أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - المنصور جعفر - دليل المخابرات …(المؤرخ) توينبي مساح خُطط (حضارة) رأس المال والإستعمار في (الشرق الأوسط)















المزيد.....



دليل المخابرات …(المؤرخ) توينبي مساح خُطط (حضارة) رأس المال والإستعمار في (الشرق الأوسط)


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 2742 - 2009 / 8 / 18 - 08:28
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تقديم:

في النصف الأول من القرن العشرين ذاع صيت الأستاذ العمراني (= الماسوني) الدكتور "أرنولد توينبي" أستاذ اللغة اللاتينية في واحدة من كليات (= جامعات) جامعة أوكسفورد، إذ إنتشر إسمه حينذاك ورقى إعتباره في أواسط الأكاديميا وعلم التاريخ كواحد من المؤرخين المائزين في بريطانيا والعالم نتيجة قيامه منذ سنة 1936 إلى سنة 1961 بكتابة موسوعة كبيرة ضخمة لتاريخ العالم قدرها إثنى عشر مجلداً سماها بحذق "دراسة في التاريخ" Study in History وقد واشج توينبي في كتابته هذه الموسوعة بين أسلوب وأفكار بعض المؤرخين الأوائل السابقين له: كتناول هيرودوس قديماً لتنوع أشكال حضارات العالم وتشابه بناياتها الإقتصادية الثقافية والسياسية، وأفكار عبدالرحمن بن خلدون عن العصبية والمعاش، وأيضاً فكرة هيجل عن الجدل المثالي الدائري التكراري لعناصر الحياة و (حضاراتها)!

ولكن في الموقع التاريخي بين 1- دول أوربا الخارجة من نظام الإقطاع المسيحي و2- دولة الإقطاع المتآكل في الخلافة الإسلامية العثمانية و3- تخوم الرأسمالية (البريطانية) الحديثة المتقدمة إضطراداً بالإستعمار كان للأستاذ أرنولد توينبي وجود آخر كانت له طبيعة سياسية إستخبارية حملت الموت والدمار لملايين البشر ولم تزل. وهي طبيعة حربية وإرهابية باردة ذات تاريخ حافل وقدح معلى في قصة بناء الإمبراطورية البريطانية.

وقد كان ذا الوجود -ولم يزل- وجوداً بعيداً عن معرفة كثير من الناس حتى ظهور الوسائل الحديثة المحضرة للمعلومات مثل "جووجل" ثم "الويكبيديا" بكشوفها الواسعة في أواخر القرن العشرين. وقد سقيت منهما كثيراً هذا المقال الكتاب.

تمحور الوجود الأخفت لأرنولد توينبي من حيث دوره كمساح مخطط لتقدم حضارة رأس المال بعملية الإستعمار في "الشرق الأدنى" وبالتحديد كصائغ وصانع لبعض أهم أحداث التاريخ التي حصلت ودارت حينذاك في العالم من الغرب إلى الشرق وأهمها: ما تعلق بقيام "الغرب" بتفكيك آخر قلاع الإقطاع العالمي الماثل في دولة الخلافة الإسلامية (العثمانية) الشاسعة من تخوم الصين إلى تخوم فرنسا ومن تخوم سبيريا إلى أفريقيا.

وهو تفكيك تضمن (تحرير) المجتمعات الشرقية والعربية والتركية والمجرية والألبانية والبلقانية واليونانية من رزء الإستعمار والإقطاع العثماني.

كذلك كان لتوينبي دور مهم في دعم تأسيس جانب من حركة الإسلام السياسي الحاضرة التي لم تزل قائمة إلى اليوم في أنساق مدنية وعسكرية محلية ودولية مختلفة.

ومن ذائيك العمل التأريخي وذا العمل الإستخباري الإستعماري قد يزيد إعتبار وتبين وجود شخصية توينبي، ولكن دون شك كبير يمكن القول إن وجود توينبي كان مثل وجود غيره من الناس في الحياة من حيث تأثرهم وتأثره ببعض أحوال وظروف المرحلة التاريخية التي يعيشها. إذ حضرت حياة توينبي مرحلة تاريخية إمتازت بـ(إكتمال) خروج مجتمعات بريطانيا وفرنسا من نظام الإقطاع الديني ودخولهم بقوة تركيم رأس المال ونشاط عمليات الإستعمار في أفريقيا وأمريكا وآسيا إلى القمة الإستعمارية للنظام الرأسمالي بكل علمانيته النقودية ونظامه السياسي والمالي الذي خرق الإمبراطورية العثمانية وصلابتها الدينية.



وقد شمل إنتقال "الحضارة" من الإقطاع إلى الرأسمالية إختلاف في حال الفتوح الخارجية وإكتمال في تغيرها من طبيعة إقطاع الملوك لأراضي المجتمعات وسلبهم ونهبهم مواردها الزراعية والمعدنية بل وضعها ومن فيها من بشر كثروة خام يحكمها رأس الدولة ونبلاءه. فكان التغير من تلك الفتوح الناهبة التي تقوم بإقطاع المجتمعات وخيراتها قطعة قطعة لمحاسيب وحساب ملك فرد إلى حالة أشد عمود حركتها رأسمالية تملك وتوزيع الموارد وهي حركة حديثة منتظمة في آلاتها وخرائطها وسفنها ومدافعها.

فمن ذاك التغير تبدلت حالة الكر والإبادة والإستعمار العشواء إلى عملية إستعمار منظومة ترتبط بإستثمار منظم موصول بإنفاق وتمويل منظوم تشترك فيه قوى الدولة بأساطيلها وجيوشها وموظفيها ونفقاتهم وضرائبها المكدسة في البنوك المركزية مع الشركات والبيوت المالية القائمة في الدولة والقابضة بنكها المركزي وأموالها حيث تسهل الشركات القروض والديون للدولة لتصرفها فى تحقيق مصلحة هذه الشركات في دورة نماء هلاكي إستعمارية ربوية صرفة لا تعرف إلاً ولا ذمة.

كانت أكثر مراحل حياة توينبي تأثراً بالتغييرات التي ذُكِرت في الفقرة السابقة ماثلة بين السنوات 1914-1955 حين كان أرنولد توينبي قائماً بأمر الدراسات والبحوث في "الجهاز الملكي للعلاقات الدولية"RIIA )بأسمائه المتنوعة( مع بداية خروج ذاك الجهاز إلى حالة شبه العلن من حالة السرية التي كنفت (التأسيس) الحديث له بواسطة الإستعماري العتيد لورد ساليسبوري Salisbury Lord فنائبه لورد ميلنر Lord Milner ومواليه المخلصين اللوردات الثلاثة: لورد ماكمهون Lord McMahon، ولورد كورتيز Lord Curtis، ولورد بلفور Lord Balfour يمولهم جماعة وفرادى رأس المال والإستثمار في بريطانيا والعالم اللورد روتشيلد Rothschild وآله الكرام الذين كانوا وما برحوا إلى الآن وحتى زوال النظام الرأسمالي يملكون - بالمعنى القانوني والمحاسبي وحتى السياسي الدقيق- أكثر نقود الأرض الدولار والإسترليني واليورو حتى قبل طباعتها.

في تلك السنوات الأربعين من عمر ذاك الجهاز الملكي -الحي إلى اليوم- وبالذات في نصفها الأول كانت (دراسات وبحوث) ذلك الجهاز= عملية هندسة إستعمارية تشمل:

1- مسحاً وتخطيطاً شاملاً جغرافي وإناسي (= إنثربولوجي) للجهات التي هدف إليها ممثلاً الدولة البريطانية بقصد (نشر المدنية والحضارة) فيها !!

2- تثبيت (التعامل المتمدن) فيها لهدف أبعد قد يكون هو تحقيق تفوق بريطانيا وبنوكها في العالم بثروات البلاد المرزوئة بالإستعمار.

3- ضمان تفوق بريطانيا في السيطرة على العالم وموارده بفضل موقع البلاد التي تكتالها بالإستعمار .

وأياً كان هدف بريطانيا من التوسع وحكم العالم، وأياً كانت غاية الذين دفعوا لهذا التوسع ورسموا خطوط حكمه، فقد كان موضع توينبي في تلك المرحلة والهندسة الإستعمارية موضع العقل المفكر لبعض أعمال وزارتي الخارجية والدفاع والدوائر المالية العليا المواشجة للوزارتين بحكم سيطرة آل روتشيلد عبر مصرفهم الخاص على بنك إنجلترا وجملة إقتصاد الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس سواءاً في مستعمراتها الإنجليزية أو في مستعمراتها الفرنسية أو غيرها، حيث كانت المدافع بداية (الليبرالية) .

هذا الموقع (الإستعماري) لعمل توينبي ضاعف تأثير بريطانيا وإمبرياليتها في العالم والتاريخ: فبعد إستيلاءها القديم على أمريكا وتغلغلها في الهند والصين وفي غرب وجنوب أفريقيا وفي مصر والسودان تمكنت إنجلترا بفضل هذا الجهاز ومن جهد توينبي فيه من إسقاط جثة الخلافة الإسلامية.

حصل هذا التسقيط بعدما حورت سياسة بريطانيا عملية (تحرير) مجتمعات هذه الخلافة وقلبت شعارات مساعدتها لأجل الحرية والإستقلال من العثمانيين إلى حالة زوج ضد تلك الشعارات: كان أولها حالة إستعمار عسكري وتسلط أوربي غاشم على أمور حكم وعيش قوميات ودول الشرق الأوسط الصغير والكبير، وكان آخرها حالة هيمنة على أموره الرئيسة لم تزل ماثلة إلى اليوم تمويلاً ونفطاً وأدوات عمل وغذاء تمثل جملةً : حالة إستعمار حديث له مع (الولايات) الدول المتحدة الأمريكية تثبتان به معاً إمبرياليةً الديكتاتورية العالمية لرأس المال.

وقد كان -ولم يزل- لإسم توينبي رنين وصخب في بعض مسآئل التاريخ والإسلام والقوميات والإستعمار القديم والتدين السياسي والإستعمار الحديث وصراع الثقافات والأمم المتحدة والحرب الباردة وفي فهوم "الحضارة" و"المدنية" و"الحرية" مما جعل عملية تأثيل تاريخ توينبي كفرد واحد وتأثيل أسلوب عياره وتاريخه لـ(حضارات) ولأمور "الشرق" و"الغرب" مسألة تأثيل واحد خاصة وإن عملية التأثيل تواشج بين الظروف الموضوعية لوجود عناصر الحياة الإجتماعية والظروف الثقافية وحتى الذاتية لبعض الشخصيات الفاعلة في التاريخ.

ميلاد "توينبي" ونشأته وتعليمه وأهم معالم حياته:

ولد أرنولد توينبي Toynbee Arnold Josephفي إنجلترا سنة 1889 وتوفى في سنة 1975 ، وكان ميلاده في عائلة لها فروع موسرة هامة بالتعليم وبالثقافة هماً ملازماً لقوالب الدولة الأكاديمية – المهنية لكن مع وجود نزعة يسار وخير في بعض أفراد تلك الفروع. ولعل مصدر هذا النزوع الخيري إما إتساع دائرة نظرهم إلى الأمور بحكم مكانتهم الوسطى العالية في مجتمع رأسي التراتب أساسه الإستغلال الطبقي للعمال والزراع وعموم الكادحين، وسقفه المتعة بالكسب من هذا الإستغلال أو قد يكون وجود هذا النزوع إلى اليسار والميل فيهم إلى الخير لحسهم بضنك جدهم الأعلى وكثير من سلالته في مجتمع كانت ولم تزل رئاساته وإدارة نشاطاته قائمة على ترابي الألقاب الموروثة والإقطاعات والأموال ومحسوبية المقامات لا على الكدح الشريف.

أمضى تويبي خمس سنوات من سنة 1902 إلى سنة 1907 طالباً مجتهداً ناجحاً في مدرسة وينشستر Winchester College ثم أمضى أربعة أعوام من عمره من سنة 1907 إلى سنة 1911 في كلية (جامعة) باليول
Balliol College في أوكسفورد حيث تخرج منها أستاذاً في لغة الإغريق ولغة اللاتين. بيد ان جزءاً جديداً في حياة توينبي بدأ برحلته راجلاً وراكباً ومبحراً في الشرق في بلاد اليونان وبلاد الأناضول وخلافة الإسلام في بعض عامي 1911 و1912 وإنتهت رحلته التاريخية التمرينية تلك إلى دراسة أعلى في أكسفورد.

في سنة 1914 تزوج ماريس رزواليند إبنة أستاذه موريى Murray وهي وأبوها ربائب عز تليد مسلسل الألقاب. وقد يكون لذاك العز مع شهادة توينبي العالية من تلك الجامعة الكريمة النبوغ وظروف الحرب العالمية الأولى تأثير في طلبه أو تشغيله في وزارة الخارجية البريطانية في مهمتين كبيرتين تعلقت المهمة الأولى بـنوع من "إدارة الرأي العام الأمريكي" والمهمة الثانية إتصلت بضغط على دولة الخلافة الإسلامية العثمانية بموضوع يحبط الثقة في عدلها وإنصافها وهو "معاملة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية" أُصدرته بريطانيا بكتاب أزرق 1916 (1915) Treatment of Armenians in the Ottoman Empire مما سيتم تناوله لاحقاً في فقرة مفصلة لأعمال توينبي.

في يناير 1917 في أوج الحرب العالمية الأولى عُين توينبي مديراً في قسم المعلومات في إدارة المخابرات وهو العصب الحي لتلك الإدارة ومركز عملها، ولما جاءت سنة 1918 عمل توينبي أيضاً في قسم المخابرات السياسية في وزارة الخارجية مختصاً في "المسألة الشرقية"، وفي سنة 1919 صار توينبي عضواً رئيساً في وفد بريطانيا إلى "مؤتمر السلام" في باريس حيث قبض جانباً من تفاصيل إنهاء سيطرة الخلافة الإسلامية على عدد كبير البلاد وفتحها للتجارة والنظم الرأسمالية الحديثة جزاءاً على وقوف الخلافة مع ألمانيا ونصرتها إياها في (العدوان) على "الأمم المتحالفة" وقد كان تخلف نظام الخلافة الإقطاعي في الإقتصاد والسياسة والثقافة والعسكرية ونقصه عن تلبية حاجات مجتمعاتها وبلاد(ها) قد سمم وجود سلطنتها وشارف به النهاية.

