أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - المغنية والملحنة العراقية إنعام والي ل ( بلاد الرافدين )- لا أشعر بصعوبة في تلحين أي عمل شعراً أو نثراً















المزيد.....


المغنية والملحنة العراقية إنعام والي ل ( بلاد الرافدين )- لا أشعر بصعوبة في تلحين أي عمل شعراً أو نثراً


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 691 - 2003 / 12 / 23 - 04:15
المحور: مقابلات و حوارات
    


حاورها: عدنان حسين أحمد/ أمستردام 
تنتمي الفنانة إنعام والي ( إنعام البطاط سابقاً ) إلى أسرة فنية، فأخوها محمد علي عباس هو عازف كمان صولو محترف، وموزع موسيقي معروف، وهي ممثلة مسرحية بارعة تألقت في عدد من الأعمال المسرحية المهمة مثل ( الإنسان الطيب ) لبريشت، و ( ترنيمة الكرسي الهزّاز ) لفاروق محمد، و ( دزدمونة ) للشاعر يوسف الصائغ. وقد أصرّت منذ بداية مشوارها الفني على تأدية الأدوار التجريبية الجادة. ولابد من الإشارة إلى أن الهاجس الأساسي للفنانة إنعام والي كان الغناء والتلحين، لكنها أجلت هذا الهاجس الملحاح لأكثر من ثلاث عشرة سنة على الرغم من أنها كانت تغني في أعمالها المسرحية، بل أن كل أغاني مسرحية ( ترنيمة الكرسي الهزاز ) كانت من تلحينها. وهذا سر لم يكن يعرفه إلا المقربون من الفنانة منها. بعد مغادرتها العراق واستقرارها في ألمانيا. قدمت العديد من الأعمال الفنية، وربما تكون مشاركتها في فيلم ( Ostseebad ) للمخرج الألماني المعروف تيزة كلان هي الحدث الفني الأبرز في مضمار حياتها السينمائية. بعد ذلك قررت الفنانة إنعام والي أن تواصل دراستها في جامعة هامبورغ حيث تدرس الآن علم الصوت والموسيقى والغناء. وقد حققت أسطوانتها الأولى نجاحاً كبيراً، إذ نالت إعجاب الكثير من الفنانين والنقاد الموسيقيين. تتضمن هذه الأسطوانة المعنونة الحمامة ( La paloma ) عشر أغانٍ من تلحينها وغنائها لشعراء عرب وأجانب، ومن بين هذه الأغاني ( بدأ الحب غريباً ) لنوري الجراح، و ( أيام ) لهاشم شفيق، و ( بيغ بانغ ) لسلوى نعيمي، و ( الحمامة ) لروفائيل ألبرتي ). وسوف تظهر لها أسطوانة جديدة بعنوان ( اسمع أغنيتي ) وفيها قصائد للجواهري وابن زريق البغدادي ولعدد من شعراء الحداثة. كما تتهيأ لتقديم كونسرتين كبيرين خلال الأشهر القليلة القادمة. وللتعرف على تجربتها الفنية في التمثيل والغناء والتلحين إلتقيناها ودار بيننا الحوار التالي:

