أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدون محسن ضمد - ثقافة الوأد














المزيد.....

ثقافة الوأد


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2336 - 2008 / 7 / 8 - 10:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يخيل إليَّ دائماً أن البيت الذي تُقْمع فيه الأنثى سيبقى بيتُ أعزبٍ مهما تكاثرت النساء فيه. أما لماذا، فلأن الأنوثة ثقافة وسلوك وهي بالتأكيد نمط خاص في الحياة يجب أن يسير بمحاذاة النمط الذكوري.
الأنوثة أكبر من الجسد، ولها اشتراطاتها الخاصَّة التي تختلف عن اشتراطات الذكورة، ومن أجل أن تكتمل إنسانية البيت يجب أن يترك للأنثى تتحكم به على سجيتها، لتملؤه بسحرها الخاص. أو يبقى بيت أعزب لا تشم منه غير رائحة الزعيق.
يجفُّ البيت بعد خنق أنوثة نسائه.. يتصحر.. يموت. وهذا ما يحدث داخل بيتنا الكبير.. داخل العراق. فالعراق بلا أنثى الآن، ذلك أن أنثاه انهزمت منذ أمد بعيد، يوم دخلت حربها الخاسرة مع الذكور. ولذلك لم تستطع أن تمنح بيتنا أنوثته التي يستحق. الأنوثة مقتولة في أجساد نسائنا لأنها محاصرة بالبنادق.
لهذا السبب اندهش غيث عندما طلبت منه أن يحصي لي عدد الألوان من حوله. كنا نتسكع في الباب الشرقي، وكان قد رفض شراء قميص بألوان زاهية. وعندما سألته عن سبب رفضه شراء القميص (زاهي الألوان) لم يرد علي سوى بابتسامة بدا عليها أنها خاسرة. لم يستغرق وقتا طويلاً من أجل أن يحصي لي الألوان من حوله، فقد كانت قليلة جداً. ولذلك فقد استغرب.. استغرب كيف أن الألوان غائبة عن حياتنا، واستغرب كيف أنه لم يشعر بهذا الغياب من قبل.
صححت له المعلومة يومها. أخبرته أن الأنثى هي الغائبة وليست الألوان، ذلك أن تعدد الألوان من أنوثة الثقافة. طلبت منه بعد ذلك أن يحصي لي عدد النساء من حولنا. وهنا كانت دهشته أكبر، فلم يجد إلا عدداً قليلاً من النساء المحاصرات بالسواد والمبعثرات بين أفواج هائلة من الرجال. لا يوجد في بغداد (العاصمة) بيوت بلون أحمر غامق، أو أخضر حشيشي، أو أصفر فاقع، الألوان ميتة في مدينتنا، لأنها مدينة ذكور. أقلب بغداد رأساً على عقب ولن تجد فيها ملامح الأنثى لا في المرافق العامة ولا على واجهات البيوت. لأن الأنثى ممنوعة من أن تسهم ببنائها. لهذا أريد أن أقول أن بغداد مدينة عُزّاب.
نعم توجد في بغداد نساء لكن أنوثتهن مهدَّدة بالبنادق ومحاصرة بالسواد... نحن نحاصر نساءنا بلون الموت. لأننا نخاف من انوثتهن لهذه الدرجة وأكثر. لقد حوَّلنا جسد المرأة العراقية لمقبرة ودفنّا تحت ترابها كل شهيق الأنوثة وزفيرها.
العراقية لا تملك من جسدها إلا دائرة وجهها الصغيرة. لذلك لا يعود غريباً أنك تجد الألوان مكدَّسة على هذا الوجه. لأن الألوان كثيرة والمساحة المخصصة لها صغير جداً.
في رواية ليلة القدر للطاهر بن جلون يتحدث الروائي عن رجل لم يُرزق سوى بنات. فقرر أن يحول إحداهن لذكر، وهكذا راح يحاصر أنوثتها بخبث ودهاء. منعها من الاختلاط بأخواتها، علَّمها كيف تترفع عليهن حاول أن يغرس فيها نبت الغطرسة والقسوة. وهكذا إلى أن اضطر آخر الأمر لقص شعرها وشد صدرها بحزام من القماش لمنعه من إرشادها إلى مسار الشهوة داخل جسدها الغض. المهم تصل الرواية لذروتها عندما يحين موعد موت الأب. وهنا تجلس ابنته (مخنوقة الأنوثة) عند رأسه لتحاسبه حساباً مريراً وطويلاً. ثم لتقرر بعد موته أن تهرب من ازدواجية لم تعد قادرة على التعايش معها. وأول شيء تفعله البطلة أنها تمزق حزام القماش الذي كبس على أنوثتها عمرها كله. عند ذاك تستنشق عطرها الخاص، وتنطلق شهوتها عارمة باتجاه الحياة.






#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعد إليَّ صمتي
- سخرية القصاب
- وعينا المثقوب
- ولا شهرزاد؟
- لو أنته حميد؟
- I don’t believe
- كيف تسلل الشيطان
- دويلات عراقية
- سحقا لكم أيها الأتباع
- حتى أنت يا كلكامش؟
- اكتاف الفزاعة
- المخيفون
- عَرَب
- ثقافة التنافس
- عيب عليك
- ارضنة الدين
- يوسف.. لا تُعرض عن هذا
- أصالة العبودية
- هل نتمكن؟
- أحمر الشفاه


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدون محسن ضمد - ثقافة الوأد