بعد نهاية مؤتمر باريس وبدء إنجلترا حرباً باردة ضد الشيوعية والسوفييت وضد بعض إتجاهات الولايات المتحدة في التمدد، توزع جهد توينبي ولخمس سنوات من سنة 1919 إلى سنة 1924 إلى ثلاثة أعمال كبرى وهي:

1- العمل في المخابرات،
2- العمل في وزارة الخارجية، و
3- تدريس التاريخ واللغتين البيزنطية القديمة واليونانية الحية في جامعة لندن (كلية) الملك Kings Collage

بهذي الأعباء واصل أرنولد توينبي العمل في "الجهاز الملكي العلاقات الدولية" وقد قضى شهوراً إمتدت من شهر يناير سنة 1921 إلى شهر سبتمبر سنة 1921 في خضم الحرب العثمانية - اليونانية قضاها كمراسل لصحيفة الجارديان The Guardian وهي تغطية مألوفة إلى الآن في عوالم التخابر والجاسوسية.

ولكن بعد ذا الإستغراق والصعود تغيرت حياته مع الحرب العالمية الثانية إذ مات إبنه الأكبر في سنة 1939 وبقى له ولد وبنت ولكنه طلق زوجته سنة 1946 ليتزوج مساعدته في الجهاز و بتزامن مع هذا الحب الجديد كان تبلور بغض عليه من الأرستقراطي العالم ورجل المخابرات وداعية السلام صاحب الرياضيات الفيلسوف برتراند رسل Russell Brtrand إحيث كان ينظر إلي توينبي كوضيع مستهبل متسلق وأفاق.

ودون شك في كفائته العامة يمكن القول أن أرنولد توينبي قد أمضى جل أوقات عمله باحثاً ومحللاً ومخططاً ومدبراً ومعلماً وحكيماً عند اهله في ما عرف بإسم "المسألة الشرقية" (= وضع دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في شبكة العلاقات الرأسمالية والسياسية الدولية في الربع الآخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين).

وإذ عرف التاريخ فتوة تلك الدولة وطبيعة وأفكار أسلاف ملكها العضود وعرف أيضاً أثر الفتوح والسيف والأرض والذهب والخراج وإرث الأسر الحاكمة وحرملكيات الجواري والغلمان والأغوات في دهورة قيمة العدل فيها وإنكفاء الناس عنها وعن إنكشاريتها إلا قهراً أو طمعاً فإذ إنتبه التاريخ إلى كيفية تبدد ما إجتمع فيها من معارف وعلوم والآت وجامعات فكذلك خبر توينبي من كل هذه المسائل عناصر إنحطاط الدولة وحضيضها .

معرفة توينبي العظمة والسمو في دولة آل عثمان ثم معرفته التدهور والتعفن الذي أصاب أطراف دولتهم وقلبها التركي لم تسكت شغفه الأوربي الأشد بحضارة الإغريق واليونان القديمة فكل ما فيها من إستعباد وحروب وتجارة وتاريخ ومسرح وهندسة وسفسطة وفلسفة وثقافة علمية لم يعقل هيامه وولهه بما عمرته اليونان من مباني مادية وذهنية خلدت بآثارها. وهو إعجاب يربأ أي مؤرخ أن يؤثر على سلامة درسه وإعتباره، ولكن الأستاذ توينبي ساير شعوره وإعتمده بوضوح وصراحة كتاباً علمياً لدرس التاريخ سماه بقوة "باب الإغريق لدرس التاريخ" The Greek Door to The Study of History .

بهذه اللمحات من حياة توينبي يمكن القول جملة إنها تأثرت بنشأته الزوج: أولاً بإعتباره موظف دولة لوظيفته صلة قوية بالحرب والديبلوماسية وثانياً كـ(مؤرخ) لجذور ومظاهر ما عمله في الشق الأول

من هاتين المهمتين يمكن القول إن حياة توينبي كانت في كل شق منها متأثرة بل وأسيرة بحياة شقها الآخر كذلك تأثرت حياته نوعاً ما بسرعة إنتقال بلاده بريطانيا من حضيض الإقطاع وطين زراعته ومجاعاته وجيوش جباياته وتحولها عنهم خلال قرنين فقط إلى شباب الرأسمالية وفتوتها وفخامة عمرانها الإقتصادي المادي والمعرفي والسياسي وإزدهاء وسط وقمة هرمها الإجتماعي والسياسي ففي هذا الأوج كان توينبي يحتل موقع الذهن والأذن والعين واللسان واليد. فلا عجب أن يكتب نفسه وأمته من السعداء.

ولهذا الظرف أيضاً يمكن القول إن التأثر قد شاب نظرة توينبي إلى طبيعة الصراع الطبقي العالمي وقيادة السوفييت فيه للشعوب المستضعفة بملامحها اللاساكسونية واللاإنجيلية (السامية الحامية) والأرثودكسية والإسلامية واليهودية ورصها صفاً بروليتارياً واحداً ضد الإستعمار والإمبريالية في "العالم الغربي

فإذ نظر توينبي إلي طبيعة الصراع الطبقي العالمي وطبيعة الثائرين على المظالم فبعين وافقت مصالحه مصالح مموليه وسادة دولته وعمله وهو نظر الحضري إلى البدوي أو نظرة المؤرخ الروماني إلى (وحشية) و(تمرد) الأفارقة الفاندال والبربر وإلى (وحشية) و(تمرد) الجرمان! ونظرة البيزنطي المؤرخ أو الموظف إلى البدو العثمانيين الأوائل.

وكذا فإن نشأة توينبي في أضابير الدوائر الإستخبارتية العليا في بريطانيا العظمى قد تُمكِن من القول بإنها نشأة أثرت في رؤيته إلى جانب من طبيعة وصحة العلاقة الجدلية بين ثلاثة مسائل متداخلة هي:

1- التحرر القومي والتحرر الوطني،
2- حرية االمواطنين وحرية التملك،
3- حرية البحث الفلسفي وحرية البحث العلمي،

حيث لاصت هذه الأمور في أعمال توينبي فبدأ متخبطاً بين إعتبارين: إعتبار المؤرخ وعزه هذه الحقوق وإعتبار الإستعماري ومحقه حق المجتمعات والدول في السيادة على بلادها وثرواتها وأمورها! من ذا غدا نظر توينبي إلى كل واحدة من هذه الثنائيات الثلاثة وإلى حق السيادة الوطنية بمنظار الجاسوس أو الكشاف أو المخبر لا بمنظار الفنان الإغريقي أو بمنظار الحكيم اليوناني أو حتى بمنظار المؤرخ الخالص.


أعماله:

في موسوعة الويكبيديا تقدر أعمال توينبي بحوالى 70 مؤلفاً في التاريخ والحضارة وأكثرها سياسة ودهاء هو "الكتاب الأزرق" و"دراسة في التاريخ" و"إغتيال أمة" و"تاريخ تركيا ومستقبلها" وقد شابها جميعاً خلل في تعريف إصطلاحاتها الرئيسة وفي حصف أصولها ومراجعها كما إتسمت بنزعة إستعلاء غربية ومسيحية بريطانية، لا تليق بموضوعية مؤرخ وهو أستاذ لغة ولكنها مع كل هذا شكلت باباً لكثير من دراسات التاريخ الكلي أو المقارن.

ولتجنب التخصيص والتعميم في قرآءة أعمال توينبي أقوم في الفقرة التالية باستعراض بعض أعماله الكتابية لأنفذ إلى ما يمكن الإقادة به منها وهي:










1. تاريخ تركيا ومستقبلها :

"تاريخ تركيا ومستقبلها" كان هو عنوإن (دراسة الحالة) التي وضعها توينبي عن دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في طورها الأخير. وهي دراسة قسمها توينبي إلى ثلاثة عناوين داخلية: "الماضي"، "الحاضر"، "المستقبل" وإتسمت بصيغة سياسية مدنية رأسمالية عدوة للخلافة الإسلامية العثمانية وإقطاعها الزنيم. ويمكن القول ان أساسها كان نظرة إنتقائية مطففة لأمور وتاريخ كل مجموعة سكانية في "الشرق الأدنى" وفي إنحاء "الإمبراطورية" العثمانية حيث كان تطفيف توينبي بيناً في تباين وشجه لـ...وفي إختلاف عزله أمر كل مجموعة سكانية وكل شريحة طبقية فيها عن عياره المسمى "التحدي والإجابة" الذي جعله توينبي عياراً عاماً لتاريخ المجتمعات دون أن يجعله عياراً لتاريخ كل مجموعة أوكل طبقة في هذه المجتمعات!!

دالة إخلال توينبي بميزانه لصعود وإنهيار الحضارات هي رؤيته التعميمية للخلافة الإسلامية العثمانية بكل تنوع طبقاتها ومراحلها وحكامها وإختلاف سياساتها وإجراءاتها حسب الأحوال وإعتباره إياها مجرد إطار سياسي لتسلط أقلية عنصرية مستبدة على مجتمعات عددا تركية وعربية وكردية وأرمنية وغيرها حيث ان توينبي - وهو أستاذ في عالم الإغريق واليونان- لم يرى ذات التسلط - الذي أفرد له السطور- في العلاقات القومية والوطنية والطبقية التي تسلسلت في تاريخ اليونان والعالم بين المونوبوليسMonopolis (= المركز او المدينة الحاكمة) و "المتروبوليس" Metropolis (= القرى المحكومة) !.

كذلك كان توينبي في نظره إلى مستقبل تركيا وإتجاهها إلى المدنية الرأسمالية إذ ربط الإتجاه التمديني الحري الجمهوري (الليبرالي) في حياة أوربا وآسيا بأهمية التخلص من الخطر العثماني على (الحضارة) خالطاً دولة الخلافة وحالة البداوة التي كان فيها العثامنة قبل أن يهزموا الإمبراطورية الرومانية الشرقية. لعل سبب هذا الخطأ إشارة توينبي -في خطأ أكبر- إلى أن ((حضارة اليونان إنخسفت بتمدد الحيثيين الأتراك وجورهم عليها)) !!!؟

إيضاح طبيعة وأسباب هذا الخطأ السام في (دراسته) يتطلب إظهار حقائق تاريخية مهمة ومن هذه الحقائق :

1- أن الصراع الآسيوي الأوربي بين الفرس واليونان نشأ قبل تبلور تركيا وإن أكاديمية أفلاطون التي دامت حوالى تسعة قرون كانت قد أغلقت أبوابها في أثينا حوالى سنة 927 م أي قبل أربعين سنة من بداية نزول العثمانيين إلى الإستانة في بداية القرن العاشر.

2- دور صراعات اليونان الداخلية ونهاية القائد الإسكندر المقدوني ذو القرنين بن الأميرة الآسيوية الفارسية مسموماً بغدر أصحابه المقدونيين في العراق بعدما فتروا وفتر من قتال الفرس والأفغان والهند.

3- إغفاله أثر صراعات الإمبراطورية الرومانية بقسميها الغربي والشرقي في نهاية النظام الإستعبادي الرومي الذي تم توطينه في آسيا مع حركة اليونان ومواليهم المقدونيين ثم الرومان من أوربا إلى الأناضول لا العكس.

4- تناحر وضعف وإنحلال مدن اليونان أولاً ثم أيضاً تبدد الإمبراطورية البيزنطية التي سيطرت هذه المدن التى ألقت أياديها في تهلكات التفرد (الليبرالي) بالتحكم التجاري والسياسي مما واشج في الحالتين: حالة المدن وحالة الإمبراطورية تشقيق تناقضاتها الذاتية أعمدة تماسكها وهي تناقضات تظهرفي كبر جيوشها وقلة مواردها وجفاف وتشقق أراضيها وروابط أهلها.

من هذه التناقضات والتعارضات في عوالم الإقتصاد والسياسة والثقافة كإن قضاء الإتراك العثمانيين على الإمبراطورية الشرقية للروم القائمة بإستعبادهم وتهميشهم وتحريرهم أنفسهم من ضرائبها وجيوشها وضيمها وقد كان ذاك التحرر بعد زمن طويل من تفتت ما بقى من الحضارة الأفريقية- الآسيوية التي كانت قائمة بما سماه المؤرخ الكبير مارتن برنبال Martin Bernpal "أثينا السوداء".

أ‌- في التاريخ والحاضر :

في ذا الكتاب تناول توينبي بالوصف طبيعة وجغرافية البلاد العثمانية من اليمن والحجاز وسوريا الكبرى والعراق ومن بلاد الأناضول إلى المجر وتخوم الصين وروسيا واصفاً مدنها (( تتلاقى فيها الأجناس ولا تمتزج)) ووضح مواقع الطرق التي تصلها مع ما حولها مع نبذة مركزة في بضعة كلمات عن طبيعتها التاريخية أو الإقتصادية والحالة البائسة التي تعيشها (الآن) مقارنة بما كان لها من إزدهار حضاري قديم!

بعد وصفه الخطأ الإطار التاريخي السياسي والإجتماعي لدولة الخلافة الإسلامية ذهب كتاب توينبي إلى وصف السكان في ذلك الإطار فتناول سكان تلك الإمبراطورية وإنهم يقلون عن عشرين مليوناً (حينذاك) ! وكتب ان مليون منهم فقدوا جراء الحرب العالمية الأولى قتلاً أو جوعاً أو مرضاً ثم بكي التفاوت بينهم: أن العثمانيين أصلاً ونسباً بين هؤلاء العشرين مليوناً هم أقلية متميزة فيهم متسلطة عليهم بينما سواد العثمانيين هم من أبناء الرقيق الأبيض المجلوب من أنحاء أوربا وآسيا !! وهذا خطأ

بعد ذلك نبش توينبي اللغة العثمانية بأنها في 95% من مفرداتها تمثل لغة مخلقنة من أصول عربية ومن أصول فارسية وهي صعبة حتى على الأتراك الذين حسبهم حوالى 30-40 % من عموم سكان الإمبراطورية!

وفي ذلك الفاصل التاريخي بين الدولة الإقطاعية والدولة الرأسمالية في شرق آسيا وفي وسطها وفي غربها قسم توينبي (الأتراك) إلى ثلاث مجموعات وفقاً لــ: 1- دمهم، و2- أسلوب عيشهم رعاة وزراع، و3- طبيعة إجتماعهم قرى ومدن وطبقات وقبائل دون تقديم عيار موضوعي لدقة هذه العيارات سوى تأويلاته الخاصة!