• هل تعتقدين أن شرارة تعلّقك بالموسيقى قد قدحتها مُدرّسة الموسيقى في أثناء فترة الدراسة في الكويت، أم أن هذا الهاجس الفني قد كان ثاوياً في أعماقك منذ الطفولة كخزين فني ومعرفي مُتوارث ينطوي على شيء من السرّية والغموض الذي يستحق البحث والدراسة؟
- إن تعلقي بالموسيقى في فترة الدراسة الابتدائية في الكويت كان أمراً طبيعياً. أعني بذلك أنني كنت أغني وأنا صغيرة مثلما كنت آكل وأشرب وألعب الرياضة، الأمر الذي كان يُدهش الآخرين، ولم يكن بالنسبة لي كذلك. كنت أرى إندهاش معلمة الموسيقى عندما كنت أغني وهي تصيح ( يا له من صوت، هذا الذي تملكين ). كنت أغني كل شيء أسمعه، كل أغنية لرجل كانت أم لامرأة. لهذا كان اهتمام معلمة الموسيقى بي في درس الموسيقى كبيراً. كانت تُسمعني كثيراً من الموسيقى الكلاسيكية الغربية. أتذكّر جيداً بعض مقاطع من موسيقى بتهوفن، جايكوفسكي، وموتزارت، وأتذكر حتى شكل الصف الخاص بالموسيقى. لقد كان لهذه المعلمة أثرها الواضح في توجيهي، إذ كانت تحاول تدريبي على ( الصولفيج ) بترديدي الجمل الموسيقية ذاتها التي أسمعها من السمفونيات وكأنها كانت تعرف ماذا كنت سأريد أن أفعل في المستقبل! واستمر ولعي بسماع موسيقى الكلاسيك حيث كنت أزور كل حفلات موسيقى الفرقة السمفونية العراقية مع أخي عازف الكمان ( الصولسيت ) محمد علي عباس، أما معلمتي فلم تكن هي من خطط لأن أكون منْ أكون، ولا يمكن لها، ولا لغيرها من الناس حتى من ذوي الاختصاص أن يفعلوا ذلك. إذ أن الفنان الحقيقي هو فنان في أصله، وكل ما حول ذلك قد يساعد في ترتيب الأمر الفني، وليس خلقه. إذ نسمع غالباً، خصوصاً عند العرب، في العصر الحديث، أن الملحن ذاك هو الذي اكتشف أو صنع المغنية تلك. . . الخ وهذا في الحقيقة ليس له صحة، فلو أخذت الأمر على وجه دقته لوجدت أن المعنية تلك ( مثلاً ) لولا صوتها الجميل، وليكن المقتدر، لما كانت الألحان والأغاني ذات شأن. ومن المؤسف أننا في كل الدول العربية لا نملك ذوي الاختصاص في النقد الموسيقي، وتحليل الموسيقى إلا في النادر. إذ يأتيك من هبّ ودب ليكتب في شيء لا يفهمه سوى أنه يحفظ بعض المصطلحات، وله يد تصل إلى صفحات الجرائد والمجلات. ومن المؤسف أن بعض الصحف والمجلات تسمح لمثل هؤلاء بأن ينشروا ما يريدون به تصفية حساب معين، أو موقف ما. المهم أن يكونوا ضدك، ويقيموا التجارب الفنية رغم جهلهم بالأسس التي اعتمدت عليها تلك التجارب الفنية. إن عملي في الموسيقى منذ ما يقارب السنتين يتركز على تأسيس اتجاه جديد في الغناء العربي الذي ربما سيواجه إطراءً شديداً، أو ربما العكس مما أجده طبيعياً أن يحدث. وتجربتي هذه هي خزين فني ومعرفي يظهر الآن بتركيز عالي المستوى.

 
• عندما قدّمتِ أوراقك لأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، لماذا اخترت دراسة فن التمثيل، ونحّيتِ جانباً اهتمامك الأول بالموسيقى والغناء؟ وهل تعتقدين أن ضيق أفق الغناء في العراق هو سبب كافٍ لتخليكِ عن هذا الهاجس لسنوات طوال؟

- أنا لم أقدّم أوراقي لأكاديمية الفنون الجميلة، بل كانت في لآخر قائمة الاختيار بالنسبة لي، إذ كنت أود دراسة الترجمة، حتى أنني كنت بكيت طويلاً لعدم حصولي على مقعد دراسي في كلية الآداب، إذ مُنحتْ في تلك السنة ( 10 ) درجات على المعدل العام لذوي الشهداء رغم أن معدلي العام كان ( 72 ) الفرع الأدبي وهو معدل جيد، ولكن صعود المعدلات الأخرى لذوي الشهداء فوّت عليّ تلك الفرصة. ثم قبلت بالأمر الواقع، وذهبت لاختيار قسم التمثيل الذي اجتزت الاختبار فيه بدرجة الأولى. كنت أحب التمثيل، وزاد حبي له بعد أن عملت في المسرح. أما الغناء فقد ضمّنته في المسرح، ولم أجرؤ على خوض هذا المجال، إذ أن من الواضح والصريح للجميع هناك أن كل مغني ومغنية ملزم بإطراء الحاكم صدام حسين وحكمه وحزبه والغناء لهم، وهذا ما لم ولن أفعله ليس لصدام حسين وحده حسب، وإنما لأي حاكم أو دكتاتور على وجه الخليقة حتى لو كلفني حياتي، ناهيك عن الأسباب الاجتماعية والفنية الأخرى التي تضيّق على الفنانة الجادة أفق فنها وإنسانيتها، فلقد تخليتُ، بل صرت أصيغ الحيل للهروب من أي عرض يقدّم لي في هذا المجال. وقد قدّم أغلب الملحنين المعروفين هناك عروضاً مغرية ولم أقبل. أحدهم كان يستغرب رفضي لأنه قال لي مرة: ( بصوتك الرائع هذا تستطيعين أن تصبحي مليونيرة في سنة واحدة، كافي بهذلة المسرح ). كنت أدرك ما قاله، حيث كان المطربون يجمعون الأموال من أعمالهم الاطرائية، وحفلاتهم الليلية في الفنادق التي يرتادها التكارتة.

