أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - حوار مع المخرج د. فاضل السوداني















المزيد.....

حوار مع المخرج د. فاضل السوداني


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 700 - 2004 / 1 / 1 - 03:01
المحور: مقابلات و حوارات
    


• حاوره: عدنان حسين أحمد/ برلين
• المخرج د. فاضل السوداني لـ ( الزمان )
•  المبدع الحقيقي هو الذي يفرك الصدأ ويزيله من قلوب المتلقين وذاكرتهم

إنقطع الدكتور فاضل السوداني للبحث في بقعة إشكالوية غامضة لم يفِها النقاد والدارسون حقها من التأويل والتحليل والاستنتاج وهي ( البعد الرابع ) أو الزمن الإبداعي الذي تتبلور فيه الرؤية الإخراجية. وقد أفرد السوداني بحثاً طويلاً لهذا البعد أظنه قد انتهى منه، وسوف يظهر في كتاب يحمل عنوان ( البعد الرابع للزمن والفضاء في الطقس المسرحي ). وللسوداني كتب نقدية أخرى أبرزها ( مشكلات الإخراج المسرحي المعاصر ) و ( الطقوس الدرامية الشرقية في المسرح المعاصر ). وعلى صعيد التأليف المسرحية صدر للسوداني عدد من المسرحيات من بينها( أغنية الصقر ) و ( مساء الخير أيها السيد فان خوخ ) و ( الرحلة الضوئية ) و ( النزهات الخيالية ) وقد تُرجمت هذين الأخيرتين إلى اللغة الدانماركية. كما ساهم السوداني بإخراج بعض المسرحيات لكل من بريخت وشكسبير. إن ما يميز مسرحياته المؤلفة هو أنه يكتبها كتابة بصرية تمهد لها الطريق لأن تُمثل من دون إشكالات. وبمناسبة إشتراكه في مهرجان ( أيام المسرح العراقي في المنفى الأوربي ) ببرلين إلتقته ( الزمان ) وكان لنا معه هذا الحوار.
• بوصفك كاتباً مسرحياً، ما هي مرجعية النص الذي تكتبه، هل تعتمد كثيراً على الميثولوجيا والقصص التراثية، أم أن مرجعيتك هي مرجعية حداثية تتناول موضوعات معاصرة وفاعلة تلامس المشكلات التي تقع في الحاضر وقد تمتد إلى المستقبل؟

- أنا شخصياً لا أميل إلى الفصل بين الميثولوجيا والواقع وإنما أعير اهتماماً كبيراً للسؤال الذي يقلقني، أو يقلق المتفرج المعاصر، كما يهمني أن يكون السؤال معاصراً له علاقة بالمشكلات التي تنبجس من الزمن الحاضر. وأنا أرى أن أي مشكلة معاصرة لا تمس الزمن الحاضر فقط، وإنما سوف تكون لها إمتداداتها المستقبلية. الواقع، بالنسبة إليّ، بوحشيته وجفافه هو واقع فيه طابع أسطوري وطقوسي. ومن هنا يبدأ عمل الفنان أو المبدع، بمعنى كيف يستطيع أن يكتشف الإيقاعات الداخلية في الظواهر والأشياء اللامرئية من أجل إدهاش الجمهور الذي يكون في كثير من الأحيان بسبب الظروف الحياتية في حالة سكونية، كما فعل بريخت في إدهاش الجمهور وهزّه من الأعماق. إن هذه الحالة السكونية تولّد نوعاً من الصدأ، والمبدع الحقيقي هو الذي يفرك هذا الصدأ ويزيله من قلوب المتلقين وذاكرتهم.