أما في عرضه لغير الأتراك فقد تناول العرب بداوة وقوة ولكنه بحذق نظرة المديني الحضري إلى البدوي نبه إلى تشرذمهم وإن وحدتهم هي مشكلة المستقبل. كان ذلك بتفصيله العرب إلى بدو قحاح ثم حضر! أما قريش ومن في مكة ومعهم آخرين ليس لهم عند توينبي من العروبة إلا اللسان ومن ذا التأسيس ميز سكان بغداد وسكان دمشق منتقصاً عروبتهم بمسيحية بعضهم! منسجماً مع رفعه في لبنان قدر الموارنة وروابطهم الرومية القديمة عن أن يكونوا عرباً. كأنما العروبة عنده جنس آري! كذلك ميز توينبي طائفة الموحدين بالإسم الشائع "الدروز" فصنفهم وحدهم وجعل النساطرة جنساً لحاله! فصار أمره كمن يخرج الإنجليز الأنجلوساكسون ذوي الأصول الدنماركية والألمانية عن إنجليزيتهم ويخرج الإنجليز نفسهم عن بريطانيتهم.

إن كان الخواجة توينبي في تأريخه للشرق وأقوامه العربية قد غفل عن أمر الغساسنة ووشائجهم الرومية، وعن أمر المناذرة ووشائجهم الفارسية، واليمن ووشائجهم الأفروهندية، وعرب الوسط ووشائجهم السودانية، إلا إنه مع هذه الغفلة قام -دون وعي بدالة معينة- بأيراد شي من حياة الناس في دولة الخلافة، قدمه غافلاً إلى قرائه بين الدهشة والسخرية ..قدمه ضد كل جهده الكبير: إذ سرد لمحاً معيناً في حزام السودان العالمي وهو: إشتراك أهله في اللون والملبس وأسلوب العيش ناسياً الموئل النوبي للعماليق والعرب ونسى مواشج العرب الشرق أفريقية والهندية [وهي أصول إجتمعت في اليمن وفي سومر قبل قرون طيلة من نشوء اليونان وروما مع تفتح الأصول الأفريقية لاهل الهند، جنوبها، لكن توينبي لم ينتبه إلى التواشج والتجذر والتفتح القديم في اليمن والعراق ومابينهما وما حولهما] أفإن كانت إشارة الأفريقية والهندية لأصول العرب قد تبعدهم عن أن يكونوا (ساميين) أقحاحاً حسب منطقه فقد كشف بما أورده عن إيمان لا تاريخي بأن البشر الحاضرين نتجوا من زواج أبناء النبي نوح (ع) الأربعة وبناته ! وهو أمر قد لا يقره أي منطق أو أي دين!


بعد الأتراك والعرب عد توينبي الأكراد القوة الثالثة، قوة وعدداً، في الخلافة التي ضمت كل شعوب البلقان وأجناسها وقد (أوضح) توينبي إنقسام الأكراد إلى قبائل وإلى بدو وحضر وإلى جبليين وسهليين ووضح توزعهم داخل الخلافة وفي خارجها في وهاد جبال طوروس وأرمينيا وضفاف البحر الأسود وفي فارس وشمال العراق وأكثر هذه المناطق هي أجزاء من دولة الخلافة الإسلامية التي كانت قائمة آنذاك وبين أن الجامع الرئيس لهم (الأكراد) هو لهجة فارسية أقل عروبة من اللغة التركية ... ثم بعد ذلك دلف الأستاذ توينبي إلى وصف جماعات "الإيزيدين " وصفاً هواماً خلط فيه بين العقيدة والجنس خلطاً آرياً صرفا.

بعد وصفه أولئك وهؤلاء قام توينبي بوصمهم جميعاً بالإنعزال والتخلف ثم خرج منهم إلى تناول "الأرمن " و "اليونان " فعدهم وحدهم الأقوام الراقية في تلك الإمبراطورية التي كانت تمتد من حدود الصين إلى فرنسا، وقد أغدق عليهم توينبي صفات النشاط والثقافة والحرية والرقي ذلك من إنهم كانوا الوسط بين الاخرين المتخلفين والحضارة الغربية المتقدمة! وقد أوضح توينبي تخديمه الفعل الماضي :(كانوا) لأن الحكومة التركية في تقديره أقصتهما بداية (عنده) بيوناني الأناضول والقسطنطينية مع نهاية حرب البلقان الثانية ثم تلت حكومة الخلافة الإسلامية إقصاءها اليونان بإقصاء الأرمن بعدهم الذين -حسب رأيه- أرتكبت الحكومة التركية ضدهم المذابح في أبريل سنة 1915 وابادتهم !! وعلامة العجب من قوله "الإبادة" وهو يكتب التاريخ، لأنه في ذات الكتاب: بين أن اكثر الأرمن واليونان موجود خارج حدود السلطان العثماني في حماية البريطانيين وفي الروسيا.!!

يضاف إلى ذلك إن الحكومة العلمانية للخلافة الإسلامية نفت بل وطردت من بلادها كثير من اليونان والأرمن بدعوى حملهم جنسيات دول محاربة لها وهو إجراء بشع قاس ينطوي على عقاب جماعي كالذي قامت به روسيا ضد الأتراك وكل العثمانيي التابعية في بلاد القرم وفي القوقاز وقامت به كذلك فرنسا وألمانيا وأمريكا أوآن حروبها وهو إجراء معروفة قسوته في كل العالم والتاريخ وليس حكراً على الأتراك، ولكن توينبي صيره كذلك بحكم وظيفته الإستعمارية ولسبب سأورده لاحقاً.

بعد عده الأقوام الأصيلة رصد توينبي في ذاك الزمان الحروبي عدد المهاجرين واللاجئين والنازحين من البوسنة وألبانيا والقوقاز والجزائر وطرابلس والشيشان وقريقزستان عدهم مليون نسمة ! وذكر ان توطينهم تم في أرآضي الأرمن والإغريق! وذلك بحسابه الغلط التاريخ القديم.

وقد سرد توينبي: أن إختلاف السنتهم زاد شرذمة الدولة سوى وحدة ملابسهم الفضفاضة وأساليب عيشهم القوقازية والعراقية!.....وها هو مرة أخرى كالخليفة العثماني يغلق ذهنه عن التنوع.

. ثم بعد فقرة تلخيص [أعرضها بعد هذه الفقرة] نبه توينبي إلى أن جهد كل هذه الدولة (النهمة) تبلور في حملات توسعية ضد أوربا (أثبتها) بتحول وإنتقال عاصمتهم من مدينة "بورصة" (= السوق) في آسيا إلى مدينة "أدرنة" التخم أوربية ثم إلى حاضرة العالم المدينة الأوربية "القسطنطينية"! ناسياً تاريخها الآسيوي! ولعل ذلك كما سبق سرده يرجع إلى أن توينبي لم يذكر أن نصف أوربا البلقاني كان آسيوياً وفينيقياً أفريقياً قبل أن يتمدد فيه الإغريق وقبل أن تحتله منهم روما ثم تنفرد به جيوش قسطنطينوس.

من تعديد تنوع أصول (العثمانيين) وأهله السابق سرده في الفقرات الماضية ذهب توينبي إلى أن ما يجمع الأتراك والسلطنة العثمانية عامة هو شيء واحد هو :.."الدم"!. فبتقدير توينبي ان عناصر الأمة والسُلطة العثمانية ما إجتمعت سوى على الدم وإراقته! وإن العثمانيين أفظع ممن سبقوهم في أوربا لأنهم يأخذون من أبناء المهزومين فيغيرون دينهم ويعسكرونهم ويجعلونهم حرباً على أهلهم.


الحكم المطلق بدموية العثمانيين -حكومةً وشعباً - رغم إتحافه بسرد فظائع مألوفة آنذاك- قد يكون حكماً عاطفياً وحكمي عليه بشبوب العاطفة لتجاهله طبقية مجتمع "العثمانيين" ولتركه حساب طبيعة كسب الناس عيشهم مع إن تقسيم ملكية ونفع موارد العيش في كل بلد وهو العامل الذي يفرق أو يثبت جماعات سكانها هذا مدينياً وذاك ريفياً ويجعل فيهم هذا صاحب حرفة وصنعة فقيراً أو ميسوراً وذاك أغبش الحال بدوياً أو حضرياً. كما ان العاطفة تطغى بقدر على عقلانية توينبي لأن حكمه جافى الدماء التي هدرتها إمبراطوريات الفايكنغ والرومان في أوربا والعالم يوم كان الفايكنغ هم سادة الشمال والرومان سادة الجنوب بعد هزيمة قرضاجة.

في ذا الحكم العاطفي ضد التخلف والإسلام لم يرى مساح عملية الإستعمار البريطاني في المنطقة العثمانية حجم الدماء والدموية التي شيدت بها في أوربا وأمريكا والعالم الحداثة الرأسمالية بداية من دموية الثورات في كل بلد أوربي ضد نظم الإقطاع إلى دماء تدويل عمليات الإستعباد وحروب الإبادة في أمريكا ..فدماء حروب نابليون وحروب الإستعمار والحرب العالمية حيث لا يسئل كل الأوربيين ولا تسئل الديانة المسيحية عن وزر الدماء المهرقة في أسكوتلاند أو جنوب أمريكا أو الباسك أو كورسيكا أو دردسدن أو آيرلاند.

الأشد بعد هذا الحكم الخطأ ولبسه كان هو قيام أرنولد توينبي وهو داعم كبير لتأسيس الحركات الإسلامية السياسية الحديثة ضد الخلافة وضد الشيوعية برمي الإسلام كله بمسؤولية الدماء التي أهرقها العثمانيين لبناء إمبراطوريتهم ومجدهم! وهو حكم ينافي مبادئه الماسونية والمسيحية كما يجافي مهنيته وحرفيته وقد لا يقلل من ذا الإفتراء إن توينبي نفسه أشار بوضوح إلى: تأثير بيزنطة في طبيعة دولة العثامنة عمراناً وادارة وحروب ودماء!

ولكن في توكيد لنظرته الدموية إلى هذه الإمبراطورية دون غيرها نظر توينبي إلى مواشجات ضعضعة المغول للخلافة في بغداد سنة 1258 مؤشراً إلى مسألتين هما:

1- تجمع موارد القوة غرباً في الأناضول وإلى ان إبحار أوربا غرباً إلى الهند حفز العثمانيين لتولي أوربا [القديمة الشرقية والجنوبية] خاصة بعد قيام السلطان العثماني سليم الثاني سنة 1517 بسحب صلاحية الخليفة العباسي الذي نُصب في القاهرة بعد إحتلال المغول بغداد

2- قيام العثامنة بتحصين نفسهم من الفرس بالأكراد!! ومن الروس بالأرمن!! كما قاموا بقمع إنتفاضات قبائل العرب شمر وعنزة شمال العراق بالمدافع ذات العجلات .. ومن كل هذا التركز والإنتشار رأى توينبي ان "الشعور القومي الإسلامي" قد زاد في القوميات اللاتركية حشداً لما سماه العثمانيون "دعم دولة الإسلام".













ب_الحاضر والمستقبل التركي (1900-1928)

مع قيام كتاب توينبي عن تركيا وإشاراته وتعليقاته بالإتجاه من الماضي إلى الحاضر والمستقبل قام توينبي في إشارة إلى المستقبل بإيماء صريح إلى إحتضار إلى " الدولة العثمانية" وفقدها حتى كينونتها الدينية منبها إلى ان السيد الهاشمي شريف مكة ومن معه من قبائل العرب رفضوا قيام العثمانيين بإدارة مكة بصورة مباشرة!

وقد جاء تطفيف هذه الإشارة من إن توينبي لم يشير إلى أدوار البريطانيين الذين لعبوا دوراً في هذا الرفض ومنهم: الفرد ماكمهون، وعبدالله ساسون ، وجيمس فيلبي، ولورنس العرب.ولعل وضع توينبي ووضعهم الإستخباري المتقدم منعه قانوناً عن كشف دورهم هذا حينذاك.

كذلك أشار توينبي أيضاً إلى عودة نشاط التجارة العالمية إلى "الشرق الأدنى" مع جريان قناة السويس مبيناً إن هذه العودة تأتي مع تمدد أفكار الديمقراطية والقومية في آسيا وتصاعد نذر الحرب مما يقود إلى حال جديد للإقتصاد والسياسة في المنطقة وبذا نبه توينبي في كتابه إلى ان مقاليد أموره لن تكون في يد العثمانيين القدامى.

في ذا كان أول ما نبه إليه توينبي هو الإختلاف والخلاف بين جماعة "تركيا الفتاة" وجماعة "القومية التركية" الجديدة [الأولى عاصمية منعقدة إلى إصلاح الدولة الكبرى، والثانية ريفية تروم تأسيس دولة تركية فعالة ولو كانت صغيرة] ....فـفي جدل صراعات الوحدة [العثمانية] والإرتقاء بخست وبارت الشعارات الماسونية الجميلة القديمة: "الحرية، الإخاء، والمساواة" لصالح شعار ماسوني جديد هو: "الجامعة الإسلامية" ثم لصالح شعار "التتريك" Turkeyfication القومي الشديد.

ومع إنطفاء تلك الشعارات الماسونية القديمة وسطوع الشعار الماسوني الحديث ذوت بعض تناظيم وأمجاد
"جماعة الإتحاد والترقي" Committee of Union and Progress القديمة وأفل نجم سكرتيرها الأممي العتيد: "ناظم بيك". وقد كانت فكرة جماعة "الإتحاد والرقي" فكرة مواشجة لأفكار العمرانية التي شيدت ثورة فرنسا وكان من عمدها في تركيا كتاب عِزةٍ ألفه قديماً ليونطاحونLeon Cahun المسمى "التاريخ القديم للترك والمغول"

أما "الحركة الطورانية" (القومية) الجديدة فقد نشأت أفكارها في مستعمرات البلقان العثمانية حيث كان الجميع (الأتراك وغيرهم) مجرد هامش لمركز الحكم وإدارته القسطنطينية الصارمة. وقد تمددت أفكار وتناظيم هذه الحركة الوطنية القومية حتى تقدم بها ضياء بيك عن ديار بكر (العربية) إلى مؤتمر "فتوة تركيا" المعروف بإسمه التركي (= تركيا الفتاة) في سالونيكا ومن ذا التقدم فاز حزب الأتراك بتركيا ونالوا قصب السبق على آل.عثمان.