• في المسرح قدّمتِ أعمالاً فنية جادة وناجحة مثل ( الإنسان الطيب ) لبريشت، و ( ترنيمة الكرسي الهزاز ) لفاروق محمد، و ( دزدمونة ) من تأليف الشاعر يوسف الصائغ، وحصدتِ جوائز كثيرة. ما هي الأسباب التي دفعتكِ لمغادرة خشبة المسرح إلى الغناء والتلحين؟ هل هو الوفاء لموهبة الغناء التي تفجرت في أعماقكِ منذ وقت مبكر، أم أن هناك أسباباً أخرى؟

- لقد كرّست سنيناً طوال من عمري ( قدّيسة على المسرح ) كما كُتب عني بهذا الوصف الصميمي الذي أعتز به في إحدى المقلات. كنت مخلصة ومجتهدة جداً في عملي. أحمل أعلى درجات الالتزام. لم تكن تعنيني المادة سوى لتوفير حاجتي. كنت أعمل أحياناً في ثلاث أعمال مسرحية في آن واحد، ومن دون أي أجر. المهم أكون على المسرح في أصعب الأدوار. كانت هذه متعتي الخالصة. كنت أتضايق من بعض المخرجين الذين لا يفهمون شيئاً، ويظهرون لك عضلاتهم ( البوش ): خطأي أنني كنت أحتمل ذلك، أما الآن فبودي أن أرمي ببعضهم من الشباك خارج خارطة الأرض. المسرح بعيداً عن هؤلاء هو أجمل مكان لي في العالم. هو الحياة ونبضها بالنسبة لي. أما أنني الآن أتوجه للغناء والتلحين، لأنه المجال الأكثر حرية من غيره، والذي أختار فيه بنفسي كل ما يتعلق بالتجربة وخوضها، طالما عندي صوتي والقدرة على تلحين أغاني بنفسي، ومساندة أخي المايسترو محمد علي عباس في توزيع العمل بطريقته المتفردة والتي كنت أؤمن بها منذ زمن بعيد. هناك تواصل بيني وبينه جذوره عميقة ولا تحتاج التحسين أو التعديل، فها هو يبدع في جمال موسيقاه مع ألحاني وصوتي. إنني في غمرة مسؤولية جديدة، تثقلني شيئاً فشيئاً، بكبر أهميتها. أنا لا أغني حسب، أنني أدخل في تأسيس نموذج فني جديد في الغناء العربي. المهندس والمخطط لفكرة العمل في هذا الاتجاه والذي قدح شرارة البدء في هذا العمل هو زوجي الصحفي والروائي المعروف نجم والي، والذي أرغمني بطريقته الفذة للدخول إلى عالمي الجديد هذا أنه مؤمن بأنني سأفعل شيئاً مهماً مما يدفعني ويحفزني أن أعمل بلا هوادة. إنني قلقة الوقت كله، سامحك الله ( يا نجم ). نجم يرصد عملي ويتابعه منذ بدايته، وفي كل لحظاته ودقائقه حتى اللانهاية، فهو لا يريد أن يتعب.

