أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فحيح النزوات المنفلتة















المزيد.....

فحيح النزوات المنفلتة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 695 - 2003 / 12 / 27 - 07:33
المحور: الادب والفن
    


كلما هبط الليل تعالت في روحه صرخات وحشية كان يكتمها بقوة خشية أن تتفجر الفضيحة، ويُسمَع دوّيها في كل مكان. والفضيحة ناقوس يرّن دونما سابق إنذار. كان الصبي الصغير طارق رشيد أكبر من سنّه بكثير، وعِلّته الوحيدة أنه يفكّر كثيراً، ومنْ يفكّر كثيراً لا يستطع أن يفعل إلاّ القليل. كلما سمع طارق هزيم الرعد، ووميض البرق، هطلت على قلبه أمطار الخيانة الدبقة، وتذكر والده المُعدم الذي يذهب كل يوم إلى عمله الليلي، وهو يتوكأ على عكازته العتيدة، لكي يحرس البناية التي لم تكتمل بعد، خوفاً من أن تمتد أيدي اللصوص إلى المواد الإنشائية المكدسة في عتمة الليل التي تغري المجازفين، والمغامرين الذين يضعون أرواحهم على أكفهم وهم يقتربون من خيمة رشيد كسنزاني التي يضيؤها فانوس لم تطفئه رياح الشتاء المجنونة في مضارب مدينة خانقين. صار رذاذ المطر الجميل الذي كان يحبه طارق في طفولته عذاباً لا يُطاق، بل أن وميض البرق قد أصبح فعلاً تمهيدياً للخيانة، والابتذال الجنسي الذي تمارسه أمه الداعرة مع عمه العتّال الذي يأتي كل يوم مُجهداً حد الإعياء بعد انتهاء الدوام الرسمي من الثكنة العسكرية ليتناول طعام الغذاء الذي تعدّه أمه صبرية بعناية كبيرة، ثم يذهب بعدها إلى بيته الذي لا يبعد سوى بضع خطوات عن منزل أخيه لكي ينام قرابة ساعة أو اثنتين. وبعد أن يستفيق يرتدي ملابسه الأنيقة، ويخرج إلى مقهاه المفضل حيث يلعب الدومينو مع صديقه السمكري أبو عادل، وحينما تهبط أول خيوط الليل السوداء، يذهب إلى حانة المدينة، يشرب ربع العرق على عجل حيناً، أو قد يتأخر إلى الهزيع الأخير من الليل حيناً آخر، ثم يعود إلى منزل أخيه غير الشقيق رشيد كسنزاني الذي يكون قد غادر إلى خيمته تاركاً صبرية مثل قطة شبقة تنتظر هذا العتّال، مولود، الذي نعته سكّان الحي بـ " مولود دَردْ ودِل " أي الذي " يحمل قهره في قلبة "، كما كان يحمل غمّاً وحزناً مستديمين إثر فرار زوجته ﮔُلْبهار مع عشيقها إلى طهران. كان نساء حي الحميدية قد أشعْنَ بين أزقته بأن رشيد كسنزاني بارد جنسياً، وقد تمادى البعض منهن حينما قُلنَ بأنه " ليس خيّالاً لهذه الفرس الجموح التي تصهل فيها رغبات الشهوة بشكل مستديم. ". لقد تسللت صبرية مرات كثيرة إلى منزل الساحر المُشعوِذ الملا أنور ولكن من دون فائدة تذكر، إذ لم تنفع مع بروده الجنسي عشرات الحًجب، والأدعية، والحرز التي صنعها الملا أنور. ذات ليلة تأخر " مولود درد ودِل " في العودة من خمارة المدينة. كان ثملاً، ومنتشياً، ويبدو أنه قد أركن همومه جانباً، ولعله نسيها على طاولة الشراب المحاذية لحافة نهر الوند الذي يجري وئيداً صوب الحقول الغربية للمدينة. كانت الريح تعْوِل وهي تمزّق استار الليل، والبرق يلمع في سماء المدينة المكفهرة التي تكاثفت فيها الغيوم بشكل لم تألفه من قبل، حتى أن مولوداً الذي عاد لوحده كان يشق جبال الغيوم الهشّة التي هبطت على أرصفة المدينة، وشوارعها، ودروبها الضيقة. الرعد لم يكن يهدر في الآفاق البعيدة، وإنما كان يتفجر في رأس طارق رشيد الذي يرى كما يرى الحالم في نومه اصابع عمه وهي تنهش في جسد أمه البض. هل هي اضغاث أحلام، أم مخلفات نوم قلق، أم حقائق دامغة لا يريد أن يصدّقها هذا الصبي الذي بدأت تنسحق أعصابة مذ راودته هذه الشكوك التي تقترب من الحقيقة، وتتداخل فيها إلى حد التشويش الذي يفضي به إلى قسوة العماء. كان مولود يردد في قلب الليل الموحش أغانٍ عاطفية مفضوحة، يحوّر بعضها أحياناً لكي تتناسب مع مزاجه الإيروسي إلى الحد الذي بات فيه سكان الحي يعرفون أغانيه المحوّرة عن ظهر قلب، بل أن بعض طالبات المدرسة كنَّ يخبئن وجوههن خجلاً منه حينما يصادفنه على قارعة الطريق. طرق مولود الباب فاستفاقت في ذهن طارق أفاعي الشك، والوجل. لم يكن طارق نائماً، أو حالماً، أو ضائعاً بين الشك واليقين. كان مستيقظاً تماماً، ومتنبهاً وكأنه سقط لتوه في حوض ماء بارد. تلاشت مفردات الأغنية الأخيرة على شفتي مولود وهو يدخل الغرفة الوحيدة التي ينام فيها طارق، وأخته الصغيرة أحلام، وأمه صبرية التي لم تجتز عامها الخامس والثلاثين بعد. كان طارق ينام على حافة السرير الكبير الذي تشاركه فيه أخته