• يكاد يتفق أغلب نقاد الأدب والمسرح بأن كتابة النص تحتاج إلى ثلاثة أبعاد، أو ثلاثة مستويات لكي يكون هذا النص ناجحاً كما يذهب الناقد ياسين النصير، وهذه الإبعاد هي البعد الواقعي، والبعد الفلسفي، والبعد الميثيولوجي؟ هل تعتمد على هذه الإبعاد في كتابة النص المسرحي؟ وهل تؤمن بخلق أسطورتك الخاصة التي نستطيع أن نردّها إليك، أم أنك تعيد صياغة الأساطير القديمة وفق رؤية معاصرة؟

- إن أي أسطورة، وأي تاريخ لا يصبح له معنى إذا لم يدخل في وعي الفنان ويتعامل معه تعاملاً جديداً. وكل عمل الفنان يتركز في خلق أسطورته وميثيولوجيته الخاصة به. ومن هنا يبدأ التميز حتى في الأدب، وليس في كتابة النص المسرحي فقط. في أدب أمريكا اللاتينية تبرز هذه الخصوصية، لأنه أدب يتحدث عن تلك الأسطورة الإنسانية الخاصة المتميزة. إن الأسطورة تقوم بعملية تشبه إضفاء الطابع الشعري على الواقع. أما المشكلات الإنسانية التي يتحدث عنها الفنان الواعي، والذي يجب أن يكون بالضرورة رائياً فهي متنوعة، ويجب أن تحتوي تاريخياً، ميثيولوجياً، فلسفياً، وواقعياً، على هذا الخليط الذي يخلق الواقع اللامرئي الموجود في الحياة، والذي يجب كشفه من جديد، أو يجب رفع الحجاب عنه، وإظهاره إلى العين ضمن ما يحيطه من كثير من التشويهات الواقعية وغير الواقعية. ويجب الانتباه إلى قضية محددة وهي عدم إمكانية الفصل بين المشكلة الفلسفية والمشكلة التاريخية والمشكلة الاجتماعية في الوقت الحاضر مادامت هناك مشكلات تمس الإنسان المعاصر الآن.

• كل كاتب يخضع عادة لمهيمنات القراءات الأولى، أو لمحطات التأثر بكتاب سبق له أن قرأ لهم. هل أن النص الذي تكتبه الآن هو نص خالص تماماً يخلو من بصمات ومؤثرات الكتاب الآخرين؟

- بالتأكيد لكل شيء تأثيره، لكن أنا أدعو دائماً لأن يمتلك الكاتب تفرده وخصوصيته، وهذه الخصوصية يجب أن تكون أسلوباً بارزاً، كالأسلوب الموجود عند كل المبدعين. يعني عندما تقرأ نصاً تقول هذا لغارسيا ماركيز، وذاك لكافكا. هذا لشكسبير وذاك لبريخت، لكن هذا لا يمنع إطلاقاً من أن يكون هناك تأثيراً من الفكر الآخر أو الإبداع الآخر. والفكر البشري بالتأكيد هو خلاصة لهذا التاريخ الطويل من النضال الشاق لتثبيت الحقائق الواعية التي مرّت بها البشرية.

• هل تمتلك الآن بصمة خاصة بك، بحيث عندما نقرأ نصاً مسرحياً نستطيع أن نردّه إليك؟

- لا أستطيع أن أصرّح أنا هذا التصريح، ولا أطلق هذا الحكم شديد الحساسية، بل أتركه للنقاد والقراء. ولكن هذا لا يمنعني من القول إنني أتمنى وأفرح أن تكون لديّ مثل هذه البصمة الواضحة بحيث عندما تقرأ شيئاً تستطيع أن تردّه إليّ.

• تخصصتَ في دراسة مشكلات الإخراج المسرحي المعاصر. ما الذي حرضك لهذا النوع من التخصص؟ وهل تعتقد بوجود مشكلات كثيرة تحتاج إلى مثل هذا التخصص؟ وهل لك أن تسمي أبرز هذه المشكلات التي درستها حسب تسلسلها وأهميتها؟

