أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي















المزيد.....

المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 705 - 2004 / 1 / 6 - 05:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يدين كثيرون لياسين الحافظ بأنه حررهم من" سباتهم الدوغمائي" وفتح أعينهم على "الواقع". لقد أتاح لجيل من المنشقين  الماركسيين أن يشقوا عصا الطاعة للمركز السوفييتي ووكالاته المحلية وأن يبقوا ماركسيين في الوقت نفسه. وبذلك أسهم في إنقاذ قدر من الكرامة العقلية لليسار الشيوعي والماركسي، وكان بمثابة جسر نحو خيارات سياسية وفكرية أكثر ديمقراطية ونقدية.
راهن مؤلف "الهزيمة والإيديولوجية المهزومة" كثيرا على الوعي، الوعي الذي يحطم أغلاله التقليدية والشعورية والدوغمائية، الوعي الذي ينظر إلى الواقع بعيون صاحية ويميز بين أحكام الواقع وأحكام القيمة: الوعي المطابق.
لا نجد تعريفا لهذا الوعي في كتابات ياسين الحافظ التي غلب عليها الطابع السجالي، لكننا نجد ما يشبه وصفا لسيرورة مطابقة وعيه الشخصي في "السيرة الذاتية الإيديولوجية - السياسية" التي صدّر بها كتاب "الهزيمة والإيديولوجية المهزومة" ووضع لها عنوانا رئيسيا هو "تاريخ وعي". لكن حتى هنا تهيمن المقاربة السجالية التي تكشف لا مطابقة الوعي المنقود أكثر من مطابقة الوعي الناقد.
غياب التعريف قد يبدو مستغربا بالنظر إلى أن الوعي المطابق هو الأداة النقدية الأساسية، ولعلها الأهم، في فكر الحافظ. في "تاريخ وعي" نجد النصل الحاد لمشرط الوعي المطابق (إن حاكينا لغة الحافظ) موجها ضد "الامتثالية التقليدوية" التي تستوطن، في رأيه، وعي الأكثرية الساحقة من الانتلجنسيا العربية؛ وضد "الثورية اللاعقلانية الفصامية" في أوساط أقلية قليلة؛ لكن كذلك ضد "النقد السياسوي" الذي أخذ عليه اقتصاره على السطح السياسي للمجتمع واندفاعه نافد الصبر نحو ثوراوية صبت الماء في طاحون المهزومين عملياً. وفي متن الكتاب ذاته، "الهزيمة والإيديولوجية المهزومة"، يحدد ثلاثة أبعاد للوعي المطابق: كوني، وحديث، وتاريخي، لكن دون توضيح نظري كاف لمفاهيم الكونية والحداثة والتاريخية، ودون إضاءة شافية لآلية المطابقة. باختصار لا نجد نظرية في الوعي، مطابقته وعدمها، لدى صاحب الوعي المطابق.
 
هناك، في تقديرنا، عاملان وراء غياب نظرية الوعي المطابق عند ياسين الحافظ. الأول هو غلبة المقاربة السجالية في أعماله. هذه الغلبة ترينا وعي الحافظ وهو يشق طريقه نحو المطابقة عبر كفاح مرير، متوتر، ضد مختلف تنويعات ما سماها "النظرة الدوغمائية والإيديولوجية" غير المطابقة. المطابقة تمر هنا بالضرورة عبر إظهار الوعي المنقود غير مطابق، أو هي بالأحرى لا توجد إلا في لحظتها السلبية، أي كإظهار للامطابقة المنقود للواقع. ياسين الحافظ يحطم أصنامنا و، بدلا من هدايتنا إلى إيمان جديد، يطلب منا أن نجعل القلق عقيدة و"العطش الفاوستي" إرتواءاً عقلياً. بهذا المعنى هو مثقف حديث واع لحداثته، لكن لعله لهذا السبب لم تتبعه طائفة واسعة من المؤمنين.
العامل الثاني هو أن ياسين الحافظ رجل سياسة وعمل. صار شيوعياً لبعض الوقت في أواسط الخمسينات، وبعثياً عام 1962 (حيث كتب المنطلقات النظرية لحزب البعث)، وفي عام 1965 شكل مع آخرين ما عرف بحزب البعث اليساري، ثم لم يلبث في نهاية العام نفسه أن أسس حزب العمال الثوري العربي وقاده حتى وفاته عام 1978. ورغم أن "الوعي" يهيمن في صوغ هذا السياسي لمنظوراته الفكرية والعملية، لكنه الوعي كـ"عامل ذاتي" للتغيير لا كمعرفة علمية للواقع ولا كنظرية مستقلة عن العمل. فعند تفحص بعض السياقات التي ورد فيها مفهوم الوعي المطابق نجد المطابقة صفة لوعي يلبي "حاجات الأمة" (الهزيمة...، ص6)، أو هو الوعي "المناسب لحاجات تقدم الأمة العربية وتحررها ووحدتها" (الهزيمة...، ص254)؛ وحتى حين تكتسب المطابقة مضمونا معرفيا: "القبض على الواقع العياني بكليته" (الهزيمة، ص 261)، أو "عقلانية تامة باردة على الصعيد التحليلي، للوصول إلى أعلى درجات المطابقة" (الصفحة نفسها)، فإنه هذا المضمون مغمور  بالكامل في إشكالية العمل. والواضح أن الحافظ لا يرى أي تعارض بين المطابقة المعرفية فكر/ واقع والمطابقة المعيارية فكر/ حاجات الأمة. فالحقيقة هي وحدها الثورية كما يقتبس مستحسناً من غرامشي. ومن هنا على الأرجح تعرفه لمنظوره بأنه واقعي ثوري.

