احذروا دور الانغلاق واحظروها .

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2429 - 2008 / 10 / 9 - 09:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

كانت الفتوى التي أصدرها المدعو محمد المغراوي ، شيخ السلفيين الوهابيين في المغرب ،في موضوع إجازته زواج الطفلات ذوات التسع سنين من أعمارهن وتشجيعه الإقبال على هذا النوع من الزواج لما تتمتع به الطفلة من قدرات جنسية ، على حد قوله "قد حدّثنا وشاهدنا أن هناك بنات تسع لهم القدرة على النكاح ما لا للكبيرات من بنات العشرينات و ما فوق" ؛ كانت هذه الفتوى بمثابة ناقوس الخطر الذي يحذر من المستويات التي بلغها الغلو والتشدد على أيدي مشايخ الوهابية الضالين /المضلين . لقد تساهلت الدولة وتغافلت كل أجهزتها عن استفحال أنشطة التضليل التي تقوم بها دور الانغلاق التي تسمى بهتانا "دور القرآن" ، والتي تتلقى تمويلا خارجيا لا يخضع للمراقبة . بل إن هذه المدارس مستقلة نهائيا في برامجها ومناهجها عن أي مراقبة أو إشراف من طرف وزارة التعليم ولا حتى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية . وخطورة هذا الانفلات تتهدد مباشرة الأمن الروحي للمغاربة ، فضلا عن المناهضة الشرسة للمشروع المجتمعي الحداثي الذي يتأسس على قيم وثقافة حقوق الإنسان ، وفي صلبها حقوق الطفل وحقوق النساء . والدولة إذ تتغاضى عن أنشطة المغراوي وشبكة مدارس الانغلاق والضلال التي يشرف عليها ، إنما تفعل عن اعتقاد منها أن معاول المغراوي موجهة أساسا ضد جماعة العدل والإحسان ومهدوية مرشدها الشيخ ياسين . إن العداء بين وهابية المغراوي ومهدوية ياسين هو عداء شكلي يخفي عن الدولة وأجهزتها أبعاد التكامل بين العقيدتين : الوهابية والعرفانية . إنهما تتقاطعان عند تكفير الديمقراطية ومناهضة الحداثة والتصدي لجهود الدولة في إشاعة قيم وثقافة حقوق الإنسان . فالطرفان معا يستهدفان نظام الحكم ومؤسسات الدولة وتطلعات المجتمع إلى الاستفادة من الحضارة الإنسانية ومكتسباتها . لهذا تظل خطورة تكامل التوجهين أشد وأقوى من تناقضهما ، على اعتبار أن التناقض بينهما هامشي بينما التكامل جوهري . إلا أن ما يدعو إلى التساؤل هو الموقف الذي اتخذته حركة التوحيد والإصلاح من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة الداخلية والمتمثلة في إغلاق شبكة المدارس المرتبطة بالمغراوي والتي تنشط تحت يافطة "دور القرآن" ؛ في الوقت الذي كان يُنتظر من الحركة أن تتصدى لضلالات المغراوي كما تصدت للحملة التي تستهدف القرضاوي بسبب تحذيره من الغزو الشيعي لعدد من الدول بينها المغرب . علما أن إجراءات إغلاق هذه المدارس وحظر أنشطتها كان على الدولة اتخاذها منذ البداية منعا لترويج عقائد الضلال والتضليل وتفريخ أفواج من أعداء الإنسان والوطن والدين. فمسئولية وزارة الأوقاف ووزارة الداخلية والمجالس العلمية ثابتة في التغاضي عن أنشطة الوهابيين التخريبية ، بل في تشجيعها ودعمها ورعايتها . وكون حركة التوحيد والإصلاح تناصر المغراوي وتدافع عن "حق" "دور القرآن" التابعة له والمرتبطة به في ممارسة أنشطتها الخارجة على المذهب المالكي والمهددة للأمن الروحي ، فهي تضع نفسها وأعضاءها في مواجهة مع إرادة الملك ومسئولياته الدستورية والوطنية من زاويتين :
الأولى : كونها تعتبر الفتوى التي صدرت عن المغراوي بخصوص زواج البنت القاصر مجرد رأي ، كما جاء في بلاغ الحركة يوم 23 شتنبر 2008 (والمكتب التنفيذي إذ يؤكد عدم اتفاقه مع هذا الرأي في تزويج الصغيرة باعتبار أن مدونة الأسرة قد حسمت في الموضوع، فإنه يؤكد من جهة أخرى على أن القضية عرفت استغلالا إعلاميا ضيقا لاستهداف الحق في التعبير وإبداء الرأي، ضدا على كل المكتسبات الحقوقية في هذا المجال، تلا ذلك انزلاق نحو إغلاق العديد من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، كل ذلك بسبب رأي مهما كان حجم الخلاف معه والرفض له، فإن ذلك لا يبرر بحال اللجوء إلى إجراءات استثنائية). وحتى إن افترضنا أن فتوى المغراوي هي مجرد رأي ، فإن هذا يضع الحركة في مواجهة مع خطاب الملك الذي حسم في كون ( التمتع بالحقوق والحريات يقتضي القيام بواجبات والتزامات المواطنة مؤكدا أن بناء الديمقراطية وترسيخها لا يمكن أن يتم إلا في ظل الدولة القوية بسيادة القانون)( خطاب 29 ماي 2003).