• هل تعتقدين أن نجاح مسرحية ( ترنيمة الكرسي الهزّاز ) كان يعتمد بالدرجة الأولى على المواصفات الفنية لمَلَكتكِ الصوتية التي تضع الحضور في دائرة الوجد والتطريب، أم أن حضوركِ كممثلة كان له دور مشابه في التأثير، والأخذ بزمام المتلقي؟

- لو أجبتك على هذا السؤال لدخلت في باب المديح والإطراء لنفسي، وهذا ما لا أستطيع ولا أحبه أبداً. أرجو المعذرة تستطيع أن تسأل من رأى العمل، ربما ستجد ذلك في المقالات الكثيرة التي كُتبت عنه.

• هل لكِ أن تتحدثي لنا عن دوركِ في الفيلم الألماني ( Ostseebad ) للمخرج المعروف تيزه كلان، وما هي اللمسات الفنية التي تركتها الفنانة إنعام والي على هذا الفيلم؟
- أما عن دوري في الفيلم الألماني ( Ostseebad ) للمخرج الألماني المعروف كيزة كلان فقد كنت مفاجأة العمل خلال أيام معدودة، إذ أن الدور الصغير الذي حصلت عليه في الفيلم أصبح كبيراً حيث ارتبك الممثل الرئيسي فيه أمامي والكاميرا تدور، فقد قمت بتعبير ارتجالي رقيق وصادق، كسر عليه حفظه الحوار الملقن عليه تلقيناً، ولم يكن يجرؤ على ارتجال ردود فعل معاكسة مفيدة مما أدى بالمخرج إلى حذف بعض مشاهده وتعويضها بمشاهدي. لقد كانت تجربة مهمة بالنسبة لي أحسست بقوتي أمام الطاقم الألماني كله والذي توجّه إليّ بعد التصوير ليبدي إعجابه الشديد بعملي وتميزي حيث اجتمعوا مساءً ليقرروا بأنني كنت أفضل من في الفيلم.

• تدرسين الآن في جامعة هامبورغ / قسم الدراسات الصوتية/ فرع الغناء. ما الذي سوف ننتظره منك بعد إتمام دراستك الجامعية؟ وهل تعتقدين أن هذا التخصص الدقيق سيساهم في تشذيب مساحتك الصوتية، المشذبة أصلاً والتي قد تقودكِ ذات يوم إلى الغناء الأوبرالي مثلاً؟
- إن دراستي في جامعة هامبورغ- قسم الدراسات الصوتية- تساعدني على تطوير وتأسيس اختصاص أعتبره مهماً في العالم بما يخص اللغات وحسن تلفظها وسلامتها من التأثيرات الخارجية البيئية والاجتماعية والفيزياوية . . الخ، وما يهمني أن أربط هذا العلم بجانبه المهم النطق السليم بفن الموسيقى والغناء حيث أن الاثنين يرتبطان بشكل أساسي وعلمي، إذ كيف على المغني أن يخرج صوتاً سليماً للحرف سواء كان في اللغة العربية الفصحى أو اللهجة المصرية أو العراقية. فلكل لغة نظام صوتي خاص بها والذي أبحث فيه من خلال دراستي لعلم أل ( Phonetik ) والعلوم الموسيقية، وليس في نيتي أن أغني الأوبرا بشكلها المعروف، ولكنني سأضمّن بعض جوانبها المهمة في عملي.

• حققت اسطوانتك الأولى  La Paloma ( الحمامة ) نجاحاً كبيراً. ما هي المعطيات التي سببت هذا النجاح. هل هي مواصفاتك الصوتية الجذابة التي تأسر السامع، أم الألحان الحلمية الناعمة التي تجعل المتلقي يحلق في منعرجات الخيال، أم هي القصائد المنتقاة بمختلف أشكالها الشعرية التي يستعصي بعضها على الغناء؟
- إن المعطيات التي سببت نجاح اسطوانتي الأولى ( La paloma ) هي كل ما منح لها من ثراء تجربة فنية وإنسانية عميقة وبعيدة في ذوات من عملوا فيها وأبدعوا عملهم.

