أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ذاكرة الأسلاف














المزيد.....

ذاكرة الأسلاف


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 694 - 2003 / 12 / 26 - 06:15
المحور: الادب والفن
    


كان مُتمنِّعا،ً مُنبهراً، ومأخوذاً بالدهشة، وهو يلجُ، أول مرة، في متاهة حُلمٍ غريب. قد تكون الأحلام هلوسةً للجماجم الوردية، أو هذياناً لقراءة الواقع الأسيان بطريقة معكوسة. دُهش أحمد الطائي حينما وجد نفسه متورطاً في حلمٍ تقع أحداثه قبل ألفٍ وأربعمائة سنة بالتحديد. كان أحمد مسكوناً بالغواية، متأرجحاً في البرزخ القلق المفضي إلي عقارب النزوات المُستفِزة التي كانت تحرضه علي إنهاء قيلولته المُتعثرَّة في تلك الظهيرة الحزيرانية القائظة، وهو يثبُ كجواد جريح يصهل تحت وطأة الشهوة العمياء التي تُطفئ مصباح العقل، وتُوقد مشاعل الغريزة الهوجاء في ليل الشبق الدامي. مثل دوّامة العاصفة الشديدة تعالي في تجويف رأسه عواء إيروسي غامض أفْقدهُ صوابه، وهو الكائن الوحيد الذي تتطلع إليه الأبصار باحترام كبير، ومحبّة نادرة، قلَّ أن تجد لها مثيلاً في تلك المضارب المقدّسة التي تحيطها الكثبان الرملية ذات البريق الذهبي المدهش. كان أحمد الطائي ضحية للوساوس التي زرعها في قلبه أحد الحرّاس الذين يتصيدون له الجمال الذي يأسر الأعماق قبل أن يسحر خائنة الأعين. قال الحارس الذي أدمن التلصص، واستراق السمع، وتصيّد الأخبار بأن الـ " حورية " الحسناء تستمتع بخلوتها بعيداً عن أعين الأهل والرقباء. وأنها أجملُ من كل الأوصاف التي يمكن أن ترِدَ في خاطره. صهلتْ في أعماق أحمد الطائي كل الرغبات الحسية الشرسة التي حملتهُ علي بساط الشهوات المحمومة، فوجد نفسه ينادي في عز الظهيرة:
- يا أهل الدار، يا أهل الدار.
ولكن ما من مجيب. كانت حورية تستحم في جوف خيمتها، مذهولة باستداراتها الساحرة التي تُفتِن الألباب. أرهفت السمع جيداً، فاكتشفت أن صوت المنادي ليس غريباً عن أذنيها، ولابد أن يكون صوت أحمد الطائي، حكيم القبائل البدوية، وزِير نسائها المراوغ. علي عجل ارتدت ثوباً، أزرقَ حريرياً، كان والدها، التاجر اليهودي، قد جلبه لها من دمشق في إحدي أسفاره المتعددة. التصقت غواية الثوب الأزرق الحريري بتكويرات الجسد الممتلئ، وهو يرتّج شبه عارٍ أما نظرات الحكيم الذي سقط في سورة الذهول، وهو يري كل هذا الثراء الجسدي الباذخ الذي صدمه، وأخرجه عن طوره. سقط الحكيم أرضاً، مَغشياً عليه من الهيمان، فرشَّت " الحورية " الحسناء الماء علي وجهه الذاهل المبهور. أفاق من غيبوبته، فاصطدمت نظراته ثانية بثنايا الجسد الآسر الذي يشّف من وراء الثوب المبتل، فسقط بين فكّي الفتنة ثانية. أراد أن ينقضَّ علي جسدها، ويتمرغ في لحمها البض، لكنه كان يخشي من أعين حراسه الشخصيين الذين يسترقون السمع حتي لتأوهاته المكتومة، وهمهماته اللامفهومة، ورغاء شهوته حينما تبلغ ذروتها في أويقات الخلوة التي أدمنَ عليها مع محظياته اللواتي يتسللن إليه كلما هبط الليل، وأرخي عباءته السوداء علي هذه المضارب البدوية المتحصنة في قلب الصحراء الموحشة. حدّق إلي عينيها العسليتين المنفتحتين علي سعتهما من فعل الدهشة، وشعر بالكم الهائل من الحنو الكامن فيهما. وضعت أصابع كفها المرتعشة البيضاء علي جبينه المُصفّر، ومسحت حبّات العرق المتفصدة من سمت رأسه، وصدغيه، ووجنتيه البيضاوين. كان يعاني ما يشبه دُوار البحر وهو يستغرق في ذهوله المتواصل، وانبهاره المستديم. كان يتمني أن تمرّر أناملها الطويلة المستدقة علي شفتيه ليروي ظمأه القاتل من نعومتها، وطراوتها، وسطوتها الأنثوية، لكنها كانت تتعمد إثارته حينما تقرّب سبابتها من شفتيه بطريقة ماكرة، وتُبعدها في الحال مثل طير ذكي يتسلي بصياد تعوزه المهارة، والدربة، والصبر. ركزّت النظر إلي عينيه فتخيلت ألسنة الشهوة وهي تتراقص صفراء، حمراء، بلون التبر المتوهج الذي يخطف الأبصار. سحبته قليلاً إلي الوراء لكي تُسند ظهره إلي وتد الخيمة، وهمست في أذنه بكلمات معسولة:
- أَفِقْ من ذهولك أيها المدنّف، فلقد نذرت لكَ روحي وجسدي في آنٍ معاً.
لم يصدّق ما تسرّب إلي سمعه من كلمات ناعمة تقترب من لون الشهوة الفضي، ولم يكن مُوقناً من أن يدها اليمني هي التي كانت تضرب صفحة خده بحنو كبير كي يستفيق من غشيته التي تشبه شطحة صوفي يتخبط في دوائر الوجد. لعن في سرّه الأتباعَ، والحراسَ الشخصيين، وبعض الصبية الذين يتواثبون كالعفاريت في عز الظهيرة. لهذا أصاخ السمع إلي نصيحتها بأن يهيم علي وجهه في البريّة بضع ساعات كي يبدّد نيران الجوي التي التهمته من كل حدب وصوب. الصحراء بحر من الرمال الذهبية الممتدة علي مرمي البصر. هام أحمد الطائي شارداً من فظاظة الديار إلي مضارب النشوة، والتخيّل، وإطلاق الحواس علي سجيتها. ولم يستغرب أعوانه، ومريدوه حينما كان يردد في البرية بجوي لا مثيل له : " زوّجوني إياها بحق السماء. ". أفاق أحمد الطائي مذعوراً من نداءآته الخفية التي كان صداها يتردّد في برية روحه. ولم يفهم سرَّ هذا الحلم الارتجاعي الذي يعود إلي الماضي الموغل في القدم. ألم يقل علماء النفس " أن صور النهارات الساخنة تتفرغ في شاشة الليل البارد! " وثبَ من فراشة ففغمت أنفه رائحة جسدها النافر الذي يزوره في الحلم كثيراً. وكم كانت دهشته كبيرة حينما وضع قدمه علي أرضية الغرفة فغاصت في بحر متلاطم من الرمال الذهبية الممتدة بحجم الشهوة الليلية التي تستبد به كلما أطبق جفنيه، وأخلد إلي نوم عميق لا يؤرقه سوي فحيح النزوات المتجه صوب الحورية الحسناء التي تتناسل في ذاكرة الأسلاف منذ أربعة عشر قرناً من الزمان مثل لعنة أبدية.