في ناحية أخرى وشج "المسألة القومية" و "المسألة الوطنية" في دولة الخلافة الإسلامية تناول توينبي عاملين:

1- عامل النفور والتمرد ضد العثمانيين وعموم الأتراك في أوربا النمساوية والمجرية والبلغارية

2- عامل الولاء للعثمانيين في المناطق (التركية) من روسيا.

بيد أن توينبي في نظر ديني محط رد عامل النفور من العثمانيين إلى المسيحية ورد عامل الولاء لهم إلى الإسلام! ولعله -في هذا الرد الخطأ- نسى أن نصف التمردات ضد الدولة الإسلامية قامت بها مجتمعات أهلها من المسلمين وذلك بوازعين مهمين هما :
1- وازع المصالح الإقتصادية السياسية القومية الصرفة بين المحكومين والحكام
2- وازع ديني مواشج لمصالح الإقتصاد والعيش من دين الإسلام نافر من الظلم الطبقي والقومي مثلته الثورة العرابية في مصر والثورة والدولة المهدية في السودان والحركة والدولة السنوسية في ليبيا !

في كتاب توينبي عن تاريخ الحركة السياسية الحديثة في تركيا أنس إلى بعض أعمال د. تكين ألب، إذ وافقه توينبي في صرف الترك نظرهم عن الآخرين وبلادهم وتحويله إلى أنفسهم وإلى بلادهم طورانيا وإلى المستقبل!!.

و يشير أرنولد توينبي من تصريف أمر الحزبين "حزب تركيا الفتاة" و"الجماعة الطورانية" إلى آثار ما سماه "الحس الجديد" New Orientation وهي الآثار الماثلة في:

1. دعوة حزب "الحياة الجديدة" بقيادة ضياء بيك (سنة 1911) إلى ترجمة القرءآن الكريم وخطبة صلاة الجمعة إلى لغة الأتراك وترجمة حتى الزخارف القرءآنية في المساجد ليعيش الناس ويعبدوا الله بلغتهم. ورغم إن السلطان عد هذه المطالب جدفاً ضد الإسلام فقد تحققت منها بموافقة شيوخ الإسلام ثلاثة ترجمات تركية لنصوص القرءآن الكريم.

2. تتريك اللغة في كلماتها وفي حروفها مثلما فعل الألبان ضد الأتراك وهو تتريك واشج تأسيس صحيفة الحداثة "يني لسان" (= اللغة الجديدة).

3. قيام الحكومة العلمانية للخلافة الإسلامية في سنة 1913 بتأسيس "الأكاديمية التركية" وأسست معها معهداً ولجنة عالية للترجمة إلى اللغة التركية.

4. الإختلاف مع موظفي الإسلام في الدولة العثمانية حول فهم أو مسألة (حرمة الأهل والقوم في "الإسلام") وحول مفهوم "الوطن القومي".

5. الإحتفاء بالملوك والأبطال الترك القدامى وتغيير العقيدة الحربية للطلاب الحربيين من كونهم عثمانيين إلى ما هو أشرف: بأن ينسبوا إلى جذور القائد عثمان نفسه وهم الأتراك وبلادهم تور(كـ)ـا (نيا) في إقرار بقوة العصبية على التدين.

بصورة عامة يمكن القول ان توينبي رأى إن ساسة الدولة العثمانية خوفاً من كسر ما يروه راسخاً في السلطنة فضلوا أن يعمل الفرقاء الثلاثة معاً: "العثمانلية"، و"الإسلامجية"، و"الطورانجية" كل منهم يضع خيره زوداً للآخر، ففي تقدير هؤلاء الدهاقنة ان" الدعوة القومية" دعوة حديثة الوسائل والفهوم لا تصل مثل الدين إلى أفئدة السواد الكادحين!

بهذا المزج المثلث العناصر قامت السلطة الرأسمالية في الدولة الإقطاعية للخلافة الإسلامية سنة 1914بدخول الحرب إلى جانب ألمانيا وذلك رغماً على رأي أهل الخلافة وجمهور الأتراك الذي كان يتجه إلى دخول الحرب إلى جانب فرنسا نسبة للصلات الثقافية معها لولا ان عسكر الدولة إستخدموا سيف الدين في هذه الحرب الرأسمالية مسوغين ومسوقين مساندة ألمانيا ضد فرنسا وبريطانيا بالشعار الديني العتيد: "الجهاد ضد الكفار"! وكان رفع هذا الشعار في دولة الخلافة الإسلامية ذات الحكومة العلمانية الليبرالية هو ما أجاز -في تقدير توينبي- لـ(المسلمين) النيل من الأرمن وذبحهم ! لكأنما كان توينبي يعتقد ان ألمانيا دولة للإسلام!

وقد كانت هزيمة ألمانيا والخلافة في تلك الحرب نتيجة لقيادة رأس المال العالمي لعملية تدخل الدول (الولايات) المتحدة لدعم بريطانيا بالسلاح والمال والرجال مقابل إصدار "وعد بلفور" بالعطف على أماني يهود فلسطين [فقط] بتأسيس وطن قومي لهم فيها دون مس بحقوق المجتمعات الأخرى .

ولكن لماذا وقفت الخلافة الإسلامية مع ألمانيا ؟

ذلك الموقف المنحاز لألمانيا فرضته -في تقديري البسيط- وهيأته ثلاثة عوامل هي:

1. الديون الإسلامية العثمانية للبنوك (الكبرى) في النمسا وألمانيا

2. الموقف الفرنسي العدو للحقوق التركية في جزر البحر المتوسط

3. الموقف الألماني الصديق لتركيا في العداوة ضد روسيا

أما البرفسور توينبي فأكتفي في قراءة هذا الحلف يربط الجهاد العثماني بنزعة توسع عنصرية ضد الأوربيين والمسيحيين!! والعجب هنا لان ذا التقديراً معلول بالعنصرية حيث أن تعديات الدول (المسيحية) على أملاك تركيا الآسيوية والأفريقية والأوربية كانت هي سبب شط الشعور القومي في الدولة العثمانية بشكل إسلامي ويهودي وتحيزه ضد الأرمن تماماً مثلما أرتكبت جماعات دول شرق أوربا ووسطها في تخوم ذلك التاريخ وبعون من دولها كثير من المذابح (بوجروم) ضد قرى المسلمين وقرى اليهود وذلك لكون كبار آهليها من مواشجي رعايا الدولة العثمانية مع الإعتقاد بإن هؤلاء (الأغراب) هم عين لدولة أهلهم وإنهم يمثلون يداً خفية للـ(إسلام) و(اليهودية) في تلك المجتمعات (المسيحية) تعمل ضد دولها!

إستطرد توينبي بشكل سياسي في سرد ما نظره "إتفاقاً بالعمل" بين كل من دعاة "فتوة تركيا" ودعاة "الرابطة الإسلامية" ودعاة "الرابطة التركية" وإشتراك (أنصارهم) على مختلف مللهم ونحلهم !! في طرد الأرمن من الدولة وإخراجهم بالقوة الإدارية والعسكرية من أعمالهم ومساكنهم ثم السماح للـمجرمين والبداة والقرويين بالتعرض لهجراتهم ومسيرات خروجهم ونهبها! وهي ذات الدولة التي يتحيز كبار الأرمن (نوبار باشا) و.(سركسيان باشا) الممولين بشركات النفط ضدها في مشاحناتها مع اليونان وفرنسا ومع بريطانيا طمعاً في نفط العراق والعرب.

في سرده التاريخي "مذابح الأرمن" وثق أراءه بإشارات عددا إلى نصوص "الكتاب الأزرق" لبريطانيا عن سوء معاملة الأرمن والبطش التركي بهم وما سماه (قتل أمتهم) فكان كتاباً ضعيف التوثيق كان قد أُصدره في سنة 1916 عن حكومة بريطانيا بكل مذابحها في أفريقيا والصين والهند والبنغال وفي ويلز وآسكوتلاند وآيرلاند وأمريكا وبكل مستعمراتها في أنحاء العالم.

وإعتماداً إلى وثيقة ألمانية (نبه) توينبي إلى إن (السياسة) الإقصائية إستمرت حتى بعد عزل السلطان عبدالحميد بتقنين سلطة "الإتحاد والإرتقاء" وسيطرتها على البرلمان. ثم وضح توينبي إن هذه السياسة تمثلت في أمرين محددين هما:
1. مركزية الدولة، و
2. إسلامية مبادئي الإمبراطورية.
توكيداً لهذين الأمرين سرد توينبي :

1- ان نشاط "القوميين" و"الرابطة الإسلامية" أخل بالسواسية بين المجتمعات الدينية المتنوعة في الدولة!!

2- إن الحلف بين "القوميين" وجماعة "المركزية" أهدر أيضاً إعتبار مجتمعات المسلمين اللاأتراك (الألبان، والكورد، والعرب، والسوريين، والشيعة (= الفرس) في الدولة الإسلامية لصالح الجنسية والوشيجة والرابطة التركية مبيناً إن الإستعلاء التركي لم يتجه ضد الأرمن أوضد اليونان فقط .>>>

>> بل (وضح) توينبي قيام الإستعلاء الطوراني بتجريم الدعوة إلى "اللامركزية" في الدولة العثمانية ووصمها بالخيانة ومن ذلك التجريم تم إعدام حوالى 1000 ألف من رواد اللامركزية من الكُتاب والمثقفين ونظار القبائل في بلاد العرب وسوريا الكبرى والعراق. وإنه بسبب هذا الجبروت والطغيان فقدت تركيا كذلك ما بقى لها من نصفها الأوربي في ألبانيا والبلقان وفقدت أيضاً نصفها العربي رغم كل الحملات التي سُيرت ضد ثورات العرب.

مقابل هذا (الإيضاح) لم يذكر توينبي أي شيئ عن الدور البريطاني أوعن الدور الفرنسي في دعم الحركات القومية في ألبانيا والبقان والعالم العربي أو الأسباب النفطية لقيام الدولتين الإستعماريتين بدعم نزعة الإستقلال العربية ضد التسلط العثماني لدولة الخلافة الإسلامية... بل إكتفى توينبي بـ(إيضاح): أن العصبية التركية في الخلافة الإسلامية لم ترض بذهاب وزارة الزراعة والتجارة لعربي مسيحي! وقد كانتا سابقاً للأرمن والإغريق [وأولياءهم الرشالدة في بنوك النمسا وفرنسا وبريطانيا] إلى ان إنتزع هذا المنصب منهما ومن العرب أيضاً الأتراك ضياء ألب وأحمد نظيم بدعوى: تحقيق حال من الإنسجام والتوافق في العنصر البشري للسلطة الجديدة. وبذا غدت الجماعة أو الحزب التركي المسمى "الإتحاد والرقي" هي القوة المسيطرة على الحكومة وفرضت جبروتها على الدولة والولاة والولايات الخاضعة إسماً للسلطان العثماني.

في هذا الصدد أورد توينبي درساً قومياً قدمه أنور بيك لطلاب الكلية الحربية عن: "التركية كينونةً للعثمانية" وكيف ان طالباً عربياً سأل معارضةً: أن العثمانية تضم أتراكاً وغيرهم ولذا فإن سياسة التتريك تعني تهميش الأجناس الأخرى وتفرقهم عن العثمانية؟ وحسب توينبي فان رد أنور بيك على الطالب الحربي كان هو: ((إن العرب ليسوا إلا إتراكاً بحكم السيف والفتح وان لا وجود لقومية (= وطنية) أخرى سوى التركية، وإن العثمانية ليست إلا تسويغاً إجتماعياً لإقرار النظام التركي الذي يشكل لحمة العثمانية وعصبها)) !

هذه العصبية والفتوة القامعة للقوميات والإعتقادات والألسن الأخرى بإسم التركية والإسلام عدها توينبي - بحق - من مكرسات ما سماه "تركيا الحديثة" ولكنه رد بداياتها القاسية لا إلى عسف السياسات الأوربية ضد دولة الخلافة الإسلامية العثمانية ولا إلى عجز اللغات والثقافات الأوربية الرأسمالية عن فك الإدغام بين احوال وفهوم إصطلاح "الوطنية" وإصطلاح "القومية" بل رد توينبي كل ذلك الشباب واللهب إلى سبب واحد بسيط هو: إئتمار "حزب الإتحاد والترقي" الذي عقد إبان شهر أكتوبر سنة 1911 وكُرس حينذاك بين حربي القرم والبلقان والحرب العالمية الأولى - لهدف الإعتداد الوطني ضد النفوذ الأجنبي- مبادئي وسياسات تركية وإسلامية الدولة الحديثة.


كتاب "تاريخ نشوء تركيا الحديثة" أأثله ضمن النظرات المثالية للتاريخ وضمن تأثيل بعض ما جرى في التاريخ بين رأسمال آل روتشيلد -بكل يهوديتهم السياسية وعلمانيتهم وطبائعهم (الأوربية)- وإقطاع آل عثمان وخلافتهم الإسلامية وطبائعهم الآسيوية، وما أسس وخلط ما بينهما من أموال ومصالح وصراعات وهو عنوان عام متصل حاضراً بشخصية تختلف تماماً عن شخصية توينبي. وهي شخصية إمرأة تركية جميلة العقل والشكل كانت معلمة أدب إنجليزي وهي هليدا أديب (ذوالفقار) وهي من النساء القديرات اللائي أسهمن بقوة في دفن جثة "الخلافة" (=المُلك العضوض) التي كانت حينذاك ملقاة في طريق الإنسانية.

كانت هيلدا أديب مشيرة ومساعدة لأتاتورك ولكن في يوم 6 يونيو سنة 1919 حين إحتدمت حرب أتاتورك ضد القوات البريطانية والأوربية الغازية تحولت هيلدا إلى زعيمة وطنية مُلهمة للجماهير بخطاب تحميسي شهير ألقته في جامع السلطان أحمد في إسطنبول...خطاب صار -ولم يزل- نموذجاً للخطابة الوطنية ولإرتفاع إسهام النساء في التحرر الوطني و...علو كعبهن ...في النضال الإجتماعي.

