أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية... الانهيار وأفاق الاشتراكية في عالم اليوم - المنصور جعفر - من جدل الصراع القومي والصراع الطبقي والتنظيم السياسي















المزيد.....



من جدل الصراع القومي والصراع الطبقي والتنظيم السياسي


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 2452 - 2008 / 11 / 1 - 07:40
المحور: ملف ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية... الانهيار وأفاق الاشتراكية في عالم اليوم
    


هذه إشارة تأثيل وتأويل مقتضبة إلى نقاط جدلية في علاقات الصراع القومي والصراع الطبقي وصراعات التنظيم السياسي وذلك في بعض العوالم المواشجة لثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى.

كانت ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى حين طلوعها سنة 1917 ذروةً لنضال البشر لزيادة وشيوع خيرات وجودهم وعيشهم وإتاحة إمكانات تقدم متناسق لمجتمعهم حيث تأسست الثورة الإشتراكية الأولى في العالم والتاريخ كضرورة حياة وآلة إجتماعية شمولية لتطور عيش الناس وإرتقاءهم من نقص مقومات حياتهم والتكالب عليها إرتقاءاً سامياً إلى الكرامة والحرية من هذا النقص والتكالب. وقد تحقق ذاك الإرتقاء بتطوير قواهم الإنتاجية البشرية والمادية بتغيير جذري في علاقات الإنتاج التي تشمل تملك وتوزيع المجتمع لموارد ووسائل إنتاج ضرورات ولوازم عيشه وطبيعة توزيع جهود هذا الإنتاج والعمل وخيراته في أهله العاملين عليه وكذلك في أقاليم دولته.

وبهذا التغيير في طبيعة علاقات الإنتاج ونمط تملك وإدارة موارده ووسائله ومنافعه نجحت ثورة اكتوبر الإشتراكية العظمى في تحقيق جانب أساس للتقدم الإنساني الحاضر وكان ذلك منها في زمن وجيز وفر للإنسانية مئآت وألوف السنين من مآسي الإدقاع والتخلف والإستعمار. ورغم كل نجاحات ثورة اكتوبر الإشتراكية وإنتصاراتها الهائلة فقد فشل الذين ورثوها في إكمال كل مهماتها بل ونقضوا أعظم أسسها ببعدهم عن سبب نجاحها الرئيس الأول (المناسبة بين قوى الإنتاج وعلاقاته)، وبإنصرافهم عن حال زيادة تناقض وضعف الإمبريالية مع قوة العوامل الخارجية والداخلية لتناقض رأس المال ومضارباته.

فإذ خفق نجم ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى كبداية مجرة جديدة في تأريخ الإنسانية فقد كان ذلك الخفق موصولاً بقيام "البلشفيك"Bolsheviks بإجتراح المناسبة بين تطوير قوى الإنتاج وتطوير علاقاته مما إستمر بقوة حتى سنة 1954 حيث بدأ إنطفاء نجم الثورة بقيام "المنشفيك" Mensheviks خلال السنوات 1956-1992 بالإخلال بالتناسب الموجود ووأد التناسب المفترض بين تلبية زيادة حاجات تقدم القوى المنتجة وضرورة تغيير علاقات الإنتاج وتغيير علاقات الإستهلاك لتناسب زيادة تلك الحاجات وتلبيتها. حيث إتصل هذا الإخلال والوأد بمواشجة سياسات "المنشفيك" الإتجاه العام لرأس المال العالمي بخطه القومي "الصهيوني- الواسبي" ومركزه الأوربي- الأمريكي مما أدى لزيادة نسبة السموم في الثورة وقِلة في القدرة على علاج إخفاقاتها خاصة مع زيادة الخنق والتخريب الذي مارسته ضدها أكثر دول العالم حروباً ساخنة وباردة.

وفي إستعار التفاوت والصراع الطبقي والتفاوت والصراع القومي في (العالم الثالث) في الزمن الحاضر ما يستدعي تمحيص وتأثيل بعض حالات النجاح والإخفاق في ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى وتفاوت أو تواشج الأثرين القومي والطبقي فيها ضمن عملية التقدم الإنساني من حالة نقص ضرورات الحياة والعيش والتكالب عليها إلى حال إكتفاء منها وعدل في قسطها وتوزيعها وكرامة للبدن والذهن والناس جميعاً في زيادة وإقتسام منافعها، الإنسان فيها سَلم لأخيه الإنسان في كدحه وفي رَوَحِه.

تأثيل الصراعات والتواشجات الطبقية والقومية في ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى ضد الحكم والنظام الإقطاعي القيصري – والرأسمالي هو تأثيل موصول بمسألتين ثقافتيين-سياسيتين كانتا شغل روسيا الرسمية المسيحية آنذاك بكل طبقاتها وأقوامها وأديانها وهما: "المسألة اليهودية" و"المسألة الإسلامية" . و للمسألتين تاريخ أقدم يعرض المقال بعضه في الفقرة الآتية:


نقاط تواصل وتواشج الأطر الطبقية في القوميات ذات اليهودية والإسلام تاريخاً وحاضراً:

في التاريخ القديم تعلم النبي موسى وبني إسرائيل (ع) معارف العدالة في جنوب مصر في مناطق الثقافة السودانية القديمة حيث فَعَل بتوحيده المكسوب من تل العمرانيين قيماً تجريدية هامة للتصاوير المادية الحسية التي كانت تملأ بعض الإعتقادات العبرانية اليهو-د-ية حيث كانت أسماء الله الحسنى تأخذ في بعض أفكار العبرانيين وكتابتهم أبعاداً مادية ظهر بعضها بصور حسية قدمت (كمثال) للحضرة الإلهية. وبإجتماع الإسرائيليين الأفارقة واليهود الآسيويين ثم إختلاطهم المتنوع بأشعاعات الثقافات السودانية في حضارات سومر وبابل العراقية وفي مصر وفي اليمن القديم وفي الشام تبلورت بعض ملامح الديانة اليهودية المعاصرة، ولكن هذا المقال في تناوله بعض العوامل القومية والطبقية التي واشجت ثورة اكتوبر 1917 بما فيها من قوميات المسيحيين الروس وغيرهم و(قوميات) اليهود وقوميات المسلمين ينصرف عن هذه الجملة العامة من التاريخ اليهودي إلى محاولة إيضاح بعض عوامل طبقية قديمة داخلت تركيب وجود قوميات اليهود بداية من وجودهم الوزاري والثوري في مصر الفرعونية وحتى هجرتهم من مظالمها والضيم الذي لقوه فيها إلى ارض الحرية (Free Land ) أرض عباد الله ( Hertz of Israel) .ثم إعتناق شعب الخزر الأوربي- الآسيوي بكل طبقاته اليهودية لها، مُوطِناً إياها في أوربا بقدر أكبر وأعمق.

كذلك كان الوجود اليهودي القديم أيام داؤود وسليمان يعتمل بثورة الفقراء وكان الأنبياء والمثقفين الذين يحطون على العدل والمساواة يجدون الرفض والتحقير والتعذيب والقتل رفضاً من الطبقة السائدة وموالي ثقافتها لدعوات البداوة ومشاعة الخيرات معارضينها بمبدأ أن لكل قوم ما كسبوا، ولو كان كسبهم من إخسار وتطفيف اهل القرى، ومع زيادة بطش الروم كان هناك فضل لبعض اليهود في تنظيم المسيحية وتحويلها من دعوة إصلاح وتهذب صوفي إلى كنيسة وكيان منظوم، وكان أهمهم الحبر ثم الراهب المقدس حجر Peter المعروف بـ : Peter .St. وكذلك شآؤول المعروف ببولس الطرسويPaul of Tarsus الذي عمت رسائله المسكونية. ولا يغيب في الحالين دور "الأحناف" و"آل عمران" الذين حملوا -(بداية) من العهد الإبراهيمي- معالم ومشاعل دعوات التوحيد والتعدد السودانية القديمة مما أثر في طبيعة نشوء الديانتين اليهودية والمسيحية وظهور الحاجات المادية والثقافية إلى الإسلام وتعزيزه (دور الأحناف في الإسلام) مما سما به من بعد جهد الإسماعيلية وإخوان الصفا و أشرق به على العالمين ترجمان الديموطيقية مفتاح الهيروغلوفية ذوالنون النوبي تلميذ إسرائيل المغربي وجابر بن حيان مما تناولت جوانبه بإستفاضة كثير من الكتب أرقاها عندي في االحكمة كتاب كاترين أرمسترونج المسمى: "تاريخ الرب" History of God .

