أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطلسَم السابع 2















المزيد.....

الطلسَم السابع 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2343 - 2008 / 7 / 15 - 10:20
المحور: الادب والفن
    



وقفنا في العتمة ، يتأمّل واحدنا الآخر . لم يطلّ نجمنا ، بلا أمل ، في أعالي برجه .
كان الدربُ قد أمسى مقفراً من الخلق ، اللهمّ إلا بعض المرافقين ، ممن ينفثون دخان تبغهم وضجرهم . قال وهوَ يميط اللثامَ عن وجهه : " دعوتني ، مؤخراً ، مرتين على الأقل ؟ " . لم أجب بشيء ، بما أنني ما فتأت مسكوناً بعد بحضوره ، المفاجيء . إستطرد على ذلك : " تفسّر ما شاءت لكَ الأهواءُ حلمكَ ، ثمّ تستيقظ فرحاً مُصمماً على الوهم " . أخفضتُ عينيّ ، كيلا يؤديهما بارقُ العين المتوحّدة ، المُشعّ في عتمة الخلاء . وعاد يسألني ، ليحرك فيّ ساكناً على ما يبدو :
ـ " ولكن ، أيّ خدمةٍ بوسعي تقديمها ، أيها الأخ ؟ "
ـ " أريدكَ أن تسمي مكانها "
ـ " ها أنتَ ذا قد عرفته ، وماذا بعد ؟ "
كان ذلك ، حقا ، ما توقعته ؛ الحلم ، سبق له أن أعطاني إشارة ً. وبما أنّ تنهيدتي ، العميقة ، كانت أفضلَ جوابٍ ، فإنّ الرجلَ بادرني قائلاً وقد خفتتْ نبرة صوته : " بدوري ، أطلبُ منكَ خدمة " . تراني عاجزاً ـ كضرير ، فماذا يريدُ مني هذا الرجل ، الأخرق ؟
ـ " أن تسمَعني .. ! "

***
هناك ، في مسقط رأسه ، دعوه منذ أن صارَ يحبو بـ " المسخ " . غالباً ما كان عرضة ً لأذيّة الآخرين ، وبداعي التسلية ربما . إنّ ذلك الماضي ما فتأ مسكوناً فيه ؛ كما في إحدى حوادثه ، حينما طوّق من قبل صبيَةٍ ، معابثين ، فراحوا يصفعونه ويبصقون عليه ، إلا أن أنقذه من براثنهم حضور شقيقته ، الكبرى . أنثى الأسرة الوحيدة هذه ، وحدها من حدَبَ عليه ورعاه ، فيما كان الأخرون يتجنبونه ـ كمجذوم . " حاذر طريقَ الشرّ " ، قالت له " مريم " وقد أضحى فتىً لا يستغني عن عصا من فرع زيتونة ، صديقة . لم تشفع للعذراء طيبتها ، على كلّ حال ، كما لم تحُل دون ذيوع خبر جمالها ، الفتان . هكذا جرّها أعوانُ المرشد ، ذات صباح جهم ، ثمّ ساروا بها إلى القلعة . وكان من أفراد الأسرة ، المذعورين ، أن فروا من كلّ منفذ متاح ، تاركين فتاتهم لمصيرها . هوَ وحده ، " زين " ، من إستماتَ في الدفاع عنها ؛ دفاع الوحيد ، الأعزل إلا من عصاه ، الصغيرة . بدوره ، إقتيدَ إلى قلعة " الربّ " نفسها ، المخيفة ، التي نحَتَ النسرُ وكره في أعالي صخرتها ، الحالقة . ما كان من " المرشد " إلا أن يعفو عن الفتى بشفاعة شقيقته ؛ بشفاعة قمر ، أضاءت هالته وحشة القلب والمكان على السواء . ما عتمَ الفتى أن صارَ من أشدّ أنصار " الربّ " إخلاصاً ، فراحت مواهبه تقفز سراعاً في درجات الحركة ، إلى أن رسا على عتبة النخبة ؛ العقدانية . بيْدَ أنّ طالع المرشد ، ربما ، شاءَ أن تكون العذراءُ برجَ نحسه . فما أن جلا الفرنسيون ، حتى تفرغت الدولة لأمره . ومن جديد ، حلت اللعنة على الجبل ، خراباً وخوفاً وإستباحة .

