كيفية معالجة هذه المعضلة ، الجديدة ، المتمثلة بكون وجاق القابيقول ، القويّ ، هوَ من يضمنُ أمنَ أحياء الميدان والشاغور والقيمرية ، علاوة على تواجد قسم من مدفعيته في محيط القلعة والمسجد الكبير . لم تكن أي خشية ، في تخلي آغا أميني عن الحركة العمومية ؛ فهذا سيكون بمثابة النهاية الأكيدة لمركزه . نعم ، إنه أكثرُ ذكاءً من أن يُضحي بنفسه ، مجاناً . ولكن بمجرّدَ ذيوع خبر الخلاف في المجلس ، وتخلي القابيقول عن دعمه ، فلا ريبَ أنّ الوزير سيداورُ في جولة جديدة مُستفيداً من وجود ممثل السلطان في المدينة . من ناحية أخرى ، فآمر اليرلية ، قوّاص آغا ، يبدو مسروراً بحقيقة أنّ وجاقه ـ المُسيطر على أحياء القنوات وسوق ساروجة والعمارة ـ يتفرّد الآنَ بكونه القوّة الوحيدة ، الضاربَة ، لمجلسنا العموميّ .
" أهنئكَ على فصاحتكَ ، آغا ، ولو أنها تأخرتْ أكثرَ من المطلوب " ، قال لي صديقي ، العريان ، بلهجة جذلة ، وقد تهللت أساريره حدّ أن طرفيْ شاربيه أخذا يتراقصان . وكنتُ أهمّ بإجابته ، حينما أرتجّ عليّ القول . إذ دبّتْ بنفس اللحظة رجفة في الأجواء ، جميعاً ، حينما أصدى النسيمُ صوتَ صرخة أنثوية ، ثاقبة ، كانت صادرة ، على أغلب تقدير ، من الجوار .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأولى والآخرة : مَرقى 9
- الأولى والآخرة : مَرقى 8
- الأولى والآخرة : مَرقى 7
- الأولى والآخرة : مَرقى 6
- الأولى والآخرة : مَرقى 5
- الأولى والآخرة : مَرقى 4
- الأولى والآخرة : مَرقى 3
- الأولى والآخرة : مَرقى 2
- الأولى والآخرة : مَرقى
- الأولى والآخرة : توضيحٌ حولَ خطة التحقيق
- الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق
- لماذ قتلتم مروة ؟
- رؤى
- بحثاً عن طريدةٍ اخرى
- قيثارة الأطياف
- تراتيل
- ترانيم
- الأسبار
- الصفعة في السينما المصرية
- فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 10