كان لليهود أول نشوء الإسلام وجود قوي في الشام وفي اليمن إتصل أصله بتجارة "طريق الحرير" الممتد من حرير وسلع غرب الصين إلى ذهب السودان الغربي وغانا إذ كانت تلك التجارة تمر في رافدها الشرق أفريقي من الشام إلى اليمن ومنها إلى "كلوة" عاصمة شرق أفريقيا الأعلى في تنزانيا حاضراً. وقد كان حضور قريش في مكة آنذاك بكل عزهم المدعى مجرد خدم وجمال وحرس للتجارة اليهودية يحملونها من الشام إلى اليمن وبالعكس شتاءاً وصيفاً وذلك حينما كان العربي الحرور البدوي -ولم يزل- يعتز ببداوته وفرادة حريته وكرامته عن خدمة الناس لقاء مال! وفي هذا الحضور البدوي الذي كان يمثل أضعف حلقات النظام العبودي في عالم الإمبراطوريات الفارسية والرومية والصلات القوية بين التجارة اليهودية وبني أمية وطغيان عبدشمس على قريش وعلى عموم العرب نشأت ثورة الإسلام نتيجة جدلية موجبة ضداً لوحشية البداوة وضداً لوحشية الإمبراطوريات الطاغية، بدراً لحرية الإنسان ونظاماً.

كان من أوآئل الذين اكدوا صحة ثورة الإسلام في تلك الظروف أحبار اليهود الذين أجاب الأمين (ص) على أسئلتهم حين سألوه عن معالم ومقاصد دعوة الإسلام. وكان إنقسام اليهود حول طبيعة ومدى سلطان الديانة و(الدولة) الجديدة موصولاً بإنقسام العرب أصلاً وفرعاً وشعوباً وقبائل جهة تلك الديانة وثقافتها الإجتماعية السياسية مما أدى في النهاية إلى خسارة اليهود بعض مراكزهم الداخلية في المدينة وإرتفاع أسهمهم مع بني أمية. ولكن مع زيادة بطش الروم وإضطهادهم لليهود وتجارتهم وللعرب كان لليهود والعرب معاً مصالح طبقية وقومية اضحة في وجود وقوة الإسلام وتوحيد العرب بها قوة حربية وثقافية ضد كل الإمبراطوريات التي كانوا يعانون منها سواء عنائهم منها ككسبة فرديين أو عنائهم منها كإيلافات مثل إيلاف قريش أو إيلاف هوزان إذ إنهكتهم تلك الإمبراطوريات بضيم ضرائبها وميزها العنصري وبحملات الجباية وحملات القسر والتأديب.

في الخلاف الفقهي الكبير الاول حول شمول القضاء والقدر أو نسبيته والعدالة في عقاب الله الإنسان على إثم قَدَرَه عليه تقديراً ومسؤولية العبد عن أفعال ربه أو الإنسان عن اعمالــ(ـه)، في هذه المسألة الكبرى كان لليهودي كعب الأحبار قدح معلى في غلبة انصار النص القدري وسيادته في ثقافة الإسلام آنذاك ومركزة الفهوم القريشية التجارية فيها، بينما كان بعض السنة يؤصل كثير من فقه الشيعة بشخصية يهودي آخر هو إبن سبأ مبتعدين عن قرءآنية التطهير الإلهي لآل البيت (ع) وفهم العائلة المقدسة الذي تبلور (حسب المذهب) ضداً أو مع تفتت المسلمين من نزاع إجتماع الثقيفة إلى موقعة الجمل إلى كربلاء إلى.....

كذاك كان "إبن آثال" مستشار أبي سفيان وإبنه معاوية مثالاً حياً على دور اليهود في تشكيل العصر الأموي بكل ما فيه من دهاء وقوة ضد جيوش الروم وأساطيلهم وما فيه من صولات قامعة لبداوات العرب وثورات الأمصار وعزة أهلها ناهبين ذهبها وخيرات مواردها لصالح مركز الحكم وعطاياه وجيوشه وتجاره الحكام وأولياءهم أوآن ذلك الزمان الإقطاعي.

أما في العصر العباسي فبعد الخلاف الأموي اليهودي كان لـ"آل بخيـتـشوع" العلماء المثقفين والحكماء دور رئيس في جمع أهل خراسان لأبومسلم الخراساني ومن ثم إنتصار العباسيين على الأمويين، وقد تولوا الإشارة والوزارة الحقيقية لأكثر الخلفاء العباسيين حتى ظهر الخلاف بينهم وكذلك بين الطرفين اليهودي والعباسي مع ظهور القوة التركية.

في العصر الفاطمي القرمطي في جنوب العراق والبحرين كانت دولة الثورة موصولة بنشاط يهودي أصفهاني لم تتم العناية به إلا في أعمال نادرة عن ذلك التاريخ، ولكن في العهد الفاطمى – المصري كان موسى بن ميمون الأندلسي وزيراً للأيوبيين وكان أتباعه اليهود هم المخططين والمسلحين للجيش الإسلامي الذي أعاد إخضاع كثير من مناطق الشام والقدس ضدا لطغيان الكاثوليك –الفرنجة على اليهود في فلسطين، وكذا كانت الملكة أروى في اليمن محلاً لإشارة حكماء يهود، مثل جدتها عسل القهوة سباً

في الأندلس كانت لليهود مقاليداً كبرى معروفة في الحكمة والصناعة والمالية والتجارة الكبرى مع أوربا وأفريقيا وآسيا بينما كان أمر الحكم والجيش قلائد شرف للعرب والبربر- السودان.

في العصر العثماني كان اليهود هم مفتاح "أدرنة" أول مدينة يدخلها العثامنة مثل ما كانوا للعرب في مصر وفي فارس هم مفتاح الدخول، وبعد خروج اليهود من الأندلس ووصولهم ألوفاً إلى مرافي الأناضول (1492-1515) صاروا لدولة الخلافة الإسلامية العثمانية الصناع والأطباء والقادة العسكريين وأهل السفارة والتجارة ومخططي الفتوح ونظاراً في الأمن، وإن كانت كثير من أمور الدولة لنساء السلاطين والأمراء فأكثرهن نفوذاً في "الحرملك" كن يهوديات سبين من شرق أوربا وجنوبها وتخوم روسيا.

في عهد الإستعمار والثورات القومية والطبقية والوطنية كان لليهود في العالم الإسلامي أدوار سياسية شهيرة بعضها كان مواكباً للرأسمالية والإستعمار وبعضها كان معاضداً ومواشجاً للتحرر الوطني والأسماء من سلاطين باشا إلى يوسف روزنتال ثم هنري كورييل ومارسيل إسرائيل وعبدالله ساسون، وليون سلطان، وأبرهام السرفاتي، وشحاتة هارون وفي عصرنا الحاضر عصر تأزم وإنهيار الرأسمالية ماكسيم رودنسون، وروجيه جارودي، ونعوم شومسكي والجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي في إسرائيل.




ما بعد الأندلس، ظهور"اليهودي العالمي" (=رأس المال العالمي) في المسألة الإسلامية وفي المسألة اليهودية:

بعد قرون من الحلف اليهودي الإسلامي ضد الإمبراطوريات الروميةوالفارسية ظهرت "المسألة اليهودية" في:الخلافة الإسلامية العثمانية بشكل طفيف حيث كانت تلك الدولة الإقطاعية ذات محاور يهودية قوية ومواشجة لأمور الدولة وركائزها وعمدها الأساس ( الإدارة، والسفارة، والمال، والصناعة، والبحرية، والجيش). إذ ظهرت في أوربا في إطار الإمازات الممنوحة لرعايا الدولة العثمانية وذلك قبل أن تظهر الإمازات (الإمتيازاتx ) الإجنبية في أقاليم الدولة الإسلامية العثمانية، وقد كسب التجار اليهود ذوي التابعية العثمانية بهذه الإمازات الكثير في فينسيا وفي جنوة وفي فلورنسا وفي أنحاء أوربا الوسطى وكانت تلك الإمازات محصنة بقوة "الخطر العثماني"، في تلك السنين الحية بذكريات (الغزو) الإسلامي في الأندلس وبدعايات الحروب الصليبية.