قد يكون ياسين الحافظ أكثر مثقف عربي راهن على الوعي. "المسألة، حصرا، مسألة وعي"، يقول مبرزا أولوية وعي أهمية الاندماج القومي واحترام الحقوق العامة والارتفاع عن حالة العزوف واللامبالاة ... (التجربة التاريخية الفيتنامية..، ص 9). لعلّ هذا هو الإغراء "الطبيعي" أمام "انتلجنتسيا" بلدان "متأخرة" تجد لزاماً عليها تدارك تأخرها. الإشكالية هنا شبيهة بإشكالية نقل الوعي من الخارج اللينينية التي يصادق عليها الحافظ وعلى الدور "التوعوي" الذي تسنده إلى الانتلجنتسيا. ماهو الوعي الذي ينقل من الخارج؟ ومن خارج ماذا؟ وما الهدف من نقله؟ عند لينين، وهو مساجل عنيف أيضاً، الوعي هو النظرية الثورية، الماركسية، التي لا تقوم حركة ثورية من دونها. ثورية النظرية خصيصة باطنة لها تحملها معها أينما ذهبت، وثورية الحركة تأتي من ثورية النظرية. هنا علمية النظرية سابقة على التجربة، وثوريتها سابقة على الحركة. وهنا بذرة الاستبداد العليم، الاستبداد ذو النظرية.
الخارج هنا ملتبس: خارج تجربة الكفاح الثوري (أي عملية تكون الحركة الثورية)، أم خارج البلد المتأخر، وبكل بساطة، أوربا. لكن النتيجة واحدة: الداخل غير واع، متأخر الوعي وليس متخلفا اقتصاديا وتكنولوجيا فحسب. أما الهدف من النقل هو إحراز مطابقة وعي الطبقة العاملة التجريبي لدورها التاريخي المفترض في النظرية. وإذا كانت الأمور بنتائجها العملية (وفي السياسة لا يمكنها إلا أن تكون كذلك) فينبغي القول إن التوعوية اللينينية والستالينية أفضت إلى طغيانية محدثة رهيبة، وعيها كاذب وليس زائفا فقط، واقتصادها مخرب ومتخلف.
على كل حال، عادت هذه الإشكالية اللينينية لتستأنف حياة متجددة في الآونة الأخيرة بصيغة نقل الديمقراطية من الخارج، والتنظير للتغيير من الخارج (= من الأميركيين دائماً) المترافق على الدوام بميل إلى رؤية الداخل كتجانس تام متماثل مع ذاته. ومن الأمور المثيرة للتفكير أن بعض تلامذة ياسين الحافظ في طليعة المتحمسين لنقل الديمقراطية من الخارج وفي تبهيم الداخل أو التقليل من شأن تعدد بواطنه وظواهره وخوارجه ودواخله. ومن الأمور المثيرة للتفكير أيضا أن يقارب كثيرون المحافظين الجدد، المهيمنين في السياسية الدولية للولايات المتحدة بعبارة الثورة، بل أن يسميهم بنديت كوهن بلاشفة البيت الأبيض.
بعد هذا الاستطراد لنعد إلى إشكالية تأخر/ وعي/ تاريخانية التي تصوغ فكر ياسين الحافظ. التاريخانية هنا هي التاريخ كمطابقة، كلحاق وتدارك للتأخر، كصيرورة واستيعاب وتجاوز حسب اللغة الهيغلية المضمخة بالتاريخانية. لا غرابة أن يوافق عبد الله العروي، أهم منظري التاريخانية العرب، على أن التاريخ هو تاريخ المتأخرين. فالتأخر حالة لا تطابق، واقع لا واقعي أو غير متطابق مع ذاته. الواقع الحقيقي هو المستقبل الذي نلمحه في ماضي أوربا المتقدمة حسب العروي. الحاضر هنا لا قوام ذاتيا له، إنه لحظة متلاشية في تيار الزمن المتصل. والوعي هنا فعل مطابقة أيضا. "حيازة" الوعي هي حيازة ذات تعي وتسأل وتشك و...تقارن: معايشة الغرب في باريس "فرضت عليّ تلقائيا إجراء مقارنات دائمة، في كل يوم، بل في كل ساعة، بين الوضع في الوطن العربي والوضع في الغرب". "تاريخ وعي" في كتاب "الهزيمة..."، ص 36). لكن قراءة "سيرة" ياسين الحافظ الفكرية ومجمل أعماله تعطينا الحق أن نقول إن الأمر يتعلق بمعايرة لا بمقارنة: الغرب معيار وليس قرينا. الواقع هنا ناقص (متأخر أو مفوت) لأن المعيار، تعريفا، كامل (متقدم).     
إذاً: واقع ناقص أو غير واقعي، وحاضر متلاشٍ وغير مستقل، وتاريخ تاريخاني.
هذا يلقي ضوءا على سياسة ياسين الحافظ المستحيلة. لويس ألتوسير محق حين يقول إنه ليس هناك سياسي هيغلي. فالسياسة تقتضي استقلال اللحظة الراهنة وحيازتها لقوام ذاتي وبنية مستقلة تنتظم حول "تناقض رئيسي" (هل هناك سياسة تستغني عن هذا المفهوم أو مرادفاته؟). وحين يذوب الراهن في مخطط تاريخي عام (التاريخانية) تذوب السياسة أيضا. والنظر إلى النتائج العملية لسياسة الحافظ دليل على استحالة السياسة الهيغلية أو التاريخانية.
وحين يكون الواقع ناقصا فإن المعرفة أيضا مستحيلة. فالناقص، بما هو كذلك، لا يمكن أن يكون موضوعا للمعرفة. لا معرفة دون نقد المعيار، أي دون تحرير الواقع من نقصانه.