بعد هذه الزعامة التي جاءتها تجرجر أذيالها خلدت هيلدا إلى كتابة تاريخ أيام حرب الإستقلال وكتابة تاريخ تأسيس تركيا الحديثة الحاضرة وإلى ممارسة السياسة النمطية، ثم إتجهت بذكاءها ونشاطها وخبرتها وعلاقاتها إلى تعليم أدب اللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا الأمريكية سنتي 1931-1932 وفي جامعة إسطنبول إبان السنوات الممتدة من سنة 1939 إلى سنة 1950. وقد كتبت هيلدا سيرتها بالإنجليزية : "ذكريات ذوفقار : تركيا تتجه غرباً":
Adývar Memoirs: Turkey Faces West .. كما كتبت هيلدا "داخل الهند" Inside India ..وهذين الكتابين التوثيقيين هما المصدرالمكتوب للتاريخ الاخير لمسيرة الحداثة الرأسمالية في تركيا وقيام عمرانييها (= ماسونييها) بالدفن السياسي لجثة الخلافة الإسلامية العثمانية. فعلى ضوء كتابي ذوالفقار الدقيقين يمكن مراجعة ما كتبه توينبي - حينذاك- عن سنوات إنتقال تركيا من تاريخها الإقطاعي العثماني القديم إلى مستقبلها الرأسمالي الحاضر.

قابلت هيلدا المؤرخ توينبي في أنقرة في صيف سنة 1923 كما كانت ذات صلة سياسية-تعليمية وثيقة بالعالم الأمريكي جون ديوي Dewey John فيلسوف التعليم والبرجماتية وعضو "مجلس العلاقات الخارجيةCFR " وهو الجهاز الأمريكي الرصيف لجهاز توينبي (وقد كان هناك حرص أمريكي ألا تفوز بريطانيا أو غيرها بتركبا) وكذا كانت هيلدا متصلة بشارلز كرين رئيس مجلس أمناء الكلية الأمريكية للبنات في أسطنبول والذي كان مستشاراً الرئيس الأمريكي ويلسون لشؤون "المسألة الشرقية" في مؤتمر باريس 1919 وسفير أمريكا في الصين سنة 1920 أول عقود تحولها من الإمبراطورية إلى جمهورية، قبل أن يأتي مفوضاً أمريكياً لمتابعة إلتزام تركيا بقرارات مؤتمر باريس! حيث أهدته هيلدا مذكراتها في 26 أغسطس 1924 في أول حل الخلافة كأول مذكرات نسائية سياسية في الشرق وهي موجودة الآن في مكتبة جامعة جورج واشنطن في الحافظ رقم (DR 592 A4 A3)

في سنة 1923 تلك أومى توينبي إلى مراقبين غربيين في أنقرة حول قعود الأتراك عن إزالة الخلافة قال: ((إن بالإمكان إستعادة روح الثورة الفرنسية لكن دون تحقيق هذه الروح التي سادت في باريس في السنوات بين 1789 و1798 سيكون تاريخ تركيا من سنة 1920 مبتوراً ناقصاً)) و في تاريخ 13 أبريل كان أرنولد توينبي قد تعشى مع القائد الجسور كمال أتاتورك ثم في رسالة إلى بيته قام توينبي في.. بلاغة آرية بتشبيه كمال أتاتورك بنمساوي أو ألماني !! وإنه رجل كَيِسُ متفهم رحب ولكنه ليس صديقاً أو لطيفاً ..فسكونه أقرب إلى سكون الفهد حين يتأهب إلى القفز والإنقضاض .

















ملحوظات على: تاريخ توينبي لعصبية وقومية ووطنية ماضي وحاضر ومستقبل تركيا وعلى دراسته التاريخ:

1. رغم تداخل معنى "القومية" و"الوطنية" في مفردة واحدة في اللغة الإنجليزية هيNationalism إلا أن توينبي تناول "القومية" كعصبية دم لا كـ"وطنية" أي بإعتبارها نتيجة أصل مشترك لأهلها معتبراً إرتفاع شأو بعضهم في الدولة دالة على دموية وبطش وسيطرة هذا البعض على بقية القوميات وعلى الدولة!! وهنا تبدو طبيعة نظر توينبي إلى إمتياز آل عثمان في الأحوال القومية لدولة الخلافة طبيعة مختلفةً عن طبيعة نظره إلى تواريخ الإغريق والرومان ومختلفة عن طبيعة نظره إلى أحوال الإنجلوساكسون مقارنة ببقية القوميات في بريطانيا.


2. أخذ توينبي تاريخ العثمانيين بإعتباره تاريخ مسيرة حربية دموية من أعالي الأناضول إلى الإمبراطورية، وفي كلامه إشارة إلى إن العامل المحرك لهذه المسيرة هو "الإسلام"! وهو تقدير جله خطأ: إذ لم يرى ان الأقوام البدوية منذ قديم الزمان حين تشتد عليها الحياة وتضيق بجيوش الجبايات الإمبراطورية وتضحى بين شقي الفناء جوعاً أو قتلاً فإنها تتجه من معازلها إلى ماء الحضر والمدينية وخيراتها في غارات عدداً ثم تتجه مع زيادة ضيق الحياة عليها إلى الإستقرار فيها والتحكم في أمرها وتأسيس الممالك والإمبراطوريات أيما كانت عقيدتها. أولم يرى ان الجماعات البشرية حين تنغلق أو تنفتح على طبقاتها سبل العيش قد تضمحل فيها مع الضيق الإعتقادات القديمة وقد تزيد فيها مع طيب العيش تحولات في عقائدها توائم إختلاف الأحوال وزيادة المصالح والطلبات؟

لو نظر توينبي حال "المسلمين" بل و"الخلفاء" الذين إضطهدتهم السلطنة العثمانية لما رمى الإسلام بإشانات تلك السلطنة وصار كمن يرمى المسيحية بجرائم حروب روما والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وحروب الإستعمار وعذاباته ولرمى اليهود كلهم بجرائم بعض أربابهم الماليين أو العسكريين.

3. إضطراب إستعماله لإصطلاح "الحضارة" جعل دراسته تفصل عسفاً بين مواشج الحضارة والبداوة، كما جعل دراسته تخلط بين "العثمانية" و"التركية" وبين "الناس" و"الدولة"، كما خلط في (العثمانيين) بين "الطبقة الحاكمة المالكة"و"الطبقة الكادحة" وكذا خلط بين "الحكومة" و"الدولة" وبين "العثمانية" و"الإسلام".

4. غلو حسابه لدور"الإعتقاد" كعامل فعال في دورة قيام "الحضارات" وفناءها رغم الفارق الزماني الكبير بين أ- الدورة الزمانية للحضارة ..و.ب- .دورة حياة كل دين، إلا أن يحسب الأديان ثقافة واحدة لإستغلال واحد!

5. إضطراب تركيزه على النواحي العقدية والثقافة الدينية في مقارنته بين ("الحضارة الإغريقية الرومية") و("الحضارات" الأخرى)، وتركه نهج المقارنة بينها وفق الحقائق المادية والثقافية في حياتها الإجتماعية.

6. تواشج ملخصاته ببعض قيم المسيحية السياسية أكثر من تواشجها بالأشياء والعلامات الموضوعية في التاريخ مثل طبيعة الموارد والكسب والحكم في المجتمع ونظم الإمتياز القومي أو الوطني في العالم وعدالتها.

7. إهمال المؤرخين لعمل توينبي الأكبر "دراسة في التاريخ" قد يمثل دالة إلى أن نهج تلك الدراسة السفر هو (نهج خاص) في التاريخ المقارن أكثر من أن يكون دراسة ملتزمة بقواعد التاريخ ومناهجه الموضوعية.

8. إتجاه بعض عمل توينبي السياسي إلى دفع معجل لعامل "القومية" في المنطقة دون أن تكون طبيعة الإنتاج والأعمال والفهوم تناسب تأجيجه بأسلوب ثقافي أوربي قائم على الصحافة والكتب والخطابة الأفندية حتى غدا التفكير القومي في الدولة العثمانية عامل عصبية وتناقض بين الشعوب المختلفة لا عاملاً للوطنية قائم على التعارف والتواشج والإشتراك والإتحاد.

9_ إلتباس فهم "الوطنية" وـفهم "القومية" في حياة أوربا الرأسمالية السياسية ونشاطها الهدام ضد عوامل التقدم الإجتماعي التحرر الوطني والإشتراكية في المنطقة ناهض من داخله الدعم الأوربي للتفكير القومي والوطني ضد الإمبراطورية العثمانية وخلافتها: فالتفكير القومي الحديث غدا بسياسيته الشديدة ورأسماليته تفكيراً مختلفاً غريباً عن التفكير الإجتماعي السائد بجهالة في عوالم العرب والعثمانيين القريبة من البداوة والقبيلية. ولكن المناهضة والتسمم الذاتي لم يكن نتيجة من صراع الجديد ضد القديم بل كان نتيجة من تضادين موضوعيين هما:
1. التضاد في العناصر الطبقية داخل المسألة الوطنية بين أصحاب الدولة وكادحييها، وبينهم والإستعماريين
2. التضاد في العناصر الطبقية داخل المسألة القومية بين أهل السيادة وأهل الكدح والحكم بالسياسة.

ورغم هذا التضاد فإن "القومية" و"الوطنية" في تركيبهما العام إقتصاداً وسياسة صارتا تمثلان في الزمن الحاضر شكلاً حديثاً لإجتماع الناس وإشتراكهم وعُصبتهم ورقي نشاطهم ليس ضد السيطرة الإمبراطورية الإقتصادية والسياسية العثمانية وعمدها الإقطاعية والرأسمالية فحسب بل وكذلك ضد الإستعمارية الأوربية وعمدها الرأسمالية الظاهرة أو الباطنة في الحركة الصهيونية وفي المسيحية السياسية.

ولكن عودة إلى بداية هذا التناقض والتواشج بين مسائل التحرر الوطني والتحرر القومي والتحرر الطبقي في عالم الخلافة الإسلامية العثمانية وبقاياه قد تمكن القراء الكرام من إدراك ضرورتين حياتيين كانت تحتاج إليهما مجتمعات الخلافة الإسلامية ولم تزل تحتاج إليهما مجتمعاتنا الحاضرة الباقية من تلك الخلافة (الإسلامية) المسماة في الحديث الشريف للنبي الأمين (ص) بإصطلاح "المُلك العضوض" وهذه الضرورات هي:

1_ ضرورة "فك الإرتباط" بين الدول المستتبعة والدول المسيطرة التي نبه إليها عالمياً الأستاذ العالمي في الإقتصاد السياسي سمير أمين وجميع فلاسفة مدرسة [مناهضة] التبعية [الدولية] .

2_ ضرورة ممارسة "القطع الطبقي" الإشتراكي السمة مع البنيات المحلية للنظام الإستعماري الحديث التي نبهت إليها أعمال العالم الشهيد مهدي عامل الأستاذ الجامعي لفلسفة المناهج.

هاتان الضرورتان يلزم لتحقيقها حس إشتراكي طبقي عمالي بسيط يميز بين حال وحالة هما:
1_ حال الوعي بعناصر وأصول وإتجاهات حركة الحياة الإجتماعية وأسس علومها اللازمة لإدراك طبيعة حركة المجتمعات في التاريخ. و2_حالة الوعي الزيف المكتفي بإصلاح بعض عناصر الحركة الإجتماعية عوضاً عن تغيير علاقات وتناسبات عناصر الحركة الإجتماعية. وكان هذا مما نبه إليه بزيادة على أعمال لينين وجورج لوكاتش وألتوسيير وعلي الوردي محمود أمين العالم في كتابه القيم "الوعي .. والوعي الزائف" .

هذا الميز بين "المسألة الوطنية" الكامنة في إصطلاح "فك الإرتباط" و"المسألة الطبقية والإجتماعية" في إصطلاح "القطع الطبقي"الوعي العام والإدراك الجزئي يبقى وضعاً سالباً أمام وضع أكثر إيجاباً للخير العام في الذهن والحياة وهو وضع التضافر الموضوعي بين عناصر وعلاقات "التحرر القومي" و"التحرر الوطني" و"التحرر الطبقي" الكامنة في عملية كبيرة قومية- وطنية - طبقية متكاملة لكسر علاقة السيطرة والتبعية بين كل من القرية والمركز في المجال المحلي، وبين الدول المهمشة والمراكز الإمبريالية في العالم، عملية تناهض بقوة منتظمة وأساليب متنوعة أسس وأشكال الإستغلال والتهميش في الحياة الإجتماعية السياسية وثقافتها. وإذ كانت هذه العملية الموجبة وفهومها غائبة عن الناس -إلى حد ما- آيام النضال ضد الإمبراطورية العثمانية فهي في عهد إمبراطورية روما الجديدة لم تزل غائبة عن مجريات النضال المتفرق ضد "المسيحية السياسية" وضد "اليهودية السياسية" وعن المجرى العام لنضال الطبقات والشعوب المُسَتَغلة والمُهَمشًة ضد أسس وأشكال "النظام الإمبريالي العالمي" المتعفن والمنهار من أمريكا إلى القرى المحروقة في دارفور.


2. توينبي و"المسألة الأرمنية" (مذابح الأرمن):


1_ طبيعة "المسألة الأرمنية"

ظهرت مسألة الأرمن ضمن ظهور "المسألة القومية" في التاريخ الحديث للأفكار والتحولات الإجتماعية وقد كانوا واليهود برامكة الخلافة الإسلامية العثمانية. ورغم تطور علم الإناسة الأنثربولوجي وعلم السلالات وكشوف المورثات (DNA) فحتى الآن يدعي بعض الأرمن إنهم أوربيون أقحاح وإنهم ورثاء الأرض اليونانية فالرومية فالبيزنطية التي قام الحيثيين [ثم الفرس] ثم العثمانيين بجعلهم أغراباً فيها! وذلك دون أن يقوم هؤلاء الأرمن الكرام بتحديد هذه الأرض إلا بعض مدن سكنها بعض أجدادهم ! كما يدعي الأرمن إنهم بعد عز كسبوه بجهدهم في الدولة العثمانية تم أتهامهم جماعة وبلا تمييز بالتآمر مع أعداء العثمانيين (الدول الأوربية) وإنه نتيجة من هذه الإتهامات والخلفية الإقصائية لحدوثها هُجِر وقتل عدد كثير منهم بصورة منظمة بداية من سنة 1915 وزعموا إن مليون نفس منهم قتلت.

أما الأتراك فيدعون إن الأرض الآسيوية وقسم من أوربا البسفور والبلقان وما بعده كانت لأجدادهم قبل أن يرتقيها اليونان والروم من ناحية الغرب وينزل عليها الفايكنغ والسلاف من ناحية الشمال والشرق. وإن الأرمن الذين يختلفون تماماً عن اليونان أصلاً ولغة إرتقوا في مناصب الدولة العثمانية بعطف أهلها عليهم لقاء خدماتهم النفيسة في المال والعمران والطب والتعليم والآلات والأسفار والسفارات والصحافة والترجمة والكتابة لكن أقلية منهم في ظروف الحرب وضغط الإقتصاد وتشتت الأهل خانت العهد ونشأ من ذلك "تشاحن أهلي" إمتد عبر البلاد قتل فيه بعض الناس بعض الرعايا العثمانيين في (روسيا) وقتل فيه بعض الناس بعض الأرمن في الدولة العثمانية.


2_حسابات توينبي

في الكتاب الأزرق الذي أعده توينبي لحكومة بريطانيا عن سوء معاملة السلطنة العثمانية للأرمن،رصد توينبي تاريخ الأتراك وأعمال العسف ضد الأرمن رصداً ضعيفاً في تعداده وفي وثوقية مصادره عن تفاصيل تلك الأحداث في ذلك الزمان. وهناك شكوك موضوعية في حيادية سبر توينبي وتحقيقه وإستنتاجاته وفي الإتهامات الناتجة من جهده وذلك على النحو الآتي:

1_ إرتكازه في العصر الحديث على أسطورة الأصل الحضري اليوناني في مفاضلة الحضارة "الغربية " ضد الآسيويين الأتراك الذين جمعهم كتلة واحدة والرعاة الهون والمغول بينما مفردة "غربية" نفسها مفردة إستعلائية حديثة من تقسيم كنيسة روما إلى غربية أصل وأخرى شرقية (فرع) نشات بتواشج مع إستقلال جنرال روما جستنيان عنها وإن كان الموضوع تاريخ الديانة المسيحية فالمسيحية أكثر أصالة في الشرقين الأدنى والأوسط عنه في روما .

2_ إعتقاده خطأ أن اليونانيين المعاصرين هم الذين حفظوا أعمال الحضارة اليونانية القديمة والخطأ من حيث أن ترجمات السريان إلى العربية في الماضي القديم وأعمال اليوناني الحديث كورياس Koraís, هي التي حفظت للعالم مع بعض المباني الشامخة والتحف الجميلة كثير من أثار اليونان العقلية فمع دراسة كورياس في جامعة مونتبليير University of Montpellier في فرنسا قام في مناخ النهضة والتنوير الثقافي الفرنسي بالإجتهاد ست وأربعون سنة في تحرير (أعادة تدوين) أهم التواريخ والأعمال العظيمة للأيونيين واضعاً إياها في لغة اليونان الحديثة (1839).

3_ تغييبه قيام الروم بإضطهاد الأجناس الأخرى وكذلك الإضطهاد المسيحي لأتباع الديانات القديمة وان ما بقى منها فلأسباب من الخفاء والبعد. وقد مارست بيزنطا ذلك الإضطهاد على الأيونيين الأولمب في القرن التاسع ماحقةً بذلك آخر ما بقى من "الحضارة" اليونانية حتى بقي الإسم "هيليني" دالة إلى الغربة عن المحيط الروماني Romyós, وإشارته إلى إنتباه الإغريق العثمانيين لهيلينتهم إشارة تتأخر عن كون هذا الإنتباه حقيقي لكنه حديث موصول بتأثير الثورة الفرنسية والأفكار الجمهورية والنشاطات الرأسمالية.

4_ صدور عبارات حُكمية سالبة قطعية مطلقة تخل بحياد توينبي في درسه موضوع العثمانيين مثل قوله الفرنجي : ((ما عانيناه من شر غلاة المسلمين والأباطرة المسيحيين النهمين للمال))
For all the evils which we have suffered from the maniac Moslems

5_ إضطراب تحديده الطبيعة المهنية للأتراك إذ يحسبهم زراعاً جهة المغول [موسم جفاف من 950-1250] ثم يحسبهم رعاة جهة الأرمن [بعد نهاية موسم جفاف 1550-1850] دون أن يسجل أثر التغيرات المناخية في الجغرافيا البشرية وطبيعة الحياة في تلك المجتمعات. إضافة إلى تفضيله الزراع على الرعاة تفضيلاً قد يكون راجعاً إلى إتسام الكتابة والتاريخ عامة بتطفيف في النظر: حيث التاريخ وشيج الزراعة وحضارتها وأما الشح ففي تسجيل أحوال البداوة وزهدها وكذلك التطفيف في تسجيل الخير بين الإثنين وفي تسجيل ما يحصل من أحدهما على الآخر نتيجة الجفاف وضيق الموارد.

6- الخلل في تسجيله الوقائع العامة إذ سجل الأعمال العسفية ضد الأرمن زمن الحرب مقدراً ضحاياها بمئآت الالوف ولم يذكر شيئاً واشج ذاك عن مئآت آلاف الضحايا القرقييز والكازاخ المسلمين الذين أبادتهم الجيوش القيصيرية لمصلحة شركات بناء السكك الحديد رغم إن رئيس الوزراء كيرنسكي أشار إليهم في خطاب له في مجلس نواب بلاد الروسيا "الدوما" كما أكرمت ذكراهم بعده حكومة الثورة الشيوعية .

7_ تجاهله وإطفاءه (الزراعي الحضري) لذكر الأصل الرعوي لأهل اللغات الهندوأروبية مما يشمل مع الأرمن الفرنسيين والطليان والبريطانيين ولا يخرج منه في أوربا سوى الفلانديين، والباسك، والبلغار، والمجر ، والهون.

8_ إضطرابه في تقدير دور "الإسلام" في تحضير البداوة وقيمها التعاضدية أو في جهة الحضارة وتثقيفها من الفردية حيث أرجع إلى الإسلام تحضر الأتراك بعد بداوة كانوا عليها ثم من جهة ضد أرجع إلى ذات الإسلام كل غزوات العثمانيين وكل المآسي التي سببتها جيوش سلاطينهم في أوربا.

9_ غموض مصادره لدراسة تاريخ الأتراك وطبيعة تقويمه طبيعتهم كُلاً وجملةً رغم إختلاف عناصرهم وأوضاعهم وكذلك مصادر الأحداث المتصلة بالأرمن ونوعية الأشخاص الذين أفادوه بتفاصيلها وطبيعة إفاداتهم.

10_ غموض مفردات محورية في دراسته مثل مفردات: "الحضارة"، و"التركية" و"العثمانية" و"الهيلينية"، و"أوربا"، و"الغربية"، و"الأرمن"، و"الإسلام"، و"المسيحيـة"، و"الشـرق الأدنـى"، و"الشـرق الأوسـط"، و "الحرية"، و"السيادة" و...."التاريخ".

11_ تورطه في إدانات مسبقة وأحكام قطعية ضد الأتراك كما في أقواله: ((إدعائهم البراءة)) جهة ((إبادة الأرمن)) و((غيهم في ذلك إلا أن يؤدبهم الغرب)) خالطاً بين أعمال الحرب والمآسي والشائعات التي تحصل في خضمها. من ذلك تجاهله دعوة هيجاء تولاها نوبار باشا ليثور الأرمن على الدولة العثمانية نشرت في صحيفة التايمز اللندنية قبل الحرب ومعها بعض فظائع أرمنية ضد بعض الأتراك كذلك تجاهله الفظائع ضد الأتراك المرتكبة بواسطة الجنود الأرمن والحلف المقدس في "حرب إستقلال" اليونان حيث تم فصل اليونان وقطعها من الدولة العثمانية دون تقدير لحقوق السيادة التي تتمتع بها عليها.

12_ إعتماده في عدد من المرات على روايات سماعية لم يتحقق منها مباشرة حسب ما أورده في ملحق الفصل الخامس من كتابه وظل مكتفياً بها حتى آخر حياته دون تصحيح.

13_ ذكر بالكتاب الأزرق إن نصف مليون أرمني قد قُتُلوا ثم في "دراسة في التاريخ" قال الأرمن قد ((أبيدوا )).


14_ في الفصل السابع تناول بالتفصيل "حرب الإبادة" في الصفحات من 651 -653 وفي تلك الصفحات رد تفاصيل هذه الحرب إلى المرجع رقم 31 وببحث المرجع المذكور وهو أساس الكتاب الأزرق إتضح لي إنه سجل إرسالية تنصير أمريكية The Presbyterian Church in the U.S.A سجلت فيه أقوال رجل وإمرأة من أهل التنصير الأتقياء تروي ما سمعوه من بعض الأهالي عن حكايات عن فظائع، ولكنها رغم دقتها في وصف الفظائع فهي تختلف تماماً في تعيين مرتكبيها وتجافي تماماً ما إتجه إليه توينبي في إعتبار القتل فعلاً عمدياً قصدياً من "الحكومة التركية" و"(الـ)مسلمين": ففي روايات المرأة التي تحتل مكانة أساس في هذا (السجل) تتحدث بصدق عن مواقف حميدة للأتراك وتلوم بعض "الأكراد" و"جنود سوريين" !!ومع ذلك فوفقاً لطبيعة إيمانها وسلامة ذهنها ترمي جميع (المسلمين) بأنهم ذوي عقلية شيطانية!!!!

وقد كان سجل هذه الروايات هو (الإثبات) الرئيس في كتاب بريطانيا العظمى الأزرق عن "مذابح الأرمن" والذي (كتبه) وحرره الأستاذ الكبير وعقل المخابرات الأكاديمي الضليع أرنولد توينبي وقد صنع منه نصراً كبيراً للرأسمالية اليهودية-ذات الصلات البريطانية في الدولة العثمانية وآذى شديد ضد دولة الخلافة الإسلامية عدوة دولته بريطانيا وصنع به لصالحـ(ها) سماً زعافاً يمكنها إستخدامه في مجتمعات تلك المنطقة لمئآت السنين القادمة.


_3 _ توينبي و"المسألة الهندية":

في الكتاب المسمى" شرقٍاً وغرباً، رحلة حول العالم"، East to West A Jurney Around the World المُصدر سنة 1958 عن جامعة أكسفورد قدم توينبي ملحوظات عن تقسيم الهند والأحداث الدموية التي تبعته جاءت في شكل ديبلوماسي ألقى توينبي به جانباً من لوم التقسيم على عوامل دينية لبعض المسلمين والهندوس إذ نَظَر توينبي هذه العوامل في الصفحات 121-123 في فقرات أختصرها بالإجمال الأتي:
(("آرميستار" و"لاهور": روح الإنسان قسمت البلاد إذ كانت المدينة التؤأم منفتحة لأتباع الديانات الثلاثة،والسيخ وجهدهم وإنتشارهم. وما حدث من ألم الخروج وعناء التيه والشتات من البنجاب ومدينيتها التوأم أرميستار ولاهور Amritsar and Lahore. إذ كانت الأولى محل المعبد الذهبي ومدينته حتى الأحداث الدموية في سنة 1947 حيث لم يتصور السيخ إبتعادهم عن مهنتهم (السياقة) في لاهور العاصمة لهم والمسلمين. كذلك المسلمين لم يتصوروا إنقطاعهم عن حقولهم في مناطق أرميستار.
إذن لماذا نصبت "الذاكرة" هذا الخراب في السيخ والمسلمين رغم تساكنهم في العيش ورغم تقاربهما إعتقاداً من حيث ان "خلاصة" الصاحب الكبير Granth Sahib عند السيخ هي خلاصة عمل الصوفي المسلم الديانة "كبير" مثلما ان بعض المسلمين لهم إعتقاد ووثوق في صدق حكمة الشيخ نانك Guru Nanak أبو إعتقاد السيخ ؟ ))
جواب توينبي على هذا السؤآل الطويل اللاتاريخي كان هو ((أن تنوع الطبيعة الإنسانية أكثر سعة من غرابة حياة الإنسان))! وهذه بدهة.
لكن في تدقيق آخر لإجابته أورد توينبي جواباً مختلفاً هو:((أن إختيار موقع معبد "رانجيت سينغ" بين القلعة ومسجد الإمبراطور الجامع موصول بالمهندس أورانجذيب Aurangzeb حيث وضع المسجد الجامع محل المعبد الهندوسي الأول في بينارس Benares والحكاية مليئة بمغالطات شتى ترجع إلى أجيال عددا ))!! [من هو صاحب الأرض؟ ومن هو الوارث؟ وما هي طبيعة الوقف؟ ..إلخ]


4_ توينبي و"المسألة العربية":
فيما قد يكون خلطاً بين العرب كقوم والبداوة كحالة إجتماعية مثل الذي وقع فيه إبن خلدون فقد تباين توينبي في تقديره طبيعة "المسألة العربية" أو كيفية الجواب على سؤآل عن الطبيعة السياسية لوجود العرب ؟ :
فإزاء الخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية صدرت عن توينبي إشارات إلى حق بلادهم في الحرية والإستقلال عن الخلافة والسلطنة ولكن مع إنهيار هذه السلطنة بعد "الثورة العربية" بقيادة الحسين شريف مكة التي حدثت بدعم الإنجليز ضمن الحرب العالمية الأولى تحول موقف توينبي إلى تبني مقولات المدينية الرأسمالية الأوربية التي ترى شعوب آسيا قطعاناً لا أمماً ولا ترى العرب إلا ظاهرة صوتية لا وشيجة بينهم إلا في اللغة بكل تباين لهجاتها. قال:( There are Arabs in name who have nothing Arabic about them but their language -- most of the peasants in Syria are such. . ..)
وقد وكد توينبي هذا القول في نص مُرشد مفاوضات الوفد البريطاني في "مؤتمر السلام" في باريس (سنة 1918) حيث قال :(( سكان غرب الأردن ليسوا عرباً بل متحدثين باللغة العربية وأن أكثرهم "فلاحين" يستملكون الأرض قرى أو يعملون فيها للأفندية السوريين. أما في منطقة غزة فأكثرهم مصريين أصلاً وفي غير هذه المناطق فالناس خليط قبعوا قروناً تحت نير الضرائب والإمتهان التركي وأزلامه المتحدثين بالعربية من الإقطاعيين والموظفين السوريين))
بخلاف ضد كل ما سبق سرده عاد توينبي إلى توكيد وجود العرب وحقوقهم السياسية بإشارات أقوى أوردها في عدد "مجلة الشؤون الدولية" سنة 1925 مع تأسيس "إمارة شرق الأردن" !!
من هذه النقاط قد يمكن القول في هذا الشأن:

1- ان نظرة توينبي إلى "العرب" و"العروبة" إفتقرت قدراً ضرورة من الموضوعية لازمة للقول بصدق حججه ورجاحة رأيه وصدق تاريخه.