• كيف طرأت على ذهنكِ فكرة التلحين؟ هل كانت تراودكِ مذ كنت تسمعين باخ وبتهوفن وموتزات وجايكوفسكي وفاغنر  وكورساكوف؟ أم أنها تولدت في أثناء دراستك لعلم الصوت والموسيقى والغناء في جامعة هامبورغ؟ وأين تضعين نفسك  ضمن قائمة الملحنات العربيات على قلتهن؟
- كنت ألحّن كل الأغاني التي قدمتها في المسرح. إن أغاني ( الترنيمة ) كلها من ألحاني وهذا ما لم أثبته كتابة اعتقاداً مني أن هذا أسلم لي  من ذلك العالم المرعب الذي كنت أعيشه في العراق. أما هنا حيث بدأت بتلحين الأغنية الأولى في الأسطوانة وهي قصيدة نثرية للشاعر الإسباني المعروف رافائيل ألبرتي، وكنت أسمعها كأغنية بالأسبانية أدارها لي نجم حيث جلسنا ذلك المساء، وكانت تغنيها المغنية الإسبانية الرائعة ( آنا بلين ) وقفزت إعجاباً بهذه الأغنية من دون أفهم معنى كلماتها، ليقوم نجم بترجمتها فوراً، ماداً يده بتلك الورقة قائلاً لي: ( تسطيعين أن تلحنيها وتغنيها من جديد. ما رأيك؟ ) فكرت قليلاً، ثم استمر بطلبه، مبدياً فكرة جديدة بأن يبدأ هو بكتابة رواية جديدة عن نفس الموضوع في الأغنية التي عليّ بتزامن أن ألحنها الآن فوراً وأغنيها بعد أن حبسني في غرفتي لساعتين عناداً مني أو ربما تحدياً على أولى صفحات روايته ( تل اللحم ) التي صدرت عن دار ( الساقي ) في نفس السنة التي صدرت فيها اسطوانتي ( La paloma ). لا أريد أن أصنّف نفسي أو أن أضعها في خانة من الخانات. إنني باختصار ألحن ما أحسه من نفسي وإلى نفسي. إن هذا التفاعل الذاتي الداخلي يمنح عملي خصوصية، ربما يكمن هنا جانب من الإبداع فيه. لا أشعر بصعوبة في تلحين أي عمل شعراً أو نثراً أو قصيدة مترجمة، لأنني كما قلت ألحن ما أحسه، المهم أن أحسه، عندما أجد تماساً مع ما أقرأ، وأسمع. الفن هو انطلاقة الروح لتجدها تتشكل في صور مختلفة متنوعة، ودقة الإحساس هي ما تميز الفنان عن غيره. أتذكر حينها كيف انتشرت جملة للفنان الراحل عبد الجبار كاظم في الوسط الفني إذ قال: ( أنعام تلحن حتى ورقة الكهرباء ).

• كيف وقع اختياركِ على قصيدة ( الحمامة ) للشاعر روفائيل ألبرتي، والتي ترجمها الروائي نجم والي. هل واجهتِ صعوبة في تلحين وغناء قصيدة منثورة مثل  ( الحمامة ) وغيرها من القصائد النثرية أو الموزونة والمقفاة؟ وهل سمع ألبرتي قصيدته ملحنة ومغناة بصوتك؟
- كان من المخطط أن ألتقي بالشاعر رافائيل ألبرتي، وهو صديق حميم لنجم، لكن تأخر العمل لظروف الإنتاج وغيرها الذي دام سنتين بعدها تُوفي الشاعر قبل أن ألتقي به، وهذا ما أسفت عليه كثيراً، كان سيسعده ذلك حتماً. بعدها قمت أنا ونجم بزيارة مدينته ( Puerto de sanla maria ) وإلقاء التحية على مثواه، مدينته الجميلة المطلة على البحر. هذا الشيخ الجميل أعلّق صورته في صالة البيت جالساً إلى جانبه نجم في واحدة من لقاءاته به، منذ زمن بعيد وأنا أقرأ للشاعر المبدع صديق المسرحي المبدع لوركا العظيم.

• تعتمد تجربتك اللحنية على المزج بين أنواع وأجناس موسيقية مختلفة مثل الموسيقى العربية الكلاسكية، وموسيقى الباروك، والموسيقى الغجرية، وما إلى ذلك من ألوان موسيقية شائعة في حوض البحر الأبيض المتوسط. ما هي الخلاصة التي تحاولين التوصل إليها من خلال هذه النزعة التجريبية في الإفادة من التنويعات الموسيقية المختلفة؟

- إن النزعة الإنسانية المركزة في داخلي هي ما يدفعني دائماً لمزج هذا الارتباط من الحس الإنساني بكل العالم، العالم الخالص من شوائبه، أنا أرجو، وهو حلم، أن ترتفع النزعة الإنسانية عند كل واحد منا، هي المشروع الأول الذي يعطي لحياتنا معنى، الذي يرتفع بنا شأناً، والذي يمنح ديمومة لحياة بسيطة بدرجة عالية من عمقها. إن في داخلي هاجس أنني أرتبط بشكل وبآخر، بإنسان آخر هو في كل مكان، ليس له شكلاً محدداً، ولا عرقاً معيناً، أحب نفسي ونجم وأمي وأبي وأخوتي والناس كلهم، لأنني أرتبط بهم إنسانياً، سأرفضهم إن انقطع هذا الارتباط لأنه أساس ديمومتي في الموسيقى والغناء والمسرح، هو ذات المبدأ أشعر حين أغني أغنيتي الجديدة التي أربطها، محاولة، بكل أشكال الغناء في العالم. أنني جديدة، أنني أرتبط بخيوط ممتدة بعيدة جذورها تلامس أرضاً أخرى، هذه هي الديمومة، أنا وأنت والآخر، لكنني أخرج من نفسي للآخر وأعود إليها، ولا أنزوي داخل مجموعة، المجموعة تكتمل بي ولا أذوب فيها، أنا أنادي العودة إلى الذات، فمن يسمع ما أغني عليه أن ينصت لي ولنفسه، أن يعود لنفسه، ثم نرَ ما يحصل، تحقيق الذات، هو أساس ما أعمل عليه.

• في اسطوانتك الأولى عشر أغانٍ لشعراء عرب مهمين، فضلاً عن قصيدة ( الحمامة ) لألبرتي ذائع الصيت. وقد تبادر إلى سمعي بأن هناك شعراءً مهمين كتبوا خصيصاً للفنانة إنعام والي. ما هي المعطيات التي دفعت هؤلاء الشعراء للكتابة إلى إنعام والي تحديداً؟

- لقد أسعدني أن يكتب لي شعراء مباشرة، حيث جلسوا وفي نيتهم كتابة أغنية لإنعام، وليس كما يقول الشعراء دائماً، هذا هو ديواني إختاري ما تشائين. اهتماماً مني بأن العمل ينبع من فكرة يبدأ العمل عليها حال حصولها على إعجاب واهتمام عناصر العمل الأخرى، أي العمل فيما يسمى ( workshop  ) الكثير من الشعراء يعتبر الكتابة للغناء إنقاصاً لقدراتهم، مع أنهم يشعرون بالسعادة عندما تُغنى لهم قصيدة، أما أن يكتبوا خصيصاً للأغنية فهو عيب! لكن ما فعل ويفعل الكثير من الشعراء العالميين على العكس، خذ مثلاً ألبرتي ولوركا أو الفرنسي جاك بريفير.

• أشاد النقاد والفنانون المصريون أمثال جلال الشرقاوي، نور الشريف، يحيى الفخراني، نبيل بدران، وسمير سرحان، أشادوا بتجربتك الفنية، وأعربوا عن إعجابهم بقدراتك الصوتية. هل سمعت مثل هذه الإشادة من نقاد وفنانين عراقيين على سبيل المثال لا الحصر؟

- إن الكثيرين ولا أدري لو كان الجميع يعجبون بصوتي أشد الإعجاب والذي كان يزيدني ألماً آنذاك أن هذا الصوت لا يستطيع أخذ مساحته ومكانته الحقيقية في الفن، ولا ضير في ذلك سوى ألم أن حريتك هي فقط في المنفى، أن تبقى فناناً حراً عليك أن تظل منفياً حراً. نعم، من الصعب تعداد أسماء النقاد والفنانين العراقيين الذين أجمعوا على فرادة تجربتي، ولكن لا أحب الحديث عن هذا الموضوع، لأنني أسوأ من يتحدث عن نفسه. هناك نقطة أريد أن أضيفها، أن كلما زاد إطراء الآخرين لي ، كلما شعرت بالحز حينها، لأنني لم أستطع الغناء، كما كنت أريد وحسب الصورة التي أمتلكها في ذهني عن الغناء. كنت أقول لنفسي: كم هنّ محظوظات نساء مثل فيروز، أو إيرني باباس، أو ماريا فانتوري، أو مرسيدس سوسا، أو آنا بلين، وكل تلك النساء التي أشعر بحميمية الانتماء إليهن، لم يولدن في العراق. فلكي تكون فناناً أصيلاً ومبدعاً فان الشرط عليك هو النفي، هو المنفى.
• ما هي مشاريعك المستقبلية، هل هناك اسطوانة جديدة أو كونسرت مثلاً؟
 