الزاوية الثانية : أن الحركة ببلاغها ومناصرتها للمغراوي و"حقه" في نشر أفكاره التخريبية وفتاواه التضليلية ، تتصدى لإرادة الملك وجهود الدولة في توفير الأمن الروحي والقطع مع حالة السيبة ،كما جاء في خطاب الملك (لقد دقت ساعة الحقيقة معلنة نهاية زمن التساهل في مواجهة من يستغلون الديمقراطية للنيل من سلطة الدولة أو من يروجون أفكارا تشكل تربة خصبة لزرع أشواك الانغلاق والتزمت والفتنة أو يعرقلون قيام السلطات العمومية والقضائية بما يفرضه عليها القانون من وجوب الحزم في حماية حرمة وأمن الأشخاص والممتلكات) .
وليس غريبا إذا اختارت حركة التوحيد والإصلاح مناصرة المغراوي ومدارسه ، فهي تتبنى نفس العقائد الوهابية التي يتبناها المغراوي وعموم الوهابيين ، ومن ضمنها الإصرار على تزويج القاصر . إذ ظلت الحركة تناهض المقترحات التي جاء بها مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ، ومن ضمنها : رفع سن الزواج لدى الإناث من 15 إلى 18 سنة ، وحق المرأة في الولاية على نفسها وعلى أبنائها بحجة "مصادمة" هذه المقترحات للشريعة الإسلامية . فالحركة ظلت تتهم واضعي المشروع باستهداف "الأحكام الشرعية التي لا تتماشى مع المواثيق الدولية" . وجاء البلاغ الذي أصدرته حركة التوحيد والإصلاح يكرس نفس التوجه الذي سبق واتخذته من خطة إدماج المرأة في التنمية ومن واضعيها ، بحيث نقرأ فيه ـ البلاغ ـ ( وإننا في المكتب إذ نرفض هذه التطورات السلبية المجحفة ندعو إلى التراجع عنها ومعالجة القضية موضوع الخلاف بما يناسب طبيعتها وحجمها درءا لكل ما يشوش مسيرة تأهيل حقل التدين والدعوة ببلادنا، وكذا انسجاما مع مقتضيات الشرع والقانون). ويستفاد من نص البلاغ أن إجراءات إغلاق المدارس التابعة للمغراوي مناقضة لـ"مقتضيات الشرع والقانون" ، وكأن الشرع والقانون هو ما يمارسه المغراوي ويفتي به . وسبق للحركة أن اعتبرت ، في بيان رئيسها حينئذ الدكتور الريسوني ، أن ( رفع سن زواج البنات إلى الثامنة عشرة ، وفي ذلك تعسف على حق شرعي وطبيعي للمرأة ) . لهذا يبقى على الدولة التعامل بالحزم المطلوب لمواجهة كل التيارات الدخيلة التي تستهدف زعزعة الاستقرار الأمني والروحي للشعب المغربي . للحديث بقية .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات