أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي ثابت - لكُلٍّ يَمٌّ يُلهيه














المزيد.....

لكُلٍّ يَمٌّ يُلهيه


محمد علي ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2569 - 2009 / 2 / 26 - 08:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لكل منَّا يَمُّ واحد، أو أكثر، عليه أن يعبره ذات يوم. وقد ننجح في مهمة العبور تلك حين يحين أوانها، وقد نفشل. لكن تجاربنا الحياتية الممتدة كثيراً ما تعلِّمنا بأن الأهم من النجاح أو الفشل في سياق نسبي كذلك هو أن نثبت، على الأقل أمام أنفسنا، أننا شرعنا فعلياً في العبور حين صار لزاماً علينا، وأننا لم نجبن ونتراجع حين باتت المواجهة مع محطات حياتنا المتصاعدة، وصولاً إلى نقطة الهبوط الحتمي والانزواء أو الأفول، هي الخيار الوحيد الذي يمكن أن يكفل لبعض من آمالنا الحياتية انتعاشاً جديداً.

قد يكون يَمُّك مادياً تستطيع مطالعة مسار عبورك بين شاطئيه استطلاعاً عينياً مسبقاً على خريطة من أي نوع أو مستوى (محلية، إقليمية، قارية، ذهنية، وهكذا)، فتعبر أو تنتقل من مكان إلى مكان، إما بمحض رغبتك بحثاً عن حياة أرغد أو عن أمل جديد، وإما تحت وطأة دافع قهري لا يملك مثلك له دفعاً ولا تجد - أنت بالذات - سبيلاً إلى معارضة ما يفرضه عليك من رحيل اضطراري عن أرض أحببتَها وفراق قسري عن أناس ما كنتَ لتختار وداعهم أبداً لو كانت مفاتيح حوادث الدهر بيدك. واليَمُّ يكون مادياً كذلك إن كان عبورك له ينطوي على انتقال من نمط حياة إلى آخر؛ أو من صُحبة إلى أخرى؛ أو من طبيعة مهام إلى أخرى؛ بل ومن منظومة فكرية إلى أخرى.. فكل حراك من تلك الأربعة يستتبع بالضرورة انتقالاً مادياً من نوع أو آخر: على صعيد العادات والممارسات اليومية؛ على صعيد طبيعة مقابلاتك الحرة ومسامراتك (أماكنك وأزمنتك المفضلة لها، الموضوعات التي تستعذب إثارتها فيها، طرائق تناول تلك الموضوعات، وحتى المرطبات والوجبات السريعة التي تتناولها وأقرانك أثناءها)؛ على صعيد الكيفية التي تتكسَّب وتتعيَّش بها بشكل يومي؛ أو على صعيد الطريقة المادية التي تحوِّل بها أفكارك ونوازعك إلى أفعال على الأرض تمثل بالنسبة للآخرين مفاتيح استكناهك وقراءتك الأكثر مباشرة.