وفي نفس الوقت كانت اليهود في أوربا الإقطاعية تشكل العنصر الفاعل في حركات الإخوة والكرامة والحقوق الإنسانية التي إنتظمت طوائف العمل والعمران المادي والثقافي وجامعاته وجمعيات الصداقة (= نقابات وروابط و جمعيات سياسية) وجمعيات التراسل (إرسال المنشورات بعد حظر التجمع والخطابة ضد الحكومات) محوراً لما سمي بإسم "المجتمع المدني" في ذلك الزمان المحصور بين ملكية الإقطاع ورهق القنانة وشبه العبودية في العمل الزراعي بمزارع السادة. فتطورت في ثقافة أوربا الإقطاعية المسيحية المقبلة على التحولات الصناعية السياسية الكبرى مع مسألة طبيعة التملك وأصوله ومدى إلهيته أو بشريته ونقوديته ووطنيته وأصول هذه المواطنة ما سمي عموماً بإسم "المسألة اليهودية" (= هل اليهود مواطنين أوأجانب؟) وذلك بعد نضال طويل بدأ في أوربا حوالى سنة 1400 ولم ينته بهزيمة نابليون 1815 أو حتى بشن الحرب على كمونة باريس 1871 أو حتى برفع العلم الشيوعي في القلعة الرأسمالية برلين سنة 1945 وإن إتضح قسم منه بتأسيس هيئة الأمم المتحدةومواثيقها وكياناتها.

وفي جهة مواشجة كان لبعض أثرياء اليهود شوكتهم في دولة الخلافة الإسلامية تفيدهم في الضغط على دولة الخلافة المسيحية في روسيا، ولما تضعضعت مكانة العثمانيين مع إتجاه (رأس المال العالمي) للإستثمار في المستعمرات حافظت الدوائر السامية على شوكتها العثمانية لإحكام موقف أوربي متناسق أممياً وداخل كل دولة أوربية جهة قضايا الحرية والإخاء والمساواة ، وبالذات ضداَ للإقطاع الداخلي وملكياته المسيحية المقدسة لأمور السلطات وتملك الموارد وطبيعة الضرائب وتنظيم الأسواق وحرية أصحاب الأعمال في التملك والتجارة. وقد شملت هذه القضايا موضوعات الحقوق والحريات والوجبات والإلزامات السياسية المتصلة بها كحق نقاش الأمور العامة (عدالة الضرائب زماناً ومقداراً) وحق الترشح وحق الإنتخاب وحقوق التنظيم والتعاقد والتملك ومراقبة صرف الأموال العامة، إضافة طبعاً إلى العلاقات المصرفية والمالية وإمازات التجارة الدولية و(حق الحماية).

من هاتين النقطتين ثبت وضع دولة الخلافة العثمانية سواء في مواجهة روسيا في مناطقها الإسلامية أو في سيطرتها الرسمية على قلب العالم (الشرق الأوسط) وتأثيرها على إقتسام الحصص الإستعمارية بما فيها حصص شركة النفط العثمانية وعطاءات بناء السكك الحديد وخطوط التلغراف وتحديث المواني والصناعات وإيراد الالآت وإيراد البضائع، وأضحى وضع الدولة العثمانية بضغوطها وبنواقصها مسألة مثيرة لإحساسات وطنية وإقتصادية متفاوتة ومثيرة للحيرة والتناقض في العالم الأوربي سواء بقسمه الكاثوليكي وعلى رأسه فرنسا العلمانية أو قسمه البروتستنانتي وعلى رأسه إنجلترا حاصة وإن البلدين راكزين لرأسمال واحد تملكه عوائل يهودية معينة لها صلاتها وتمويلاتها المعروفة في الدولة العثمانية نفسها! ولكن الوضع كان مختلفاً نوعاً ما في دول شرق ووسط أوربا التي كان بعضها تحت الإحتلال العثماني بما في ذلك أجزاء من الخلافة المسيحية في روسيا ودولتها القيصرية المتمنعة على سيطرة رأس المال العالمي على نفطها وأموالها. كانت تحتم على كل بلد أوربي مراعاة الوضع الألماني بإماراته الكثيرة المختلفة وعلاقاتها بدول إنجلترا، وفرنسا، وبقية الإمبراطورية الرومية المقدسة في المملكة النمساوية والمناطق الهنغارية المحتلة عثمانيا فكان أن عرفت هذه المسألة المتشابكة بإسم "المسألة الشرقية" تتدافع فيها أوربا بإلتزامات ومصالح وحريات وموجبات دستورية ومواثيق دولية ناظمة وأجهزة قسطاسية بينما كان الخلفاء في الإستانة غرقى في صراعات جواريهم وغلمانهم وجواسيسهم وبأمور إختلاف المذاهب والتفاسير الفقهية ومكائد أصحاب القبعات وأصحاب العمائم لا يفهمون الحقوق أوالخدمات العامة إلا محسوبية أو رشى.


"المسألة القومية" في "حركة الإستعمار"، وفي "الماركسية-اللينينية":

في ذلك الجزء الأخير من القرن التاسع عشر وحركة الإستعمار في أوجها بدعوى نشر الحضارة والمدنية وذهبها مصبوب إلى الخزائن الأوربية الهولاندية والألمانية والبريطانية والفرنسية أصدر اليهودي بورنو كتاباً فيصلاً سماه "المسألة اليهودية" ذكر فيه ما معناه صلاحية ركوب اليهود لسفينة الإستعمار لتخرجهم من مظالم أوربا وإضطهادها الذي يعيشه أكثرهم إلى بر الحداثة والتقدم والرفاه والسيطرة على مصيرهم، فكان إن عارضه ماركس بقوة في كتابه "في المسألة اليهودية" مشيراً إلى الإنعزال الذي تنتجه هذه الإنتهازية وإلى الخطر الذي ستحيقه باليهود والبشرية من جراء تركز رأس المال والثروة وضيق دائرته في جهة يهودية وتأثير نشاطهما في زيادة دائرة الإفقار والإستغلال والتهميش في جهة بشرية عامة مما يحصر إمكانات التطور الرأسمالي ويفشل الإستعمار ويهدد سلامة راكبيه، وقد أوضح كتاب ماركس إرتباط العدالة والحرية الإجتماعية بالمنظور الطبقي أكثر من إرتباطها بمنظور الإنعزال الديني والتعالي الطبقي والإصطفاء القومي.

كان "المجد القومي" أحد محركات قادة الإستعمار الأوربي السياسيين أو الماليين ولكن فهم "القومية" نفسه كان في شق منه موصول بالعصبية الدينية، سواء بربط "التابعية" بالعقيدة الدينية أو بربط "الجنسية" بـ"أصل" وطني تحدد الدولة نسبيته تجاه (الأغراب) المقيمين أو المتوطنين فيها ولو كان توطنهم لمئات السنين!! وكانت في ذلك جدلية مأسآة وهي ان الممول للإستعمار وهذا المجد القومي المزعوم كان هو الغريب اليهودي وان المسلِح له كان هو ذات (الغريب)، والمخطط له هو ذات (الغريب)، وان المدير لأعماله كان هو ذات (الغريب)، وان الناقل لخيراته هو ذا (الغريب)، وان الموزع لمنافعه هو نفس (الغريب)، وان المتحمل لوزره هو (الغريب) نفسه، بينما إلى "الوطني" يعود (شرف) هذا الإستعمار و(حق الفتح) دون أن يقدم في سبيله الكثير! بل إن توزيعه عائدات الإستعمار في داخل الوطن يتم بتمييز عنصري ضد الفقراء من أهل هذا (الغريب)!! وذلك رغم ان كل ملوك بلاد أوربا وملكاتها أصلهم جنسيات أجنبية عن مواطن حكمهم، مما يجعل تحكمهم في مسألة الجنسيات حينذاك أمراً فلقاً!!

ومن هنا نشأ بعض التناقض في فهم الوطنية والقومية في المجال الداخلي وفي المجال الخارجي مما ولد في أوج حركة الإستعمار وتوزيعه المجحف للثروات المنهوبة من البلاد على اهله أو حتى في أهلها ما سمي بإسم "المسألة القومية"، وفي حقيقتها كانت موصولة بمسألتين هما: "المسالة الوطنية" و"المسألة الطبقية" الأولى مسالة مكانية موصولة بالجغرافيا السياسية أن كل من ولد في البلد الفلاني هو مستحق لجنسيتها بالميلاد حيث الجنسية للأرض وليست تابعية للملك او لأسرته أو عشيرته، حيث تتحول البلد من ضيعة خاصة لإقطاعي كبير إلى "وطن" عام يتأهل له الإنسان بالميلاد فيه أو لأبوين منه أو لواحد منهما منه. أما "المسالة الطبقية" فكانت دائرة حول كسب المنافع والقيم: أهي قدر إلهي أم مسؤولية الفرد عن أعماله؟ فإن كان أيهما ما كنه المنفعة في ذاتها؟ وما ملكيتها؟ وما قيمتها؟ وكيف تتكون أو تتداول؟ وما مقومات تقديرها؟ ومن ذا تشكل كتاب "رأس المال".

صاغت الماركسية-اللينينية خطابها في المسألتين الطبقية والوطنية بريطهما بالنشاط الرئيس للبشر في الحياة على مختلف سحنهم وعقائدهم وهو "العمل" لأجل كسب القوت وتوفيرموارد العيش فالفقير وطنه محل كسب عيشه وصاحب التجارة وطنه محل إشتغاله، وانه مع زوال فوارق التملك الخاص والحيازة الإنفرادية للموارد العامة ستقل الحواجز والتفاوتات اللامنطقية وستزول وتفقد معناها بين البشر ويصير العالم لجميع شعوبه وحدة منظومة يتحدد فيها موقع الوجود الجغرافي والإجتماعي للإنسان وفق أسس موضوعية تناسب حاجات تطوره وتقدمه وتتناسب مع تطور تناسق قدرات المجتمع والفرد. ومن خطوط هذه النقاط واشجت الماركسية-اللينينية بين وحدة الوجود الشعبي والوطني وإلغاء نظام الإستغلال والتهميش الطبقي بدعوتها لتغيير العلاقات الإقتصادية السياسية والإجتماعية والثقافية المؤسسة فيه للتفاوت والتنافر الطبقي ومن ثم القومي والوطني.

كان لتطور الثورات الشعبية القديمة نحو الحداثة (= الحرية من الإقطاع) في الدنمارك وهولاند وشمال ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وفرنسا دور فيما بعد في نشوء نظام المجالس الشعبية (السوفييت) في روسيا وتجاوزه للتفاوت الذي كانت البرجوازية تضعه بين "الصالح الوطني" و"إلغاء النظام الطبقي" (بشكله الإقطاعي آنذاك) لتضمن تلك البرجوازية بإستمرار تقديس نظام التملك الفردي الخاص للموارد العامة أن تأخذ لنفسها حرية إستغلال حاجات وقدرات الناس المحرومين من تملك وسائل عملهم ومن القدرة على تطوير ربحها برسملة نظم التملك والتمويل الذي أضحى بشكل وئيد هو إقطاع الحداثة وأضحى أربابه هم ملوك القرن العشرين.


الصراع القومي والطبقي في آتون ثورة أكتوبر في مراكز روسيا الصغرى وفي مناطق قوميات المسلمين:

كانت إمبراطورية روسيا القديمة بلاد واسعة شاسعة تقع شقية بين الحرارة الشديدة في جنوبها وجنوبها الغربي والبرودة القصوى في كل شمالها إذ تمتد من آسيا الوسطى إلى سيبيريا والقطب الشمالي وهي عرضاً تمتد من دواخل بحار وبلاد الصين واليابان وكوريا وحتى الهند (عبر تخوم طجكستان) إلى تخوم غرب أوربا، ويمكن -بتعديل بسيط- إدخال قارة أمريكا الجنوبية وقارة أفريقيا داخل حدودها. ومنذ حوالى سنة 800 م كان المغول والتتر يحكمون أجزاء من هذه البلاد بقساوة شديدة وكان الخانات يتمركزون في جنوبها في حكومات إقطاعية دينها الإسلام ولم تك المسيحية ديدن شمال تلك البلاد حتى القرن السادس عشر الميلادي حين بلغ التمزق بين ممالك الجنوب والمغول ومسالب البدو التتر الآسيويين حداً جعلهم قابلين للحكم من قبل الروس الشماليين الذين جمعهم.السيف بإسم الصليب وفي وسط هذا الصراع كان اليهود يعانون الأمرين في تلك البلاد خاصة بعد تحطم مملكتهم المعروفة بإسم "الخزر" إذ بقى أمرهم فرطاً بين البدو والملاك المسلمين في الجنوب وبين البدو والملاك المسيحين شمالاً.

مع إستقرار الأمور في أجزاء روسيا الأوربية تطورت فيها التجارة والحرف حداثة لتصارع سياسات المُلك المقدس المُطلق وذلك موصول -كما سبق القول- بتقلقل وتقلب أحوال الجنوب خاصة في عواصمه ومدنه بفعل تغاير الحكام وتوالي وتعاظم الضرائب على الحرفيين، الذين صار بعضهم يتكسبون من فتنة القصور نفعاً ولكنهم على المدى الطويل كانوا يخسرون. وبين أرباح وخسائر الجنوب والشمال كان حرمان اليهود من تملك الأراضي المسيحية أو الأراضي الإسلامية دافعاً لبعضهم إلى تجويد الإشتغال في حرف الإصطناع أو أشغال المال والتجارة وفي الحالين كان لهم جهد في التواصل مع ملوك الأمور وخدامهم وذلك حفظاً لأمنهم ونهضة لكسبهم، مما يمارسه كبار التجار في كل ملة، أما عموم اليهود فكانوا كعموم البشر يخضعون لأربابهم في حياة يرهقها العمل وتضنيها خسائر تضاعفها العنصرية ضدهم مما جعل شوقهم إلى العدل موصولاً بجهد عملي في تحقيقه .

كانت الأحزاب في سياسة روسيا آواخر القرن التاسع عشر تضم إضافة إلى (حزب) الدولة حزبين كبيرين يتنسمان تغيير النظام التملكي المطلق الأول هو حزب "الشعب الإشتراكي" أو "الإشتراكي الشعبي" والثاني هو "الإشتراكي الديمقراطي"، ومعهما كانت الحركة النقابية حركة نشطة راكزة في "البوند"Bond وهو إتحاد العمال، وكل هذه المنتظمات بما فيها كثير من مستويات الدولة كانت ذات حضور يهودي مائز في عدده وفي نوعية إشتغاله فيها مما لا غرابة فيه من حيث إشتغالهم بالحرف الإصطناعية والتجارة والحياة المدينية وقت كان الناس يشتغلون في الزراعة في الإقطاعات المهولة في تلك الأراضي الواسعة متقلبة المناخ.

كان كثير من "الشعبيين الإشتراكيين" أو "الإشتراكيين الشعبيين" ذوي نزعة قومية وطنية حادة، تشتغل ضد كل ما هو (أجنبي) يعنون بذلك القيصر وآله والصناعات ذات الإستثمارت الأجنبية وكانت هذه النزعة تُخدم من قبل السلطات القيصرية ضد الإشتراكيين الشعبيين أنفسهم بإعتبارهم وكالة أجنبية وشرذمة يهود أغراب وغير ذلك من شتائم الدولة الإقطاعية الحاكمة وتهمها، ولكن الحزب كان إعدادية وثانوبة للحزب الإشتراكي الديمقراطي الذي كان هو الجامعة السياسية للأفكار الليبرالية في شكلها التقدمي العام حاشداً وناظماً لها ضد الإقطاع ونظام حكمه القيصري واضعاً موضوعات "المسألة القومية" أو "المسألة الوطنية" وحقوق أهل الهامش السيبيري شمالاً أو الهامش الآسيوي في الجنوب الغربي الإسلامي خارج نطاق أعماله أو في آخرها.

من جدل الإشتراكيين الشعبيين والشعبيين الإشتراكيين والتباين المهول بين المركز والهامش في الإمبراطورية الروسية ، وبين الشمال الغربي والجنوب الغربي، وقيام الإشتراكيين بقسميهما الشعبيين والديمقراطيين بإهمال تطوير الجدل حول هذا القضايا الرئيسة والإرتقاء بها جاء دخول لينين ويوسف ستالين في الحزب الإشتراكي الديمقراطي ضداً لحالة تعويم أفكار كارل ماركس أو جعلها منارة تحول رأسمالي ذي إستغلال وتهميش متقدم عن حالة الإقطاع. كان رأيهما أن الشعبيين أهل ريف ونقاء مستحيل في ظروف التشابك والتعقيد التجاري الصناعي للحياة وان الديمقراط أهل تمدين وئيد تمدن فيه الرأسمالية الريف وتريف المدن!


فكرة الحزبين في عمومها كانت فكرة جزئية ضيقة سلب قوامها تغيير ما تيسر لا تغيير الأسس والأعمدة الرئيسة في الآلة الإجتماعية الإقتصادية السياسية المسماة "الدولة "أما أفكار لينين وستالين فكانت رحبة شمولية تصل بقوة بين ثلاثة قضايا هي :

1- قضية حرية الطبقة العاملة من الإستغلال الرأسمالي في مدن روسيا و

2- قضية حرية الفلاحين والزُراع من الإقطاع في جميع مناطق الإمبراطورية و

3- قضية حرية مجتمعات (الشرق) من البداوة والإقطاع والإستعمار المباشر والإستعمار الجديد غير المباشر في مناطق قوميات المسلمين في تخوم روسيا الصغرى وأوكرانيا ومنغوليا وقورجيا وأرمينيا وأذربيجان وأوزبيكستان، تركستان، وقريكرزتان، و تاجيكستان..إلخ.


كان الجهد الذهني–الفلسفي والسياسي الثوري الرئيس في صدد حل هذه القضايا لتي طرحتها ظروف الحياة على أسس الفهم المادي للتاريخ يكمن في ستة صيغ حسوما خطها يراع لينين من إجتهاده بكتابين هما كتاب "التطور" و كتاب "فن الحرب" ..وكانت هذه الصيغ الستة هي:

1- قوانين الفلسفة المادية في التاريخ ،

2- صك إصطلاح "البروليتاريا" كمفردة سياسية جامعة للطبقة العاملة وغيرها من القوى والشعوب المستضعفة ،

3- حزب من نوع جديد شيوعي (ثوري لا ليبرالي، طبقي عمالي، وطني متعدد القوميات، لا ثيوقراطي، ولا رأسمالي)

4- الثورة والدولة ( توطيد الثورة لدولة قوية للتنمية والدفاع تكون المجتمع الذي بتقدمه تضمحل بيروقراطية الدولة)

5- النضال ضد الإستعمار (القديم) وضد الإمبريالية (=الإستعمار الجديد عبر عقود وأعمال الإستثمار والتجارة الدولية)

6- الإشتراكية والديمقراطية

من جدل هذه المسائل الستة خط يراع يوسف إستالين مسألتين رئيستين متواشجتين هما "مسألة القوميات" و"المسألة الوطنية"، ولعل عنايته وتخصصه في تلك المسألتين قد يرجع -إضافة إلى ذكاء ستالين وعركه الحياة الحزبية والثورية منذ صغره- إلى نشؤه وترعرعه في مناطق المسلمين في نواحى دولة قورجيا الحاضرة. ففي تلك المناطق التي تعاني التمييز الطبقي والثقافي كانت كل الأزمات مجتمعة وكانت القراءات والحلول الموضوعية مطلوبة بقوة حيث الحاجة إلى الثورة أقرب إلى الإنفجار بينما كانت شركات آل نوبل تنهب نفط تلك المناطق، وكان القيصر يلت ويعجن مع رأس المال العالمي في وقت كان اللغط اللغوي والفلسفي يآكل حزب الشعب الإشتراكي أو العكس وكذا الحزب الإشتراكي الديمقراطي بقيادة تروتسكي. في ذاك الزمان كان إستالين يقود مع طلائع قوميات المسلمين الباحثة عن العدل والمساواة عمليات نضال مسلح ضد منشئآت شركات النفط الأجنبية في باكو وكانت بعض مدن الشرق وبواديه وجباله وقراه محطات ثورية متقدمة ونقاط مضئية في خفوت للثورة كالنجوم تمهد للصباح.

كان أول قيام أحبار الحزب الإشتراكي الديمقراطي ذوي العلاقات الأمريكية النفطية والمالية ومعارضتهم جهود يوسف إستالين إنه نشر الأفكار التقدمية والثورية في (مناطق متخلفة) خارج خط الحزب! (مثل إحتجاج قادة الحزب الشيوعي الصيني على نضال ماو زيدونج)، كانوا يعنون مناطق المسلمين لا لحساسية ثقافية-دينية بل أيضاً لعدم تصورهم بفائدة للنضال في الريف وعجز خيالهم عن تصور حركية السياسة والثورة في المجتمع!، كان واحد منهم لعله بوخارين مهتم بمتوالية زيادة السكان في تلك المناطق وإحتمال سيطرة أهلها (المتخلفين) على الدولة (المتقدمة).التي لم يكن في تقديري يتخيلها إلا على صورته بيضاء شقراء.


كانت الحرب بين إستالين وبعض اليهود في الحركة التقدمية بمن فيهم نادية قوربسكايا زوجة لينين، وتروتسكي، وبعض اليهود في حركة الإستعمار حرباً شعواء مركزها نفط الجنوب والقوى التي تسيطر عليه وعلى إقليمه وسلطته. وكان هذا إستمراراً للخلاف القديم بين حرفيي المدن وحرفيي الريف والصراع بين المدينة المركز القاهرة "المنوبليس" Monopolis والقرى والمدن االمتبعة والمخُضعة لها "المتروبول" Metropolis. لكن تجدد هذا الصراع القديم في روسيا ذات الأقوام والثقافات والديانات وهيئات الحكم المحلي والقومي-الوطني كسب أبعاداً متنوعة إنصبت في أزمةً سياسية محورها أربعة أسئلة هي:

1 - من يحكم؟

2- لمصلحة من؟

3 - كيف يتولى الحكم؟

4- كيف يحقق هذه المصلحة؟

وضد التغاير والتفاوت الشوفيني السائد بين أقوام يسم كل منهم الآخر بأنه "أجنبي" و"كافر". تعززت معان قومية ووطنية عدوة للإستعمار لمفردة السوية والمساواة بين الناس إضافة إلى معناها الطبقي والعلماني السياسي فجاءت مفردة "السوية" ومفردة "الحرية" متصلتين في نضال إستالين بمفردات "الإخاء الإنساني" و"التعاضد القومي" والعداء للإستعمار الروسي وغيره وهو الذي نشأ في "الهامش" في مناخ مفعم بالتعدد والصراع (موجباً وسلباً).


عارض أحبار الحزب الإشتراكي الديمقراطي بقيادة تروتسكي طرح لينين وإستالين في بدء العملية الثورية بدعوى إن التخلف العام في البلاد يعوق الثورة حيث "الطبقة العاملة الصناعية " قليلة العدد وضعيفة النوع! كان رد لينين وإستالين ماثلاً في صياغة إصطلاح "البروليتاريا" (= الكادحين ، الشعب) وفي ربط قضية التحرر الطبقي بالتحرر القومي للدولة الروسية ولشعوب المستعمرات، أي الحرية في المركز والحرية في الهامش، وشرع الإثنان في تحويل "البلشفية" من تيار عددي منتصر في إدارة جريدة "البرافدا"(الحقيقة) إلى حزب سياسي جديد منشق عن الإشتراكي الديمقراطي ونواة للحزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الثوري ثم الحزب الشيوعي .