- المسرح حقيقة يكون ميتاً وجافاً وخشناً إذا لم يتفاعل مع أحدث الأشياء. والمسرح أيضاً يمتلك ديناميكيتة وحيويتة من خلال معالجة المشاكل المعاصرة، ومن خلال التماشي مع تطورات العصر التكنولوجية. المسرح بطبيعته يؤثر على الجمهور ويقلقهم. وبالتأكيد هناك الكثير من الأسماء الذين يشكلون مثالاً حقيقياً، ولديهم نظريات في المسرح نعتمد عليها في حوارنا الخاص. ومن بين هؤلاء آرتو، غروتوفسكي، شكسبير وغيرهم. ومن خلال هذا الحوار نستطيع أن نكشف عن النقاط الحساسة التي تلامس معضلاتنا في الوقت الحاضر. ومن هنا يخلق هذا التميّز في أسلوب العرض المسرحي، وفي كيفية التعامل مع الممثل والفضاء والجمهور. إن وجهة نظري الخاصة التي أدعو إليها دائماً، والتي أسميها بالبعد الرابع للزمن والفضاء والطقس المسرحي الذي يعتمد أساساً على اللغة الخاصة، وهي ليست اللغة الكلامية وإنما لغة الصورة والحركة والجسد باعتباره خزيناً ميثيولوجياً وذاكرة مطلقة تستطيع أن تقوم بلحظة الإدهاش للجمهور، وتخلق لغتها الخاصة مع الجمهور الذي يتفاعل مع العرض. إن ما أدعو إليه من خلال البعد الرابع، ومن خلال الصورة والحركة والجسد، هو أن يتحول المتفرج من متلقٍ إلى متفاعل، وعندما أقول متفاعل فهذا يعني أنني أحدد وظيفة المتفرج في علاقته بالمسرح. المتفاعل هو ذلك الإنسان الذي يكون مستعداً لأن يتخلى عن السكونية والتخدير والصدأ، وأن يتعامل مع المسرح بكل عنفه وقساوته، وبكل ما يطرحه من وجهات نظر حداثية ومعاصرة. والممثل هو الذي يخلق بعده الخاص في فضائه الإبداعي من خلال استخدام كل إمكانياته الفكرية والفنية.
• طالما نحن بصدد الحديث عن الحداثة ومشكلاتها.فلقد دعا غروتوفسكي إلى إلغاء الديكور والمؤثرات السمعية والبصرية، بل حتى دعا إلى إلغاء النص أحياناً. هل تعتقد أنه من الممكن الآن أن نخلق مسرحاً عراقياً في المنفى يعتمد فقط على الممثل القديس الذي يندمج مع النص، ويتماهى مع الجمهور بحيث يشمون رائحته، ويسمعون أنفاسه، ويتوحدون معه؟

- دعا غروتوفسكي إلى التخلص من هذه الأشياء، لكنه لم يستطع أن يتخلص من النص. غير أن هناك، في الحقيقة، إشكالية يقع فيها كثير من المخرجين، وكثير من الكتاب، وهذه الإشكالية هي نوع من التناقض بين العرض وبين النص. وسبب هذا التناقض هو أن النص مكتوب برؤية متخلفة، أو بالعكس أن العرض يقدّم برؤية متخلفة، لكن إذا استطاع المؤلف أن يفهم اللغة البصرية المعاصرة فبالضرورة يجب أن يكتب نصاً بصرياً رؤيوياً. والنص البصري، الذي أُعنى به، وأدعو إليه، هو أن يكون المؤلف قادراً على أن يخلّص الكلمة من سكونيتها الأدبية، أي من انتمائها للأدب، بحيث تتحول اللغة إلى لغة بصرية رؤيوية تنتمي للعرض، ولا تنتمي إلى الأدب بالرغم من أن الكتابة هي كتابة أدبية. ومن خلال هذا المنحى فقط نستطيع أن نخلق النص البصري. وهذا يعني أن تخلق صورة هذه الحركة، أو صورة هذا النص البصري التي يكون لها مكانتها في فضاء العرض المسرحي، وأنا لا أفصل طلاقاً بين النص والفضاء، أو بين النص الكتابي والكتابة أو القراءة البصرية الفضائية للمخرج والتي تحول النص الأدبي إلى نص بصري. هذه اللغة البصرية مهمة جداً، ويعمل عليها الآن كثير من المخرجين مثل المخرج الأمريكي روبرت ولسون، وبيتر بروك وغيرهم. هؤلاء المخرجون يمتلكون القدرة على الرؤية لذلك الشيء اللامرئي وإخراجه بطريقة مدهشة. إن عملية خلق النص البصري هي إزالة الحجاب عن الكلمة وتخليها عن خشونتها الأدبية. فميرهولد يقول: ( إن بوشكين كان يعرف جيداً مهمات المخرج لهذا فإن نصه ينتمي إلى العرض أكثر من انتمائه إلى الأدب ). فثمة رسم للخطوات المستقبلية للمسرحية، وهذا ما يجب أن يتوفر عليه الكاتب المسرحي المبدع.
• هل مارست القراءة أو الكتابة الإخراجية في أثناء إخراجك لبعض مسرحيات بريخت وشكسبير؟ هل تلاعبت بهذه النصوص؟ وهل تعتقد أنها كانت نصوصاً أدبية أم نصوصاً مسرحية؟

- أنت تطرح في هذا السؤال قضية مهمة جداً لها علاقة بما يقوم به بعض المخرجين عندما يقوموا بعملية تهشيم النص أو تهديمه. أنا أعتقد أن هذا التهديم أو التشويه أو الحذف غير المدروس هو عمل فيه جهل كبير. إن لكل مخرج الحق في أن يقوم ببعض التغييرات الضرورية التي تفيد بناء النص، وأنا أرفض الاعتداء على المؤلف أو ممارسة نوع من الدكتاتورية معه. إذا كان المخرج واعياً فأنه سوف يلجأ إلى التغييرات التي تعمق من فكرة النص بصرياً . بالنسبة لي القراءة البصرية مهمة جداً، وهذه القراءة تكمن خلف النص، وخلف الحوار، وخلف الحدث. أنا كمخرج يجب أن أمتلك نصي الخاص الموازي أو المتداخل مع النص الأدبي. ضمن وسائل العرض المسرحي، ليس الحدث هو المهم عندي، وإنما المهم هو خلق اللغة الموازية للحدث أو للفعل أو للنص الأدبي. وهذا الأمر كان واضحاً جداً بالنسبة لي في مسرحية ( الرحلة الضوئية ) التي عملتها في كوبنهاكن مع المسرح الدانماركي، لكنني كتبت النص بطريقة لها علاقة باللغة البصرية. ثم أن وظيفة الأشياء في الفضاء المسرحي تتغير عما هي عليه في الواقع، وتصبح لها وظائف جديدة لها علاقة بالزمن الميتافيزيقي أو بالفضاء الإبداعي. وهذا الأمر له علاقة بالرؤية الإخراجية. فالرؤية الإخراجية هي كتابة بصرية معاصرة للعرض والنص.

• لماذا تركز في دراساتك وأبحاثك على الطقوس الدينية الموجودة في العراق ، وبالذات الطقس الكربلائي؟ وهل تعيد قراءة هذه الطقوس قراءة معاصرة على الرغم من التقادم الزمني لهذه الواقعة المأساوية؟