بيد أن يَمَّك لو كان معنوياً، لا تستطيع استطلاعه إلا في مخيلتك (في صحوك أو نومك، أو في شرودك)، فإن ذلك من شأنه أن يجعل عبورك إياه صعباً صعوبة من نوع لا يألفه كثيرون من العوام الذين لا يخلو منهم أي عصر أو مكان. فكل عبور ليَمِّ معنوي ينطوي، ضمن ما ينطوي عليه، على انسلاخ لك بأكملك - أو بأكثرية مكونات كيانك كما تتصوره - من هيئة إلى هيئة أخرى، أو من حالة إلى أخرى.. من هيئة الحي إلى هيئة الميت (إجبارياً كان ذلك الانتقال أم اختيارياً)؛ أو من حالة الشك إلى حالة اليقين (أو بالعكس)؛ أو من حالة الرضا إلى حالة السخط (على ذاتك، على حوادث دهرك، على اختياراتك السابقة وخياراتك المتاحة حالياً والمتوقع بروزها لك مستقبلاً، وهكذا)؛ أو من أجواء الحزن القاتمة إلى أجواء السعادة البراقة (مروراً بمرحلة الشجن الحيادي النبيل) (أو بالعكس). والسبب وراء صعوبة عبور أغلبنا لليُمُوم المعنوية التي تقابلهم أو يقابلونها أو تفرض نفسها بغتة على مقدرات حياتهم هو أن أغلبنا كثيراً ما يعجزون، تحت وطأة شواغل الحياة اليومية الرتيبة الرهيبة، عن فهم حالاتهم الراهنة بمقياس معنوي دقيق للأمور (من نكون حقاً؟ ماذا نحب وماذا نكره، بعيداً عن مجاملاتنا السخيفة لأنفسنا وللآخرين؟ إلام نسعى، ولماذا نسعى إليه، ولماذا نقوم أو لا نقوم بذلك السعي بجدية حقيقية؟ ... وهكذا)، وهذا التشوُّش يجعل انتقالنا عبر يُمُومنا المعنوية المختلفة عملية ليست شاقة فحسب، بل وخليقة كذلك بإفنائنا بالكامل من الناحية المعنوية وبنقلنا من حالة نكرهها ونُعاب عليها في الوقت الراهن إلى حالة مستقبلية سنفقد فيها تعريفنا الأساسي لأنفسنا (أو بوصلتنا الشعورية) وللكُنه الذاتي الذي يميز كلاً منَّا عن الآخرين ويجعله قادراً على وضع تعريفاته الذاتية لحالات مثل الرضا النسبي وتَحَمُّل الانتقادات مرحلياً تمهيداً لنقلة نوعية لاحقة يُشاد بُها ونرضى عنها.

وهناك في حياتنا من يُجري وبنجاح أكثر من عملية انتقال عبر يُمُوم حياته المختلفة (بنوعيها: المادي والمعنوى)، وثمة في الوقت نفسه من يفشل في كل عمليات العبور التي يسعى إليها أو التي تُفرض عليه.. لكن من النادر أن تجد إنساناً قد فشل تماماً في تعريف الأشياء (أو مفردات العبور) وتحديد معانيها ودلالاتها من وجهة نظره الذاتية البحتة: فقيمة الذكريات، وحب المشي تحت المطر الليلي، وطعم عصير الليمون المثلج، والطول النسبي لشوط من شوطي إحدى مباريات الكرة -- هي كلها أمور نسبية تختلف وتتراوح بوضوح من شخص لآخر، ولكن نادراً جداً ما تجد بين العاقلين الراشدين مَن لم يضع بعد تعريفاته الخاصة لأشياء وحالات مثل لهفة المقابلات الأولى مع مَن نحب؛ رذاذ المطر والبخار المزعج الذي يتكون بسببه على الزجاج؛ أنواع الموالح ومكانتها المركزية على سُلَّم المذاقات؛ وضرورة التعاون من أجل إحراز الأهداف.




#محمد_علي_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَحْض صُدَف - قصة قصيرة
- تصرفات شتى إزاء الريح
- أقصُوصة من سِفر الإياب
- فعل الأمر في رؤيا
- فصل العلم عن الدين.. لماذا؟
- متوسط المتوسط
- حالات
- انتصار الهاء
- بينما أنتظرك
- حتى أتتني الرسالة
- بطل، والنهاية
- شكراً يا سمرا
- مَن أنت؟
- في الحقيقة..
- الأزمة المالية العالمية وملاحظات أولية
- ثلاثي ضوضاء المسرح
- المحمول في يد الجميع
- أبجدية التحضر: منظومة الفكر والممارسة لدى العقول المتفتحة
- تأكل الطير
- فوضى.. ولكن


المزيد.....




- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...
- جميع الإصابات -مباشرة-..-حزب الله- اللبناني ينشر ملخص عمليات ...
- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- -بوليتيكو-: شي جين بينغ سيقوم بأول زيارة له لفرنسا بعد -كوفي ...
- كيم جونغ أون يشرف بشكل شخصي على تدريب رماية باستخدام منصات ص ...
- دمشق: دفاعاتنا الجوية تصدت لعدوان إسرائيلي استهدف ريف دمشق
- هبوط اضطراري لطائرة مسيرة أمريكية في بولندا بعد فقدان الاتصا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي ثابت - لكُلٍّ يَمٌّ يُلهيه