2- المصالح السياسية التي كان توينبي يعمل في إدارتها ألقت بظلالها على طبيعة تأريخه للمنطقة من حيث تبخيسه دور أقوامها بداوة وحضارة كما بخس تواشجهم في أطر محلية وقومية ودولية جامعة، بل صر توينبي حالتهم في ))إنحطاط قدراتهم وتناحرهم((. !!













5_ توينبي و "المسألة اليهودية":


اليهود بكل أجناسهم ومللهم ونحلهم قاموا في شتاتهم الطويل الممتد آلاف السنوات ورغم أنف قساواته بإنجاز كثير من الإكتشافات والإختراعات النظرية والعملية للحضور البشري والإنساني كما عانوا وغيرهم من نير ويلات الظلم والإستعباد والإضطهاد والعذاب والإبادة في "حضارات" ودينيات الإستعباد وفي حضارات ومدينيات الإقطاع وفي حضارة الرأسمالية ومدينياتها ولكن رغم كل النجاحات التي حققوها والألآم التي عانوها لم يجدوا حظاً أو مكاناً في تنظير توينبي البسيط لوجود الحضارات وإندثارها رغم إنهم –تعميماً- يربطون في التاريخ البشري بأمضى أسلحة وآلات "الحضارة" وهي العلوم والصنائع والتجارة والنقود!

ففي مقالة توينبية حشدية ذات عنوان كبير هو "مهمة دولة إسرائيل" The Mission of the State of Israel تجاوز توينبي كل هذا التأثر وكل هذا الإسهام ووصفهم جملةً بأنهم دمن وبواقي "الحضارة" ومخلفاتها Fossil وقد بين في ذاك المقال إجحاف تأسيس دولة إسرائيل ولا شرعيته عوضاً عن كيان محلي لليهود في إطار فلسطين ولكنه تجاوز الآيدولوجيا وعمد بإيماء إنجليزي بليغ إلى إلقاء ثلاثة مهمات على إسرائيل وهي :
1. إنصاف الفلسطينيين، و
2. الدفاع عن السلم العالمي في وجه الحرب النووية،
3. (مراعاة تواصل عرب أفريقيا وعرب آسيا ) !!

أورد هذا الكلام "يائير شليق""الكاتب النحرير في صحيفة "هئآرتز" Haaretz الإسرائيلية في مقالة ذربة طريفة كتبها بعنوان إنتقامي هو: "كيف حطمنا نظرية توينبي؟" Theory This is how we Ruined Toynbee s

وقد نُشرت المقالة في شبكة الإتصالات العالمية في تاريخ 24 يناير2007 .ومن بعض المعروف عن صحيفة هآرتز إنها ذات إتجاهات علمانية ويسارية حارة تكوي الذهنية الصهيونية السياسية والدينية إلا إنه لم يحدث إن كذبتها أو أدانتها محكمة أو حكومة في أمر مهم كسياسة دولة إسرائيل وهو أمر ذو حدين، وقد ورد في عرض يأئير لطبيعة مسألة توينبي في المسألة اليهودية إنه قبل قيام توينبي بنشرعمله هذا كان قد تلقى عرضاً ثقافياً من العالم يعقوب خيرتذوق Yaakov Herzog شقيق الدبلوماسي ثم الرئيس الإسرائيلي خاييم خيرتذوق والإثنان أبناء الحبر الأعظم إسحاق خيرتذوق ... وكان فحوى العرض هو القيام بمناظرة وإبانة لأراء ومواقف كليهما وقد جرت المناظرة في مونتريال –كندا في سنة 1961 وهناك حسب يائير شليق فإن رأي خيرتزوق ألحق بأراء توينبي هزيمة كبرى.

وقد تلى ذلك محاولة منسوبة لتوينبي لنشر مقال آخر بعنوان مخاتل هو "خيار اليهود في العصر النووي" Jews Choice in the Atom Age وفي ذا المقال تراجع توينبي عن مواقفه المألوفة بل وإنتقد طبيعة "الدولة القومية" معتبراً تناقضات الدول ضد بعضها مصدراً للدمار النووي الشامل معتبراً ان الثقافة والدين هما مجال تسوية النزاعات ولكن في رأي شليق إن توينبي لم يسمع حينذاك بنظرية "صراع الثقافات" أو "صراع الحضارات" ولكنه أورد سببين قدمهما توينبي لتوجيه مقاله ودعوته إلى اليهود هما:

• مركزية الصراع الإسرائيلي-العربي في السياسة الدولية (حينذاك)

• الثقافة المنفتحة في اليهود وقربها من ثقافة العالم الحديثة.



وكان الكاتب بالشوفا قد نشط لإصدار مقالي توينبي في المجلة التقدمية "العهد الجديد" Kivunim Hadashim والكاتب بالشوفا كان هو نفسه المصدر الأول للمقالتين لصحيفة هئآرتز!! لكن حين عرضت المقالات مجردة من الإسم على إختصاصي تاريخ المسيحية إياد كلينبيرج Aviad Kleinberg رأى: أن أسلوب تفكير الكاتب (توينبي) يشبه دعوات الرسل المسيحيين القدماء الذين كانوا يرون اليهود كفاراً إستحقوا الشتات ..و أن دعوة الكاتب (توينبي) إلى "الأخوة الإنسانية" تشبه دعوة " العهد الجديد" .

و واصل شليق تحطيمه معبد نظرية توينبي بقوله إن نظرة توينبي إلى إسرائيل أقل موضوعية من تلك التي يقدمها الشيوعي والكاتب نظير مجلي حين يطالب إسرائيل الإلتزام فقط بشعارها:" دولة "يهودية وديمقراطية"!! بأن تتيح للعرب فيها المساواة والحق في الموارد العامة [مع المواطنين الأخرين في إسرائيلّ]. ثم شرع شليق في عرض مطول لتفاصيل سعي نظير مجلي إلى السلام بما في ذلك إهتمامه بتاريخ اليهود والهلوكوست وتفهمه حق إسرائيل في الوجود بشرط : أن يكون للفلسطينيين ذات حق اليهود.




ملحوظات على تناول توينبي المسألتين العربية واليهودية:

1. إضطراب فهم وإصطلاحات "القومية" و"الثقافة" و"الدين" حيث لم يقدم تعريفاً موضوعياً لأيهم.

2. فهمه أو عدم فهمه لوجود قوى صهيونية أفادت ببريطانيا في إضعاف الخلافة الإسلامية وسلطنتها العثمانية بتقوية العرب ضدها في أطار عملية أوسع لتأسيس إسرائيل، وقد كان توينبي بهذا الفهم أو عدمه المنسق العام لجهاز الشؤون الدولية في الدولة البريطانية.

3. إضطراب وفاءه للطبيعة القانونية الدولية لتأسيس الدول: فهو يراها محمدة للعرب وعيباً لليهود رغم إن الإثنين عانيا في كتابه المسمى "دراسة في التاريخ" من تجاهله إنجازاتهم الحضارية في المجالات الإجتماعية ومجال الآلات والمجالات التجارية والمالية .


























بعض إنتقادات وجهت إلى أعمال توينبي :

1_مؤرخ الإقتصاد إنيس Harold Innis رأى إن "الحضارة" هي حالةً إمبراطورية في الإدارة والثقافة والإعلام.

2_ أما مؤرخ الثقافة إرنست كورتيز Ernst R Curtius في كتابه "الأدب الأوربي ولاتينية العصور الوسطى" European Literature And The Latin Middle Ages المصدر في سنة 1953 فقد سرد أشياء عن أحوال ما بعد الحرب رأها ماثلة في عمل توينبي في كتلة اللغة اللاتينية في عالم المسيحية بشكلين إثنين: إذ رأى ان تاريخ توينبي يمثل وصفاً لبعض علامات نشوء "الحضارة" وجانباً من تقنيات جوابها على مسائل نشاط(ـها) وحضورها مثلما يمثل وصفاً لبعض علامات إنمحاقها.
وقد وصف كورتيز في كتابه دور (القادمين) إلى اليونان من الشرق بأنهم شكلوا قوة عمل الحضارة الإغريقية الرومانية كما دفعوا عناصر الإمتياز والتميز والعلو في الدين وجعلوه كنيسة العالم مما أسهم في تنظيم روما كدولة عالمية ونشاطها في مناطق الجرمان والغال والفرانك والبربر. هذا التصوير التوينبي –حسب كورتيز- شكل: (رفضاً لـ"حتمية وفاة الحضارة")! وقد إتصل قدح كورتيز لأعمال توينبي بإنتقادات عددا ضد توينبي أهمها:((إعتماده الأساطير والحكايات كمنقح للمعطيات الواقعية وإعتماده رؤى دينية لتقييم حضارات مادية)).

3_ هيق ترفر- روبر –Roper Trevor Hugh قام بوصف فلسفة توينبي بأنها: ((فلسفة اللت والعجن)) Philosophy of Mish-Mash

4_ جايل Peter Geyl وصف عمل توينبي بأنه "مجرد خيالات مقدمة كتاريخ"
Metaphysical Speculations Dressed Up As History


5_ كوفمان Walter Kaufmann في كتابه "من شيكسبير إلى الوجودية" From Shakespeare To Existentialism المُصدر في سنة 1959 سخر من عمل توينبي بإنه نتيجة من تحكم المجلات الأمريكية في الرأي العام وإحتفاءه بالعقيدة [المسيحية] حين قابل اليهودية والمسيحية والإسلام معاً والبوذية في شكل قديم لأسلوب كتاب "صدام الحضارات" مما أشار إليه فيما بعد سموئيل هنتجتون في كتابه المشهور بذات الإسم.

6_ الدكتور إيلي قدوري Elie Kedouri وقد عانى "مذبحة الفرهود" في العراق كتب مقالة "طبعة شتام هاوس" The Chatham House Version التي أصدرها في سنة 1970 سارداً فيها إن مغالاة توينبي في تقدير "القومية" خالفت زمانها وأجهضت التطور الديمقراطي الوئيد في البلاد التي كانت تستعمرها بريطانيا وقد أدت لمآسي عددا محدداً منها مسألة فلسطين وتأثيرها الوخيم الثنائي على عرب فلسطين وعلى اليهود في البلاد العربية.










نقاط من نقاش فلسفي بين استاذين في فلسفة التاريخ حول كتاب توينبي "دراسة في التاريخ" :

تبدو أهمية النقاش الفلسفي في تأثيل عمل توينبي من ناحية عرض الفلسفة لنقاط مهمة في عناصر بناء أفكاره وطبيعة تناولها داخل الذهنية العامة التي نبت فيها عمل توينبي. وقد دار نقاش (حديث) حول عمل توينبي في أيام من أكتوبر ونوفمبر سنة 1998 في رسائل متبادلة في الإنترنت بين أسطونتين لفلسفة التاريخ وتنظيره في آخر القرن العشرين وهما الأستاذ برتيل هقمان Bertil Haggman والأستاذ هوبارت Michael Hobart وقد تناول النقاش بينهما النقاط الآتية :

1- إن توينبي عَدَ حوالى 30 حضارة بينما إقتصر علماء التاريخ شبلينجر وكروبر وكولبورن على عدد أقل من ذلك كان أقله ثمانية "حضارات" قديمة وأكثره خمسة عشرة "حضارة".

2- في النظريات الإفتراضية وحسابات التاريخ Speculative Theories and Accounts of History التي كان توينبي وشبلينجر من ملوكها منذ منتصف القرن العشرين نجد صرعة أو موضة النظريات الجامعة أو الكلية للتاريخMacrohistory وقد إعتمدت عند توينبي وشبيهه شبلينجرعلى إفتراض: وجود آلية واحدة كثيفة الدقائق ذات قرنين قصيرين وهي الآلية النظرية المسماة بمنطق تكونها بإسم خفاق هو "التحدي والإستجابة" Challenge and Response !

3- في السنوات 1958 و1959 وما بعدها إستدرك توينبي رأيه الآنف مغيراً تعداده الحضارات حيث قسمها إلى حضارات عمرت (= 23 حضارة) وحضارات بائدة أو مجهضة (= 6 حضارات) دون دقة في عيار وزنه أو حسابه لـ"الحضارة" وطبيعة موتها أو عمرانها. إذ جعل الحضارات المتفردة إثنتان، والمستقلة خمسة، والمواشجة لغيرها زوجاً سداسيا ثلاثة وثلاثة، كما جعل الحضارات الوشيجة لبعضها خمسة عشرة حضارة ثم بعد هذا التقسيم الخماسي حسب توينبي الحضارات الميتة في صغرها 6 ستة حضارات!؟

4- لتحري دقة أو عدم دقة توينبي يمكن الرجوع إلى الجزء الثاني عشر من سفره "دراسة في التاريخ" وهو الجزء الذي أصدره سنة 1961 وسماه "إستدراكات" وكذا يمكن الرجوع إلى "التنقيح" التي أغلق به سفره .

5- في ذلك الجزء الثاني عشر من كتاب توينبي سرد في الصفحة 274 : ((عندما يصف واحداً من الناس حضارة كشيئ موجود أوكشكل لثقافة ما وعندما يناقش أحد الناس تاريخاً لوجودها الأول للمرء أن يقدر أن ذلك الشخص قد وصل إلى تعريف محدد للحضارة و قد تم إنتقادي لإشتغالي مع الفكرة دون تحديد لإصطلاحها)) ولكن رغم وضوح هذه الإشارة الإعتذارية تمادى توينبي في هذا التعامل الروحي مع مفردة "الحضارة" فبعد صفحات جاء في صفحة 279 :(( بالإمكان تعريفها كإتجاه لخلق مجتمع يعيش فيه الإنسان بإنسجام كفرد من عائلة جامعة وهو هدف أعتقد أن كل الحضارات تسعى له بوعي أو بلا وعي)) !!! وفي تأسيس ذا الإستدراك رجع توينبي إلى المؤرخ "بورك"ّBurke في وصفه إرتقاء معرفة ظاهرة ما بـ"الوصف" أو بـ"التعريف" حيث غالباً ما يقود الوصف التفصيلي إلى التعريف الإجمالي
.
6- هناك فرق جغرافي ثقافي في إعتبار "التاريخ الكلي" أو التاريخ الشامل فهذا النوع من دراسات التاريخ يُقدر في الولايات المتحدة بصورة أكثر مما يقدره المؤرخون في أوربا [فقر التاريخ الأمريكي. والفلسفة النفعية]

7- مزج توينبي بين "الحضارة" و"الأسطورة" قد يماثل مزج هيجل بين "السبب" و"التمهيد" والفصل بينهما ممكن رغم صعوبته من حيث إن كثير من صور الأسطورة والحضارة ممتزجتان .