- ليس المهم في العرض المسرحي هو إعادة التعازي كما كانت عليه سابقا، وإنما أخذ تلك الوسائل واللغات والعناصر المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمسرح، لأن المسرح هو طقس أيضاً. هناك شيئان مهمان في هذا الطقس، وهما الإيقاع والجو. إن إيقاع الحدث العنيف والسريع والمتنوع الموجود في التعازي له علاقة كبيرة بالمسرح. والإيقاع هو جوهر المسرح. وإذا استطعنا ن نقتنص الإيقاع من التعازي فإن العرض المسرحي سوف يكون أكثر حيوية. أما الجو الموجود في التعازي فهو جو ميثيولوجي وطقوسي. تخيل أنت الرايات الملونة والحركات العنيفة والموسيقى الصاخبة والهواجس الدفينة والكم الهائل من البشر. هذا جو خاص لا يتكرر إلا في مناسبة واحدة في السنة. إنه باختصار جو طقوسي. هل يلطم الجمهور لأنه خذل قائده. إن  اللطم والندب وتعذيب الذات هي عمليات تطهير. وهذه العملية التطهيرية ممكن أن تنعكس على أي مشكلة معاصرة، وليس بالضرورة أن تكون هذه المشكلة دينية أو مقدسة. في مسرحية ( مساء الخير أيها السيد فان خوخ ) كان الممثل يستخدم اللطم الحسيني، ولكن بطريقة فنية جمالية، إذ أفدت من مدرب الحركة الذي كان معي في العمل. الممثل في مسرحية ( فان خوخ ) كان يلطم لأنه لم يعد قادراً على تحويل اللون الأصفر إلى ضوء لإنارة الإنسان الآخر، وهذه هي مشكلة فان خوخ. أما الناس الذين يقتنون أعمال خوخ حالياً فهم كأنما يقومون بعملية تطهير لذواتهم التي تجاهلت خوخ في حياته، ولم تشترِ منه أي لوحة. في مسرحية ( الكراسي ) ليوجين يونسكو، تخلت الكراسي عن واقعيتها  وتحولت إلى مصائر بشرية تنتظر. فالشخصيتان في هذه المسرحية قد يكونا مجنونين وقد يكونا أكثر وعياً منا يلقون وصيتهم لإنقاذ العالم فتتحول الكراسي إلى بشر. إذاً، في مسرحيتي ( فان خوخ ) و ( الرحلة الضوئية ) تخلت الأشياء عن وظائفها الواقعية وأصبحت لها وظائف إبداعية. فحوض الاستحمام يتحول إلى قبر وتابوت وقيامة جديدة، وهنا تكمن ديناميكية الوعي الإخراجي. مسرحية خوخ ليست عن حياته، وإنما عن ذلك الوجد الذي أقلق خوخ وحوله إلى هذا الشكل الذي نعرفه بحيث كان همه الوحيد هو أن يرسم تلك اللوحة غير المرئية التي يمكن أن تضيف شيئاً من النور داخل الإنسان. وعندما أقول المشكلة التي أقلقته فإنما أعني المشكلة التي أقلقتنا أيضاً لأننا نعيش في مجتمع لا يفهم الفنان حتى في الوقت الحاضر. إن التناقض والتصادم بين الفنان والمجتمع موجود على مرّ العصور. إن خوخ هو ضحية حقيقية لعنف المجتمع البشري الذي يمارس نوعاً من التطهير من خلال شراء لوحاته بأغلى الأثمان ولكن بعد فوات الأوان، لأنه لم يبع في حياته سوى لوحة واحدة بثمن بخس.

• كيف ينظر الدكتور فاضل السوداني إلى التجريب؟ وأين تكمن خطورته؟

- تكمن خطورة التجريب إذا أستخدم استخداماً غير واعٍ، لأنه إما أن يتحول إلى فوضى منظمة تخلق الكثير من الإلتباسات الفكرية المستقبلية أو أنه يصب في تشكيل مستقبل المسرح العربي والعالمي، وبالتأكيد هذا يعتمد على منهج وأسلوب وهدف الفنان سواء كان مخرجاً أم مؤلفاً أم ممثلاً أم ناقداً. التجريب قضية ملحة وضرورية ما دامت الحياة في حالة من الديناميكية والتجدد، فضلاً عن المتغيرات الحياتية التي تنحو نحو التجريد، ونحو تشيؤ الإنسان، وهو تشيؤ للفكر في حقيقة الأمر، حيث يتحول الفكر للاهتمام بالأشياء الثانوية، لكن المسرح لا يمكن أن يكون مسرحاً إلا إذا ناقش الموضوعات المصيرية التي تمس جوهر الحياة. لهذا فبالنسبة للمسرح العربي يجب أن تتم إعادة نظر لكل مفردات الثقافة والفكر بما يتناسب مع تطور العصر على اعتبار أن المسرح يعتمد ديناميكية العلاقة بين البشر أنفسهم ( فنانين وجمهوراً ). المسرح يتطلب بالضرورة أن تكون هناك إعادة صياغة لتلك المفردات التي تتكون منها العملية الفنية، وأن تشمل إعادة الصياغة تلك ( النص المسرحي ) ليتحول إلى نص بصري رؤيوي ما دام المنحى البصري هو الذي يؤثر أكثر من أي شيء آخر. ويجب أن يشمل هذا التغيير الرؤية الإخراجية، وتغير العلاقة بين الجمهور والعملية الفنية بحيث يتحول الجمهور من جمهور متلق إلى جمهور متفاعل لسبب بسيط هو أن العالم ينحو منحى بصرياً، والتأثير على البصر هو في الوقت ذاته تأثير على البصيرة. إن التأثير البصري هدفه إنتاج معنى جديد للحياة، وبما أن المسرح له علاقة منذ البدء بالسيمولوجيا ( علم الدلالات والإشارات والرموز ) فيجب ألا يعتمد على النص الأدبي ( ذي الوسائل الأدبية ). بمعنى أن العرض لا يعتمد فقط على الكلمة كوسيلة وحيدة للحكي لتلقي المعنى، وهذا يتطلب أن يكتب النص ليس للقراءة، وإنما للمشاهدة. وهذا يتطلب من المشاهد في الوقت ذاته أن يمتلك صناعته التأليفية، وعليه أن يرى حجم الأحداث والفعل والإيقاع العام للأحداث، وأن يرى ويقيس حجمها ليس على الورق، وإنما على خشبة المسرح، وهذا يعني أن يمتلك المعرفة بقوانين العرض المسرحي على خشبة المسرح.