رغم إجتهاد حكومة الصهيوني كيرنسكي في إصلاح بعض الأمور بعد سنوات من إندحار إنتفاضة 1905 ومولاة التروتسكيين له وتعشمهم في تغيير أحوال الدولة دون تغيير علاقاتها الطبقية الأساس، قامت الثورة بجهد قلة طليعية من العمال والبحارة والجنود الروس وبعدد أكبر من الثوار في مناطق قوميات المسلمين الآسيوية حيث تمركز ستالين، ولكن في تحرير التاريخ العام للثورة إتسم بقوة "النزوع المركزي" في الثقافة السائدة أو السائد في الثقافة، وطفيه النزوع الإقليمي والثقافي الإجتماعي في تسجيل وقائع الثورة.

في المرحلة الأولى من الثورة تدخلت جيوش 14 دولة أوربية لسحق الثورة ومساندة القيصر وفرض سلطة رأس المال من خلال هذه (المُساندة)، وكانت أحد العوامل العنصرية للتدخل هي لجم الخطر الإسلامي ولجم الخطر اليهودي وتثبيت السلطة المسيحية وكان ذلك مما عجل بتجمع القوى التقدمية وأحزابها وقواها فعلاً ثورياً للحرية والإستقلال ضد الإستعمار. و مع إنتصار البروليتاريا على جيوش المجتمع الدولي كان الجيش الأحمر يتحول من فصيل ثوري بقيادة تروتسكي إلى جيش كبير كانت لبعض وحداته إنتقامات في بعض مناطق ميناء أوديسا وأوكرانيا الكاثوليكية التي كانت مصدر حملات جنجويدية عرفت قبل الثورة بإسم "البوجروم" Pogrom يحرق فيها اليهود الأبرياء بجرائر بعضهم بفعل عصبية صليبية يقوم بها غلاة الروس والإوكران والألمان، ونتيجة هذه الإنتقامات تولي بعض اليهود شؤون الأراضي التي كان أهلهم يحرقون فيها. وضد نزعة الإنتقام عُزل الصهيوني تروتسكي من قيادة الجيش الأحمر وبدأت نهاية "شيوعية الحرب" مع إرتفاع دخان المزارع وإنتشار الجوع.

فشلت محاولات إغتيال لينين، وأضحى واجب تثبيت الثورة ودولة الشعب ضد دولة القيصر والإستعمار بداية من توفير الغذاء كمسألة ملحة، فكان طرح "السياسة الإقتصادية الجديدة" NEP (شيوعية السوق) معيدة التداول النقدي إلى قطاع الزراعة بدلاً لسياسة "مصادرة أغلب المحصول" لتموين الجيش في الحدود والعمال في مناجم الذهب والفحم ومصاهر الحديد. وكان التداول النقدي للقيم أو للسلع المنتجة في الزراعة بقصد إنعاش هذا القطاع لحين وضع الخطط العامة لكل محاور الإنتاج في الدولة، فكانت سياسة مؤقتة لعلاج ضرر العنف القيصري والغزو الذي تعرضت له البلاد. وكان ذلك متصلاً ببدايات متعثرة لسياسة البناء مع زيادة الخلاف بين أحبار الإشتراكية الديمقراطية بقيادة تروتسكي والقيادة اللينينية-الإستالينية للبلاشفة والثورة ولروسيا الكبيرة.

قبل إشراف لينين على الموت متأثراً بسموم ما أطلق عليه أو لبعض سموم الأدوية التي كانت تعطى له، كانت أزمة القيادة تتبلور من وفي نقاط عددا أشهرها الآن مسألة "طبيعة الحزب" (ثوري أو ليبرالي)، و"المسألة الوطنية"، و"المسألة الزراعية"، ولكن المسألة الرئيسة التي لم تذكرها الصفحات البيضاء في تاريخ الثورة الإشتراكية العظمى والأولى في التاريخ والعالم أو في جملة التاريخ الروسي كانت هي مسألة "البنك المركزي" وطبيعة نظام تقويم المنافع وتبادلها بين عناصر الدولة وفي عموم المجتمع.

في طبيعة الحزب:
كان الخلاف –ولم يزل- حول: "طبيعة إنتاج القرارات ومعاييرها" مما لم يزل الخلاف حولها قائماً في كل الأحزاب في كل بلاد العالم. حينذاك خَدَم تروتسكي في جهة ولينين وإستالين في جهة ضد(كل) تنظيرات وحيل السياسة النظيفة وغيرها ضد بعضهم.

في المسألة الوطنية :
كانت رؤية تروتسكي هي الإنطلاق فوراً لدعم الثورة في ألمانيا لحفظ الوطن والإشتراكية من أي هجوم مستقبلاً! لعل ذلك لوقف القمع الذي بدأ كيله في ألمانياعلى العمال (الأغراب) اليهود والإشتراكيين الديمقراط. وكانت رؤية إستالين إن الثورة لا تُصدر من بلد إلى بلد بل تحدث الثورة نتيجة ظروفها الذاتية والموضوعية، وإن الأفضل أن تثبت الثورة الإشتراكية أقدامها وتحفظ سلامة بلدها روسيا أولاً ولو بعقد صلح (مؤقت) مع ألمانيا (صلح بريخت) لحين تقوية الوضع الإشتراكي في البلاد، قبل أن تواجه حرباً جديدة وهي منهكة ضعيفة بصورة تقل عشرات المرات عن ألمانيا حينذاك. وفي تصوري البسيط ان مركز القوة في رؤية إستالين كان ماثلاً في قطعه بان التعامل مع المسألة الوطنية يقتضي علاج المسألة القومية في (المستعمرات - بلاد الشرق) إذ كانت قوميات المسلمين وهم نصف البلاد وسكانها تعاني الجهل والفقر والأمية والمرض والإملاق والضنك. وهوعلاج موصول بتغيير علاقات الإنتاج وتملك موارده ووسائله وتوزيع جهوده ومنافعه في تلك المناطق والشعوب وفي عموم الدولة الروسية كذلك الأمر مواشج للدفاع عن إستقلال الدولة السياسي بشحذ الكرامة القومية لأهلها بالحرية والتعليم والصحة والإسكان والتنمية عموماً إذ ليس من المعقول أن تبادر الثورة إلى تصدير الحرية والإشتراكية إلى ألمانيا أو غيرها والمظالم قابعة في بلاد روسيا.

المسألة الزراعية:
هل الزراعة لأجل الغذاء والكساء أم للأرباح؟ وهل التطور الزراعي خاص بذاته أم هو تطور مواشج للصناعة والمجتمع ؟ وهل تنفصل مسألة التملك والإدارة إنفصالاً كبيراً في الزراعة عن المسألة العامة للتملك والإدارة في الإقتصاد؟ ليون تروتسكي كان يرى (التطور الوئيد!) علاجاً لمسألة ملكية الأرض الزراعية أما إستالين فكان يرى الحاجة إلى علاج مسألة توزيع الأراضي ومسألة الميكنة والتأليل ومسألة المساعدات العلمية والعينية مسآئل موصولة بتأسيس التعاونيات والمجمعات الإنتاجية للزراعة والبيطرة والتصنيع الخفيف كطريق وحيد للخروج من "بؤس القرية الروسية" الذي صار محوراً لروايات وأشعار ورسوم حزينة.
كان للباشاوات المرابين (الكولاك) أصحاب الأراضي الكبيرة المؤجرين قدح معلى في دعم رؤية أحبار الإشتراكية الديمقراطية في المجال الزراعي والوطني وشنهم نضالاً مسلحاً دامياً ضد سلطة المجالس الشعبية (السوفييتية) وأفرادها يشابه ما تم في كثير من نواحي أمريكا الجنوبية طيلة عقود القرن العشرين وفي مصر ضد الثورة وما تم في آندونيسيا وفي اليمن في الستينات وما تم في السودان في جزيرة أبا مارس 1970، وما تم في موزبيق وأفغانستان، حرب باردة ساخنة أخذت فيها جميع هذه المقاومات ضد سلطات الإصلاح الزراعي في كل بلد من هذه البلدان طابعاً حربياً دينياً، أما في روسيا فقد هُزم الكولاك بالقوة العسكرية.