***
ـ " هذا أخي ، إخدمه دائماً ! "
أومأ المرشدُ ناحيتي في مخاطبته أحدَ الخفراء ، الذي كان في مهمته الليلية على حاجز ، حديديّ ، يخصّ معسكر لقوات " الفرسان " . حيانا الرجلُ يتهيّب ، قبل أن يبادرَ من فوره لفتح المعبر ذاكَ ، المؤدي لمنطقة " القابون " . ثمّ إسترسلت عربتنا في مسيرها هنيهة اخرى ، إلا أن رأيتنا نتوقف أمامَ منزل منعزل ، زريّ الهيئة ، مضاء مدخله بمصباح شاحب . أشار الأخُ بيده ناحية المنزل ذاكَ ، قائلاً بلذعته المألوفة : " هوَ ذا كهفُ شهيدتكَ " . قبعنا لفترةٍ ، تشملنا العتمة وهسيس المرافقين في صندوق السيارة ، الخلفيّ . عندئذٍ تكلم صاحبنا بإيمان :
ـ " كل ما ملأوه في رأسكَ ، عن طغيان " الربّ " وإباحيّته ، لهي أكاذيب محضة "
ـ " ولمَ عارضته أمكَ ، إذاً ، بعدما كانت من مؤيديه ؟ "
ـ " ربما طمِعَتْ في إستخلافه ، فحقّ غضبه عليها "
ـ " لقد أورثتكَ طموحها ، وها أنتَ تدينها مع ذلك .. " ، قلتُ له مشدوداً بلهفةٍ لسماع بقيّة حكايته .

***
باغته الدرَكُ ، المهاجمُ ، فيما كان يحاول الفرار بأخته ، الحامل ، عبرَ أحد مسالك القلعة ، السريّة ، التي كان يعرفها . أثقلوهما بالحديد ، ثمّ حجزوهما معاً في حجرةٍ مظلمة ، مفتوحة نافذتها ، العلوية ، على الوادي العميق . سرعان ما حضر الآمرُ ، المسنّ ، المفصحة ملامحه ولهجته عن أصل شركسيّ . كان سبق لعلم الرجل أنّ الفتاة هيَ عشيقة المرشد ، وأنّ أخاها من مساعديه . هكذا إقتعد الآمرُ على الحافة الحجرية ، وصار يُدخل رجاله على " مريم " ، واحداً بإثر الآخر ، فيغتصبونها على مرأى من شقيقها . فما أن يقضي أحدهم وطره ، حتى يمرّ على الفتى المقيّد ليتفل بوجهه ، قائلاً له : " تصبّر .. ! " . يبدو أنّ رهاناً ما ، مُعيّناً ، كان قد عُقِدَ بين أولئك الجندرمة ، إذ ما عتمَ القائد أن خاطبَ بإحتفال أحدهم : " ربحتَ يا نفر " . ثمّ أتبع ذلك بالإنحناء على البنت ، البائسة ، التي كانت أشبه بالميتة : " ستكونين لهذا الباسل ، أمَة " ، قال لها مشيراً إلى سعيد الحظ . ولكن لم يُقدّر للبسالة ، على كل حال ، الإحتفاظ بالجائزة تلك ، المثيرة . فما أسرع أن إستعادتْ المرأة ، الصغيرة ، بعضاً من إرادتها لتركل الضابط العجوز بقدمها الطليقة . تمخط الرجلُ دماً في منديله ، ثمّ راح بعدئذٍ يُعاين بطن الأسيرة ، العارية ، والمستديرة ـ كقبّة دقيقة . " إنها مريضة .. " ، قال بلهجة مشفقة لرجاله ، الواجمين . تناهضَ من ثمّ ، قابضاً بمنديله على الأنف المُدمّى . وقبل أن يغادر الزنزانة ، أشارَ ناحية الكوّة العالية ، هاتفاً بالحاضرين بنبرة آمرة ، شديدة : " طهّروها ! " .

ما قدّر للفتى معرفة ، ما لو كانت نجاته مُدينة لحداثة سنه أم لسبب آخر . كان قد جُلِبَ إلى حضرة أحد الضباط ، الشوام ، الذي بدا بقوامه ، الممشوق ، المطلّ من فوق السور ـ كأحد أبراج القلعة . خاطبه فيما يوميء إلى المنحدر ، المخيف : " بابا ! إذا أردتَ ألا يلحقوكَ بأختكَ ، فلتفرّ من هنا حالاً " . وعلى الأثر ، رأى نفسه في مهاوي المكان ذاكَ ، الخطِر ، المُترصّد أيّ هفوةٍ منه بعين فاغرة . لمرة حسب ، حينما فقدَ توازنه ، تهيأ له أنّ جديلة طويلة ، فاحمة ، إمتدّت لإنقاذه . وما يذكره بعدئذٍ ، أنه لأيام ثلاثة راحَ محموماً يبحثُ في قعر الوادي ، علّه يعثر على صاحبة الجديلة ، الشهيدة . ثمّ إنتصفت الشمسُ في صدر النهار ، فخيّل لفتانا أنه يسمع ثغاء حيوان صغير . كان الصوتُ متأتٍ من أجمَةٍ كثيفة ، معتلية إحدى الصخور الوعرة . تلفتَ هنا وهناك ، وهوَ أكثر ضياعاً ، محاولاً الإهتداء إلى منفذٍ ما ، لكي يرتقيه . وإذا بلمعان قويّ ، خاطفٍ ، يأخذ بصره إلى جدول ثرّ ، منحدر من الأعالي تلك . في إنحنائه على أخدود الجدول ، وفيما كان يروي عطشه الشديد ، أدهشه اللون الورديّ لمياهه . في تسلقه المرتفع ، المحتبي ذلك الأخدود ، إكتشف وعلى حين غرة مصدرَ صوت الحيوان ذاك ، الغامض .

***
" طالعني مشهد وليدٍ عار ، ناصع البشرة ، وكان معافىً متورّدَ الوجنتين ، متفتحة عيناه عن لون صافٍ ـ كالإخضرار المحيط به . ربما كان قد كفّ عن البكاء ، مهوّماً بسعادة متألقة ، مرسلاً يده الدقيقة ، الغضة ، بإتجاه الأعلى . في متابعتي للإشارة الطفلة ، راعني مرأى ظبيّة ، عظيمة الهامة ، جاثمة بين شقيْ مَقدِس هائل ، معتل بدوره الأجمة . نظرة الظبية ، المتسلطة عليّ ، جذبتني إلى مجاهل حدقتين ، وديعتين ، لطالما حدبتا على طفولتي . طائش الصواب ، ما لبثتُ أن إندفعتُ في أنحاء المكان صارخاً بإسمها : " مريم م م ! " . ولكنني عدتُ أكثر هدوءاً ، لأتأمّل الظبية تلك ، المحرورة ، المسترخية قرب مجرى الماء العذب . جاءتني الرؤيا بغتة ً ؛ وصارت السماء منذئذٍ صديقة . رحتُ متابعاً تسلق أخدود الجدول ، ذي المياه الوردية ، محاذياً الحيوان في طريقي . ثم إنتهيتُ إلى المنبع ، المتدفقة منه مياه الجدول ؛ ثمة ، أبصرتها ملقاة على وجهها وكانت عارية البدن سليمته . إقشعرّ جلدي من فكرة مجنونة ، وهيَ أنها حيّة ما فتأت . على أنّ تمسيدي ، الراعش ، على ظهرها ناحية القلب ، مرّ بالواقع فوق جثةٍ بلا أيّ نفس .

عندئذٍ حسب ، عرفتُ سرّ اللون الغريب للجدول . فمن فرجة وركيها ، كان خط دافق ، قان ، ينحدر نحو النبع القريب مندغماً في مياهه الصافية ، الرائقة . متسمّراً لبثتُ في هذه البقعة الصخرية ، المشجرة ، التي كانت تبدو في منعزلها ـ كبرج صمتٍ . وكنتُ أتفكّر ، مهموماً حزيناً ، فيما يتوجّب عليّ عمله ، لما تناهت جلبَة من مكان ما ، في الأسفل . رأيتُ الظبية وهيَ تتقافز منحدرة عبر الأخدود ، حتى وصلت إلى الطفل الوليد . أمام عينيّ ، الغائمتين ، سطعَ المشهدُ أكثر وضوحاً ؛ المشهد الربانيّ ، المرهون له منذئذٍ قدَر حياتي . وإذ تحرّكَ الحيوانُ والطفلُ مطوق جيدها ، فإنني حاولتُ يائساً اللحاق بهما ؛ فإذا رأسي يرتطم بعنف بفرع شجيرة دان ، هام من الصخور . وحينما صحوتُ أخيراً ، كانت العتمة مهيمنة على كلّ شيء ، منتظرة ربما بارقَ الرؤيا ، المتجلية . وما زلتُ أنتظره ، ذلك الطفل الإلهيّ ، الذي أنجبته العذراءُ في شهرها ، السابع ؛ لأنه هوَ من سيملأ بالنور عالمنا هذا ؛ لأنه السابعُ ! " .

[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
- الطلسَم السابع *
- أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
- أسمهان : أيقونة وأسطورة
- حَواريّو الحارَة 6
- النصّ والسينما : بداية ونهاية لصلاح أبو سيف
- حَواريّو الحارَة 5
- حَواريّو الحارَة 4
- حَواريّو الحارَة 3
- حَواريّو الحارَة 2
- النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى
- حَواريّو الحارَة *
- مَسْرىً آخر لمَغاورها
- أقاليمٌ مُنجّمة 10
- أقاليمٌ مُنجّمة 9
- غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
- أقاليمٌ مُنجّمة 8
- عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
- مسْرىً لمَغاورها
- أقاليمٌ مُنجّمة 7


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطلسَم السابع 2