الصغيرة أحلام، بينما كانت أمه تتمدد على فراش قطني دافئ أسفل السرير لا يبعد عنه أكثر من مترين! بينما كان رشيد كسنزاني يعاني في هذه اللحظة بالذات من برد قارص لم يشعر به من قبل. جلس مولود على الفراش القطني، وقد اسند ظهره إلى الحائط متكئاً على وسادتين كبيرتين. كان يلتهم جسد صبرية بنظراته الشرهة. فكؤوس الخمرة التي يرتشفها يومياً عند حافة الوند تفجّر فيه كل النزوات المكبوتة، مثلما تستفز فيه المخيلة التي باتت تتفتق عن أفكار غريزية في أوضاع المتع الحسية الراكسة في أعماق الذهن البشري منذ بدء الخليقة. أزاح فستانها الليلي الأحمر فبانت استدارة الساقين، ثم دفعه قليلاً إلى الأعلى بحركة بطيئة فانكشف عن بياض حليبي خاطف بدأ يتلألأ تحت ضياء المصباح المتوهج الذي يبدد عتمة الغرفة الوحيدة التي تستطيع أن تصمد أمام هذا الليل الملفّع بتعاويذ الخطيئة. كان طارق يتلصص بعينين مبهورتين على هذا البياض المشع الذي يشبه بريق الأحجار الكريمة. بينما كان مولود يهمس في أذن صبرية بكلمات طلّسمية لم تفهم معناها أول الأمر، لكن غريزة الأنثى أرشدتها إلى صندوق أسراره الملئ بالعجائب الإيروسية. أوشك طارق أن يشق قلب الليل بصرخة مدوّية وهو يرى رأس أمه يصعد وينزل بحركة منتظمة بين فخذي عمه وهو يطلق التأوهات التي تتصاعد حدتها شيئاً فشيئاً، لكن طارقاً كان يعود إلى قوقعة عجزه، ويلوذ بمحنته خشية من هذه الفضيحة المؤجلة التي قد لايصدقها أحد إذا ما اندلعت على حين فجأة. كان طارق قد سأل المعلم ذات مرة في درس الدين عن معنى " غشيان المحارم " وقد ظل المعلم يوضح أبعاد هذه " الفعلة النكراء " التي تهتز لها الأرض، وتتصدع بسببها السماء على حد قوله. ومنذ تلك اللحظة أدرك طارق أن عمه غير الشقيق إنما يغشي المحارم، وينتهكها من دون أن يرف له جفن، بل أنه يتفنن بها، ويكتشف كل يوم أشياء جديدة لم تخطر ببال رجال الحي ونسائه. وقد قيل في الآونة الأخيرة أنه حصل على مجموعة من الأفلام الإيروسية التي كان يراها في منزلة بصحبة صديقه الوحيد، وكاتم أسراره ابو عادل، ولكن ما لا يعرفه مولود أن الآهات كانت تتسرب عبر آجر الجدران إلى مسامع جيرانه الذين لم يروا شبح امرأة ما تلج إلى بيته، ومع ذلك فإنهم كانوا يسمعون أصواتاً نسائية متأوهة كل ليلة تقطع شكهم باليقين. أوشكت صبرية أن تتعرى تماماً بعد أن قلع مولود في لحظة شبقية معتوهة فستانها الليلي الأحمر الذي ترتديه خصيصاً له كل ليلة. وقبل أن يتفجر بركان شهوته طلب منها أن تتوقف قليلاً ريثما يلتقط أنفاسه اللاهثة. فكَّ زنار مشدّة الصدر السوداء، فبان النهدان النافران اللذان تتوق حَلَمتاهما إلى أصابع مولود وأسنانه، وشفتيه الجائعتين. كان طارق يتحرك تحت الغطاء الثقيل موسعاً الفتحة التي يتلصص من خلالها، وكان يرى كل شيء بأم عينه، لكنه كان أعجز من بعوضة لا تمتلك سوى أن تؤرق المكان بطنينها المزعج، بينما كان " مولود درد ودِل " يتمرغ فوق البياض الآسر الذي انتزع منه صمامات الأمان فتفجرت براكين اللذة التي غمرت البيت الآيل للسقوط، وامتدت إلى حي الحميدية برمته، واجتاحت الخيمة التي يلوذ بها رشيد كسنزاني الغارق في غفلته. في الصباح، قبل أن يغادر طارق إلى المدرسة وجدت أمه صندوق أسرارها الصغير مفتوحاً، بينما تبعثرت حاجياتها على ذات السرير الذي كان ينام عليه هو وأخته الصغيرة أحلام. أعادت حاجياتها إلى الصندوق الصغير الذي أهداه لها رشيد كسنزاني في أولى أيام شهر العسل لتخبئ فيه مصاغها الذهبي، وبعض أشيائها الثمينة. لم تستغرب صبرية حينما وجدت صورة مولود ممزقة بطريقة عنيفة، منفعلة، إلى أجزاء صغيرة غطت المساحة القلقة التي كان ينام عليها طارق وهو يرى بعينين مفتوحتين همهمات الشبق التي تتصاعد إلى منتصف الليل كلما أبرقت السماء، وأرعدت، لتهطل على قلبه أمطار موحشة، لزجة، هُلامية لا تذكّره بخيانة أمه حسب، وإنما تضعه في قلب الدوّامة التي أسماها مُعلِّم الدين بـ " غَشيان المحارم " التي قذفته صوب الحدود الإيرانية المقفرة كي يتخلص من لعنة الأصوات التي تدمدم في جوف رأسه المُنهَك مثل قرع الطبول، ولكي لا يسمع ناقوسَ الفضيحة الذي أوشك أن يرّن في سماء الحميدية كلما تعالت الآهات المتسربة إلى الآذان المتلصصة التي تصيخ السمع إلى منزل الحارس الليلي الذي تقوّضَ تماماً إثر غياب الولد المحزون قبل انتهاء العاصفة الهوجاء، وعودة الأب الضال الذي لم يتقن حراسة جسد، بض، ثمين، كان يسكنه فحيح النزوات المنفلتة.  