ستالين والمسألة المالية :
كانت المسألة المالية في روسيا أول القرن العشرين مثل كل قصص تكوين البنوك المركزية في العالم: النظام الإقطاعي يجمع الأموال ويصرفها وفق ما يرى الملك، أما في الحداثة فالبنك المركزي هو المحاسب والصراف العام للدولة يخضع لمصلحة رأس المال المكون له وفق الإرادة العامة للحكم المنظوم. أما إذا قررت دولة أن تصدر عملتها بالإعتماد على أصولها فقط دون تدخل أو أرباح لرأس المال المالي فإن قادتها يواجهون الإغتيال الجسمي أو المعنوي (الملك شارلز، كرومويل الحفيد، نابليون، القيصر إيفانوف، والرؤساء لينكولن، روزفلت، كينيدي، كاسترو، ناصر، الليندي، عمر تورخيوس، سامورا ميشيل) يزيد الأمر تعقيداً مع شرط إستقلال الدول بـ"إلتزامها بالقواعد والقوانين الدولية " وفيها قواعد إصدار العملة الوطنية بضمان ذهبي أو مالي تقبل (البنوك الدولية) إيداعه لها لقاء ضمان قبولها العملة الوطنية (المستقلة) وتحويلها إلى العملات الأخرى (ضمان التداول).

الإشتراكيون الديمقراط وعموم المنشفيك كانوا مع تكوين بنك مركزي، القيصر كان رافضاً لذلك، الحل المؤقت الذي دعمته الرأسمالية العالمية خلال العهد الأول للثورة وتسمم لينين، وتبعثر أمور الإقتصاد إنتهى إلى تناقض شديد بين إنجاز فعل الثورة لإستقلال الإقتصاد والمجتمع والفوائد الباهظة التي كانت تترتب على دخول البنوك الدولية في تعاملات الصناعة والتجارة الخارجية لروسيا السوفيتية! تروتسكي رأي الهدنة مع حلفاءه النيويوركيين! إستالين رأى ان وحدة وإستقلال الإقتصاد السوفييتي الإشتراكي وتقدمه بصورة متناسقة تتطلب عملة مستقلة فعلاً تعمل كموشر للحسابات الوطنية داخلياً أكثر منها كمؤشر للحسابات الخارجية، مع وضع عملة ونظام خاص مفرد للتعامل مع أمور التجارة الخارجية هنا إستحق إستالين غضب أصحاب البنوك إلى اليوم وقد إشتد الغضب عليه أكثر مع سياسة تأميم الأراضي وتأميم وحدات الإنتاج الصغير وتجميعها في وحدات أكبر مما ضيق الخناق على (كبار) المنتجين الصغار في كل المجالات الحرفية والفنية، فإستحق أيضاً غضب البرجوازية الصغيرة عليه خاصة تجار الطباعة والفنيات في ذاك البلد الفنان الأديب، ولما أطلت الحرب العالمية الثانية برأسها وبدأ تطبيق قواعد التأمين الحربي في الدولة والتجارة والإقتصاد مقتته البيروقراطية مثلما يمقت الجنود قادتهم، فكان هذا الرجل في وفاءه لرسالة الماركسية اللينينية ووفاءه لريفه ولوطنه وللإخاء الإنساني محل كره المستغلين والعالم الرأسمالي وقيادته الصهيونية السياسية في مراكزه السياسية والإعلامية، ولكن الآن مع موجة عمليات إعادة كتابة التاريخ اليهودي وإعادة كتابة التاريخ الصهيوني، من الحتمي أن تتم الإشارة لموجباته ولو في تحقيقه التنمية التعليمية والصحية والخدمية والعلمية والعسكرية التي قضت على خطر النازية والفاشية والعنصرية المطلقة، وفتحت الطريق لجعل إحقاق حقوق الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والثقافية واجباً على كل مجتمع ودولة.


"المسألة القومية" و"المسألة الوطنية" في عهد ستالين:
كان التاريخ العام لعهد إستالين 1927- 1954 نتيجة جدلية للعهدين السابقين له عهد "شيوعية الحرب" وعهد "شيوعية السوق" فكان عهده بالضبط عهد شيوعية الحكومة السوفيتية، الأفضل من حكومات الإقطاع ومن حكومات الرأسمالية السائدة في ¾ العالم في نواحي الحقوق والخدمات العامة وفي ذاك العهد تحولت روسيا من حالة التخلف إلى دولة عظمى في تعليمها وصحتها ودفاعها وبلغت أقطار السماوات والأرض دون إستغلال لدولة أولمجموعة سكانية ودون إستعمار قديم أو حديث وإن كان ذلك أمراً متعباً في أوله إذ كان بعض الروس يشتكون من تحملهم عملاً عبء تنمية المجتمعات على حساب توفر الكمالات في حياتهم.

كان شعار "كل شي لأجل الجبهة والنصر" هو الحديد الذي سار فوقه الشيوعيين والسوفييت. وقد رن هذا الشعار الحديدي بزئير إستالين الرهيب: (عمل أكثر، قمح أكثر، حديد أكثر، مساكن أكثر، مدافع أكثر)، وكان هو نفسه كان يعمل بطاقة جبارة ونظام كبير ، ولكن تحت ضغط العمل وضغط الحرب، تلاحمت المسألة القومية بما فيها من جمهوريات سوفييتية والمسألة الوطنية بما فيها إتحاد إشتراكي بين هذه الجمهوريات وتحولت المسألة من إتجاه اللامركزية المبكر إلى إتحاد مركزي (إنتهى سنة 1992)

المسألة الوطنية أخذت بعدها القومي الداخلي في الإقرار التام المؤسسي بتكوين جمهوريات المجالس الشعبية لكل قومية ذات سلطان على مناطقها فكان تأسيس الجمهوريات الكبرى الـ16 دالة كبرى على فهم الحرية والإخاء والمساواة والتعاضد بأفضل من مما فعلت البرجوازية بثورة فرنسا أو الرأسمالية بتحرر الدول (الولايات) المتحدة الأمريكية.

إنصهرت المسألتان في النضال والحرب ضدالنازية والفاشية ولإحقاق السلم العالمي والصداقة بين الشعوب، في هذا كانت خسائر الإتحاد السوفييتي ضخمة لا لغزارة ماصب عليه من حمم بل أيضاً لكبر حجمه وكثافة سكانه مما جعل كل ما يضرب فيه مصيباً، ولكن بعد أن رفع جنده البواسل علمه الأحمر خفاقاً فوق حطام قيادة الدولة الألمانية في أوائل مايو 1945 نهض إتحاد السوفييت من أنقاضه في أقل من 6 سنوات بلا أدي دعم أوسند أجنبي ورغم حروب الإستنزاف التي بدأت ضده بعد نهاية الحرب العالمية. في سنة 1952 صوتت اللجنة المركزية بأغلبية صوتين ضد رأي إستالين بأن الحرب القادمة ستكون ضد الإتحاد بشكل مختلف.


"المسألة القومية" و"المسألة الوطنية" في فلسطين والموقف السوفييتي منها:

منح السوفييت بقيادة إستالين اليهود وطناً قومياً في بيروبيزدخانBirobidzhan الآسيوية من دولة الخزر القديمة ولكن مع ظروف التجارة والمناجم والصناعة الدولية في القرن العشرين لم يجد ذلك الوطن قبولاً كبيراً بين اليهود. كانت الصهيونية في أمريكا بقيادة النقابي العمالي العتيد ثم كبير القضاة لويس برانديس قد آثرت فلسطين، يحدوها إعلان ويلسون ذي الأربعة عشر نقطة الذي يختص جزء منه بحق الأمم في تقرير مصيرها وهو نفس الحق الذي أخذه العرب سنداً لهم في الحرية من الخلافة الإسلامية العثمانية تاركين إياها لقمة سائغة للإستعمار الأوربي لولا بطولة وإقدام أتاتورك. وقد كان وعد بلفور قد صدر في أتون الحرب العالمية الأولى 1917 بإغراء صهيوني بدعم بريطانيا مالياً و(غيره) في الحرب ضد ألمانيا من خلال المؤسسة المالية في أمريكا التي كان أهل بنك إنجلترا يتولونها بيدهم الخفية!، وقد كان، وصدر الوعد من المسيطر محدوداً بحق يهود فلسطين في إتخاذها وطناً لهم ، ولكن الفرق الحياتي في الإعلام والقانون بين حق يهود فلسطين في تأسيس وطن قومي لهم، وحق اليهود عامة في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، كان فرقاً موصولاً من ناحية فعلية بقضية وطبيعة حرية الهجرة إلى فلسطين التي أخذت أول إستيطانها طابعاً تعاونياً وإنتاجياً إشتراكياً مثمراً، بينما كان العرب ريعيين خاملين في بساتين الزيتون والنخيل، ومن ذا كان إختلاف مغزى وتفاوت إنتشار الفهمين في تقدير الفلسطينيين وعموم العرب لأهمية وعملية تكوين حكومة منتخبة منهم، ومن ذا كان أيضاً إستغرابهم إعتراف الإتحاد السوفييتي بهذا الحق القومي الدولي الذي حولته الصهيونية إلى إعلان دولة، (لعله مقابل السماح بحرية الصين) وقد قبلت به الآن كل الدول العربية والتنظيمات الفلسطينية بشكل أو بآخر.