8- عرف توينبي الحضارة إنها ((الإنسان + الثقافة)) وهو تعريف يغمض الفروق بين كل من : "المجموعات الإجتماعية"، و"المجتمعات"، وبين "المجتمعات المنتجة"، و"الحضارات" مع إن لكل حضارة كتابتها المائزة بها ومدينتها الحاضرة، ومع إن بالإمكان الإتفاق مع توينبي وشبلينجر في إن "الحضارة" عملية متسلسة ترتبط بالنشوء والإرتقاء والإنحطاط ولكن هذه بداهة وحقيقة حياة لا تعطي عمل المؤرخ قيمة في الحياة المعرفية فالسؤآل الأكثر حيوية كيف يصف المؤرخ هذه العملية العيانية وكيف يستخلص منها؟

9- سقوط حضارة ما لا يعني تقدم مجتمعها إلى الأفضل فمنذ تسمم وموت الإتحاد السوفييتي وأوضاع الروس والعالم تتدهور ولم يوجد في الزمان الحاضر (زمن النقاش سنة 1998) بين1992-2008 أي "تحدي" فعال أمام أو داخل كتلة ما سماه توينبي "الحضارة الغربية".

10- يضاف إلى ما سبق فإن مفردة "حضارة غربية" مات معناها القديم وإنصرفت دالتها عما قدره وألفه توينبي إلى معنى جديد (خارج التاريخ): فمنذ حضور نهاية القرن العشرين إنصرف معنى "حضارة غربية" إلى "مجموعة الدول السبعة" الرأسمالية الأغنى الـ"G7" وهي دول " الدول (الولايات) المتحدة وبريطانيا وتوابعها كندا وأستراليا ونيوزلاند يمثلون حضور كتلة الأنجلوساكسون، مقابل الكتلة اللاتينية: فرنسا وإيطاليا، وتحضر معهم اليابان وهي الغرب في شرقه والشرق مغترباً! وقد إنهار الإقتصاد الرأسمالي لهذه الدول سنة 2008 وحلت محلها في وسائط الإعلام "مجموعة العشرين" الـ "G20" التي عقدت قمتها الحضارية في لندن 2008 وتضم دولاً أخرى لا "غربية" منها الصين وروسيا والهند والسعودية ودولاً لا "شرقية" مثل البرازيل وجنوب أفريقيا.


تعقيب على ما دار حول"دراسة في التاريخ"

1_ إنطفاء فهم "الحضارة" كعملية نشوء وإرتقاء إنساني شامل وسيادة الفهم التجزئيي الملوكي للحضارة في أذهان بعض أستاذة التاريخ الذين يعتبرون التملك الخاص والبنايات الضخمة علامة التحضر ويعتبرون نشوء الحضارات ورُقيها نتيجة من قيام الملوك بالتصدي لمهمة بناءها أو الحفاظ عليها ! فتؤخذ "الحضارة" بصورة موجبة كحالة تملك كبرى نهمة!

ضد هذا الأسلوب في القرآءة الصماء ترجح في الذهن صلاحية التفكير الماركسي الذي يقرأ التاريخ بحساب علاماته المادية الأوضح حيث يأخذ الحياة بإعتبارها مراحلاً لإرتقاء الناس إقتصاداً وإجتماعاً وسياسة وثقافة إلى درجة أرقى في الإستثمار الرشيد المتزن للموارد تتميز فيه كل مرحلة تاريخية وحضارة عن سالفتها بالنمط السياسي الإجتماعي لتوزيع أدوات وموارد إقتصادها. وبإعتبار إن توزيع الموارد يمثل علامة مادية ظاهرة في حياة الناس وثقافتهم إذ تجد مرحلة (الإستعباد) بمدنياتها وثقافاتها المصرية والفارسية والإثينية والرومانية والصينية ...إلخ ومرحلة الإقطاع بكل مدينياتها العربية والعثمانية والأوربية، ومرحلة رأس المال بكل مدينياتها الأوربية والأمريكية، ومرحلة الإشتراكية الناشئة بمدينياتها السوفيتية والأوربية الشرقية والصينية والكورية والكوبية والفنزويلية ....إلخ

2_ تأثر تنظير "التحدي والإستجابة" بنظرية "التحدي والإستجابة" القديمة في علم النفس، المنحدرة إليه من علم الفيزياء أو الحركة ..دون تقدير موضوعي للفرق بين غزارة عناصر التحدي والإستجابة في ما يتعلق بواحد من الناس وفي ما يتعلق بمجتمع كامل ذي طبقات ومصالح مختلفة في بنية وجودها وتحققها حيث تختلف التحديات ويختلف الجواب عليها.

3_ في كتاب توينبي وفي كتاب خلفه سموئيل هنتجتون يظهر إنطفاء الفرق بين "الثقافة"Culture و"الحضارة" Civilisation وهو إنطفاء مدلهم في التاريخ المكتوب باللغة الإنجليزية وكذا يظهر في ذات اللغة وفي غيرها إنطفاء الفرق بين "القومية" و"الوطنية"Nationalism.

4_ ان تجريد دراسة التاريخ من العناصر المادية لحياة الناس وإنتاجهم ضرورات عيشهم وما يتصل بهذه الحياة وإنتاج لوازمها من تراتب أو صراع في السياسة والإجتماع والإعتقادات والقوانين والتقاليد والأفكار العامة المواشجة لها ثقافة يعني جعل التاريخ والمادة المدروسة فيه سراب بقيعة يحسبه الظمئآن ماءاً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .





ملحوظات عامة على (تاريخ) توينبي:


1_ الفائدة العملية لدراسة التاريخ تظهر في تفعيل حركة الدول والمجتمعات بالعظات والعبر وإمكان تخديم دراسات التاريخ كأسلحة حربية أو أدوات علمية تفيد في تحديد مصادر أو مجالات قوة الأمم أو ضعفها.

1- في سياق واسع إبن خلدوني نظر توينبي إلى التاريخ حالة سياسية أبدية مكونة من نشوء وإنحلال "الحضارات" وهي نظرة مشوبة بثقافة الإقطاع والإستعمار لأنها قائمة على: 1- تمجيد الأصول التاريخية للمجتمعات المسيطرة وقيام أربابها بالتملك وإثباته، و2- تقدير مغلوط لأن عمليات تقدم البشر في الإقتصاد والسياسية والأموال والعسكرية هي عمليات من لدن ظروف خاصة في كل أمة وحضارة تعلي إستجابة بعض قادة الدول الإستعمارية لإلهامات معينة تدفعهم إلى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بكفاءة أكبر وبقوة أكثر صلابة وشدة من قيادة الدول الفاشلة والمستعمرة.

2- تأثر حياة هذا الماسوني العظيم: توينبي، العلمية والعملية بثقافة التملك الإنفرادي الخاص لموارد المجتمع ...ثقافة الإستعمار وأوضح ما كان ظاهراً من هذا التأثير بالذات: نوعية تقديره المثالي لطبيعة جدل الأصول والعمليات والإتجاهات العامة لحركة التاريخ البشري بصورة تبخس سواده وتكتال لأقليته. وإذ طغت سمات هذه الثقافة الإستملاكية الإستحوازية والإستعمارية التفاخرية في (البحوث) التاريخية في أعمالــ(ـه) وثقلت موازينها بمقادير أكثر عدداً وتفتحت بأشكال أكبر نوعاً إذا قورنت بأحوال وطبيعة حياة وأعمال المستشرقين النمساويين والألمان والهولانديين في تركيزهم الدقيق على بعض جزئيات التاريخ الشرقي وكتبه ووثائقه ونأيهم لأسباب ثقافية وآيديولوجية وسياسية ومالية شخصية عن دراسة كثير من الأوضاع السياسية والإقتصادية مادام الإنفصال بين البشر وحكوماتهم مستمر إلى الآن.

3- كذلك تظهر ذات السمة الإستعمارية في أعمال توينبي عند مقارنتها بأعمال المؤرخين والمستشرقين السوفييت والشرق أوربيين في إلتزامهم السياسي والأيديولوجي بمبادئي الطبيعة المادية للمعرفة التاريخية وتنسمهم الروح الإجتماعية والحرية والتقدمية للبحث العلمي في شؤون المجتمعات ودور هذا البحث في: حريتها وذلك من خلال كشفه طبيعة ونشاط الصراع الداخلي والدولي بين طبقات تلك المجتمعات بمختلف الأشكال الإقتصادية القومية والوطنية والحزبسياسية. فمعظم تاريخ البشر عند توينبي هو مجرد تاريخ "حضارات" (عظيمة) بقادتها معمداً أجزاءاً من ذاك التاريخ بالعمران الظاهر لـ اللغة والمباني والإختراعات والمكتشفات المادية والذهنية والسياق الديني لها. وهو أمر ظهر بعد ذلك في نظريات أحفاده الثقافيين مالك بن نبي وحمال حمدان وهنتجون وفوكوياما عن الحضارات أو الثقافات وصراعها كمحرك رئيس لتاريخ البشر والحياة الإجتماعية دون أن ينظروا لطبيعة عدد ونوع وتناسب العناصر والعلاقات الإقتصادية الإجتماعية المولدة والمحركة إقتصاداً وسياسة وثقافة لهذه الحضارات والثقافات وللصراعات الداخلية فيها.

4- في تعميده فكرة "التطور الحضاري" لم يأبه توينبي في نظرته الخلدونية المسطِحَة والعرجونية للتاريخ بالقيمة الموضوعية لطبيعة العلاقة بين: تركيب كل مجتمع و تركيب كل مجموعة وطبقة فيه. كذلك لم يأبه للقيمة والصلة الموضوعية بين: 1- حال "إنتظام عيش المجتمع وحياته" و2- طبيعة "جدل نظم الإنتاج والعمل وتقسيم موارده وجهوده وخيراته" و3- "طبيعة إستثمار هذه الموارد والخيرات" ولعل توينبي لم ينتبه جملة إلى تأثير التركيب الإجتماعي الإقتصادي وطبيعة تشكيلاته في عملية تقدم الأمم وحضاراتها.

5- أهمل توينبي حساب طبيعة جدل نظم الحكم والإدارة في إحداث قدر من التقدم أو التخلف الإجتماعي فلم يهتم بوزن عناصره وأشكاله وتمثلاته هذا الجدل في المناطق المختلفة ..لا ..لم يوزن هذه العناصر .بل قام بصورة مثالية (= سطحية) بربط تقدم الأمم بما أسماه: ((همة القادة وإلهامهم)) !!!

6- في تقديري البسيط إن الخطأ الرئيس في دراسة توينبي وأعماله هو: تصوره المثالي المقلوب عن وضع شبكة عناصر وعلاقات الإقتصاد- الإجتماع في الحياة وما يواشجها من أمور الثقافة والحكم وعلاقتها ككل بـما أسماه توينبي "الحضارة": فعند توينبي تبدو عناصر الإقتصاد والمجتمع نتيجة للحضارة وشكل لها تتأثر بها بطبيعة نظامـ(ـها )!! بينما في تقديري البسيط - ان الأكثر حصفاً لجهود توينبي وصحة للعلة الرئيس في أعماله هو إدراك ان عناصر إجتماع الناس والطبيعة الإقتصادية السياسية لإجتماعهم هي التي تحدد (طبيعة الحضارة) وان "المال عصب الحياة" وان "الإقتصاد مكنة التاريخ"





ختام:

أياً كان الشكل العام أو حتى الشكل الواحد الخاص الذي تتخذه كينونة التاريخ في الحياة: أستاذية في الجامعة أو مرشداً عاماً في المخابرات أو حركة دينية سياسية أو.خلافة أو إنقلاب أو حتى ثورة فإن سبق وجود المادة أساساً للوعي كما المخ أساس الإدراك والتفكير فكذلك حركة الناس في الفائدة بعناصر الطبيعة وموارد العيش من القليل والبسيط بما فيهم من نقص الطبيعة من تكالب وصراع على الموارد وعلى حكمها وتقدمهم المتنوع من حالة هذه الصراعات إلى حال إشتراكية أفضل إنتاجاً وحياة، لا في ناحية عدد فحسب، بل أيضاً في ناحية إشتراك الناس في مقاليد الثروة والسلطة على الموارد في مجتمعاتهم إشتراكية علمية تقوم بقوة متنوعة ومنتظمة ومتنوعة ومنتظمة بتأسيس حضور الإنسان في الحياة لا لحضور الملوك في القرى.

..ولكم التقدير




إنتهى




#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناصر لقاء ناجح بحضرة الأستاذة فاطمة الزهراء
- يا أم المساكين
- لأستاذ إسماعيل العتباني
- خفق الإنتصار للحزب ضد تيار (سِيِبَك، فِكك منو) !
- إستراتيجيات المسألة الإسرائيلية والمسألة السودانية
- قدس الله سر هذا الحذاء
- نقاط إلى مؤتمر الحزب
- من جدل الصراع القومي والصراع الطبقي والتنظيم السياسي
- إنتقاد مشروع البرنامج
- التحول الديمقراطي في معسكر كلمة
- تغبيش الحقيقة
- خمسة تناقضات
- إنتقاد مقالات السر: حياة الوطن في تقدم الحزب الشيوعي لا في ع ...
- التنمية الصاح والتنمية الكشا مشى
- ياااا حسن!! (2 )
- يا اا حسن!
- إلى إحيمر الثوري ضد إحيمر السياسي (بتاع لا نسبية أحمد وحاج أ ...
- الناس دي جنت ولا شنو ؟؟؟!!!
- رفع الكلاش
- تقدم إلى العدالة وأترك الحق والإنصاف لشعبنا


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - المنصور جعفر - دليل المخابرات …(المؤرخ) توينبي مساح خُطط (حضارة) رأس المال والإستعمار في (الشرق الأوسط)