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الأسلاف
- المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن
- هواجس عمياء
- مشروع ترجمة قصص عراقية إلى اللغة الهولندية
- الشاعر غيلان ل - الحوار المتمدن
- المغنية والملحنة العراقية إنعام والي ل ( بلاد الرافدين )- لا ...
- الشاعر سركون بولص ل - الحوار المتمدن
- المخرج فؤاد جلال في إطلالته الجديدة. . من البنفسجي إلى الأسو ...
- محمد الأمين في ديوانه الأول - فوانيس عاطلة أيامه -. . . صور ...
- قصائد باسم فرات. . . بين تقنية النص المفتوح وبنية التبئير
- تمظهرات الجانب الديونيسي في تجربة الفنان علي طالب: وجوه تتفا ...
- الفنان ستار كاووش في معرضة الشخصي الثالث عشر: بين التكعيبية ...
- علامات - في عددها الأول . . شجرة واحدة لا تصنع ربيعاً، ونجمة ...
- ما مصير النساء الكرديات اللواتي أُجْبِرنَ من قبل النظام البا ...
- ندوة ثقافية عن مجلة - أحداق - في إطلالتها الأولى
- أحداق - فضاء للمخيلة المجنّحة، ومنبر لصياغة الخطاب الجمالي م ...
- مهرجان روتردام للفيلم العربي
- اجتماع الناصرية وردود فعل الشارع العراقي
- تداعيات إشهار الورقة الصفراء بوجه اللاعب السوري
- مساقط ضوئية تعري الوجوه المشتعلة بالرغبات السريّة


المزيد.....




- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فحيح النزوات المنفلتة