*  قاص من العراق يقيم في أمستردام



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن
- هواجس عمياء
- مشروع ترجمة قصص عراقية إلى اللغة الهولندية
- الشاعر غيلان ل - الحوار المتمدن
- المغنية والملحنة العراقية إنعام والي ل ( بلاد الرافدين )- لا ...
- الشاعر سركون بولص ل - الحوار المتمدن
- المخرج فؤاد جلال في إطلالته الجديدة. . من البنفسجي إلى الأسو ...
- محمد الأمين في ديوانه الأول - فوانيس عاطلة أيامه -. . . صور ...
- قصائد باسم فرات. . . بين تقنية النص المفتوح وبنية التبئير
- تمظهرات الجانب الديونيسي في تجربة الفنان علي طالب: وجوه تتفا ...
- الفنان ستار كاووش في معرضة الشخصي الثالث عشر: بين التكعيبية ...
- علامات - في عددها الأول . . شجرة واحدة لا تصنع ربيعاً، ونجمة ...
- ما مصير النساء الكرديات اللواتي أُجْبِرنَ من قبل النظام البا ...
- ندوة ثقافية عن مجلة - أحداق - في إطلالتها الأولى
- أحداق - فضاء للمخيلة المجنّحة، ومنبر لصياغة الخطاب الجمالي م ...
- مهرجان روتردام للفيلم العربي
- اجتماع الناصرية وردود فعل الشارع العراقي
- تداعيات إشهار الورقة الصفراء بوجه اللاعب السوري
- مساقط ضوئية تعري الوجوه المشتعلة بالرغبات السريّة
- العراقيون مع الحرب وضدها في آنٍ معاً


المزيد.....




- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ذاكرة الأسلاف