تفجر المسألة القومية والمسألة الوطنية عالمياً في النصف الأخير من القرن العشرين وما بعده:

أدى قيام الرأسمالية بقيادة حركة الإستعمار القديم إلى تكوين رأيين إستقلاليين وطنيين، رأي يربط الإستقلال السياسي للأمة بإستقلال إقتصادها وقسط توزيع موارد ووسائل إنتاج ضرورات عيشه وجهوده ومنافعه، ورأي يذهب إلى الحصول على الإستقلال السياسي والسيادة الرمزية أولاً ثم بعد ذلك يأتي كل حديث!

دعمت الإمبريالية العالمية الرأي الثاني ومهدت لنجاحاته بأشكال متنوعة وحصلت مئآت البلاد على إستقلال شكلي بهذه الطريقة، تحكم الإمبريالية في القواعد والفاعليات القانونية والإقتصادية لجريان الحياة في هذه البلاد وضعها في موضع التبعية لها وإعادة إنتاج التخلف بالفصل بين إنتاجها وإستنهلاكها المديني الحديث وإنتاجها وإستهلاكها التقليدي في الريف، وبفضل تمركز رأس المال محلياً ودوليا ولعبة الأسعار والعملات صارت أغلب هذه البلاد الرأسمالية التابعة مفلسة تحت قيادة وتوجيه المؤسسات الرأسمالية العالمية مالاً وصناعة وتجارة وأكلاً وشرباً، وإنتهت بإفلاسها إلى خصخصة مواردها وعولمتها.

وقد أخذت العولمة بطابعها المالي سياقاً جسد سيطرة الدول الأنجلساكسونية عليها وهي الخاضعة بدورها لرأس المال الصهيوني، وقد زادت برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاصة بمركزة الإيرادات والمصروفات الفوارق العامة في الحقوق والحياة بين المركز والهامش في العالموفي كل بلد، وأدى ذلك مع الإستهلاك الترفي في بعض الأحياء الرئيسة في المدن والفقر المدقع والإملاق في كثير من أنحاء الريف إلى تأجيج التوترات والنزعات العنصرية لا كنتيجة موضوعية للإختلافات القديمة ما قبل الإستعمار بل وأكثر من ذلك للإختلافات الطبقية والإقليمية الناتجة من سياسات الإستعمار الحديث بكنزها ومركزتها تصريف الموارد والإمكانات وبسطها المتاعب والإلتزامات على الجماعات والشعوب والمجتمعات المقيدة بآثار الإستعمارين القديم والحديث! جملةً: نتج من ذلك زيادة تهميش كثير من الدول في نطاق العالم وإنقطاع بالصراعات البينية في صلة أرحام مجتمعاتها.


الإتحاد الإشتراكي للطبقات والأقاليم المهمشة:

الضرورة الحياتية لحل هذه التناقضات والصراعات داخل كل دولة أولاً ومن ثم على نطاق العالم تتصل موضوعية بنضال الشيوعيين لأجل تحقيق نوع من الإتحاد الإشتراكي للطبقات والأقاليم والقوميات والمرأة المهمشة للإمساك بموارد حياتهم، وهو أساس فاعل للوحدة الشعبية والوطنية، فدون تحقيق هذا الإتحاد، وإمساكه بالسلطة لا يمكن الحديث بصدق عن تنمية متوازنة أوعن سلام حقيقي أو عن تحولات ديمقراطية من الديكتاتورية (=السلطة) الرأسمالية إلى ديكتاتورية (سُلطة) الشعب، ولا يمكن الحديث بصدق عن إستقلال أوعن تدين صحيح أو عن علمانية فعالة في ظل بنوك يحتكرها سادة الطوائف والقوى الأجنبية.


دور الشيوعيين كقوة ثورية كبرى للتغيير الإجتماعي لا كقوة إجتماعية كبرى في مجتمعات متخلفة:

دور الشيوعيبن الطبقي والإقليمي والقومي والجنساني في تجميع القوى المهمشة ورصها وتفعيلها كالماء وذرات تراب الأسمنت أو الحرارة والحديد، دور يرتبط بإرادة ثورية واضحة في تغيير علاقات الإنتاج (= من يملك مورد ووسيلة الإنتاج وكيف يعمل فيها وكيف يجدد قدرته على الإنتاج ) وفي تغيير علاقات الإستهلاك (= من يستهلك وماذا يستهلك وكيف يحقق إستهلاكه وكيف يجدد قدرته على الإستهلاك) فدون تغيير هذه العلاقات والسياسات الحاكمة لها ستظل مجتمعاتنا المستضعفة تقتات فتات ما تنتجه، وستظل أحزابنا التقدمية والإشتراكية والشيوعية تدور في حلقات الديمقراطية والديكتاتورية الليبرالية المفرغة بينما يتفتت المجتمع ويذوى في مزبلة الفوضى والتاريخ.

هذا الدور الطبقي والإقليمي والقومي والجنساني دور ثوري يتصل بالنفي والنقض مع ركائز المجتمع الظالم وتغييره تغييرات أساسية أكثر مما يتصل بالتوافق مع هذه الركائز، لا رفضاً لمساومة موضوعية أو تعالياً وأنفة على الناس، ولكن رفضاً للإنمساخ في عناصر الظلم التي أضحت تشكل السياسة العامة لمجتمع الإستغلال والتهميش.



المراجع: ضمن مسودة كتيبي: "تأثيلات"



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتقاد مشروع البرنامج
- التحول الديمقراطي في معسكر كلمة
- تغبيش الحقيقة
- خمسة تناقضات
- إنتقاد مقالات السر: حياة الوطن في تقدم الحزب الشيوعي لا في ع ...
- التنمية الصاح والتنمية الكشا مشى
- ياااا حسن!! (2 )
- يا اا حسن!
- إلى إحيمر الثوري ضد إحيمر السياسي (بتاع لا نسبية أحمد وحاج أ ...
- الناس دي جنت ولا شنو ؟؟؟!!!
- رفع الكلاش
- تقدم إلى العدالة وأترك الحق والإنصاف لشعبنا
- الفدائي حين يُمتَحنُ
- واجبات القائد الشيوعي حين يلاقي إنتقاداً
- إنقلاب الدقائق الأخيرة في موسم الهجرة إلى اليمين
- النتيجة العامة لتحولات العناصر الأربعة الرئيسة في الوضع العا ...
- الفساد في الأرض والسماء: الأوضاع الطبقية لتدميرالبيئة
- !!!!!!!!!
- 42 مسألة إنتقادية لمشروع التقرير السياسي
- جورج حبش


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- ثورة أكتوبر .. منجزات مذهلة تتحدى النسيان / حميد الحلاوي
- بمناسبة مرور(91) عاما على ثورة اكتوبر ((الاشتراكية)) الروسية / حميد الحريزي
- الرفيق غورباتشوف / ميسون البياتي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية... الانهيار وأفاق الاشتراكية في عالم اليوم - المنصور جعفر - من جدل الصراع القومي والصراع الطبقي والتنظيم السياسي