- انتهيت من العمل في الاسطوانة الثانية قبل شهور عديدة ولظروف تكنيكية تأخر صدورها، ولكنها ستصدر بعد أيام قليلة وهي في مراحل الإنتاج والطبع الأخيرة، وتحوي اسطوانتي الثانية التي تحمل عنوان ( اسمع أغنيتي ) على عشر أغان فيها قصائد للجواهري، ولان زريق البغدادي، ولشعراء وشاعرات حديثين مختلفين. ومن ناحية أخرى أتهيأ لكونسرتين كبيرين في شهر سبتمبر المقبل، أحدهما سيكون في أكبر المسارح التاريخية في ألمانيا، سأترك اسمه الآن ليكون مفاجأة للجميع. هناك أيضاً اتفاق مبدئي وتنسيق بالتعاون والعمل مع الشاعر أدونيس، أمر يفرحني جداً، ومن المؤمل أن يكون عملاً ضخماً إذا نجحنا فيما نسعى إليه.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر سركون بولص ل - الحوار المتمدن
- المخرج فؤاد جلال في إطلالته الجديدة. . من البنفسجي إلى الأسو ...
- محمد الأمين في ديوانه الأول - فوانيس عاطلة أيامه -. . . صور ...
- قصائد باسم فرات. . . بين تقنية النص المفتوح وبنية التبئير
- تمظهرات الجانب الديونيسي في تجربة الفنان علي طالب: وجوه تتفا ...
- الفنان ستار كاووش في معرضة الشخصي الثالث عشر: بين التكعيبية ...
- علامات - في عددها الأول . . شجرة واحدة لا تصنع ربيعاً، ونجمة ...
- ما مصير النساء الكرديات اللواتي أُجْبِرنَ من قبل النظام البا ...
- ندوة ثقافية عن مجلة - أحداق - في إطلالتها الأولى
- أحداق - فضاء للمخيلة المجنّحة، ومنبر لصياغة الخطاب الجمالي م ...
- مهرجان روتردام للفيلم العربي
- اجتماع الناصرية وردود فعل الشارع العراقي
- تداعيات إشهار الورقة الصفراء بوجه اللاعب السوري
- مساقط ضوئية تعري الوجوه المشتعلة بالرغبات السريّة
- العراقيون مع الحرب وضدها في آنٍ معاً
- عبادة الآلهة المزيفة
- سقوط النمر الورقي
- الدعاية والدعاية المضادة في الحرب على العراق
- سيئول ستشترك في الحرب ضد العراقمن أجل تعزيز علاقاتها بواشنطن
- مسرحية - المتشائل - في لاهاي


المزيد.....




- وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع ...
- -البعض يهتف لحماس.. ماذا بحق العالم يعني هذا؟-.. بلينكن يعلق ...
- مقتل فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية (صور+ ...
- سماء غزة بين طرود المساعدات الإنسانية وتصاعد الدخان الناتج ع ...
- الناشطون المؤيدون للفلسطينيين يواصلون الاحتجاجات في جامعة كو ...
- حرب غزة في يومها الـ 204: لا بوادر تهدئة تلوح في الأفق وقصف ...
- تدريبات عسكرية على طول الحدود المشتركة بين بولندا وليتوانيا ...
- بعد أن اجتاحها السياح.. مدينة يابانية تحجب رؤية جبل فوجي الش ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن عدد الضحايا الفرنسيين المرتزقة ف ...
- الدفاعات الروسية تسقط 68 مسيرة أوكرانية جنوبي البلاد


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - المغنية والملحنة العراقية إنعام والي ل ( بلاد الرافدين )- لا أشعر بصعوبة في تلحين أي عمل شعراً أو نثراً