* هل لك أن تتحدث لنا عن مفهوم البعد الرابع الذي شغلك طويلاً؟

- تحدث ( آرتو ) عن الزمن الميتافيزيقي، وعن الإخراج الميتافيزيقي. وفي واقع الأمر فالزمن يتكون من ثلاثة أبعاد: الماضي والحاضر والمستقبل، والزمن الإبداعي يشكل بعداً رابعاً، وبهذا البعد الرابع تتكون رؤية المخرج. وهذا يحتم علينا نصاً رؤيوياً إضافة إلى رؤية إخراجية بصرية تفرض ألا يعالج النص المسرحي أو العرض المسرحي ماضي وحاضر الإنسان فقط، وإنما يجب أن يتحدث عن مستقبل الإنسان، وهذا يحتم بالضرورة تغير العلاقة القائمة بين المتفرج والعملية الفنية أو الفنان. المسرح لا يقبل المتفرج الساكن، وإنما على المتفرج أن يكون ليس فقط مفكراً، وإنما عليه فهم البعاد السيمولوجية والرموز والإشارات التي تصدرها الرؤية الإخراجية والنص المسرحي البصري. وهذا يتطلب أن يتحول المتفرج إلى متفاعل. ولقد عمل الكثير من المخرجين الأوربيين على هذا المسرح والذي يعرف بمسرح الصورة، ومن بينهم بيتر بروك وجوزيف شاينا وكانتور وبينا باوش وباربا وغروتوفسكي وروبرت ولسون. أما في المنطقة العربية فهناك في مصر إنتصار عبد الفتاح وفي العراق د. صلاح القصب، وفي تونس هناك محمد أدريس وفاضل الجعايبي وحسن المؤذن وعزالدين قنون وغيرهم. 



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائية السورية حسيبة عبد الرحمن ل - الحوار المتمدن
- جاذبية المخيّلة الجمالية وبنية النص بوصفة ( وثيقة نفسية ) في ...
- الروائي نجم والي يتحدث لـ(الحوار المتمدن) الكاتب ليس كائناً ...
- إحتجاجاً على الموقف المتخرّص، والمدلّس لإتحاد الأدباء والكتا ...
- الشاعر السوري حسين حبش لـ - الحوار المتمدن
- الشاعر محمد أمين بنجويني لـ - الحوار المتمدن
- فحيح النزوات المنفلتة
- ذاكرة الأسلاف
- المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن
- هواجس عمياء
- مشروع ترجمة قصص عراقية إلى اللغة الهولندية
- الشاعر غيلان ل - الحوار المتمدن
- المغنية والملحنة العراقية إنعام والي ل ( بلاد الرافدين )- لا ...
- الشاعر سركون بولص ل - الحوار المتمدن
- المخرج فؤاد جلال في إطلالته الجديدة. . من البنفسجي إلى الأسو ...
- محمد الأمين في ديوانه الأول - فوانيس عاطلة أيامه -. . . صور ...
- قصائد باسم فرات. . . بين تقنية النص المفتوح وبنية التبئير
- تمظهرات الجانب الديونيسي في تجربة الفنان علي طالب: وجوه تتفا ...
- الفنان ستار كاووش في معرضة الشخصي الثالث عشر: بين التكعيبية ...
- علامات - في عددها الأول . . شجرة واحدة لا تصنع ربيعاً، ونجمة ...


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - حوار مع المخرج د. فاضل السوداني