فكر ياسين الحافظ (ومثله، باختلاف، فكر عبد الله العروي) أغنى من أية خلاصات تقدم عنه، بما في ذلك الخلاصات التي قدمها هو نفسه. وهذا لأنه لا يقبل التلخيص شأن كل فكر حي، نابض بالحياة. هنا الوجه الأخر، الخصب، لسجاليته. فالسجالية الحية لا تقف عند القول أنت مخطئ، بل تعرض القضايا الخلافية كقضايا نابضة بالحياة لمتخاصمين أحياء في مجتمعات تقاوم، ما وسعها، الموت.
مشكلات ياسين الحافظ السياسية والمعرفية هي مشكلات السياسة والفكر في مجتمعات قلقة، متوترة، مضطربة، "غير متطابقة" مع ذاتها ولا مع غيرها؛ مجتمعات مرمية في عالم مستقطب: القوة والثروة والمعرفة وديناميات إنتاجها (أي "التقدم") في غير جهتنا. بعد ياسين الحافظ رفضنا معيارية الغرب فوجدنا أنفسنا، بلا حصانة، في أحضان معيارية الماضي: ظل الواقع ناقصا (العلم قرآني)، والراهن خيانة (السياسة تكفير)، والتاريخ تاريخانية معكوسة. ولا يزال العلم والسياسة ممتنعان في مجتمعاتنا غير المدنية. 
دمشق 23/10/2003



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية
- خريف دمشـــــق
- بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي
- المهاجرون في الأرض
- ثقافة الطوارئ نقد الثقافة السياسية السورية


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي